انقلاب عدن الثاني.. هل تقبل السعودية مقايضة سقطرى مقابل عدن؟

الاثنين 27 أبريل 2020 10:41 م

"تمرد واضح على الحكومة الشرعية وانقلاب صريح على اتفاق الرياض"..

هكذا وصفت الحكومة اليمنية، المدعومة من السعودية، إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي، ذي النزعة الانفصالية والمدعوم من الإمارات، الإدارة الذاتية في جنوب اليمن، واعتبرته استكمالا للتمرد المسلح الذي قاده المجلس على الدولة في أغسطس/آب الماضي، عبر سيطرته المسلحة على مؤسسات العاصمة المؤقتة، ما أثار التساؤلات بشأن المآلات المتوقعة لأزمة الجنوب الجديدة على الداخل اليمني وعلى العلاقات السعودية - الإماراتية.

وقد اكتسبت هذه التساؤلات زخما متزايدا بعدما أعقب المجلس الانتقالي الجنوبي إعلانه الحكم الذاتي بمحاصرة مقر البنك المركزي اليمني بعدن، الأحد (26 أبريل/نيسان)، فيما اعتبر شهادة وفاة رسمية لاتفاق الرياض الموقع بين طرفي الأزمة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وينص اتفاق الرياض على إشراك "الانتقالي" في حكومة وحدة وطنية يتم اقتسام مقاعدها بين شمال اليمن وجنوبه بإشراف سعودي، لكن التطورات الميدانية الأخيرة، وآخرها الإعلان أحادي الأجانب للحكم الذاتي دقت المسمار الأخير في نعش الاتفاق الذي لم تر معظم بنوده النور قبل حوالي 6 أشهر.

أزمة متفجرة

وتفجرت الأزمة السياسية بين الحكومة والانتقالي الجنوبي مجددا في أعقاب السيول التي ضربت مدينة عدن، الثلاثاء (21 أبريل/نيسان)، وخروج منظومة التيار الكهربائي عن الخدمة بشكل كامل، ما أدى إلى احتجاجات شعبية غاضبة رافقتها أعمال شغب وقطع للطرقات بشوارع مديريات خور مكسر والمعلا وكريتر والشيخ عثمان ودار سعد والمنصورة، حاول خلالها المحتجون إحراق مقرات حكومية، أبرزها مقر مكتب الإحصاء في التواهي، الذي تم إشعال النار في واحدة من بواباته الرئيسية، بعدما طالت هتافات المحتجين طرفي أزمة الجنوب اليمني.

وبينما تتهم الحكومة الانفصاليين في الجنوب بإعاقة عمل السلطة الشرعية في عدن وتسببها في تعثر الخدمات المقدمة للمواطنين حتى في وقت كارثة السيول، ومحاولتها تنفيذ انقلاب عليها في أغسطس/آب الماضي، انخرط "مجلس الحراك الثوري"، وهو مكّون سياسي داعم للانفصاليين، في الاحتجاجات، داعيا قواعده وأنصاره للتعبير عن حالة الغضب الشعبي بعد ترك عدن وأهلها وحيدين يواجهون الكوارث الطبيعية بلا سلطة.

بل إن بيان للمجلس قدم مؤشرا على دور ميداني لأنصاره في تغذية الاحتجاجات، إذ هدد بأن الاحتجاجات ستستمر في التوسع "في ظل غياب سلطات حقيقية تقوم بواجباتها تجاه المدينة التي أضحت منكوبة".

ومن اللافت للنظر أن رئيس المجلس الجنوبي "عيدروس الزبيدي" كان في أبوظبي أثناء صدور البيان الموقع باسمه، ما قدم مؤشرا آخر على دور أبوظبي في تفجير تصعيد عدن الأخير، حتى وإن برر ذلك نائب رئيس الدائرة الإعلامية في المجلس "منصور صالح" بأن عدم وجود رئيس المجلس في عدن لا يمنعه من مزاولة مهامه القيادية، وفقا لما نقلته قناة الجزيرة.

وبذلك تحولت كارثة عدن إلى شماعة فشل يتقاذفها طرفا أزمة الجنوب اليمني، وسط تراشق إعلامي بينهما، حيث يتهم "الانتقالي" الحكومة بتعمد تطبيق سياسة "العقاب الجماعي" على الجنوبيين مستغلة تحكمها في الخدمات والقرارات المالية، وذلك نكاية في قوات المجلس الانتقالي التي تسيطر على القرار الأمني في الجنوب بحكم الواقع.

وفي خلفية المشهد، يبدو أن الخلافات المكتوبة بين السعودية والإمارات بدأت في العودة إلى السطح مجددا، في ظل إصرار أبوظبي على فرض سيطرتها على السواحل اليمنية، خاصة جزيرة سقطرى، واستخدامها لفصائل المجلس الانتقالي الجنوبي كورقة ضغط لتحقيق أجندتها الخاصة في اليمن.

انقسام داخلي

في سياق آخر، يرى بعض المحللين انقلاب المجلس الانتقالي في عدن بمثابة رسالة جديدة من الإمارات إلى السعودية تثبت من خلالها أبوظبي قدرتها على زرع الفوضى في عدن ما لم تستجب السعودية لعروض المقايضة الإماراتية وفق صفقة مفادها "عدن مقابل سقطرى".

