لهذه الأسباب تعيد إيران النظر في تواجدها العسكري بسوريا

الأربعاء 6 مايو 2020 06:22 م

لم تعلن (إسرائيل) مسؤوليتها عن الغارة الجوية التي تم تنفيذها في مكان غير معتاد بالقرب من حلب على هدف استراتيجي سوري في ليلة 4 - 5 مايو/أيار.

وألقى النظام السوري باللوم على سلاح الجو الإسرائيلي في الهجوم، الذي، وفقا لتقارير وسائل الإعلام الأجنبية، استهدف مركز الدراسات والبحوث العلمية في حلب، الذي يُعتقد أنه يشارك في مشروع صواريخ دقيقة بدعم من إيران.

وتم اتهام (إسرائيل) بشن ضربات مماثلة أخرى في الأعوام الأخيرة. وعلى عكس الغارة التي جرت هذا الأسبوع، التي تصدرت عناوين الصحف في المنطقة، يبدو أن هناك عددا متزايدا من الغارات الجوية بطائرات مجهولة على أهداف سورية في الأشهر الأخيرة.

ويعزو المحللون تلك الهجمات إلى تسارع كبير في النشاط الإسرائيلي ضد مراكمة القوات الإيرانية للقوة في الأراضي التي يسيطر عليها رئيس النظام السوري "بشار الأسد".

وتقول مصادر أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى إنه للمرة الأولى منذ بدء الحرب الأهلية السورية عام 2011 وما صاحبها من جهود إيرانية لتحويل سوريا إلى منصة انطلاق لنشاطها العسكري ونقطة عبور للأسلحة المتطورة، توجد مؤشرات على أن إيران بدأت بالانسحاب من الأراضي السورية.

وقال مصدر أمني إسرائيلي رفيع لـ"المونيتور"، شريطة عدم الكشف عن هويته: "توقف النشاط على جبهة التهريب. وهناك أيضا انخفاض كبير في الوجود العسكري للقوات الإيرانية والميليشيات الشيعية المتحالفة معها".

ووفقا للتقييمات الإسرائيلية، بدأت إيران بالتخلي عن استثمارها الهائل في سوريا في الأعوام الأخيرة. ووفقا لتقديرات غربية، استغلت (إسرائيل) أزمة الفيروس التاجي المستجد لتكثيف نشاطها ضد المصالح الإيرانية في سوريا والضغط على طهران.

وأتاح الفيروس لـ(إسرائيل) مساحة غير مسبوقة للمناورة لاستغلال الانشغال الإعلامي والدولي. وصعدت (إسرائيل)، بقيادة وزير الدفاع "نفتالي بينيت"، نشاطها، الذي بدأ يؤتي ثماره للمرة الأولى منذ تفشي الوباء.

وتأتي الهجمات المتصاعدة على البنية التحتية في سوريا في الوقت الذي يتعافى فيه الإيرانيون من صدمة مقتل الجنرال "قاسم سليماني"، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني.

ووصفت مصادر الاستخبارات الإسرائيلية الاغتيال في العراق بأنه ربما يكون أهم حدث في العقد الماضي. وكان "سليماني"، بحسب خبراء الدفاع الإسرائيليين والأجانب، لا غنى عنه لخطط طهران.

وقال مسؤول استخباري كبير سابق لـ"المونيتور"، شريطة عدم الكشف عن هويته: "كان الرجل يتمتع بشخصية كاريزمية استثنائية، وحماسة دينية لا هوادة فيها. كان يقود الميليشيات، ويصدر الأوامر، ويشرف شخصيا على النشاط، وهو سبب لحدوث الكثير من الأشياء".

وتم تقسيم مسؤوليات "سليماني" بين مجموعة من كبار المسؤولين، وأصبحت نتيجة غيابه ملموسة. وتشير الدلائل الأولية إلى تراجع موقف إيران الحازم.

وقال مصدر أمني آخر، شريطة عدم الكشف عن هويته: "إنهم الآن يحسبون الأمور أكثر، ويترددون، ويدركون أن الثمن الذي يدفعونه مرتفع للغاية".

وبشكل أكثر تحديدا، وفقا لبعض التقييمات، تم تقسيم مسؤوليات "سليماني" الرئيسية على ما يبدو بين 4 أشخاص، أحدهم الأمين العام لحزب الله "حسن نصرالله" نفسه، و3 مسؤولين إيرانيين كبار، هم الجنرال "محمد حجازي"، نائب قائد فيلق القدس الجديد، والذي تم تكليفه بالاتصال بـ"حزب الله" والإشراف على مشروع الصواريخ الدقيقة، و"علي شمخاني"، رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني، و"أمير علي حاجي زاده"، قائد سلاح الجو في الحرس الثوري الإسلامي.

