انقسامات داخل الحوثيين وتراجع شعبيتهم وسط فشل واضح في الحكم

الأربعاء 23 سبتمبر 2015 06:09 ص

في 21 إيلول/سبتمبر 2014 وصل المقاتلون الحوثيون إلى مدينة صنعاء التي فتح الموالون للرئيس السابق «علي عبدالله صالح» أبوابها. 

وبدخولهم العاصمة بدأت سلسلة من الأحداث التي قادت إلى عزل الرئيس «عبد ربه منصور هادي» وهروبه إلى عدن ومنها إلى الرياض حيث عملت حكومته التي حظيت بدعم دولي من هناك. 

وبعد أشهر من الغارات التي تقودها المملكة العربية السعودية حررت المقاومة الشعبية الموالية لهادي مدينة عدن وتقدمت في مناطق الجنوب وتخوض القوات التي لقيت تدريبا في السعودية وقوات برية من التحالف حربا طاحنة في السعوديين معارك شرسة في محافظة مأرب حيث تأمل هذه القوات بفتح الطريق أمام صنعاء. جاء هذا في الوقت الذي تحدث فيه زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي عما أسماه الخيارات الاستراتيجية وتعهد بالصمود في مواجهة من أسماهم «المحتلين» حتى ولو استمرت الحرب عدة سنوات. 

وهاجم الحوثي السعودية واتهمها بأنها شريك فيما تفعله إسرائيل في الأقصى اليوم. وجاء خطاب الحوثي وسط تقارير عن عودة هادي سرا إلى مدينة عدن التي سيصلي فيها عيد الأضحى، ولم تذكر التقارير هذه شيئا عن خطط هادي للمرحلة المقبلة، ولكن عودته جاءت بعد قرار حكومة خالد بحاح الإقامة الدائمة في عدن. وتزامنت التقارير عن عودة هادي مع تحركات دبلوماسية قادتها سلطنة عمان، حيث نجحت الوساطة العمانية بالإفراج عن رهائن سعوديين وغربيين وأمريكيين كان الحوثيون يحتجزونهم. 

وأفرج الحوثيون عن أمريكيين اثنين ولكنهم قرروا الاحتفاظ بأمريكي ثالث مسلم. واسم الأمريكيين اللذين أفرج عنهما هما «سكوت داردين» من مؤسسة للخدمات اللوجيستية في لويزيانا و«سام فران» الذي يعمل في شركة للخدمات الأمنية في ميتشغان. ورغم استمرار سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء إلا أن تقدمهم في الجنوب قد توقف وأجبروا على التراجع من عدن ومدن أخرى.

المعـركــة طـويلــة

وتركز قوات التحالف السعودي نظرها في الوقت الحالي على صنعاء، لكن المحللين يقولون إن سقوطها ليس قريبا. وبحسب جوردان بيري، من مؤسسة تقييم المخاطر فيرسك مابلكروفت «فانهيار سلطة الميليشيا الشيعية ليس قريبا». 

وقال «بعد عام من السيطرة على العاصمة صنعاء لا يزال الحوثيون متحصنين بشكل جيد فيها». وكان الحوثيون قد تحركوا من معاقلهم في الشمال بعد تحالفهم مع الموالين لصالح لتعطيل العملية السياسية التي كانت تهدف لتشكيل اليمن إلى ست محافظات فيدرالية وإعداد دستور للبلاد. 

وجاء تحرك الحوثيين والسيطرة على العاصمة رغم مشاركتهم في جلسات الحوار الوطني. وبدأت حملتهم تحت غطاء محاربة الفساد. ويرى «ماثيو غودريري» المتخصص في دراسات الإسلام السياسي في جامعة تولوز «بعد عام من الصراع المفتوح فالجميع خاسر». 

وأضاف في تصريحات لموقع «ميدل إيست آي» في لندن «لقد كشفت الحرب عن محدودية قدرة الحوثيين وصالح، فيما أجبرت قوات التحالف على الدخول ميدانيا» وفي الوقت نفسه تراجع تأثير «القاعدة» بصعود تنظيم «الدولة الإسلامية» في إشارة للهجمات التي نفذت ضد الحوثيين وأعلن «تنظيم الدولة» مسؤوليته عنها. وفي الوقت نفسه يعاني المدنيون من آثار الحرب عليهم ويقول غوديري إن الشعب اليمني أصبح «أسيرا» من كل الأطراف. 

