العنف في لبنان.. هل تنزلق الاحتجاجات إلى مستنقع الطائفية؟

الأحد 14 يونيو 2020 05:09 م

في 6 يونيو/حزيران الجاري، في مشهد يمتلئ بالإطارات المشتعلة، ومكبات النفايات المتراصة، وقفت مجموعة من الشباب لسد طريق رئيسي جنوبي منطقة "الحمرا" في بيروت، على بعد أقل من 3 كيلومترات من البرلمان اللبناني.

وبعد ساعات قليلة، اندلع إطلاق نار كثيف جنوب غرب كورنيش المزرعة، التي تقع على بعد 3 كيلومترات ونصف فقط من وسط بيروت، حيث اشتبك أنصار "تيار المستقبل" ذي الأغلبية السنية مع حركة "أمل" ذات الأغلبية الشيعية و"حزب الله".

وفي وقت سابق من اليوم نفسه، وقعت أحداث عنف في "عين الرمانة" ذات الأغلبية المسيحية بين السكان المحليين وأنصار "أمل" و"حزب الله".

وجاءت هذه الأحداث في أعقاب أكبر تجمع احتجاجي في بيروت منذ بدء الإغلاق نتيجة فيروس "كورونا" في لبنان.

ووفقا للمحللين والمتظاهرين على حد سواء، كان الجو الطائفي والعنف الحزبي الذي أعقب ذلك، نتيجة لجهود الفصائل السياسية لاستخدام الموجة الجديدة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة لصالحها.

وعادت الاحتجاجات الواسعة بشكل مفاجئ في جميع أنحاء البلاد في 11 يونيو/حزيران، لكن مسؤولي الأحزاب أعربوا عن قلقهم من أن ارتفاع التضخم بسرعة وانخفاض مستويات المعيشة في البلاد يعني أنه قد يصبح من الصعب قريبا الحفاظ على مستوى منخفض من الاشتباكات إذا استمرت الجهات السياسية في إثارة الانقسامات الاجتماعية.

ولم تكن الاشتباكات في كورنيش المزرعة غير مسبوقة، لكن هذه المرة، كانت الاشتباكات بين طرف سني وآخر شيعي بسبب إهانات وجهها مؤيدو "أمل" و"حزب الله" لزوجة النبي "محمد" صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين السيدة "عائشة" رضي الله عنها، عقب أعمال العنف التي وقعت في وسط المدينة.

وبالرغم من عدم تأكيد وقوع وفيات، أفادت التقارير أن تبادل إطلاق النار خلف العديد من الجرحى.

وقال "سامي نادر"، مدير معهد المشرق العربي للشؤون الاستراتيجية: "لقد تم تصميم وتنفيذ هذه الاشتباكات الطائفية بشكل جيد كجزء من خطة مواجهة هذه الاحتجاجات".

وقالت "زينة الحلو"، وهي ناشطة سياسية وباحثة شاركت في الحركات الاحتجاجية اللبنانية منذ أعوام، إنها لم تكن تشعر بالارتياح للدعوة إلى مظاهرة يوم السبت لعدد من الأسباب، بما في ذلك الدور المتزايد للأحزاب السياسية.

وقال "زينة": "كنت أعرف أن العديد من الأحزاب السياسية كانت وراء الدعوة، وكذلك بعض الجماعات الجديدة التي لا تعد شفافة للغاية. وأنا شخصيا لا أثق بالأحزاب السياسية، حتى أولئك الذين يدعون حاليا أنهم خارج الحكومة وانضموا إلى المعارضة".

كما ذكرت "زينة" أنها لا تدعم مطالب بعض الجماعات داخل المظاهرة بخصوص تنفيذ قرار الأمم المتحدة الذي يفرض نزع سلاح "حزب الله"، وهو شعور شاركه بعض الذين كانوا حاضرين في الاحتجاج في وسط المدينة.

وقالت المحتجة "نادين حرب": "يشعر بعض الناس بطبيعة الحال بضرورة هذا المطلب بقوة. مع ذلك، أعتقد أن اليوم كان مجرد إلهاء، إنهم يحاولون جعل الاحتجاجات سياسية مرة أخرى".

وتلعب الدعوات لنزع سلاح "حزب الله" بشكل مباشر لصالح استراتيجية الحزب، الذي يسعى إلى مواجهة التحديات الشعبوية المتمثلة في الاحتجاجات من خلال إعادة تركيز انتباه أنصار "حزب الله" على المخاوف الطائفية.

