مخاوف الانقلاب تسيطر على العلاقات المدنية العسكرية في السودان

الثلاثاء 12 مايو 2020 01:39 ص

في الشهر الماضي، ومع تركيز غالبية السودانيين على العدد المتزايد لحالات الإصابة بالفيروس التاجي "كوفيد-19"، والإعلان عن الاستعدادات لإغلاق كامل في الخرطوم، تسلل أنصار الرئيس المخلوع "عمر البشير" إلى الساحة أمام مقر الجيش في العاصمة.

وكانت المسيرة، التي دعت الجيش إلى التدخل والإطاحة بالحكومة المدنية، هي المرة الأولى التي يصل فيها المتظاهرون إلى منطقة القيادة المركزية للجيش منذ يونيو/حزيران الماضي، عندما استخدمت قوات الجيش العنف لتفريق اعتصام كان هناك.

وأظهر مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع في السودان أحد أنصار "البشير" وهو يجادل جنرالا يحاول تفريق المتظاهرين أمام مقر الجيش، قائلا: "لماذا طلبت منا أن نأتي وأنت لن تستقبلنا".

وإلى جانب التقارير التي تفيد بإحباط انقلاب عسكري من قبل الجيش في الشهر نفسه، ازداد انعدام الثقة بين المكونين العسكري والمدني اللذين يتقاسمان السلطة خلال فترة الحكم الانتقالية في البلاد.

ويخشى بعض المدنيين أن تحاول فصائل في الجيش تكرار نفس السيناريو الذي أطاح بـ"البشير" في أبريل/نيسان من العام الماضي، بعد أن اعتصم مئات الآلاف من المتظاهرين أمام مقر الجيش.

خلايا نائمة

ومن المقرر أن يقود المجلس السيادي السوداني، الذي بدأ الحكم في أغسطس/آب الماضي، ويضم 5 عسكريين و6 مدنيين، دفة البلاد حتى الانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

واعترف الفريق "عبدالفتاح البرهان"، رئيس الجيش والرئيس الحالي للمجلس السيادي، بأن عملاء موالين لـ"البشير" تسللوا إلى الجيش.

وقال المجلس العسكري الانتقالي، الذي ترأسه "البرهان" وحكمه من أبريل/نيسان إلى أغسطس/آب 2019، إنه أحبط عددا من الانقلابات العسكرية التي خطط لها عملاء "البشير" في الجيش.

لكن في مقابلة متلفزة الشهر الماضي، قال "البرهان" إن الجيش لن يكرر سيناريو مصر عام 2013 بأن يسيطر على السلطة بالقوة.

وقال: "يملك العديد من الأحزاب السياسية خلايا نائمة في الجيش، ولهذا كان هناك انقلابات عسكرية عديدة في الماضي، وسيؤدي تسييس الجيش إلى عواقب سلبية، لذلك نحث جميع الأحزاب السياسية على الابتعاد عن الجيش".

وفي غضون ذلك، رفض العميد "عامر محمد الحسن"، المتحدث باسم الجيش السوداني، تقارير عن خطط للانقلاب، مؤكدا أن الجيش ملتزم تماما بحماية التحول الديمقراطي ودعم الفترة الانتقالية للبلاد.

وقال "الحسن" إن الجيش كان جزءا من الثورة التي اندلعت العام الماضي، وانتهت بإسقاط "البشير" وحكومته، لذلك يريد حماية هذا الإنجاز.

وأضاف أن "الجيش الوطني، مثل المؤسسات الأخرى، هو في الواقع جزء من القوى الثورية، وهو حريص جدا على حماية الفترة الانتقالية حتى تنتهي بالانتخابات العامة بعد فترة 39 شهرا".

توترات "كورونا"

وفي غضون ذلك، وردت أنباء عن توترات بين السلطات المدنية والجيش بشأن إجراءات الإغلاق المفروضة لمكافحة انتشار الفيروس التاجي.

والشهر الماضي، قام رئيس الوزراء "عبدالله حمدوك" بفصل الفريق "أحمد عبدون حمد"، حاكم ولاية الخرطوم، بعد أن رفض إلغاء صلاة الجماعة في العاصمة الخرطوم.

وأكد "فيصل محمد صالح"، وزير الإعلام والمتحدث الرسمي باسم الحكومة، الخلاف حول حظر صلاة الجماعة، لكنه قال إن بعض وسائل الإعلام بالغت فيه.

وقال "صالح" إن "حمد" اشتكى من قرار "حمدوك" فصله دون سابق إنذار، لكن القرار تم اتخاذه بعد التنسيق بين "حمدوك" و"البرهان".

