أثر انخفاض أسعار النفط وكوفيد-19 على الاقتصاديات العربية

الأربعاء 6 مايو 2020 01:54 م

كان لجائحة "كوفيد-1" تأثير اجتماعي واقتصادي شديد على العالم العربي، ومنذ مارس/آذار، أبلغت الدول العربية عن درجات متفاوتة من العدوى أدت إلى عمليات إغلاق والضغط على المستشفيات وأعداد من الوفيات بسبب الفيروس التاجي.

وبكل المقاييس، سوف تختبر تداعيات الفيروس وكيفية معالجتها قدرات جميع الدول العربية وكذلك استعداد قادتها لاتخاذ القرارات والتعديلات اللازمة.

ومن أبرزها تلك المتعلقة بمعالجة الاستقرار الاقتصادي المستقبلي في كل من الدول الغنية بالنفط وتلك التي تعتمد على تحويلات العمالة والخدمات، وهما نشاطان اقتصاديان مهمان تأثرا بالفعل، وسوف يستمران بلا شك في مواجهة صعوبات في المستقبل.

نظرة عامة على الظروف المحيطة

ومع انخفاض أسعار النفط العالمية للغاية، ستستمر آثار الفيروس التاجي على العالم العربي على المدى المتوسط ​​على أقل تقدير، بسبب العلاقة المباشرة بين إمدادات النفط والاقتصاد الدولي.

وسيظل الطلب العالمي على النفط منخفضا مع الانتعاش الاقتصادي البطيء في العالم بعد انتهاء الجائحة نتيجة الانخفاض الكبير في الإنتاج والاستهلاك الكليين.

وفي الواقع، اضطر منتجو النفط مؤخرا إلى التوصل إلى اتفاق لخفض إنتاجهم من أجل الحفاظ على أسعار النفط الخام.

ويعني هذا أن إمكانية التعافي الاقتصادي في جميع أنحاء العالم العربي ستكون بطيئة، ومن الطبيعي أن يتأثر مصدرو النفط في الخليج بشكل سلبي من انخفاض أسعار النفط، الأمر الذي سيكون له تداعيات غير مرغوبة على العديد من مستوردي النفط العرب الذين يعتمدون في الوقت نفسه على التحويلات المالية من العمال العاملين في المنطقة.

وسيظهر تأثير الدومينو على المستوى الإقليمي؛ حيث إن انخفاض أسعار النفط، والتفاوتات في قدرات الصحة العامة، تكشف عن عدم المساواة في العالم العربي، وتفاقم مشاكل النازحين داخليا، مثل أولئك الذين في غزة وسوريا واليمن، وكذلك فقراء الحضر في مصر والمغرب والعراق.

متلازمة الصين

وتعد الآفاق العالمية لاستمرار الأزمة الصحية وتراجع أسعار النفط قاتمة، وتعد الصين واحدة من أكبر محركات النمو الاقتصادي العالمي، حيث تستهلك حصة كبيرة من إمدادات النفط العالمية.

ولا تتوقع التوقعات الاقتصادية انتعاشا سريعا هناك على المدى القصير، وكانت البيانات الوطنية الصينية حول أرقام النمو الاقتصادي غير موثوق بها لعدد من الأعوام، ويمكن للمرء أن يتوقع من الحكومة الصينية أن تستمر في تضليل كل من جمهورها العام والدولي حول وتيرة الانتعاش الاقتصادي للبلاد.

ومع ذلك، عندما يدرس المرء معدلات استخدام الكهرباء ومستويات التلوث كعلامات على النمو الاقتصادي، فمن الواضح أن الصين لم تعد بعد إلى مستويات الإنتاج الطبيعية.

وهذا أمر منطقي حيث إن الطلب على الإنتاج الصيني منخفض حيث معظم العالم في حالة حظر ولا يستهلك السلع والخدمات بالسرعة التي كان عليها في السابق.

ببساطة، سيظل الطلب على النفط في الصين فاترا على المدى القصير إلى المتوسط، وسيكون التأثير الناتج على العالم العربي مؤلما.

والأسئلة التي يجب أن تكون في أذهان صانعي السياسة والمحللين الاقتصاديين العالميين هي، ما مقدار "الندبات الاقتصادية" التي سيحدثها هذا الألم الاقتصادي شبه الدائم؟

وهل سيبدأ الاقتصاد العالمي في إعادة تشغيل محركاته وإعادة العمل بمجرد رفع عمليات الإغلاق، أم أن تداعيات "كوفيد-19" شبه دائمة؟

ومن المرجح أن يتم إعادة هيكلة اقتصادية كبيرة وتطبيقها على كل قطاع تجاري تقريبا، ولعل الأكثر ضعفا هو قطاع الأعمال الصغيرة بقيادة رجال الأعمال، الذين يتم النظر إليهم في جميع أنحاء العالم العربي كمحركات جديدة للنمو الاقتصادي.

