تطبيع البحرين والإمارات مع إسرائيل.. تداعيات استراتيجية خطيرة

الثلاثاء 6 أكتوبر 2020 11:12 م

لم تحقق اتفاقيات "إبراهام"، التي تهدف إلى تطبيع علاقات إسرائيل الدبلوماسية مع الإمارات والبحرين، وربما دول الخليج الأخرى، سوى القليل في طريق "السلام". بدلا من ذلك، فهي تسمح بمتابعة الحرب ضد القومية الفلسطينية بوسائل أخرى، وتكون بمثابة حصان طروادة لإغواء الدول العربية الأخرى بوعد مزايا استراتيجية واقتصادية.

لا تعطي الاتفاقيات شيئا للفلسطينيين، الذين كانت قوتهم الوحيدة في هذا الأمر هي حضور حفل التوقيع في البيت الأبيض في 15 سبتمبر/أيلول أم لا؛ حيث صادق المسؤولون الإسرائيليون والإماراتيون والبحرينيون على ما يسمى باتفاقات السلام بالرغم من أن هذه الدول لم تكن في الواقع في حالة حرب ضد بعضها البعض. إن كل من البحرين والإمارات "في حالة حرب" ضد قطر، وهي دولة عربية وخليجية.

كانت هناك بعض العلامات الواضحة على القلق أثناء الحدث؛ حيث انتهكت الإمارات والبحرين قاعدة غير مكتوبة، وهي من المحرمات الحقيقية، في العالم العربي. لقد قاموا بتطبيع العلاقات مع إسرائيل دون أن تتنازل تل أبيب عن أي شيء. وبينما حضر رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" الحفل شخصيا، أرسل الإماراتيون والبحرينيون وزيري الخارجية فقط "عبد الله بن زايد آل نهيان" و"عبد اللطيف الزياني".

لقد أظهرت الاتفاقات بوضوح أن القضية الفلسطينية تلاشت تماما من سياسات الشرق الأوسط وأن القلق الحالي على مستوى المنطقة هو إعادة التنظيم الاستراتيجي للدول لمواجهة إيران. ربما تحاول الإمارات والبحرين، ودول عربية أخرى، التغطية على فكرة التطبيع، مشيرة إلى أن سيادة إسرائيل على الضفة الغربية تم تجنبها كشرط لحساباتهم الدبلوماسية.

كان رئيس الوزراء "نتنياهو" وعد أنه، اعتبارا من يوليو/تموز 2020، سيكون مستعدا للبدء في ضم الأراضي التي اعترف المجتمع الدولي بأنها تنتمي إلى الدولة الفلسطينية المستقبلية، لكن إسرائيل احتلتها في الواقع لأكثر من نصف قرن. مع ذلك، حتى بالنسبة لإسرائيل، أو لقسم معين من المجتمع الإسرائيلي، لا تخلو اتفاقيات "إبراهام" من بعض التنازلات غير المريحة.

اضطر القوميون الإسرائيليون المتطرفون إلى تنحية أي افتراضات بأن إسرائيل قد تحصل أخيرا على السيادة الكاملة على الضفة الغربية، على الأقل في المدى القريب. وبهذا المعنى، فإن الاتفاقيات تعود بالفائدة على "نتنياهو"، أكثر من إفادة أكثر العناصر الصهيونية في المجتمع الإسرائيلي. يمكنه التراجع عن خطط الضم الإشكالية، وإلهاء منتقديه بإنجاز دبلوماسي كبير. ويمكنه أيضا الاستمرار في اتباع استراتيجية احتواء الصراع الفلسطيني بدلا من محاولة تأمين نصر "عسكري" مباشر، والذي من شأنه أن يخلق مشكلة ديموجرافية وسياسية كبرى.

يمكن "لنتنياهو"، الذي لا يزال يخوض معركة سياسية محتدمة اضطرته إلى تقاسم رئاسته للوزراء مع "بيني جانتس"، استغلال الاتفاقات لكسب رأس المال مع المزيد من ناخبي الوسط.

سيحتاج إلى هذا الدعم لأن أكبر منتقدي التطبيع مع دول الخليج مقابل تأخير الضم كانوا ممثلين لليمين المتطرف. إنهم غاضبون؛ لأن "نتنياهو" لن يفي بوعده بالضم الكامل للضفة الغربية.

يمكن للإمارات والبحرين بيع اتفاقات "إبراهام" كنصر، وتأطيرها حول اتفاق مع إسرائيل على عدم ضم الضفة الغربية. وبالرغم من أنه من الواضح أن الاتفاقات تمثل تخليا عن القضية الفلسطينية، إلا أن القليل من المواطنين البحرينيين أو الإماراتيين سيهتمون بذلك. لقد تعاملوا مع الفلسطينيين بريبة، خاصة بعد عام 1990، عندما تعاطف الكثيرون مع "عراق صدام حسين" بعد غزو الكويت. وعليه، فإن معظم العمال الأجانب في البحرين والإمارات هم باكستانيون، وهنود، ومن جنوب شرق آسيا، قد حلوا محل الفلسطينيين. ومع ذلك، فإن البحرين تخاطر باضطرابات محتملة، بالنظر إلى أغلبية سكانها الشيعة، والتي يمكن أن تثيرهم إيران.

ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تقوم الرياض أيضا بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، و "خيانة" الفلسطينيين رسميا في هذه العملية. يظل السعوديون هم الأوصياء على مكة والمدينة، وسيمنح الانفتاح على إسرائيل تركيا فرصة رائعة لتتظاهر بأنها الحامي الفعلي للعرب والمسلمين. ومع ذلك، ليس هناك شك في أن السعوديين وافقوا وشجعوا التطبيع الذي تم إضفاء الطابع الرسمي عليه في اتفاقيات "إبراهام"، والتي هي نتيجة مباشرة لتقارب المصالح بين الإسرائيليين والسعوديين، الذين وحدهم معارضتهم لجماعة الإخوان المسلمين وإيران.

من المؤكد أن الإمارات والبحرين تقعان في دائرة نفوذ الرياض، كما اتضح عام 2011، عندما أرسل السعوديون قوات إلى البحرين لقمع المظاهرات ضد أمراء "آل خليفة"، وبالتالي لن يكون من الخطأ اعتبار الدولة محمية سعودية حقيقية.

في حين أبرمت مصر والأردن اتفاقيات سلام مع إسرائيل، بعد أن قاتلا ضدها عسكريا بشكل مباشر، في سياقات مختلفة، استعادت مصر أراضي في سيناء، وطبع الأردن العلاقات في عام 1994، في ذروة الفترة الأكثر تفاؤلا بقيام دولة فلسطينية على الإطلاق، بالنظر إلى أنه لا توجد دولة عربية اتجهت لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل بدون ربط العملية بإنشاء دولة فلسطينية.

يعتبر الخاسر الأكبر بالطبع هم الفلسطينيون وقادتهم الذين تم استبعادهم بالكامل من المفاوضات. لم يكونوا حتى متفرجين. لقد تحطمت فكرة عدم قيام أي دولة عربية بمد البساط الأحمر لإسرائيل دون ضمان تحقيق التطلعات الفلسطينية أولا.

ستتعرض المزيد من الدول العربية الآن لضغوط لفتح علاقات مع إسرائيل. من المؤكد أن عُمان والمغرب والسودان وموريتانيا مستعدة لإضفاء الطابع الرسمي على العلاقات. في غضون ذلك، حافظت قطر والسعودية أيضا على علاقات مهمة مع إسرائيل. لا يمكن للسعوديين تحمل إضفاء الطابع الرسمي على هذه التعاملات، وتحتاج إسرائيل إلى بقاء قطر "عدوا" لضمان أن يكون لديها قناة موثوقة للتعامل مع "حماس" في غزة، والتفاوض على إنهاء العمل العسكري من القطاع ضد إسرائيل، كما حدث في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول من عام 2020.

من المرجح أن تؤدي العلاقة الجديدة بين إسرائيل والإمارات والبحرين إلى إعادة اصطفاف العرب السنة، وتعزيز موقفهم المناهض لإيران مع الدولة اليهودية ومع الولايات المتحدة. إن التصور بأن عصر النفط الكبير يقترب من نهايته (ليس بسبب نقص الموارد) دفع دول الخليج للبحث عن بدائل. يريد الخليج روابط أعمق مع أنظمة التحالف الغربي مثل الناتو من أجل ضمان مستوى الحماية والمصالح أكثر من أولئك الذين أقاموا وجودا عسكريا كبيرا هناك لحماية النفط (أي الولايات المتحدة وأوروبا).

يدرك عرب الخليج أنهم يستطيعون لعب هذه "الورقة" الآن؛ ما يجذب مخاوف الغرب بشأن الصين الصاعدة، وروسيا بدرجة أقل.

تعتبر إيران هي الخاسر الأكبر؛ بسبب العلاقة الواضحة والمكشوفة بين دول الخليج وأعداء إيران؛ الولايات المتحدة و(إسرائيل).

تمكنت إيران من الحفاظ على علاقة عمل مع الإمارات تتعرض الآن للتهديد. ومن المحتمل أيضا أن يكون البيت الأبيض قد شجع الإمارات والبحرين وغيرهما، الذين قد ينضمون إلى اتفاقيات "أبراهام" قبل الانتخابات الأمريكية، من خلال وعد الأمراء بفرصة شراء أسلحة متطورة مثل مقاتلات "إف-35" والطائرات بدون طيار ريبر. قد يتم إقناع إسرائيل، التي اعترضت على مثل هذه المعاملات حتى في الماضي القريب؛ لأن تزويد حلفائها الخليجيين بالمعدات يقلل من عزلتها في المنطقة. ويصبح تعزيز التحالف ضد طهران نقطة أخرى لصالح "نتنياهو".