وبحسب "نانسي عز الدين"، الزميلة في المركز اللبناني للدراسات السياسية والباحثة في معهد كلينجندايل في هولندا، فإن أطراف مثل القوات اللبنانية والكتائب تستطيع القول إنها غير مسؤولية عن الإخفاقات الاقتصادية في لبنان كونها ليست حاضرة في الوقت الراهن داخل الحكومة، ولم يكونوا في السلطة عندما تم اتخاذ العديد من السياسات الاقتصادية المشؤومة قبل عام 2005.

وقالت "نانسي" لـ"المونيتور" إن ذلك سمح لهم "بركوب موجة الاحتجاجات" بشكل فعال، وأن يقدموا أنفسهم كحزب معارض.

وفي 9 يونيو/حزيران، واصلت الكتائب والقوات اللبنانية سعيهما لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وهو مطلب طويل من المطالب الأساسية لحركة الاحتجاج التي عبر عنها المتظاهرون.

وبالرغم من تأكيد "القوات اللبنانية"على دعم معظم أهداف الثورة اللبنانية، لكن الحزب لم يرسل رسميا أعضاءه ككتلة سياسية إلى المظاهرة، ويقول محللون إن "القوات اللبنانية" لا يدعم حاليا دعوات نزع سلاح "حزب الله".

ومع ذلك، حين تحدث "المونيتور" مع المسؤول المحلي في "القوات اللبنانية" في أعقاب الاشتباكات العنيفة، قال إن القضية الأساسية في لبنان ليست الفساد، بل هيمنة "حزب الله" وحيازته للأسلحة بشكل "غير قانوني".

وأضافت "نانسي" أن "أسلحة حزب الله يُنظر إليها على أنها أداة قوة طائفية تجعل الناس يشعرون بالتهديد أو يجعلهم يخشون بعضهم البعض".

وفي نظام يسيطر عليه الطائفية السياسة، كان الانقسام تاريخيا مصدر قوة للنخبة السياسية في البلاد، وبعد التوترات في "عين الرمانة" في 6 يونيو/حزيران، زار النائب عن الكتائب "نديم الجميل" المنطقة، وتم استقباله بالهتافات من أنصاره.

ولكن بالرغم من الاشتباكات منخفضة المستوى التي قد تعزز هذا التفتت، لا يبدو أن هناك أي استعداد من رؤساء الأحزاب أنفسهم لحدوث الصراع، فقد تنصل زعماء "أمل" و"حزب الله"، ورئيس الوزراء السابق "سعد الحريري"، وكذلك الزعماء الدينيون المسلمون، من التحريض على العنف.

لكن بحسب "مصطفى علوش"، عضو المكتب السياسي لحركة المستقبل، قد لا تكون هذه التصريحات كافية.

وقال "علوش" عن قاعدة حزبه: "ما يحدث الآن، على الأقل في الجانب السني، أن القيادة غائبة. وفي الوقت نفسه نرى الفقر وفقدان الأمل. وسوف يؤدي كل هذا إلى الفوضى. وعندما أقول الفوضى، أعني فوضى تُترجم إلى فظائع في الشارع".

ومع تصاعد الجوع واستمرار الانخفاض في قيمة الليرة اللبنانية، قد يصبح الناس على الأرض "خارج السيطرة"، ومن المرجح أن يزيد العنف.

ومع ذلك، فإن المظاهرات واسعة النطاق التي جرت ضد تراجع العملة في 11 يونيو/حزيران، حتى إن كانت عنيفة في بعض الأحيان، فقد أكدت بشكل قاطع على رفض الحزبية التي شوهدت قبل بضعة أيام فقط.

وفي أحد مقاطع الفيديو، خرج راكبو الدراجات النارية في "عين الرمانة" وهم يهتفون ضد الطائفية.

ولا يزال من غير المؤكد حجم الدور الذي ستستمر التوترات الحزبية في لعبه على الأرض في احتجاجات لبنان، أو ما إذا كانت المعاناة الجماعية للشعب اللبناني ستكون عاملا مساعدا على الوحدة.

وفي نهاية المطاف، من الواضح أن الكتل السياسية في البلاد ستحاول التكيف مع أي ظروف تنشأ للحفاظ على الديناميكيات الحالية قدر الإمكان.

المصدر | مايكل كرانز | المونيتور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

احتجاجات لبنان حركة أمل حزب الله اللبناني تيار المستقبل

احتجاجات الحمرا.. رسائل المال والعنف في لبنان