وقال "صالح": "لا علاقة للأمر بانقلاب عسكري أو انشقاق داخل الجيش".

وأضاف أن المشكلة "تم تسويتها وانتهت في وقت قصير".

عملاء النظام القديم

وأكد عضو بارز في "قوى الحرية والتغيير" أن الشراكة السياسية بين الجيش والمدنيين تسير على ما يرام، متهما عملاء الحزب الحاكم السابق بتداول شائعات عن وجود انقلاب من أجل تخريب العلاقات بين الجيش والمدنيين.

وقال مصدر، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، إنه كان هناك عدم ثقة بين الجانبين بسبب الانتهاكات التي وقعت خلال فترة حكم الجيش فور خلع "البشير"، بما في ذلك التفريق العنيف للاعتصام أمام مقر الجيش في 3 يونيو/حزيران الماضي.

لكنه أضاف أن لجنة تحقيق مستقلة ستحقق في المجزرة التي قُتل فيها عشرات المتظاهرين وسوف تعلن نتائجها.

وقال: "يريد عملاء النظام القديم التستر على فضائح الفساد التي تم الكشف عنها مؤخرا بعد تفكيك مؤسساتهم المالية وغيرها من الهيئات القوية من خلال تعميم الشائعات والدعاية".

المعارضة أكثر خبرة

وتاريخيا، تم تقويض محاولات دمقرطة السودان بالانقلابات العسكرية، ما أثار تساؤلات حول التزام الأحزاب السياسية بالديمقراطية، فضلا عن تدخل الجيش في الحياة السياسية.

وتم إنهاء الانتفاضة الشعبية في أكتوبر/تشرين الأول 1964 عبر انقلاب الجنرال "جعفر "النميري" عام 1969، وتمت الإطاحة بـ"النميري" نفسه عبر انقلاب عسكري في أبريل/نيسان 1985، بينما وصل "البشير" إلى السلطة بعد ذلك بـ4 أعوام من خلال انقلاب عسكري.

وفي مقال تم نشره في مجلة "لوموند ديبلوماتيك"، في وقت سابق من هذا الشهر، قال "جلبير الأشقر"، أستاذ السياسة اللبناني البريطاني، إن تكرار سيطرة الجيش على السلطة يعد أمرا صعبا بسبب قوة الحركة الشعبية في السودان.

وقال "الأشقر"، أستاذ دراسات التنمية والعلاقات الدولية في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، إن الموجة الثانية من الربيع العربي في السودان والجزائر قد تعلمت من تجربة مصر.

وقال إنه يعتقد أن الانتفاضات السودانية والجزائرية لديها مناعة أكثر ضد التدخل العسكري في السياسة من الموجة الأولى من الربيع العربي عام 2011.

وأضاف: "يعرف الجزائريون والسودانيون جيدا أن السيطرة العسكرية على الحكومة هي حجر الزاوية في النظام الذي يريد الشعب إسقاطه".

وقال "الأشقر": "كان من الواضح أن التغييرات على أعلى مستويات الدولة المصرية بعد عام 2011 لم تغير أسس النظام، بحيث عادت الديكتاتورية بانتقام بعد ذلك بـ3 أعوام".

وتابع: "جعل هذا الحركات الشعبية في الجزائر والسودان قلقة، ما جعلها تستمر في الاحتجاج بقوة بعد الإطاحة بالرئيس في كلا البلدين، مطالبين بحكومة مدنية ذات سلطات تنفيذية كاملة".

ورأى "الأشقر" أن هناك مواجهات واسعة ستحدث إذا حاول الجيش الاستيلاء على السلطة في السودان.

وختم بالقول: "بالرغم من الوضع الذي لا يمكن التنبؤ به، اكتسبت الحركة الشعبية السودانية بشكل عام خبرة واسعة في الآونة الأخيرة من خلال الإضراب العام والعصيان وأشكال النضال الأخرى التي أجبرت الجيش على توقيع اتفاق لتشكيل حكومة انتقالية، وما زالت هذه الأدوات متاحة للاستخدام إذا أراد الجيش خطف السلطة لنفسه".

المصدر | محمد أمين | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

عبدالفتاح البرهان الجيش السوداني عبدالله حمدوك قوى الحرية والتغيير انقلاب عسكري

الجيش السوداني ينفي وجود تحركات لتنفيذ انقلاب عسكري

استهدفت اعتقال حميدتي.. أنباء عن إحباط محاولة انقلابية جديدة بالسودان