يتبنى هذه الرؤية مسؤول الرقابة والتفتيش بوزارة الدفاع اليمنية العميد الركن "مسفر الحارثي"، الذي يرى أن التحركات الإماراتية في عدن تهدف بالأساس لإجبار السعودية وحكومة "هادي" على التنازل عن سقطرى التي تعد منطقة استراتيجية لطموحات الإمارات في اليمن والقرن الأفريقي.

ونتيجة لذلك، يبدو أن أبوظبي منحت الضوء الأخضر للمجلس الانتقالي للانقلاب على اتفاق الرياض من خلال تصرفات استفزازية مثل منع طائرة رئيس الوزراء اليمني من الهبوط في عدن، والتوعد مرارا بمنع الحكومة من الدخول إلى العاصمة المؤقتة.

وعلى الرغم من سيطرة "الانتقالي" على عدن منذ أغسطس/آب الماضي، وتحكمه الأمني في أغلب مؤسسات ومقار الدولة بعد أن أجبر الحكومة على الخروج من المدينة وعدم السماح لها بالعودة إليها، فإنه بقي يطالبها بدفع المرتبات وتوفير الخدمات، ووظف تقاعسها عن فعل ذلك خلال الأشهر الماضية لتبرير إعلان الإدارة الذاتية.

لكن هذه المحاولة للتنصل من المسؤولية لم تجد صدى لدى أغلب المحافظات الجنوبية، إذ انضمت لحج إلى 5 محافظات رفضت بيان المجلس الانتقالي الجنوبي، وهي شبوة وسقطرى وأبين والمهرة وحضرموت، وطالبت بتدخل التحالف، بقيادة السعودية، والعودة إلى بنود اتفاق الرياض.

ويعد موقف محافظة لحج على وجه التحديد جديرا للانتباه،حيث تخضع المحافظة أمنيا لسيطرة قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي، ولا يتبع الحكومة الشرعية فيها سوى لواء عسكري واحد يقوده المحافظ "أحمد عبدالله تركي"، فيما تعد محافظات حضرموت وشبوة وسقطرى والمهرة وأبين خارج سيطرة وكلاء الإمارات بشكل كبير.

وفي ظل هذا الانقسام السياسي، فإن إعلان "الانتقالي" لإدارة ذاتية في عدن قد يدفع نحو مواجهات عسكرية جديدة بين مختلف مناطق الجنوب اليمني.

انعكاسات إقليمية

ولما كانت الحالة اليمنية برمتها عبارة عن حرب بالوكالة بين أطراف إقليمية على رأسها السعودية والإمارات، فإن تطورات الأمور في عدن سوف تظل مرتهنة بمواقف الرياض وأبوظبي، ورغم أن التطورات الأخيرة في عدن تمثل شهادة وفاة عملية لاتفاق الرياض، فإن موقف السعودية من هذه التطورات سوف يبقى هو الفيصل في مجريات أحداث الأسابيع المقبلة.

وفي حال تشبثت الرياض برفضها لجهود "الانتقالي" للقفز على اتفاق الرياض، فإن هذا الرفض ربما يفتح الباب لصراع جديد بين محافظات الجنوب الرافضة لـ"انقلاب الانتقالي" وبين إدارة الأمر الواقع في عدن، حسبما يرى المحلل السياسي "خالد عقلان".

بخلاف ذلك، من المنطقي أن نتوقع تجدد الجولات القتالية بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وعودة الأمور بينهما إلى مرحلة ما قبل اتفاق الرياض، خاصة أن القوات التابعة للحكومة "تتمركز على مشارف عاصمة محافظة أبين"، وفقا لما أورده موقع قناة الحرة الأمريكية.

لكن اشتعال هكذا صراع لن يكون في صالح "الانتقالي" حسب ترجيح المحلل السياسي "ياسين التميمي"، الذي أكد أن النتائج السياسية لإعلان المجلس الحكم الذاتي في عدن جاءت على النقيض مما توقعه المجلس، بعد بيانات الرفض الصادرة عن المحافظات الجنوبية.

وتظل مفاتيح حسم الصراع بيد السعودية، التي باتت أمام تحد لا تستطيع تجاوزه، فإما مواجهة إعلان الحكم الذاتي في عدن بشكل علني، والتدخل لإعادة السلطة الشرعية إلى عاصمتها السياسية المؤقتة، أو الإقرار بالانقلاب الجديد كأمر واقع والبحث عن صيغة جديدة لإعادة تنظيم العلاقة بين الحكومة وسلطة الأمر الواقع بعدن، بعد الوصول لتوافق مع الإمارات حول سقطري أولا.

وليس من الواضح حتى الآن طبيعة الخيار الذي ستذهب إليه الرياض، وما ستؤول إليه الأمور في عدن وجنوب اليمن، وإذا كانت الرياض وأبوظبي سوف تنجحان في تجاوز خلافاتهما مرة أخرى، أم أن المواجهة سوف تفرض نفسها على المشهد هذه المرة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

اتفاق الرياض سقطرى المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي عبدربه منصور هادي

توتر بمحيط البنك المركزي في عدن بعد حصاره

اليمن.. مسؤول حكومي يتهم قائد عسكري بالخيانة

الانتقالي الجنوبي يهدد القوات السعودية بسقطرى اليمنية

قوات يمنية تفشل مخطط الانتقالي السيطرة على سقطرى