من منتجين للنفط إلى مراكز للتقنية.. تحولات مصيرية بالاقتصاد السعودي والإماراتي

الاثنين 2 نوفمبر 2020 02:14 ص

لا تتوقف طموحات الإمارات والسعودية عند استخدام التقنيات المتقدمة لزيادة كفاءة صناعات الوقود الأحفوري وتوفير التكلفة والسلامة فيها، بل تتجاوز تحسين قطاع الطاقة التقليدي، مع سعي الرياض وأبوظبي لتحويل اقتصاداتهما إلى مراكز تكنولوجية في الشرق الأوسط.

ومنذ وقت ليس ببعيد، بدا من الخيال تطوير تكنولوجيا قادرة على جمع البيانات الجيولوجية باستخدام الطائرات المسيرة المجهزة بأجهزة استشعار للمساعدة في العثور على رواسب جديدة للنفط والغاز وتحسين التنقيب عن النفط، واكتشاف تآكل المعدات وإجراء الصيانة التنبؤية لتقليل عمليات الإصلاحات غير المخطط لها وخفض تكاليف التشغيل.

لكن الذكاء الاصطناعي أصبح الآن حجر الزاوية في قطاعات الطاقة في الإمارات والسعودية.

ريادة الذكاء الاصطناعي

لا يكتفي البلدان بالذكاء الاصطناعي، بل يستخدمان أيضًا تحليلات البيانات الكبرى للحصول على معلومات في الوقت الفعلي عن عمليات النفط والغاز؛ بالإضافة إلى إنترنت الأشياء لتوصيل الأشخاص بالمعدات الصناعية وأجهزة الكمبيوتر؛ وكذلك الروبوتات والطائرات المسيرة لاستكشاف رواسب الوقود الأحفوري الجديدة وإجراء عمليات البحث.

وفي الوقت الذي يتزايد فيه استخدام التقنيات المتقدمة في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، برزت من بينهم الإمارات والسعودية في تبني الذكاء الاصطناعي وغيره من المعرفة الرقمية.

أنشأت الإمارات أول جامعة للذكاء الاصطناعي في العالم في أبوظبي في عام 2019، وأنشأت السعودية في العام نفسه مؤسسة حكومية جديدة تسمى الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA) للإشراف على استراتيجية الذكاء الاصطناعي في البلاد.

تثوير قطاع الطاقة

بالنسبة لكل من السعودية والإمارات، فإن الذكاء الاصطناعي يخدم غرضًا مزدوجًا يتمثل في جعل إنتاج الوقود الأحفوري أكفأ وأقل تكلفة، مع بناء اقتصاد قائم على التكنولوجيا على المدى الطويل، في إطار سعى هذه الدول إلى تقليل الاعتماد على صادرات النفط والغاز.

ومن المتوقع أن تكون هناك تغييرات كبيرة يخضع لها قطاعا النفط والغاز التقليديان في الإمارات والسعودية (لا تزال صادرات النفط تشكل أكثر من 70% من عائداتهما الحكومية السنوية) مع دمج البلدين للذكاء الاصطناعي في تغيير القيمة الكلية لتطوير الطاقة، فيما يشمل الاستكشاف والإنتاج والنقل والتوزيع والمبيعات.

ومع كون الإمارات رائدة إقليمية في استخدام التقنيات المتقدمة، تمكنت من الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتقنية "البلوك تشين" وتحليل البيانات لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة والربحية والسلامة في التنقيب عن النفط وإنتاجه وصيانته وتخزينه ونقله.

وتتعاون شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) مع شركات أوروبية وأمريكية لاستخدام طائرات بدون طيار لإجراء دراسات زلزالية للعثور على رواسب هيدروكربونية جديدة وكذلك جمع واستخدام البيانات في الوقت الفعلي لتقييم حالة المعدات التشغيلية والتنبؤ باحتياجات الصيانة.

ومنذ عام 2018، تعمل "أدنوك" التي تديرها الدولة مع شركة "IBM" لإنشاء برنامج محاسبة إلكتروني يتتبع ويصادق ويكمل المعاملات بين الشركات التابعة لها.

كما تستثمر "أدنوك" في تعزيز البرامج التعليمية التكنولوجية والعلمية في الإمارات، وفي أكتوبر/تشرين الأول، بدأت الشركة مشروعًا مشتركًا لتطوير منتجات الذكاء الاصطناعي التي من شأنها أن تجعل تطوير الطاقة أكفأ وأكثر ربحية وأمانًا.

