تدريب وتمويل وتدخل مباشر.. عسكرة السياسة الخارجية للإمارات

الثلاثاء 22 ديسمبر 2020 04:36 ص

برزت الجهود العسكرية الإقليمية لدولة الإمارات في البداية كآلية تركز على بناء السلام، ولكن منذ اندلاع الربيع العربي عام 2011، والأحداث التي أعقبت الانتفاضات الشعبية، اتخذت أبوظبي موقفا عسكريا أكثر استباقية وعدوانية.

وقد انخرطت أبوظبي في مبادرات عسكرية متعددة الأطراف، مثل فرض منطقة حظر طيران في ليبيا أثناء تدخل "الناتو" ضد "معمر القذافي"، وكذلك في سوريا كعضو في التحالف العالمي لهزيمة تنظيم "الدولة".

وفي الآونة الأخيرة، كانت الإمارات تنحاز بشكل علني إلى طرف في أي من الحروب الأهلية في المنطقة.

وفي ليبيا، دعمت أبوظبي بقوة الجنرال السابق "خليفة حفتر" ضد الحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس.

كما لعبت الإمارات دورا أساسيا كعضو في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن والذي نشر الفوضى في البلاد وقادها إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

وفي جهود أقل وضوحا، عملت الإمارات على إنشاء قواعد جوية وبحرية في إريتريا وأرض الصومال، ويعد ميناء "عصب" في إريتريا نقطة انطلاق معروفة لعمليات الإمارات في اليمن، كما أوضح "فرانك سليبر"، رئيس برنامج تجارة الأسلحة في مؤسسة "باكس".

وقال "ديفيد روبرتس"، الأستاذ المساعد في كلية "كينجز" في لندن، إن الإمارات مدفوعة بمجموعة من المبادئ التي تستند إلى الانقسامات العميقة التي تراها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتسعى إلى دعم الجماعات التي تتبنى وجهة نظر قومية أو معادية للدين. 

وبعبارة أخرى، فإن أي دولة أو حزب يتلاءم مع العداء للإسلام يكون حليفا محتملا في المنطقة، كما قال "سليبر"، مضيفا أن هناك أيضا جانبا عمليا لنهج الإمارات، كما يوضح "اتفاق التطبيع" الأخير مع إسرائيل.

وأدى تطبيع العلاقات مع إسرائيل إلى فتح علاقة تجارية مربحة محتملة مع دولة ثرية ذات تقنية عالية، وفي الوقت نفسه منح الإمارات تقدما في سعيها للحصول على الأسلحة الأمريكية الأكثر تقدما، بما في ذلك طائرة "إف-35" والطائرات بدون طيار، وكل هذا بالطبع على خلفية العدو المشترك إيران.

ومن وجهة نظر "إيما سوبرييه"، الباحثة الزائرة في معهد دول الخليج العربي في واشنطن، فإن استعراض الإمارات للقوة الصلبة، وتأسيسها للقوة الناعمة المرتبطة بالقوة الصلبة، موجها بشكل أساسي إلى الجمهور العالمي وليس الجمهور الإقليمي.

وتابعت "سوبرييه" أنه من خلال مشاركتها في بعثات حفظ السلام الدولية منذ التسعينات، بنت الإمارات مصداقية عسكرية ملحوظة في الدول الغربية، فلم تتدخل حتى وقت قريب إلا لدعم التحالفات التي يقرها القانون الدولي، وفقا لأهداف جماعية.

وبعد الاعتراف بها كجهة فاعلة وشريكا موثوقا من قبل القوى الخارجية، بدأت الإمارات في إبراز قوتها الصارمة بما يتماشى مع أهدافها ومصالحها الخاصة، في ليبيا اعتبارا من يوليو/تموز 2014، وفي اليمن اعتبارا من مارس/آذار 2015، بهدف توسيع نفوذها وترسيخ نفسها كقوة إقليمية جديدة.

وبالرغم أن الإمارات كانت متحالفة بشكل وثيق مع السعودية، لكن الإمارات أظهرت أنها لم تعد الشريك الأصغر للرياض، ولكنها أكثر من قادرة على التنافس مع القوى الإقليمية الأخرى مثل مصر وتركيا وإيران.

ووفقا لـ"سليبر"، لا تخشى الإمارات استخدام القوة حيثما يهدد الصراع مصالحها المتصورة، وفي الوقت نفسه، تستخدم أبوظبي وسائل أكثر ليونة، مثل المصادر المالية والاستثمارات في البنية التحتية على وجه التحديد، لتأسيس وتعزيز العلاقات العسكرية في مصر والقرن الأفريقي على سبيل المثال.

كما يلاحظ أنه مع التوسع السريع في صناعتها العسكرية المحلية، سعت الإمارات إلى إقامة روابط عسكرية دولية من خلال توفير مجموعة من الأسلحة والمركبات العسكرية إلى 12 دولة في أفريقيا، ما يشير إلى أن عمليات نقل الأسلحة أداة مهمة أخرى في السياسة الخارجية الإماراتية.

وفي بعض الحالات، تتجاهل عمليات النقل هذه بوضوح حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، كما هو الحال في ليبيا، حيث أبلغ محققو الأمم المتحدة عن انتهاكات عديدة.

