اتفاق إبراهيم.. سر تسمية صفقة التطبيع بين الإمارات وإسرائيل

الاثنين 31 أغسطس 2020 09:29 م

أطلق الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" على اتفاقية التطبيع الأخيرة، التي توسطت فيها الولايات المتحدة، بين الإمارات و(إسرائيل) اسم "اتفاق إبراهيم".

وأعلن "ترامب" بهذه المناسبة أن "المسلمين الإماراتيين يمكنهم الآن الصلاة في المسجد الأقصى التاريخي في القدس، ثالث أقدس الأماكن الإسلامية".

وهنا لا يمكن القول إن استحضار "نبي الله إبراهيم" ومسألة الدين بدعة من قبل "ترامب".

في الواقع، عندما ترأس الرئيس الأمريكي السابق "جيمي كارتر" اتفاقية التطبيع الأخرى التي توسطت فيها الولايات المتحدة، بين مصر و(إسرائيل)، في عامي 1978 و1979، والتي جاءت تحت اسم "اتفاقية كامب ديفيد"، ووقعها الراحلان "أنور السادات" و"مناحيم بيجن"، أعلن "كارتر" قائلا: "دعونا الآن نضع الحرب جانبا لنكافئ جميع أبناء إبراهيم المتعطشين لسلام شامل في الشرق الأوسط. فلنستمتع الآن بمغامرة أن نصبح بشرا كاملين، وجيرانا كاملين، وحتى إخوة وأخوات".

وعند توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993، بين الزعيم الفلسطيني الراحل "ياسر عرفات" ورئيس الوزراء الإسرائيلي حينها "إسحاق رابين"، أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك "بيل كلينتون"، الذي ترأس الحفل في البيت الأبيض، قائلا: "يجب أن ندرك نبوءة أشعيا بأنه لن تسمع صراخ العنف في أرضك بعد الآن. انطلقوا يا أبناء إبراهيم، نسل إسحاق وإسماعيل، معا في رحلة جريئة. اليوم، نقول بكل قلوبنا وكل أرواحنا أهلا ومرحبا بالسلام".

ومع ذلك، في معاهدة التطبيع التي توسطت فيها الولايات المتحدة عام 1994 بين الأردن و(إسرائيل)، لم يكرر "كلينتون" استدعاء "إبراهيم" (عليه السلام)، لكنه أكد أنه "في فجر جيل السلام هذا، نحتفل في هذا المكان العتيق بتاريخه وإيمانه، أردنيين وإسرائيليين"، مستشهدا بآيات من القرآن ونصوص توراتية.

وترك "كلينتون" ذكر "نبي الله إبراهيم" هذه المرة للملك الراحل "حسين"، الذي قال بدوره: "لابد أن نتذكر هذا اليوم ما عشنا، ويجب أن تتذكره أجيال المستقبل من الأردنيين والإسرائيليين والعرب والفلسطينيين وجميع أبناء إبراهيم".

وعندما توترت العلاقات فيما بعد بين الملك "حسين" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" عام 1997، كتب له "حسين" رسالة يوبخه فيها، ذكر فيها "إبراهيم" مرة أخرى، قائلا: "الحقيقة الأكثر حزنا التي بدأت تتكشف هي أنني لا أجدك بجانبي في العمل على تحقيق إرادة الله من أجل المصالحة النهائية بين جميع أحفاد إبراهيم".

اختراع غربي

ويتعلق جزء كبير من هذا الاستدعاء لـ"إبراهيم" بالاختراع الغربي البروتستانتي والاستشراقي الحديث نسبيا لمصطلح "الأديان الإبراهيمية" في إشارة إلى الديانات التوحيدية الثلاث.

وفي حين أن لنبي الله "إبراهيم" أهمية مركزية في الدين الإسلامي، فإن فكرة أو مصطلح "الأديان الإبراهيمية" غير معروف في اللغة العربية أو العبرية إلا في الترجمة من الإنجليزية.

والغرض هنا من استحضار ذكر "إبراهيم" هو إظهار وتقديم الحركة الاستعمارية اليهودية الأوروبية الصهيونية باعتبارها مسعى دينيا يهوديا وليس استعماريا أوروبيا.

وهنا يتم إظهار مقاومة الشعب الفلسطيني وغيره من العرب لهذا الاستعمار الأوروبي كمجرد فتنة دينية بين المسلمين واليهود، وهنا غالبا ما يتم تجاهل المسيحيين الفلسطينيين الذين كانوا في طليعة الكفاح ضد الصهيونية منذ نشأتها.

كما يتم تجاهل اليهود أنفسهم والمنظمات اليهودية، خاصة الطائفتين اليهوديتين الرئيسيتين، وهما الأرثوذكسية واليهودية الإصلاحية، التي عارضت الصهيونية منذ ولادتها في ثمانينات وتسعينات القرن الـ19 وحتى ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وهنا يجب أن نذكر كذب الدعاية الصهيونية التي تبنت الفكرة البروتستانتية بأن يهود أوروبا ليسوا أوروبيين بل هم من نسل مباشر للعبرانيين الفلسطينيين القدماء، وبالتالي فإن استعمار اليهود الأوروبيين لأرض الفلسطينيين كان فقط "عودة إلى الوطن"، وأن الفلسطينيين الأصليين هم في الواقع المستعمرون الحقيقيون.

غطاء للصهيونية

كما ادعى المستعمرون الفرنسيون البيض في الجزائر أنهم من السكان الأصليين للجزائر، التي حكمها أسلافهم الرومان المزعومون، وأن استعمارهم للبلاد كان مجرد عملية إصلاح لإرث الإمبراطورية الرومانية.

