صحيفة: اقتراح قطر لحوار خليجي إيراني يعكس براغماتية ثابتة في الدبلوماسية القطرية

الأربعاء 30 سبتمبر 2015 09:09 ص

أعلن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني امس الاول الاثنين استعداد بلاده لاستضافة حوار بين إيران ودول الخليج، مؤكدا إن الخلافات بين الجانبين سياسية وليست سنية - شيعية. جاء ذلك في كلمة ألقاها، خلال أعمال الدورة الـ70 للجمعية العامة للأمم المتحدة. 

وقال فيها ان إيران «دولة جارة مهمة، والتعاون معها في مصلحة المنطقة، ولا يوجد خلاف متعلق بالعلاقات الثنائية بين بلدينا». 

واضاف: «الخلافات القائمة برأيي هي خلافات سياسية إقليمية عربية – إيرانية، وليست سنية – شيعية، يمكن حلها بالحوار والاتفاق على قواعد تنظم العلاقات بين إيران ودول الخليج، على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وقد آن الأوان لإجراء حوار هادف من هذا النوع، بين دول سوف تبقى دائما دولا جارة، ولا تحتاج لوساطة أحد، ونحن مستعدون لاستضافة حوار كهذا عندنا في قطر».

وبنظرة متأنية الى خطابه، يتضح ان أمير قطر لم يكتف بتوجيه هذه الدعوة، التي تأتي وسط اجواء من التوتر غير المسبوق، لكنه قدم تشخيصا لطبيعة الصراع، ووضع كذلك أساسا واضحا للحوار المقترح مستندا الى أحد أهم المبادئ في العلاقات الدولية، وهو احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤون الآخرين.

ومن الانصاف هنا ان يسجل لقطر، هذه الجرأة على طرح خطاب موضوعي كهذا يختلف عن اللهجة «الحادة» السائدة في التصريحات الرسمية ووسائل الاعلام في بعض الدول الخليجية، والتي تعمل احيانا على «شيطنة ايران» وكيل الاتهامات لها من دون حساب. 

ومن البديهي أن مجرد انعقاد حوار كهذا، وسط هذه المعطيات الصعبة، سيكون انجازا في حد ذاته، لما سيمثله من فرصة فريدة لمناقشات تتجاوز العلاقات المباشرة بين ايران ودول الخليج إلى ملفات إقليمية صعبة مثل سوريا واليمن والعراق ولبنان.

وحسب تقارير صحافية فإن وزير خارجية قطر الشيخ خالد العطية كان طرح اقتراح الحوار مع ايران على اجتماع لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في الرياض قبل اسابيع، ولقي ترحيبا واسعا من سلطنة عمان، إلا أنه ووجه بتحفظ شديد من السعودية والامارات.

ومن دون شك فإن إصرار قطر على طرح الاقتراح مجددا، وفي خطاب أميرها الشيخ تميم أمام الامم المتحدة يعكس نهجا براغماتيا ثابتا في الدبلوماسية القطرية. إذ لم يعد ممكنا تجاهل المعطيات الاستراتيجية الجديدة التي حولت إيران من مجرد جار قوي الى «دولة نووية» معترف بها دوليا، وهنا تحديدا تأتي اهمية الحوار في رسم خطوط فاصلة، إذ ان مكانة ايران الاقليمية لا يمكن ان تسوغ لها قانونا، وبأي حال من الاحوال، التدخل في شؤون الاخرين. 

اما الهدف الأكثر أهمية الذي يمكن للحوار ان يسهم في تحقيقه، والذي اشار اليه أمير قطر، فهو ما يمكن تسميته بنزع «الفتيل الطائفي» من الصراع مع ايران، وابقائه في اطاره السياسي الطبيعي، بعيدا عن نبرة «السنة والشيعة»، التي اصبحت تطغى على مصطلحات السياسة المعروفة، وتهدد بانفجار مذهبي اقليمي قد لا ينجو منه احد. 

ويصعب على المراقب تصور حصول استجابة سريعة لدعوة الحوار القطرية في ظل تصاعد المواجهة وتبادل الإتهامات بين طهران والرياض، وخاصة بعد الحادث المأساوي للحجاج في مشعر منى. ومع ذلك فإن جميع الاطراف قد لا تجد في النهاية مفرا من الجلوس الى طاولة حوار، بالنظر الى حجم التعقيدات السياسية، وحقيقة ان الحسم العسكري، الذي لم يكن يوما ممكنا لحل الصراعات الاقليمية، اصبح اليوم اقرب الى المستحيل.

ومن المستغرب حقا، ان يزايد البعض في معاداة ايران او استعدائها بالزعم أن بدء حوار معها قد يكون «مؤامرة جديدة ضد العرب»، وكأن الحديث هنا عن «دول قاصرة» لا تعرف كيف تحمي مصالحها، او تصون استقلالها، في حين لايجد هؤلاء غضاضة في حوار خليجي مع الولايات المتحدة التي لم تتردد في التخلي عن حلفائها التاريخيين في الخليج، والانحياز الى مصالحها بعقد الاتفاق النووي مع إيران، بل ومكافأتها على ذلك بصفقات اسلحة جديدة بالمليارات.

ولا تقلل الدعوة القطرية لحوار خليجي مع ايران من الحاجة الى حوار استراتيجي عربي – عربي في وقت تحول فيه العالم العربي الى ساحة لصراعات دولية، اذ يكتفي العرب بالفرجة بينما يتحدد مصيرهم في كواليس الامم المتحدة، او اقبية مخابرات دولية، دونما اي تأثير او حضور لهم. 

فهل تتخذ الدول الخليجية وايران القرار الصعب، لكن الصحيح، بالجلوس الى طاولة حوار موضوعي وواقعي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وقبل فوات الأوان؟

  كلمات مفتاحية

قطر الدبلوماسية القطرية الخليج إيران العلاقات الخليجية الإيرانية

لعبة الشطرنج تحتدم في سوريا بين قوى إقليمية ودولية .. و«الأسد» مفعول به

أمير قطر يعرض من منصة الأمم المتحدة استضافة حوار خليجي إيراني

أمير قطر يخاطب زعماء العالم في نيويورك

الإمارات: لدينا رؤية للعمل العربي بالتعاون مع السعودية ومصر