وللأسف، فإن فرص نجاح هذه الشركات الصغيرة في النجاة من التداعيات الاقتصادية لـ"كوفيد-19" منخفضة جدا.

وبالتالي، من المرجح أن يكون هناك انهيار يؤدي إلى اندماج الأعمال، من البيع بالتجزئة إلى الخدمات مرورا بالتصنيع، في العالم العربي والاقتصاد العالمي الأوسع، وستكون تداعيات الوباء طويلة الأمد.

البحث عن العلاج

ومما لا شك فيه أن عددا من الحكومات العربية ستسعى للحصول على تمويل خارجي لتخفيف الضربة الاقتصادية، وقد اتصل الأردن وتونس ومصر بالفعل بصندوق النقد الدولي طلبا للمساعدة.

ولا تزال دول الخليج العربي تتمتع بتصنيفات استثمارية جيدة نسبيا، وستكون قادرة على اللجوء إلى السوق المالية الدولية للتمويل، وقد ترغب بعض دول الخليج العربية في التفكير في إصدار ورفع السندات المحلية.

وعلى مر السنين، قامت هذه الدول ببناء صناديق ثروة سيادية ممتازة، وهي حقيقة قد تثير نقاشات عامة في المستقبل القريب حول ما إذا كان هذا هو الوقت المناسب للاستفادة من هذه الموارد، خاصة إذا قررت هذه الحكومات الإعلان عن زيادة الضرائب، ومع ذلك، ستبقى الخيارات بالنسبة لمعظم الدول العربية تدور حول اللجوء إلى المؤسسات المالية الدولية.

ولن تشعر كل الدول العربية بنفس الألم، وبالتأكيد يتمتع عدد منهم بمستويات لائقة من احتياطيات النقد الأجنبي، التي ستكون بمثابة درع مهم أمام الصدمات الاقتصادية المحتملة.

ومع ذلك، فمع زيادة النفقات المالية من الطلب على كل من الرعاية الاجتماعية والإنفاق على الصحة العامة، فإن هذه الأموال الاحتياطية ستجف ببطء مع استمرار أزمة الفيروس التاجي.

وقد استندت العديد من ميزانيات مصدري النفط العرب إلى افتراضات لسعر النفط عند نحو 65 دولارا للبرميل، وهو رقم بعيد للغاية عن السعر الحالي عند 18 دولارا.

وتضخ العديد من دول الخليج العربي أموالا في اقتصاداتها للتخفيف من حدة الأزمة، وقامت بتوزيع الإغاثة على قطاعيها العام والخاص.

وتمكنت قطر والكويت والسعودية والإمارات من توفير حزم التحفيز هذه، في حين لا تملك البحرين وعمان نفس المساحة المالية لضخ الأموال في أنظمتها، وقد تكون أكثر عرضة للصدمات الاقتصادية.

وبخلاف الدول المصدرة للنفط، ستتأثر بقية دول العالم العربي سلبا بالكساد الاقتصادي الذي سيترتب على ذلك، وكان لبنان في حالة من الضائقة الاقتصادية قبل أزمة "كوفيد-19"، ووضعه مزرٍ لأن النظام المصرفي على وشك الانهيار.

علاوة على ذلك، تتفاوت تكاليف إنتاج النفط في البلدان العربية، وستواجه بعض البلدان مشقة أكبر من غيرها، وفي بلد مثل العراق، يمكن أن تكون تكلفة الإنتاج منخفضة عند 5 دولارات للبرميل، بينما في أجزاء من السعودية تصل إلى 3 دولارات للبرميل.

ومع ذلك، تبلغ التكاليف في الجزائر 22.50 دولار، وإذا استمرت الأسعار في الانخفاض، فقد تختار البلدان الاحتفاظ باحتياطيات النفط في الأرض وليس استخراجها.

نتيجة لذلك، هناك تباطؤ محتمل في عائدات دخل الدولة، وفي الوقت الحاضر، هناك قصور في إنتاج النفط، حيث ستعمل منصات النفط على الدوام وتستمر في التدفق بوتيرة أبطأ، ولكن العديد من مصدري النفط قد يختارون تخفيض الإنتاج بشكل كبير حيث تستمر الأسعار العالمية في الهبوط، وتشهد الأسواق المزيد من التموجات.