وبالإضافة إلى الاستثمار بكثافة في قواتها المسلحة، والمشاركة في مهام متعددة في الخارج، كانت أبوظبي نشطة بشكل متزايد في تطوير قسم التعاون في التدريب العسكري، الذي من المقرر أن يصبح علامة تجارية للسياسة الخارجية لدولة الإمارات وأداة مهمة لتوسيع نفوذها الجيوسياسي.

وفي العقد الماضي، قدم الاتحاد الإماراتي التدريب والتعليم العسكري للعديد من الكيانات في الشرق الأوسط وأفريقيا وغرب آسيا في كثير من الأماكن، خاصة البلدان أو المناطق التي كانت الإمارات تعمل فيها سابقا في حفظ السلام.

وفي اليمن، على سبيل المثال، تدعم الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي من خلال تدريب وتمويل قوات الحزام الأمني، التي تم إضفاء الطابع المؤسسي عليها لاحقا تحت إشراف وزارة الداخلية والجيش، كما قدمت أبوظبي تدريبات لقوات النخبة الأفغانية.

وفي الأعوام الأخيرة، ركزت الإمارات أيضا على مجموعة دول الساحل الخمسة الأفريقية، وهي النيجر وبوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا، حيث أسست كلية "محمد بن زايد" للدفاع عام 2016، التي بدأت تدريب كبار ضباط القوة الأفريقية في وقت سابق من هذا العام.

ومع ذلك، فإن إبراز القوة الصلبة من خلال التدخل العسكري والتعاون ليس سوى واحدة من ركائز السياسة الخارجية للإمارات، حيث يصاحبها أيضا دبلوماسية اقتصادية واسعة وعلامة تجارية للدولة تعتمد على القوة الناعمة.

ولعبت تكتيكات القوة الناعمة للإمارات دورا حاسما في تطوير العملاق اللوجستي "موانئ دبي العالمية"، وتتجاوز استراتيجية الشركة وأنشطتها إلى حد كبير سلوك الشركات التقليدي الذي يتبع عادةً منطق السوق، حيث ترتبط الشركة ارتباطا وثيقا بأهداف السياسة الخارجية للإمارات.

وتملك الموانئ التي تديرها "موانئ دبي العالمية" القدرة على استيعاب القوات البحرية وغيرها من القوات العسكرية، ما يجعل الشركة شريكا لا غنى عنه لطموحات السياسة الخارجية والعسكرية للإمارات.

ولا يعد هذا مفاجئا بالنظر إلى أن المساهم الرئيسي في موانئ دبي العالمية هو الشيخ "محمد بن راشد آل مكتوم"، حاكم دبي ورئيس وزراء الدولة.

وفي سعيها لتصبح قوة إقليمية، أصبح العنصر العسكري في السياسة الخارجية للإمارات ذا أهمية متزايدة في الأعوام الأخيرة، ويُنظر إلى العسكرة المقترنة بالقومية الوطنية وكراهية الإسلام على أنها مكون رئيسي للتماسك الوطني.

وفي العملية المستمرة لبناء الدولة، كان البعد العسكري ضئيلا لفترة طويلة، وكان مجرد مكمل لعائدات النفط، بينما اعتمدت في أمنها إلى حد كبير على وجود قوى أجنبية، لكن هذا تغير بشكل جذري وازداد دور الجيش بشكل كبير كأحد الأدوات الرئيسية لتعزيز الهوية الوطنية مع التغلب على الانقسامات الدينية والقبلية والإقليمية.

وكما أشارت "إليونورا أرديماغني" في تحليل عام 2019 لمؤسسة "كارنيجي"، فإن "العسكرة تعني المركزية لتعزيز الأسبقية الاستراتيجية لأبوظبي على الإمارات الـ6 الأخرى داخل الاتحاد الفضفاض، خاصة دبي، ودعم خطط الإماراتيين الطموحة لمشروع القوة الجيوسياسية".

وتعتقد "سوبرييه" أنه "من خلال استخدام القوة، تعمل الإمارات على ترسيخ علامة تجارية وطنية كانت في طور الإعداد لفترة طويلة، وتنتقل بها ببساطة إلى المستوى التالي، حيث تثبت الإمارات نفسها كقوة لا يستهان بها في الشرق الأوسط الجديد.

وقد خلفت هذه النزعة العسكرية العدوانية وراءها سلسلة من الضحايا والفظائع في البلدان المبتلاة بالفقر وغياب القانون.

وفي المقابل، فإن صعود المشاعر القومية مدفوعة بتزايد النزعة العسكرية، يسهم إلى حد كبير في الاستقطاب الإقليمي بينما يزيد من تعقيد العلاقات الهشة بالفعل بين دول الخليج.

المصدر | ستاسا سلاكانين | إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

القوة الناعمة القوة الصلبة القوة العسكرية الإماراتية الاستراتيجية الإماراتية الشرق الأوسط شمال أفريقيا

الإمارات تُمدد أذرعها في أفريقيا بشبكة مصالح اقتصادية وعسكرية