لدى تركيا فرصة للظهور على أنها "طائر الفينيق المسالم" من ناحية، لكنها ستكون أيضا أكثر عزلة في الخليج؛ حيث لا يوجد سوى قطر كحليف موثوق. ومع ذلك، فإن اتفاقيات "إبراهام" لديها القدرة على كشف أي تطلعات قد لا تزال لدى الفلسطينيين لتأمين دولة خاصة بهم. سيتم منع إيران الأكثر عزلة وقطر المهمشة على التوالي (من خلال العقوبات والحرب الاقتصادية) من مساعدة حلفاء الفلسطينيين الرئيسيين مثل سوريا وحزب الله في لبنان، والذين يتعرضون بالفعل لضغوط من مشاكل سياسية واقتصادية داخلية كبيرة.

في النهاية، قد ينتهي الأمر بالشرق الأوسط بأكمله بالتوقيع على اتفاقيات "إبراهام" من أجل البقاء. فحتى سوريا كانت تفاوض في محادثات بوساطة تركيا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل في 2009-2010.

تعتبر السلطة الوطنية الفلسطينية هي المخرب الرئيسي لهذه العملية؛ حيث يمكن للضفة الغربية إما فتح بوابات الانتفاضة أمام حماس و / أو خلق أزمة لاجئين ضخمة أخرى في الشرق الأوسط وما وراءه.

حققت روسيا انتصارا استراتيجيا كبيرا في سوريا؛ مما سمح لها بالعودة إلى منطقة الشرق الأوسط بعد غياب يعود إلى سقوط الاتحاد السوفيتي في عام 1991. لكن هذا المكسب لا يمكن أن ينتج أي مكاسب جديدة لموسكو، التي أثبتت بالفعل وجودها. فموقفها في سوريا لا يتعارض مع الأهداف الإسرائيلية.

ما قد يتغير، في الواقع، هو علاقة موسكو بطهران. سيتعرض الروس لمزيد من الضغط لمساعدة سوريا على صد الهجمات الإسرائيلية (ولكن في نهاية المطاف، تخضع روسيا أيضا للمراقبة بسبب العقوبات والمخططات المنتظمة لتقويض مصداقيتها الدولية؛ على سبيل المثال، يمكن لموضوع "تسمم نافالني" الأخير أن يتبع بمطالب من الاتحاد الأوروبي بأن تتخلى ألمانيا عن خطط خط أنابيب السيل الشمالي. لذلك يجب على روسيا الحفاظ على سياسة إقامة علاقات ودية قدر الإمكان مع جميع الجهات الفاعلة.

قد تنظر الصين إلى تعزيز العلاقات بين الدول السنية الغنية وواشنطن باعتباره مصدر إزعاج، بالنظر إلى جهودها الخاصة لسحبها في فلكها. ومع ذلك، فإن الصين قبل كل شيء صبورة. لا تحتاج إلى تغيير سياساتها، بالنظر إلى استراتيجيتها على غرار روسيا؛ فقد كانت دائمًا تحافظ على علاقات وثيقة مع جميع الأطراف في الشرق الأوسط من إسرائيل إلى الدول السنية إلى إيران.

قد تمثل اتفاقيات "أبراهام" بالفعل "فجر شرق أوسط جديد"، كما قال "دونالد ترامب" لكن ليس بالضرورة شرق أوسط أفضل.

يمكن للفلسطينيين تفسير الاتفاقات على أنها خيانة؛ لأن دول الخليج عاكست ما كان حتى وقت قريب نقطة مركزية في سياسات الشرق الأوسط: لا تطبيع بدون دولة فلسطينية.

إذا كان انتقاد إيران متوقعا، فإن تركيا الأكثر قومية وإسلامية مع الرئيس "رجب طيب أردوغان" لديها سبب أكبر لإبعاد نفسها عن الناتو وأوروبا. علاوة على ذلك، نظرا لأن القضية الفلسطينية كانت دائما مشكلة للدول العربية، فقد تكون اتفاقيات "إبراهام" بمثابة "نفوذ" سعى العديد من هؤلاء من أجل التخلي عنه في النهاية.

حتى الثمانينيات من القرن الماضي، عمل اللاجئون الفلسطينيون من الأردن (أيلول الأسود 1970) إلى لبنان (الحرب الأهلية 1975-1990) على زعزعة استقرار الحكومات. إن دعم الفلسطينيين يبقي الدول العربية مثل سوريا، أعداء إسرائيل والولايات المتحدة في مسارات ضد مصلحتهم كما أظهرت الجهود لتأمين التطبيع مع  تل أبيب في عام 2010.

والآن، بسبب اتفاقيات "إبراهام"، هناك خطر متزايد ومأساوي من أن الدول العربية قد تستبدل القضية الفلسطينية بالسلام مع إسرائيل؛ الأمر الذي يعطي معنى اقتصاديا واستراتيجيا أكبر على المدى الطويل. والفلسطينيون يعرفون ذلك.

المصدر | أليساندرو برونو / انسايد أرابيا – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مبادرات التطبيع التطبيع مع الكيان الصهيوني التطبيع مع العدو الصهيوني التطبيع مع سرائيل