هل ستحل الصين محل الإسلام كعدو جديد للغرب؟

الخميس 30 أبريل 2020 03:20 م

مضى أكثر من ربع قرن تقريبًا منذ أن كتب العالم السياسي الأمريكي "صموئيل هنتنجتون" مقالته الشهيرة عن صدام الحضارات، لقد حددت مسار سلسلة من الحروب.

كان "هنتنجتون" يكتب بعد سقوط جدار برلين ونهاية الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والغرب، وبدلاً من عصر سلام، توقع "هنتنجتون" صراعًا جديدًا بين ما اعتبره أعداء لا يمكن التوفيق بينهما: الإسلام والغرب.

أكد "هنتنجتون" أن الهوية، بدلاً من الأيديولوجية، تكمن في قلب السياسة المعاصرة، وقال: "من أنت؟ وكما نعلم، من البوسنة إلى القوقاز إلى السودان، فإن الإجابة الخاطئة على هذا السؤال يمكن أن تعني رصاصة في الرأس".

وأضاف: "الإسلام له حدود دموية".

اتبع السياسيون الغربيون مثل الرئيس الأمريكي السابق "جورج دبليو بوش" ورئيس الوزراء البريطاني السابق "توني بلير" خطى "هنتنجتون"، خلال ربع القرن الماضي، كانت العديد من الدول الإسلامية هدفاً للولايات المتحدة وحلفائها.

في هذه الأثناء، تم تصوير المسلمين في وسائل الإعلام الغربية في كثير من الأحيان على أنهم أيديولوجيون خارجون عن القانون ومتطرفون وتهديد وجودي للعالم، وقد أدى ذلك إلى ظهور الإسلاموفوبيا في الغرب مع صعود الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة في أوروبا.

ويبدو أن الكثير من هذا العداء الضار قد يخفت قريبًا في أعقاب مأساة الفيروس، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن التضحيات التي قدمها المسلمون، خاصة في بريطانيا واضحة للغاية، وكانت كبيرة جدًا لدرجة أن هذا قد يؤدي إلى تغيير متأخر في المواقف العامة، كان أول 4 مسعفين يموتون بسبب تفشي المرض من المسلمين.

ولكن هناك عامل ثان: أن جائحة الفيروس تعيد تشكيل الجغرافيا السياسية العالمية، الغرب يحب، وربما يحتاج، لوجود عدو واضح وآخر هدف هو الصين.

استهداف الصين

يتم تقديم الصين على أنها العدو الوجودي الجديد، تمامًا كما كان الإسلام قبل 20 عامًا، ويتم ذلك بواسطة نفس الأشخاص ونفس المعلقين في الصحف، ونفس المؤسسات الفكرية، ونفس الأحزاب السياسية، ونفس وكالات المخابرات.

بعد مقالة "هنتنجتون" الشهيرة التي قادت الاتهام ضد المسلمين أو ما يسمونه غالبًا "بالإسلام الراديكالي" تحولوا الآن إلى الشرق الأقصى.

بدأ الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، الآن في مهاجمة الصين، تماما كما هاجم سلفه الجمهوري "بوش" العراق في عام 2003 و"محور الشر" قبل 20 عاماً، خلال حملته عام 2016، اتهم "ترامب" الصين بـ "اغتصاب" الاقتصاد الأمريكي.

ومع ذلك، منذ انتشار "كورونا" اكتسبت هجمات "ترامب" المزيد من السرعة حيث اتهم الصين بالتستر على الفيروس والكذب بشأن حصيلة القتلى.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أوقف "ترامب" حتى الأموال الأمريكية لمنظمة الصحة العالمية، واصفا إياها أيضا بأنها "تتمحور حول الصين"، حيث قامت الصحف البريطانية، التي كانت تغطيتها ضد المسلمين، بالتحول إلى الخطر الصيني.

نشرت صحيفة "صن"، التي روجت لغزو العراق في عام 2003، قصة حول تقرير يدعي أن الفيروس طورته الصين عمداً لإثبات أنها أكثر قدرة من الولايات المتحدة في مكافحة الأمراض الفتاكة، وقد ساعدت وكالة الاستخبارات البريطانية "إم آي 6"، في قضية هجوم "بلير" المفجع على العراق باستخدام مزاعم حول أسلحة الدمار الشامل.. والآن الصين في مرمى الهجوم.

فاجأني رئيس "إم آي 6" السابق، السير "جون ساويرز" كثيرًا في حديث لبرنامج "توداي" على "بي بي سي"، بإبداء التعاطف مع سحب "ترامب" للتمويل من منظمة الصحة العالمية. وقال: "هناك غضب عميق في أمريكا بشأن ما يرونه أنه حل بنا جميعا من قبل الصين، وتتهرب الصين من قدر كبير من المسؤولية عن نشأة الفيروس".