ووصفت الأمم المتحدة الوضع في اليمن بالكارثة الإنسانية حيث يقتل يوميا ما معدله 30 شخصا ويجرح 185 شخصا. 

واتهمت منظمات حقوق الإنسان طيران التحالف باستهداف المناطق المدنية، لكن التحالف نفسه تعرض لخسائر منذ أن أرسل قوات برية من بينهم 67 من قوات دول الخليج. ويقول مصدر إن التقدم الميداني في مأرب «بطيء ولكنه واثق» حيث قدر المصدر عدد القوات البرية التي تشارك في العملية بحوالي 5.000 جندي معظمهم من الإمارات العربية المتحدة والسعودية.

انشـقـاقــات

ولم ينجح الحوثيون بعد عام من إقامة العدالة وتوحيد البلاد بل وتركت الحرب آثارها عليهم ويبدون اليوم أقل قوة مما كانوا عليه عندما دخلوا صنعاء، والسبب كما يقول المراقبون هو استمرار الحملة العسكرية التي تقودها السعودية، فقد خلقت نوعا من الشق في داخل الصف الحوثي. 

وتحدثت كاتبته «ميشيل غابريال» بمقال نشرته مجلة «فورين أفيرز» عن معضلة الحوثيين العسكرية والإدارية. 

وأشارت في البداية إلى الشعارات الجدارية التي رسمها مؤيدو الحوثيين في شوارع العاصمة، خاصة تلك التي رسموها على بوابة السفارة السعودية المغلقة الآن والتي تظهر جمجمة وثعبانا أسود بفم مفتوح وقصدوا من الرسم إرسال رسالة لجارتهم المملكة الثرية بأن لا تتدخل في اليمن. 

ولكن الرسوم الجدارية لم تفعل إلا القليل لوقف الغارات الجوية التي تقودها السعودية والتي استهدفت الحوثيين بشكل يومي في العاصمة صنعاء وبقية المدن اليمنية، وهو ما أدى لإضعاف مواقعهم والدعم الشعبي لهم. 

فالمواقف المتحدية من قادتهم والصواريخ التي يطلقونها من الحدود مع السعودية وقتل عدد من قوات التحالف بداية هذا الشهر لم تعد تهم المدنيين. ولم تنفع هجمات الحوثيين على منافسيهم والتي قادت مع الغارات السعودية إلى خسائر بشرية فادحة بين المدنيين وقادت بعض جماعات حقوق الإنسان لاعتبارها «جرائم حرب». 

وتشير غابريال إن السكان المحليين في صنعاء الذين كانوا بشكل عام يدعمون الحوثيين يتناقشون فيما بينهم من هو الأسوأ: الحوثيون أم السعوديون. ويتساوق مع هذا الموقف ظاهرة أخرى بدأت تضعف الصف الحوثي وهي استمرار عمليات الانشقاق منها والانقسام داخلها بين الأول، وهو تيار المحافظين المتشددين أو رجال الحماسة الذين يتبعون خط مؤسس الحركة حسين بدر الدين الحوثي الذي فضل استخدام القوة، والثاني هو التيار البراغماتي الذي يدفع باتجاه حل سياسي.

تحالف ضد الإسلاميين

وتشير الكاتبة لتطور الحركة والطريقة التي تقدمت بها من الشمال إلى الجنوب بعد أن بنت ترسانة من الأسلحة وبنى المقاتلون الحوثيون في طريقهم تحالفات مع قبائل تشعر بالحرمان مثلهم في الشمال، وتحالفوا مع جماعات سياسية أخرى وتلك المعادية للإسلاميين من الليبراليين والمحافظين على حد سواء. واستطاع الحوثيون بناء علاقات مع القوات المسلحة اليمنية التي ظلت على ولائها لصالح الذي كان قائدها لمدة 32 عاما قضى منها ستة أعوام في قتال الحوثيين. 

وفي هذا السياق تشير للوعود التي قدمها عبدالملك الحوثي عندما سيطر على صناع وهي تحقيق المساواة بين القبائل ومكافحة الفساد والإرهاب. 

ووعد الحوثي عددا من مؤيديه بناء متنزه ليحل محل الثكنات العسكرية. لكن الحوثيين فشلوا في تحقيق التحول من حركة تمرد عسكري إلى حركة سياسة.