وترى الأجهزة الأمنية الغربية أن "حاجي زاده" عبارة عن "قنبلة موقوتة"، وتحمله مسؤولية إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية بطريق الخطأ فوق إيران في يناير/كانون الثاني الماضي، وعن مشكلات أخرى تواجهها الولايات المتحدة والغرب.

ولم يعالج تقسيم مسؤوليات "سليماني" التهديد الحقيقي لمستقبل إيران، وهو تراجعها الاقتصادي. وجرّت أزمة "كوفيد 19" وانهيار أسعار النفط إيران إلى الهاوية، التي سيصعب عليها الخروج منها.

وتقول مصادر استخباراتية غربية إن الميزانية السنوية لإيران وصلت إلى أدنى مستوى لها منذ عقد من الزمن، بعد أن استندت إلى توقعات لصادرات النفط بمبلغ 60 مليار دولار.

وقال محلل غربي لـ"المونيتور" شريطة عدم الكشف عن هويته: "في الواقع، صدرت إيران العام الماضي نفطا بقيمة 20 مليار دولار فقط. ولن يزيد المبلغ هذا العام، وسيجبرهم هذا على استخدام احتياطياتهم المتبقية من العملات الأجنبية للبقاء على قيد الحياة هذا العام".

وبحسب تقييمات مختلفة، يعلق الإيرانيون آمالا كبيرة على هزيمة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني. بالرغم أنهم غير واثقين من أن خليفته سيرفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية على الفور، إلا أنه أملهم الوحيد الآن.

وقال مسؤول كبير في الاستخبارات الإسرائيلية، شريطة عدم الكشف عن هويته: "إنهم يحاولون النجاة في نوفمبر. لقد كانت سياستهم هي توجيه ضربة ضد البنية التحتية النفطية في الشرق الأوسط، لكن العكس حدث، وانهار سعر النفط".

ويأمل الإيرانيون في توقف حملة "أقصى ضغط" الأمريكية ضدهم. وحتى الآن، لا أساس لهذا الأمل. فرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" ورئيس الموساد "يوسي كوهين"، وكبار المسؤولين الآخرين، على اتصال دائم بالقادة في واشنطن، ومن بينهم "ترامب" نفسه ووزير الخارجية "مايك بومبيو"، الذين يؤكدون لهم أن الولايات المتحدة لا تنوي تسهيل الحياة على إيران.

وهذه هي خلفية الارتفاع الكبير في الهجمات على أهداف إيرانية في سوريا. وتقترب (إسرائيل) من استنتاج أن الإيرانيين بدأوا في التحول إلى الداخل.

وقال مصدر أمني إسرائيلي آخر لـ"المونيتور"، شريطة عدم الكشف عن هويته: "بدأ الأخطبوط يسحب أذرعه. الأمر واضح على الأرض".

ويبدو أن "الأسد" قد سئم من الثمن الباهظ الذي يدفعه لاستمرار الوجود الإيراني. وفي كل مرة تقريبا تستهدف فيها بطاريات الدفاع الجوي الطائرات الإسرائيلية، ينتهي به الأمر بفقدانها.

وفي الوقت نفسه، تزيد روسيا ضغوطها على دمشق. وقالت مصادر روسية إن الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" اعتبر الإيرانيين منذ فترة طويلة عبئا وليس رصيدا.

وتتبنى (إسرائيل) تفاؤلا حذرا في ضوء هذه التطورات. وقال مسؤول إسرائيلي كبير، طلب عدم الكشف عن هويته: "لم ينته الأمر، لكنهم بدأوا يتعبون".

وبالنسبة للمسؤولين الأمنيين الإسرائيليين، أصبح التدخل الإيراني في سوريا ترفا لطهران، بينما بالنسبة لـ(إسرائيل)، كان دائما مسألة بقاء.

وبالنسبة لـ(إسرائيل) أيضا، تعد الساحة السورية "منطقة قتل" سهلة للأهداف الإيرانية. وتتمتع (إسرائيل) بميزة نوعية كبيرة من حيث الاستخبارات والتفوق الجوي الكامل في هذه المنطقة.

وأوضح مصدر أمني، شريطة عدم الكشف عن هويته، أن "الإيرانيين على بعد كيلومترات من مناطقهم مكشوفين تماما. وقد بدأوا يفهمون أن الأمر لا يستحق حقا".

المصدر | بن كاسبيت - المونيتور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الحرب السورية التوغل الإيراني القوات الجوية الإسرائيلية قاسم سليماني

طهران: لم نخطط مع أنقرة وموسكو لمستقبل سوريا دون الأسد

إنتليجنس: إسرائيل تستغل الخلاف بين سوريا وروسيا لفصل الأسد عن إيران

روسيا تتمدد في شرق سوريا مع إعادة تموضع إيران بسبب كورونا