هل تنقل الولايات المتحدة سفارتها بالعراق؟

الثلاثاء 6 أكتوبر 2020 06:53 م

في الأسبوع الماضي، تلقى رئيس الوزراء العراقي "مصطفى الكاظمي" مكالمة هاتفية كان يخشى منها منذ توليه رئاسة الوزراء في مايو/أيار.

كان على الخط وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو"، الذي قال إن واشنطن تدرس نقل سفارتها في بغداد إما إلى أربيل عاصمة كردستان العراق أو إلى قاعدة الأسد الجوية.

وقال "بومبيو" إن النقل مسألة أمنية. وتصاعدت الهجمات التي تشنها المليشيات المدعومة من إيران ضد المصالح الأمريكية منذ أن قتلت الولايات المتحدة قائد الحرس الثوري الإيراني "قاسم سليماني"، في وقت سابق من هذا العام، لكن الهجمات الصاروخية تكثفت بشكل كبير هذا الصيف.

لكن احتمالية الانتقال لا تكمن فقط في مخاوف السلامة. وتشير الولايات المتحدة بهذا الإجراء إلى أنها سئمت الهياكل الأمنية العراقية التي تضم منظمات متشددة موالية لإيران، والتي غالبا ما تخدم مصالح طهران.

كما يعكس ذلك رغبة واشنطن في تقليص وجودها في الشرق الأوسط، ويجسد كفاح الحكومة العراقية في اللعبة الصفرية ضد المليشيات المدعومة من إيران، والتي تريد منها الولايات المتحدة أن تلعبها.

هدف قريب

وتقع السفارة الأمريكية في بغداد في المنطقة الخضراء، وهي مجمع محصن للبعثات الدبلوماسية الأجنبية ومباني الحكومة العراقية.

وخلال "الحرب العالمية على الإرهاب" و"حرب العراق" كانت السفارة في العراق أكبر وأغلى سفارة أمريكية في العالم.

ومع ذلك، كانت دائما هدفا غنيا للهجمات العدائية، وآخرها من إيران، التي تتمتع بنفوذ كبير بين المليشيات الشيعية في العراق.

وكانت الهجمات على سفارة الولايات المتحدة في المنطقة الخضراء أكثر من أن تُحصى تقريبا؛ حيث زاد تواترها إلى مرة أو مرتين تقريبا في الأسبوع.

وبالنسبة للجزء الأكبر، فشلت صواريخ الكاتيوشا التي تم إطلاقها على المنطقة الخضراء في الوصول إلى الهدف، ولم تتسبب في وقوع إصابات أو أضرار جسيمة.

لكن الجمهور العراقي نفسه أصبح مدعاة للقلق. وبعد أشهر من المظاهرات على الصعيد الوطني ضد الولايات المتحدة، خرق المتظاهرون جدران السفارة وألحقوا أضرارا بممتلكات السفارة في ديسمبر/كانون الأول 2019. وكان من بين المشاركين عناصر من المليشيات الشيعية لم يكلفوا أنفسهم عناء خلع زيهم الرسمي.

ومن الواضح أن بإمكان الولايات المتحدة نشر المزيد من قواتها المسلحة للتعامل مع التهديد. وفي الواقع، حدث ذلك في نقاط مختلفة على مدار العام، لكن واشنطن أوضحت أن توريط نفسها في حروب الشرق الأوسط لم يعد جزءا من استراتيجيتها العالمية.

ومنذ مارس/آذار، أذنت الولايات المتحدة بسحب 3000 من القوات الأمريكية من بين 5200 جندي، وغادرت عددا كبيرا من القواعد المهمة في معسكر التاجي ومطار القيارة والتقدم والقائم.

وبينما قلص الجيش من وجوده، حذت وزارة الخارجية حذوه. وخفضت البعثة الأمريكية في بغداد حجم موظفيها مرة أخرى في مايو/أيار 2020، واحتفظت بفريق أصغر من موظفي وزارة الخارجية ورئيس البعثة لتقليل المخاطر الأمنية.

دوافع

وهكذا تدرس واشنطن ما إذا كانت ستنقل سفارتها إلى كردستان العراق. ولديها بالفعل قنصلية في أربيل، وتقوم ببناء مجمع أكبر وأكثر أمانا ليتم الانتهاء منه في عام 2022.

وتعد هذه الخطوة معقولة إلى حد ما؛ فقد تعرضت أربيل لهجمات أقل من بغداد، وذلك بفضل الحماية المتزايدة من البشمركة الكردية والمسافة الأكبر بينها وبين النقاط الساخنة للميليشيات.

لكنها لا تخلو من مشاكلها، وليس من الواضح تماما إن كانت ستبقى آمنة. وبمجرد أن شمت المليشيات العراقية رياح التفكير الأمريكي في التحرك، قامت بضربات على قاعدة للتحالف الأمريكي بالقرب من مطار أربيل الدولي لإرسال رسالة مفادها أنه ما لم تنسحب الولايات المتحدة من العراق بالكامل، فإن الجماعات المدعومة من إيران ستستهدف الأفراد الأمريكيين في أي مكان.