زيـادة الطـائفيــة

وترى أن الحوثيين باندفاعهم نحو الجنوب ذي الغالبية المسلمة وباسم مكافحة الإرهاب عملوا على بذر الطائفية، وهو ما دفع مشائخ القبائل الجنوبية للتحالف مع تنظيم «القاعدة» لمواجهة الحوثيين، خاصة أن القاعدة هي القوة الوحيدة والمنظمة في المنطقة. 

وأدى التوسع الحوثي في الجنوب إلى خلق جو من الفوضى وغياب القانون وهو ما سمح لعناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا الدخول وملء الفراغ. 

ومن هنا فقد خدم الحوثيون «القاعدة» والعكس، كما كتب المعلق اليمني حسين الوادي «لا أحد خدم الحوثيين مثل القاعدة ولا أحد قدم خدمات للقاعدة مثل الحوثيين»، فقد استخدم كل فريق العداء المستحكم بينهما لحشد الدعم الشعبي لهما.

قمــع ومـلاحقــات 

وبدلا من تحويل الثكنات العسكرية فقد استخدم الحوثيون غرفا كسجن لاعتقال المناوئين لهم. ونقلت عن مؤيد سابق للجماعة المتمردة قوله «وجد الحوثيون أنفسهم أمام موجة عالية ولكنهم لم يعرفوا السباحة». 

وأشار حليف آخر للحوثيين قائلا إنهم أقاموا نظاما ديكتاتوريا ونصبوا في كل مناصب الدولة من أجل مراقبة الموظفين وتطهيرها من المعادين لهم. 

وأشار لعجزهم في إدارة مؤسسات الدولة والقمع المبالغ فيه ضد معارضيهم ولا تنس الاختطاف والتعذيب ومراقبة الإعلام ومحاولة إسكاته. 

وفي الوقت نفسه قام الحوثيون بإعداد قائمة سوداء لعدد كبير من موظفي الحكومة لمجرد شكهم بعلاقتهم مع الإسلاميين. 

وفي الوقت نفسه اعتقلوا وسجنوا مئات من قادة واتباع حزب «الإصلاح اليمني». ومن أجل الإفراج عنهم أجبروا على الحديث عبر تلفزيون الحركة «المسيرة» وطلب منهم شجب التحالف السعودي أو كتابة تعهد بدعم «الحركة القرآنية» الحوثية. 

ومن بين القادة الإصلاحيين محمد قحطان الذي طلب منه شجب السعودية لكنه رفض حسبما نقلت عن ابنه زيد. 

ونقلت عن أحد قادة الحوثيين البارزين ضيف الله الشامي تبريره الاعتقال بأنه مبرر بسبب ظروف الحرب. 

وتتحدث الكاتبة عن حملة ملاحقة الإعلام والمثقفين وتدمير بيوت المعارضين لهم. وهدم البيت في التقاليد القبلية رمزي ويعني أن من لا يستطيع حماية بيته يجلب العار على نفسه والقبيلة ويجب أن ينفى منها. 

ونتيجة لهذا أجبر عدد كبير من المثقفين والساحة والتكنوقراط على مغادرة بلادهم إلى السعودية وتركيا وجنوب شرقي آسيا، خوفا من عمليات انتقامية. وترى الكاتبة أن خيار المنفى هو الأسلم بالنسبة لهؤلاء فخلاف بسيط مع الحوثيين يقود للسجن. 

وتنقل عن «سادل المعلمي»، المستشار القانوني لوزارة الثقافة وعضو جماعة «الإصلاح» قوله إنه سجن بسبب عمله كمحام للوزارة في قضية ضد أحد الحوثيين. 

ويقول إن قياديا لقبه «أبو بارود» حاصر منزله مع مجموعة من المقاتلين واقتادوه لمكان سري حيث حققوا معه لسبع ساعات قبل نقله إلى محطة شرطة وأفرج عنه لاحقا. ومثل المعلمي فقد اعتقل الحوثيين عددا من الصحافيين وأساتذة الجامعات والشبان والمؤسسات الإعلامية وأغلقوا المواقع اليمنية المعروفة على الإنترنت.