التأثير على الأنشطة الاقتصادية الأخرى

وبالإضافة إلى النفط، عملت العديد من الدول العربية على تنويع اقتصاداتها، خاصة في قطاعي السياحة والسفر، وصناعة الطيران، والمراكز اللوجستية، والإنتاج الإعلامي، وتصنيع المواد الغذائية.

وسيكون من الصعب رؤية انتعاش على المدى القريب في هذه القطاعات، على سبيل المثال، يتأثر قطاع اللوجستيات بالجمود الذي تشهده التجارة العالمية وعواقبه على الموانئ الإماراتية والقطرية والموانئ العمانية الناشئة.

ونظرا لأن العديد من صناعات الموانئ هذه تعتمد على نقل البضائع من آسيا والصين إلى أوروبا وأفريقيا، أو أجزاء أخرى من الشرق الأوسط، فمن المحتمل أن يتضرر هذا القطاع بشدة.

علاوة على ذلك، لا ينبغي للمرء أن يتوقع عودة الأحداث الرياضية الكبيرة التي استثمرت فيها دول الخليج لأعوام عديدة قادمة.

وقد لا يتمكن المعرض العالمي في دبي "إكسبو 2020"، أو "كأس العالم 2022" في قطر، من تحقيق أهداف الإيرادات التي علقت عليها هذه الدول آمالها.

وسيكون لدى قطاع السفر والسياحة مسار تعافي بطيء، وحتى إذا تم استئناف السفر بشكل متواضع، فإن التأثير النفسي للفيروس التاجي على المسافرين سيجعل العديد من الأفراد غير مرتاحين للجلوس في الملاعب والساحات بين الآلاف من الناس، ناهيك عن الركوب على متن طائرة دون الحصول على تطعيم ضد الفيروس.

وفي الواقع، لن يتم إنتاج اللقاح وتوزيعه قبل عام على الأقل، إن لم يكن أكثر، ويعني هذا أنه لا يوجد إمكانية قصيرة المدى لتعافي صناعة السفر والسياحة، الأمر الذي سيؤثر على عدد من الدول العربية، مثل الإمارات ومصر ولبنان والأردن والمغرب.

وفي الواقع، من المرجح أن تعاني هذه البلدان من انخفاض عائدات السياحة، كما يتأثر دخل السعودية من موسم الحج السنوي، وفي حين تم إلغاء "العمرة" الرمضانية هذا العام، فإن احتمالات عودة الحج لعام 2020 منخفضة للغاية.

وستشعر بعض الدول العربية المستوردة للنفط، مثل الأردن ومصر ولبنان، بالألم الاقتصادي الناجم عن انخفاض أسعار النفط، لأنها تعتمد بشكل كبير على تحويلات العاملين من الخليج العربي.

وضع في اعتبارك حقيقة أن أكثر من 2.5 مليون مصري يعملون في المملكة العربية السعودية وحدها، وكثير منهم عمال باليوم، أو يعملون في صناعة البناء، وتحويلاتهم المالية هي المصدر الرئيسي لدخل عائلاتهم في مصر.

وسيكونون بدون أجر على المدى القصير إلى المتوسط، علاوة على ذلك، يأتي خمس الناتج المحلي الإجمالي للبنان من اللبنانيين العاملين في الخليج.

وفي عام 2015، ساهم ما يصل إلى 400 ألف لبناني مغترب بما يتراوح بين 43 و60% من إجمالي التحويلات إلى لبنان.

وفي الوقت الذي يواجهون فيه نقصا في العمل، فإن قدرة هؤلاء العمال المتضائلة على تحويل الأموال إلى منازلهم ستؤدي إلى تفاقم مشاكل القطاع المالي اللبناني المتداعي بالفعل.

علاوة على ذلك، مع استمرار الأزمة الاقتصادية الخليجية، قد تعود بعض دول الخليج العربي أيضا إلى تأميم القوى العاملة وزيادة الحصص للمواطنين في القطاع الخاص، حيث يشغل العديد من العمال العرب المغتربين حاليا مناصب إدارية متوسطة.

وفي الدول العربية المستوردة للنفط، يوجد تحدٍ إضافي، وهو أن العديد من الدول العربية لديها اقتصاد غير رسمي مزدهر، يتكون غالبا من العمالة اليومية.

وتظهر بعض التقديرات في مصر أن الاقتصاد غير الرسمي يمثل ما يقرب من 50% من الناتج المحلي الإجمالي، وربما يصل إلى 60% من إجمالي العمالة.