ويتسق ذلك مع جهود الإمارات لتطوير واستخدام أحدث التقنيات للحفاظ على إنتاجية صناعة الطاقة لديها، وبناءً على ذلك، افتتحت "ميكروسوفت" مركزها الأول على الإطلاق للذكاء الاصطناعي في دراسات الطاقة في دبي هذا العام لتطوير المعرفة التكنولوجية الخاصة بصناعة الطاقة.

وتستخدم السعودية أيضًا تقنيات متقدمة لزيادة توفير التكاليف والكفاءات التشغيلية لقطاع الطاقة، وتهدف شركة النفط السعودية التي تديرها الدولة "أرامكو"، إلى أن تصبح شركة رائدة في مجال الطاقة عالية التقنية في العالم لإنتاج النفط والغاز بشكل اقتصادي ومستدام.

وحولت الشركة في العام الماضي مبنى إداريًا في الظهران إلى مركز "4IR" (أيّ الثورة الصناعية الرابعة) للمساعدة في صقل الخبرات الفنية لموظفيها، وتطوير حلول التقنيات المتقدمة لإنتاج النفط، وتحسين الأنشطة التشغيلية للشركة للكشف عن مشاعل غاز الميثان (مكون أساسي من الغاز الطبيعي يتم إطلاقه كمنتج ثانوي لاستخراج النفط) وأي أعطال.

كما تعمل "أرامكو" أيضًا على رقمنة أنشطتها التجارية، مثل تقديم العطاءات وإدارة العقود والبيع.

من النفط للتقنية

في الوقت نفسه، يدفع ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان" لجعل الذكاء الاصطناعي جزءًا مهمًا من خطة الإصلاح الاقتصادي التابعة لـ"رؤية 2030"، والتي تهدف لتقليل الاعتماد على الدخل النفطي وزيادة إنتاج الطاقة المتجددة.

وفي إطار رغبة ولي العهد السعودي في تنويع الاقتصاد القائم على النفط، يسعى لأن يجعل بلاده مركزًا تكنولوجيًا عالميًا في المستقبل.

ويقول "بن سلمان" إن كل شيء سيُربط بالذكاء الاصطناعي في مدينة "نيوم" المستقبلية والتي من المتوقع أن يتم بناؤها في العقد المقبل.

وسيكون الذكاء الاصطناعي مهمًا أيضًا في تسخير الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، حيث تهدف الحكومة السعودية إلى تلبية 50% من احتياجاتها من الكهرباء من خلال مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.

ونظرًا لانهيار أسعار النفط العالمية منذ عام 2016 - والتي تعرضت لضربة أخرى منذ ظهور جائحة "كورونا"هذا الربيع بعد التعافي إلى حد ما في عام 2018 - يتوقع محللو الطاقة أن يتسارع التشغيل الآلي ورقمنة صناعة الوقود الأحفوري في الدول المنتجة للنفط في الخليج، بما في ذلك الإمارات والسعودية.

تتطلب بيئة أسعار النفط المنخفضة المزيد من الكفاءات التشغيلية وتقليل تكاليف الإنتاج للحفاظ على بقاء شركات الوقود الأحفوري.

ومن المحتمل أن يؤدي هذا إلى إعادة تشكيل قطاعي النفط والغاز بشكل أساسي في هذه البلدان، مع إسراعها في التحول عن العمليات كثيفة العمالة نحو المزيد من التشغيل الآلي والحلول التكنولوجية.

ومع ذلك، تواجه دول الخليج تحديًا يتمثل في تحسين المهارات التكنولوجية لقوتها العاملة وخلق فرص عمل كافية للعدد المتزايد من الشباب العاطلين عن العمل في المنطقة، والتي كانت مشكلة موجودة قبل ظهور التقنيات المتقدمة بوقت طويل.

ومن المرجح أن يزداد مأزق البطالة بالنسبة لعدد السكان المتنامي في دول الخليج، مع حلول التكنولوجيا محل العمالة البشرية في القطاعات الاقتصادية الرئيسية، مثل الطاقة، والتي كانت توظف عادةً عدد كبير من الأشخاص.

المصدر | سالتانات بيرديكيفا/ إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصادر الطاقة في الخليج عصر ما بعد النفط محمد بن سلمان أدنوك رؤية 2030 فيروس كورونا

تقرير: اقتصادات الخليج تواجه انكماشا حادا في 2020 قبل تعافيها جزئيا العام المقبل

الوصول إلى النجوم.. لماذا تريد دول الخليج التحول إلى اقتصاد المعرفة؟