ويتم التذرع بـ"إبراهيم" في هذه السياقات كغطاء للاستعمار الصهيوني، لتغليف هذه الحركة الاستعمارية الاستيطانية بهالة دينية، ولإظهار نضال الفلسطينيين الأصليين ضد الاستعمار باعتباره قتالا دينيا بين "أبناء إبراهيم".

وليس من المستغرب أن يتبنى هؤلاء القادة العرب، الذين التزموا بالصهيونية، نفس اللغة، لأن جوهر تأييد الصهيونية هو الاتفاق على إخفاء طبيعتها الاستعمارية بحيث يتم تقديم أي مقاومة لها على أنها تحيز ضد اليهود، أو في الواقع ضد المحبة الأخوية التي فرضها "الله"، رب "إبراهيم".

وتعد الجهود السعودية والبحرينية والإماراتية في العقدين الماضيين لرعاية ما يسمى بـ"الحوار" بين الأديان، و"التسامح بين الأديان"، جزءا لا يتجزأ من استراتيجية إعادة كتابة التاريخ الاستعماري للصهيونية على أنه "صراع ديني".

فتنة دينية

ودعونا نضع جانبا هذه المحاولة لإضفاء الشرعية على الاستعمار الاستيطاني الصهيوني من خلال إعادة صياغته على أنه صراع ديني وأخوي، ونعود مرة أخرى لاستدعاء اسم "إبراهيم" في الاتفاق الأخير بين الإمارات و(إسرائيل).

فلنفترض أن هؤلاء القادة الإمبرياليين الأمريكيين والمستبدين العرب غير المنتخبين، الذين يذكرون "إبراهيم" (عليه السلام) في سياق القضية الفلسطينية، يهدفون إلى القيام بخطوة مسكونية (مصطلح يطلق على جهود توحيد الكنائس)، لدمج الأديان في المنطقة تحت مظلة واسعة من "الأخوة الإبراهيمية"، على أمل تقديم فكرة الوحدة في خضم صراع يميل فيه الدين إلى التأثير على الجوانب السياسية والتأثر بها.

وإذا نحينا جانبا للحظة هذه الخطوة اللاسياسية، التي تصرف الانتباه عن الماضي والحاضر الاستعماريين حيث يكمن الصراع، يبدو أن استحضار "إبراهيم" غير منطقي، وليس فقط بسبب هذا التأثير اللاسياسي.

لأنه حتى لو كانت الدعوات "المسكونية" الاندماجية للوحدة بين "الأديان" لا تصرف الانتباه عن الجوانب السياسية للصراع، فإن مثل هذه النداءات لا يمكن أن تكون ذات مغزى إلا إذا شملت هذه الوحدة المفترضة بين الأديان الحياة والممارسة اليومية والطقوس والمهرجانات والأعراف والمجتمع.

وفي مثل هذا السيناريو، قد يثبت أن الصراع بين هذه الأديان هو جزء من تلاعب سياسي زائف وملفق، وبالتالي يجب التخلي عنه، لكن استدعاء "إبراهيم"، يثبت أن العكس هو الصحيح.

حقيقة زائفة

إن الواقع المعاش لماضي وحاضر الاستعمار يثبت المعاملة الوحشية المستمرة ضد شعب من قبل شعب آخر.

إن استدعاء "إبراهيم" في هذا السياق الاستعماري ليس استدعاء لواقع معاش، بل استدعاء لشيء وهمي وخطأ، يريد به المستدعي التغطية على توطين اليهود المستعمرين في فلسطين، الذين وصلوا إليها منذ ثمانينات القرن التاسع عشر بصفتهم غزاة استعماريين.

وكانت هناك محاولات متعددة الجوانب منذ أواخر الثلاثينات لإعادة صياغة الاستعمار الصهيوني على أنه ليس استعمارا على الإطلاق، وأن المقاومة الفلسطينية المعادية للصهيونية ليست أكثر من "صراع قومي".

أو أن كلا من اليهود المستعمرين والفلسطينيين "ساميون" (فئة أوروبية عنصرية اخترعها المسيحيون الأوروبيون في أواخر القرن الـ18) وأنهم منخرطون في صراع قديم يعود إلى آلاف السنين.

أو أن ما هو موجود بين المستوطنين الصهاينة والفلسطينيين الأصليين هو مجرد "صراع"، وهو مصطلح لن يستخدم أبدا لوصف النضالات الجزائرية أو الزيمبابوية أو الكينية ضد الاستعمار، على سبيل المثال.

وما كان استدعاء "إبراهيم" إلا آخر هذه التحركات لإعادة كتابة الواقع الاستعماري المروع للصهيونية الإسرائيلية وتصويره على أنه خلاف ديني وأخوي.

وقد يكون بعض القادة العرب قد قبلوا ذلك، لكن الفلسطينيين الواقعين تحت الاستعمار يبرهنون في مقاومتهم اليومية للاستعمار الصهيوني المستمر لأراضيهم أنه لن يقنعهم التذرع باسم "إبراهيم" أو أي نبي آخر.

المصدر | جوزيف مسعد | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

اتفاق التطبيع الإماراتي الاستعمار الصهيوني الإبراهيمية

الجارديان: بريطاني خائن وراء الاقتحام الصهيوني لسجن عكا عام 1947

هستيريا الصهيونية المسيحية: من الملكة إستير إلى الملك ترامب!