ويعني هذا أنه في مرحلة حرجة، من المرجح أنها تأتي بحلول أوائل الصيف في أماكن مثل مصر، حيث يكون الاقتصاد غير الرسمي كبيرا ويعتمد بشكل كبير على العمال النهاريين، سيتعين على الأفراد الاختيار بين الذهاب إلى العمل لشراء الطعام أو الالتزام بالعزلة في المنزل وأوامر الحجر الصحي.

ولسوء الحظ، فإن الحاجة إلى ضمان البقاء ستعني أنه من غير المرجح أن يلتزم هؤلاء العمال اليوميون بأوامر العزل المنزلي، وسترد الدولة إما بالقمع أو ستسمح لهم بالعمل لتجنب الاحتجاجات العامة.

بالإضافة إلى ذلك، يعيش هؤلاء الأفراد الضعفاء في بيئات شديدة الكثافة، فماذا يحدث عندما يعود العمال النهاريون إلى أحيائهم الفقيرة وظروفهم القاسية ليبيت 10 أشخاص منهم في الغرفة الواحدة، وغالبا ما تتكون الأسر من أجيال حيث يعيش الصغار وكبار السن في نفس المنزل؟

إن هذه كلها ظروف مواتية لانتشار الفيروس التاجي في المجتمعات الحضرية العربية الكثيفة، وستعجل هذه الحقائق بالانهيار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في جميع أنحاء المنطقة، الأمر الذي سيتفاقم مع ضعف مستوى الثقة في الحكومات العربية وفي السلطة العامة.

ولا يمكن استبعاد قمع الدولة، ومما لا شك فيه أن المواطنين العرب قد لا يصدقون توجيهات الصحة العامة لحكوماتهم، وسيضطرون إلى الخروج والعمل من أجل البقاء.

والتحدي الآخر الذي يواجه الدول العربية هو مزيجها المالي العام، ولدى معظم هذه الدول قواعد ضريبية ضحلة للغاية.

وبخلاف اللجوء إلى ضرائب القيمة المضافة المفروضة على استهلاك السلع والخدمات، فإن الإيرادات الحكومية أقل نسبيا من ضرائب الشركات أو الدخل.

ويعني تراجع الاستهلاك العام في جميع أنحاء الدول العربية أن الحكومات سيكون لديها أيضا عائدات ضريبية أقل، وبالتالي تقلص في الحيز المالي للتعامل مع زيادة النفقات المالية التي سيطلبها الناس.

وتملك قلة من الدول العربية شبكات أمان اجتماعي قوية، وسيجعل هذا التعافي أكثر صعوبة، وتعد البنية التحتية للصحة العامة في معظم الدول العربية المستوردة للنفط ضعيفة، على أقل تقدير.

وفي حين أن النخب العربية لديها بالتأكيد فرصة أفضل للحصول على الرعاية الصحية في معظم الدول العربية، فإن في بعض الحالات، لا سيما في الخليج، الرعاية عادلة إلى جيدة نسبيا، لكن مع ذروة التفشي، سوف يبرز عدم المساواة.

وستكون هذه التفاوتات أكثر بروزا في ظروف المعيشة البائسة لملايين العمال الضيوف في الخليج، ونادرا ما تتم مناقشة وضعهم خارج تقارير منظمة العفو الدولية وغيرها من منظمات حقوق الإنسان، لكن هذا جزء آخر من المجتمع حيث تكون ظروف انتشار الفيروس وخيمة.

ليس هناك الكثير من الأمل

ويشكل انهيار أسعار النفط وأزمة الصحة العامة الناتجة عن "كوفيد-19" ضربة مزدوجة للرفاهية الاقتصادية للمنطقة العربية.

ولن تحصل أي دولة على الإنقاذ اللازم، بالرغم من أن البعض سيكون أكثر قدرة على تحمل انخفاض الدخل، وليس هناك شك في أن الدول العربية المستوردة للنفط ستشعر بالأزمة بشكل سلبي، لذا فإن الحاجة إلى مساعدة مالية خارجية ستكون مهمة للعديد من البلدان.

ولكن للأسف، فإن أزمة السيولة العالمية قد تتفاقم عاجلا وليس آجلا، وقد شهدنا بالفعل عددا غير مسبوق من الدول التي تسعى للحصول على دعم مالي دولي.

المصدر | بسمة المومني / المركز العربي واشنطن دي سي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيروس كورونا تداعيات كورونا الاقتصادات العربية هبوط أسعار النفط

أسعار النفط ترتفع بفضل تخفيف قيود كورونا

مجلة بريطانية: الدول المصدرة للنفط تواجه ضربة ثلاثية

واشنطن بوست: هل يقضي كورونا على ربط عملات الخليج بالدولار؟