يُنظر في بريطانيا، دائمًا إلى خطابات رؤساء المخابرات السابقين على أنها تمثل وجهة النظر الحالية داخل بلاط الحكم.

من ناحية أخرى، قال رئيس الوزراء البريطاني بالإنابة "دومينيك راب" إنه بعد الفيروس لن يكون هناك شك في أنه لن يكون العمل كالمعتاد مع الصين.

استخدمت "ميلاني فيليبس"، وهي من كبار كتاب الأعمدة في الصحف، وهي منتقدة منذ فترة طويلة لما يسمى بـ"الإسلام الراديكالي"، عمودها في صحيفة "التايمز" لتحذير الغرب أنه لم يعد بإمكانه غض الطرف عن الصين.

التستر

بالطبع، هناك أسباب وجيهة لانتقاد الصين، هناك أدلة تشير إلى أن الصين لم تكن شفافة خلال المراحل الأولى من تفشي المرض، وكذلك في الأرقام التي تصدرها عن عدد الحالات لديها.

من ناحية أخرى، فإن العديد من الدول الأخرى بما في ذلك بريطانيا متورطة في التستر والخداع أيضًا.

كانت جمعية "هنري جاكسون" واحدة من أكثر الجهات انتقادا لما تصفه بـ"الإسلام الراديكالي" أو "الإسلاموية"، والآن، تنشر سلسلة من التقارير التي تهاجم الصين، والواقع أن هجماتهم على الصين في الأشهر الأخيرة ازدادت أضعافا مضاعفة.

وكان آخر استطلاع أجرته (والذي شكّل أساس مقال "تايمز" الأسبوع الماضي) قد أظهر أن أكثر من 80% من البريطانيين يريدون من "بوريس جونسون" الضغط من أجل تحقيق دولي في تعامل الصين الأولي مع  تفشي الفيروس.

كتب "جون هيمينجز" في صحيفة "التلجراف" دعماً لسحب "ترامب" تمويل منظمة الصحة العالمية وحذر من النفوذ الصيني الخبيث المتزايد، وفي ذات السياق أطلق "ماثيو هندرسون"، مدير مركز دراسات آسيا سلسلة جديدة من مقاطع الفيديو مع  "ذي صن".

اقترح تقرير لـ"هنري جاكسون" على بريطانيا ملاحقة بكين في المحاكم الدولية للحصول على تعويض قدره 351 مليار جنيه إسترليني (437 مليار دولار) بسبب تفشي المرض، وقد قام معهد "جيتستون" بإجراء المقارنة بين الصين و"الإسلام الراديكالي" بشكل مباشر.

أما صديقي القديم "كون كوجلين" وهو محرر الدفاع والشؤون الخارجية في "تلجراف" والذي دعم حرب العراق بشغف، فقد وصف بشكل مثير للسخرية تفشي الفيروس بأنه "لحظة 9/11 أخرى للغرب".. وقد دعا الآن رئيس منظمة الصحة العالمية "المؤيد للصين" إلى الاستقالة.

خط الصدع الجديد

قد يقول البعض إنه منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، كان الغرب بحاجة إلى عدو بديل.

ضع في اعتبارك أن "صراع الحضارات" الخاص بـ"هنتنجتون" يحذر من أن "خطوط الصدع بين الحضارات ستكون خطوط معركة المستقبل"، ولا يتعلق فقط بالحضارة الإسلامية، وقد حذر "هنتنجتون" من حضارة "منافسة" ثانية إلى جانب الإسلام، ووفقا لـ"هنتنجتون" كانت الصين أقوى تهديد طويل الأمد للغرب.

لن يتغير كل شيء بين عشية وضحاها، أشعر أن إيران ستبقى في مرمى البيت الأبيض، نتيجة قوة العلاقة الشخصية بين "ترامب" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو".

ولكن ربما نكون قد وصلنا الآن إلى نهاية الفترة الطويلة التي كان يتم اتهام الإسلام فيها باعتباره المسؤول عن الخلل الرئيسي في العالم.

قد يكون الغرب وجد الآن عدوًا جديدًا، إذا كان الأمر كذلك، يمكن للمسلمين التنفس بحرية أكبر الفترة المقبلة.

المصدر | بيتر أوبورن | ميدل ايست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الإسلاموفوبيا العلاقات الصينية الغربية فيروس كورونا

رئيس المخابرات البريطانية السابق يدعو لمحاسبة الصين على انتشار كورونا

بومبيو: الحزب الشيوعي الصيني تهديد رئيسي للقيم الغربية