سـرقـة

ولم يكن أداء الحوثيين في إدارة الاقتصاد بأحسن من المجالات الأخرى. ويقول النقاد إنهم كانوا وراء رفع القيود عن أسعار الوقود، ما سمح لهم بالحصول على أموال لتمويل الحرب ولكنه ترك المواطنين من دون وقود. 

وفي الوقت الذي دعا فيه الحوثيون لمقاطعة البضائع الأمريكية لكن السكان يقولون إنهم صادروا المصانع والمحلات التي تحمل الماركات الامريكية والمطاعم مثل «كي أف سي» و «باسكين روبنز» والتي كان يديرها أبناء عائلة الأحمر. 

وبدلا من إغلاقها استبدلوا العاملين فيها وسيطروا على العمليات فيها وحصلوا على المال. وفرض الحوثيون ضرائب ثقيلة على رجال الأعمال لدعم «الجهود الحربية». 

وفي الشهر الماضي قامت نسوة بتظاهرة أمام محطة وقود وأشعلن إطارات السيارات لرفض صاحبها بيعهن الوقود. 

وعندما اشتكين للحوثيين أنه يهرب الوقود كان الجواب «لقد ذهبت لدعم الجهود الحربية». ولا تتوقف مشاكل الحوثيين عند الإدارة وفشلهم في الحكم بل وخسائرهم في المعارك. فالغارات الجوية والمعارك البرية تركت العديد من المدن شبه مدمرة وهو ما فاقم الأزمة الإنسانية في أفقر دول المنطقة. 

وبحسب تقديرات الأمم المتحدة فقد سقط أكثر من 4.000 قتيل و 19.000 جريح منذ بداية الغارات في آذار/مارس الماضي. وشردت الحرب 1.3 مليون نسمة فيما يعاني 13 مليون من نقص في المواد الغذائية. 

وفي الوقت الذي يواصل التحالف تقدمه في مأرب إلا أن القصف الجوي عمق من الانقسام الطائفي داخل اليمن. ففي الجنوب يدعم سكانه في غالبيتهم الحملة السعودية. أما في الشمال فيحمل السكان وغالبيتهم من الزيديين كراهية ضد السعوديين.

تيــارات

وقادت الحملة الجوية لخلق صدع داخل الحركة الحوثية نفسها. فعلي البخيتي الذي كان حتى إيلول/سبتمبر أحد قادة الحوثيين البارزين وانشق عنهم وصف الحركة على صفحته في الفيسبوك بأنهم «لصوص الله». 

واعترف «علي العماد» رئيس اللجنة الثورية المتهم بسلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان وسوء الإدارة بفشل الحركة في الإدارة وألقى اللوم على المتشددين فيها. 

واستقال عبده بشر من اللجنة الثورية العليا حيث اتهم القادة بإنشاء أجهزة وواجهات للحكم من ورائها. 

ويرى الباحث «محمد عزان» أن قوة كل فصيل في داخل الحركة الحوثية يعتمد على الظروف. فعندما يتم تحقيق انتصار عسكري يعلو صوت المتشددين، لكنهم في وقت الهزيمة كما يقول عزان «يعلو صوت الحكمة». أما اليمنيون فمنهم من يرى أن الحوثيين هم أقل شرا من السعوديين والفوضى التي جلبوها لجارهم الجنوبي. 

ولكن هذا لا يعني شعبية الحوثيين. ففي جلسة قات في صنعاء قال «أمين جمعة» إن شعبيتهم تضعف، ولكن لم يحن الوقت للتخلي عنهم. مستشهدا بالمثل الذي يقول «أنا وأخوي على ابن عمي وانا وابن عمي على الغريب». فبالنسبة له يظل السعوديون العدو.

  كلمات مفتاحية

اليمن الحوثيين أنصار الله التحالف العربي صنعاء عدن مأرب الحوثي السعودية

خطيب عرفة يهاجم «الحوثيين» ويدعو لنصرة المسجد الأقصى ويطالب اللاجئين بالصبر

اليمن والخليج العربي والرئيس «عبد ربه»

تحرير الحوثيين لأسعار النفط يهوي بعملة اليمن لأدنى مستوى منذ 5 سنوات

الهزائم واستراتيجية تقطيع الأوصال تحاصر الحوثيين في «آزال»

إدارة مليشيا اليمن.. ما تكلفتها؟

130 قتيلا في قصف لقاعة زفاف في المخا غربي اليمن.. والتحالف ينفي مسؤوليته