علاوة على ذلك، سيؤدي الانتقال إلى كردستان إلى تفاقم نزاع عرقي ومالي استمر لعقود بين بغداد وحكومة إقليم كردستان.

كما سيتطلب مساعدة مالية إضافية لحكومة إقليم كردستان، وهو أمر قد يُنظر إليه على أنه معاملة تفضيلية في المسائل الحساسة للغاية المتعلقة بالاستقلال السياسي بشكل يمكن أن يقوض سلطة بغداد.

ويظهر خيار الانتقال إلى قاعدة الأسد الجوية رغبة أكبر في تقليص حجم أمريكا في العراق. وهناك بعض المزايا لنقل المجمع إلى هناك بالطبع.

وتقع القاعدة في محافظة الأنبار (غرب)، وتقدم بديلا أكثر حيادية وأقل تسييسا لأربيل. وتعد قاعدة الأسد واحدة من أكبر وأقدم القواعد المشتركة بين الولايات المتحدة والعراق في البلاد؛ وبالتالي فهي مؤمنة بشدة. وتضم قوات مسلحة عراقية؛ ما يعني احتمالية أقل لمهاجمتها من قبل المليشيات الشيعية.

لكن هذا لا يعني أنها محصنة ضد الهجوم. وكانت قاعدة الأسد أحد أبرز أهداف رد إيران على مقتل "سليماني".

وألحق ما لا يقل عن 11 صاروخا باليستيا أضرارا جسيمة بالقاعدة بالرغم من عدم مقتل أي فرد بسبب أنظمة الإنذار المتقدمة.

ببساطة، إذا جمعت الولايات المتحدة سفارتها مع أحد أكبر مواقعها العسكرية المتبقية؛ فستصبح القاعدة هدفا لا مفر منه للهجمات.

وفي الواقع، بغض النظر عن المكان الذي تنقل إليه الولايات المتحدة بعثتها، فإن المليشيات المدعومة من إيران ستتبعها.

وذلك مهم ببساطة للغاية بالنسبة لاستراتيجية إيران الإقليمية لإبراز قوتها في البحر المتوسط. لهذا السبب، وبغض النظر عن القضايا الأمنية، تأمل واشنطن في إحداث سلوكيات معينة في الحكومة العراقية.

وضغط "بومبيو" على "الكاظمي" لكبح جماح الميليشيات المارقة التي تهدد الوجود الأمريكي، وبالتالي المساعدة المالية والسياسية والإنسانية للعراق.

لكن المشكلة هي أن "الكاظمي"، مثل أسلافه، لا يتمتع بقاعدة دعم قوية. ويجب عليه أن يحاول التوفيق بين استرضاء الأحزاب الموالية لأمريكا، وتلك الموالية لإيران، والسنية والكردية. وقد أدى ذلك إلى حلول قصيرة المدى مثل غارات على استحياء لمرة واحدة لكبح قوة المليشيات.

لكن بغداد تعلمت بالطريقة الصعبة أن الحلول السريعة لن تقتلع النفوذ الإيراني في أجهزتها الأمنية. على سبيل المثال، فإن قوات الحشد الشعبي هي منظمة تابعة للدولة العراقية تخضع بموجب القانون لرئيس الوزراء العراقي، لكنها تضم ​​مليشيات مثل "كتائب حزب الله" الموالية بشكل غير رسمي للحرس الثوري الإيراني.

وهذه المليشيات متجذرة بعمق في هيكل الدفاع العراقي، وتحصل على الأموال الفيدرالية العراقية للمساعدة في هزيمة "تنظيم الدولة".

وهم يتفوقون بشكل جماعي على القوات المسلحة العراقية، ويمارسون نفوذا اقتصاديا من خلال مشاريع البنية التحتية، وتحصيل الضرائب، والتجارة غير الرسمية، كما أنهم ذوو صلة سياسية في البرلمان من خلال كتلتهم البرلمانية؛ "تحالف فتح".

وكانت الجهود المتواضعة التي بذلها "الكاظمي" لإزالة نفوذ المليشيات على اقتصاد الدولة والعملية السياسية والأمن القومي باهظة الثمن. وتصاعدت الضربات الصاروخية على مواقع الحكومة العراقية، حتى المراكز المدنية العراقية، في حين ضايقت المليشيات المسؤولين الحكوميين واغتالت مستشارين في الحكومة.

وقد يمثل نقل السفارة الأمريكية مرحلة جديدة في علاقة واشنطن بالعراق، وبالتالي في نفوذها في الشرق الأوسط.

وإذا اختارت المليشيات ببساطة مهاجمة الموقع الجديد، فلن يتغير شيء. وسواء غادرت الولايات المتحدة بالكامل أم لا، فإن خروجها من بغداد بعد ما يقرب من عقدين من الوجود المكثف له معنى رمزي على الأقل بقدر ما يُظهر عدم اهتمام واشنطن المتزايد بالعراق وفك ارتباطها به.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السفارة الأمريكية في بغداد الانسحاب الأمريكي من العراق

مستشار عسكري عراقي سابق: واشنطن نقلت سفارتها من بغداد لأربيل

حزب الله العراقي يفسر أسباب وقف استهداف القوات الأمريكية