عندما لا تتبقى هناك قرارات جيدة فإن قرارات صعبة لا بد أن تتخذ. حتى الأحكام الأخلاقية الثابتة تبرر ذلك أيضا.
هل الرئيس السوري «بشار الأسد» هو ديكتاتور قاتل يشن حملة وحشية غير مبررة على شعبه من أجل البقاء في السلطة؟ الجواب بالتأكيد نعم. هل سيكون الوضع أفضل حالا إذا كان أولئك الذين يلقبون أنفسهم بـ«الدولة الإسلامية» هم من يقيمون في دمشق بدلا منه؟ الجواب بالطبع لا. لذلك هل من الممكن أنه ربما، ربما فقط، أن روسيا تفعل الشيء الصحيح من خلال التفكير في الغارات الجوية ضد «الدولة الإسلامية» لدعم «الأسد»؟ حسنا .. ربما.
كانت روسيا تدعم بنشاط «الأسد» منذ بداية الحرب الأهلية السورية، من حيث الدعم اللوجستي والسياسي على حد سواء، كما دعمته بشكل لافت للنظر في مجلس الأمن الدولي. عائلة «الأسد» هي حليف تاريخي للاتحاد السوفييتي السابق وروسيا. سوريا، أو ما تبقى منها تحت سيطرة «الأسد»، هي موطيء القدم الاستراتيجي الوحيد المتبقي لروسيا في الشرق الأوسط، وهي أحد الأصول التي تريد روسيا الدفاع عنها.
كذلك فإن روسيا تخشى من امتداد النمط القتالي للدولة الإسلامية إلى أراضيها. ولذلك فإن قتال المجموعات المسلحة تمثل بشكل ما بالنسبة لروسيا أحد محددات الأمن الداخلي. وبالتالي فإنه لم يكن مفاجئا أن الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» مهتم للغاية ببقاء «الأسد» في السلطة. ويقال أنه قام بشحن أنظمة المراقبة الجوية وغيرها من المعدات التشغيلية المتقدمة إلى معقل «الأسد» على الساحل السوري.
والسؤال هنا حول ما إذا كانت العملية الروسية ضد «الدولة الإسلامية» هي شيء جيد أم لا. هل يمكن أن تكون روسيا تفعل الشيء الصحيح، حتى لو كان لأسباب خاطئة؟
ردود الأفعال الأولية من ممثلي الدول الغربية والشرق أوسطية على الضربات الجوية الروسية المحتملة كلها سلبية. وقد حذر وزير الخارجية السعودي من أي تصعيد روسي. ولكن بالنسبة للسعوديين، فإن أي دعم للأسد، أحد أهم حلفاء إيران، هو أمر سيء بغض النظر عن مصدره.
وقد حذر وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» أيضا من التدخل العسكري الروسي، وذلك خوفا من التصعيد. ولكن يبقى الموقف الأمريكي والغربي متمحورا حول أهمية تخلي« الأسد» عن موقعه. إلا أن هذا بمفرده لن يحدث. روسيا لن تتخلى عن حليفتها القديمة، وتبقى قوى المعارضة السورية ضعيفة جدا لإلحاق الهزيمة به، وتبدو مغادرته للسلطة طوعيا غير مرجحة.
وكما يبدو، فإن القوة الوحيدة القادرة على الإطاحة بـ«الأسد» هي «الدولة الإسلامية». وقد انتقل المسلحون بشكل خطير على مقربة من دمشق في الأسابيع الأخيرة ولا يعرف أحد إلى أي مدى سيصبح بمقدورهم الذهاب. هذا يطرح السؤال: أيهما أسوأ، «الأسد» أو «الدولة الإسلامية»؟ حتى ألد أعداء الرئيس السوري على استعداد للاعتراف أنه ليس الأسوأ هذه المرة. هذا هو المكان الذي تتداخل فيه المصالح الروسية في سوريا مع نظيرتها الغربية.
خلال الأيام القليلة الماضية، استخدم العديد من المحللين والنقاد الغربيين حجة التصعيد ضد التدخل الروسي. وقد جادلوا بأن المزيد من المدنيين سوف يلقون حتفهم إذا بدأت روسيا بقصف معسكرات «الدولة الإسلامية» ومخابئها نيابة عن «الأسد». ولكن يمكن دحض هذه الحجة في النهاية بشكل ساخر للغاية. ألن يحول إلقاء اللوم على روسيا لتصعيد الموقف المسلحين إلى مجرد ضحايا على غير الحقيقة؟
بالطبع سيكون من الأفضل إذا كانت روسيا تقف في صف المعارضة الديموقراطية في سوريا وليس في صف «الأسد». سيكون من الأفضل لو كانت روسيا من خلال تدخلها لا تهدف في الواقع إلى دعم إيران. ولكن هذه الحجج تستند إلى أنه لا يزال متاحا بالنسبة لنا الخروج بمخرجات مثالية. والحقيقة هي أن المعارضة لم تلعب دورا حاسما في سوريا لعدة أشهر، وأبعد ما يكون عن الاقتراب من السلطة . ناهيك عن أن العديد من قوى المعارضة ليس لديها الميول الليبرالية الديموقراطية الموالية للغرب.
في الواقع، ونتيجة لذلك، فإن الخيارات في سوريا كلها سيئة. في حالات من هذا القبيل، فإن منع الأسوأ هو أفضل من الأمل في مستقبل أفضل. ولعل الآثار الجانبية السلبية للتدخل الروسي في سوريا، وهي استقرار «الأسد» في السلطة وتزايد دور روسيا في المنطقة تصبح مقبولة عند تقييمها بإزاء استيلاء تنظيم «الدولة الإسلامية» المحتمل على عاصمة البلاد إضافة إلى مساحات شاسعة أخرى من الأراضي.
إذا كانت العيون الغربية تنظر إلى التدخل الروسي بنظرة يغلب عليها الشك فإن ذلك مفهوم تماما. أحد الأهداف التقليدية لسياسة الغرب والولايات المتحدة في الشرق الأوسط كانت تحجيم النفوذ السوفيتي والآن النفوذ الروسي في المنطقة لأسباب وجيهة. ولكن إذا كان نفوذ روسيا يتنامى في الشرق الأوسط فإن الغرب لا يمكنه أن يلوم إلا نفسه. عدم رغبة الغرب في لعب دور مسؤول في المنطقة يدعو فقط غيرهم للعب لعبتهم. القيادة من الخلف يعني أن مقعد السائق سيصير لقمة سائغة.
هناك احتمال، بطبيعة الحال، أن الغرب سيرحب بصمت بالتدخل الروسي. حيث يمكن للغرب أن يبقى يده نظيفة بينما يتم سحق «الدولة الإسلامية». سيكون دعما غير مباشر للأسد يأتي من بلد لا يوجد لديه مخاوف حيال ذلك، وبالتالي يسمح للغرب بالتمسك بسياسته القديمة المصرة على رحيل «الأسد».
لا يهم إلى أي مدى ستصبح تلك المباراة بين الأطراف المعنية ساخرة. الوضع في سوريا سيء للغاية، وأصبحت الحرب ضد «الدولة الإسلامية» تشكل أولوية قصوى. وذلك في ظل عدم وجود رغبة لدى الغرب في التدخل، فإن التدخل الروسي قد يكون الخيار الأفضل. هي واحدة من أكثر الحقائق التي تقشعر لها الأبدان من الشرق الأوسط اليوم أن التدخل الصحيح للسبب الخطأ قد يبدو بصيص الأمل الوحيد في ذلك المذبح المدعو سوريا.