الموقف الأمريكي الناشئ من الدول العربية المعتدلة

الثلاثاء 22 ديسمبر 2020 05:03 م

يثير اقتراب دخول "جو بايدن" البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني 2021 قلقا شديدا بين القادة في الدول العربية السنية المصنفة على أنها معتدلة. وينبع قلقها المباشر من التزامه المعلن علنا بإعادة الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. ويعني هذا تضمين رفع العقوبات المفروضة على إيران من قبل إدارة "ترامب" المنتهية ولايتها باعتبارها "نقطة انطلاق لمفاوضات تابعة".

ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز"، في خبر بتاريخ 2 ديسمبر/كانون الأول 2020، يعتقد "بايدن" أن العودة إلى الاتفاق ستكون "أفضل طريقة لتحقيق بعض الاستقرار في المنطقة".

علاوة على ذلك، عمل وزير الخارجية الأمريكي القادم "أنتوني بلينكين"، ومستشار الأمن القومي القادم "جيك سوليفان"، ومبعوث المناخ "جون كيري"، عن كثب مع المسؤولين الإيرانيين خلال عامين من المفاوضات التي أدت إلى إبرام الاتفاق النووي الإيراني في 14 يوليو/تموز 2015.

وأظهرت السياسة الخارجية لإدارة "ترامب" الدعم للأنظمة السنية الرائدة، ولا سيما السعودية ومصر، وفقا لنهج السياسة الواقعية القائم على المصالح العملية.

وبالتالي، فإن عودة الإدارة الديمقراطية إلى واشنطن تعتبرها الرياض والقاهرة كابوسا. وتستحضر مؤشرات العودة المتوقعة للقيم "السياسية الصحيحة" إلى مركز أجندة السياسة الخارجية الأمريكية، بما في ذلك التأكيد على حقوق الإنسان والمطالب المحتملة لإرساء الديمقراطية كشرط للحفاظ على العلاقات الخاصة مع واشنطن، "العصر المظلم" لإدارة "أوباما" من وجهة نظر القادة في البلدين.

وفي محاولة للتأثير على الرئيس المنتخب "بايدن" وفريقه، قال "عبدالله المعلمي"، مبعوث الرياض لدى الأمم المتحدة، إنه لا ينبغي لأحد أن يكون "ساذجا" بحيث يعيد الدخول في الاتفاق النووي الإيراني السابق. وفي مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" في 23 نوفمبر/تشرين الثاني، أكد الدبلوماسي السعودي أن العالم شهد فشل الاتفاق ولا ينبغي العودة إلى هذا الترتيب القديم.

ودعا "المعلمي" إلى اتفاق مختلف، اتفاق يشمل السعودية ولا يقتصر على كبح جماح الطموحات النووية الإيرانية، ولكنه يتناول أيضا برنامجها الصاروخي والدعم المادي للجماعات التي تعمل لصالحها بالوكالة.

وقال وزير الخارجية السعودي الأمير "فيصل بن فرحان": "ما نتوقعه هو أن تتم استشارتنا بشكل كامل، وأن تتم استشارتنا نحن وأصدقائنا الإقليميين الآخرين بشكل كامل فيما يتعلق بالمفاوضات مع إيران".

وكان الصوت الأكثر مباشرة في هذه القضية هو صوت رئيس المخابرات السعودية السابق، الأمير "تركي الفيصل"، الذي حذر "بايدن" مباشرة، قائلا: "أيها الرئيس المنتخب، لا تكرر أخطاء ونواقص الاتفاق الأول. فأي اتفاق غير شامل لن يحقق السلام والأمن الدائمين في منطقتنا".

وقال "تركي الفيصل" في خطاب ألقاه أمام المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية العربية في المنامة، في 6 ديسمبر/كانون الأول، إن السلوك الإيراني التخريبي الإقليمي في العراق وسوريا واليمن ولبنان والسعودية من خلال مهاجمتها بشكل مباشر وغير مباشر للمنشآت النفطية، يمثل نفس القدر من التهديد الذي يمثله برنامجها النووي". وحذر "بايدن" من تكرار "أخطاء" الماضي، وأوصى بشدة بأن يتضمن أي اتفاق جديد جميع القضايا ذات الاهتمام، ما يعني أن أصدقاء واشنطن وحلفاءها يجب أن يكونوا جزءا من المفاوضات.

وفي الوقت نفسه، يبدو أن مكانة ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، التي غالبا ما كانت توصف بأنها القوة الكامنة وراء عرش والده "سلمان"، متزعزعة. ويُعتبر على نطاق واسع متورطا لدوره في اغتيال الصحفي في واشنطن بوست والمعارض السعودي "جمال خاشقجي" في تركيا عام 2018، ومن المرجح أن تعامله إدارة "بايدن" كمنبوذ. وعلى العكس، خلال إدارة "ترامب"، كان "محمد بن سلمان" يُعتبر شخصية أساسية في سياسة الولايات المتحدة في الخليج العربي.

ويستجلب مجيء الإدارة الجديدة في واشنطن حالة تأهب قصوى للرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" كذلك. فالسيناريو الذي يثير أكبر مخاوفه هو عودة التعاطف الأمريكي مع "الإخوان المسلمون" في مصر. وسيكون هذا بمثابة بعث لروح إدارة "أوباما" التي دعمت رئاسة "محمد مرسي" بعد خلع "حسني مبارك".

ومن المؤشرات الواضحة على عدم ارتياح مصر العمود الخاص الذي نُشر في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020 في صحيفة "الأهرام ويكلي"، التي تعتبر ناطقة بلسان النظام. وكان كاتب العمود، "عزت إبراهيم"، مراسل الصحيفة في واشنطن عندما اندلعت ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في مصر خلال "الربيع العربي".

وتعبيرا عن أفكار "السيسي"، أعرب "إبراهيم" عن مخاوفه من أن تحاول جماعة الإخوان، بعد تنصيب الرئيس الجديد للولايات المتحدة، تقديم نفسها من جديد للإدارة الديمقراطية القادمة من خلال اللعب على فكرة أن الأحداث الجارية في مصر تقوض "التيارات المعتدلة" داخل الجماعة وتضعفها، باعتبارها "جدار حماية ضد التطرف".

وذكّر القراء بأنه تم استقبال مجموعة من ما يسمى بائتلاف الشباب الثوري المصري تضم شخصيات معروفة من الثورة في واشنطن في أكتوبر/تشرين الأول 2011، بما في ذلك في وزارة الخارجية. وكان هذا جزءا من سياسة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "هيلاري كلينتون" لتعزيز الحوار مع "الإخوان المسلمون".

واختتم "إبراهيم" مقالته بتحذير صارخ: "إذا نجحت جماعة الإخوان في الترويج لمثل هذه الأفكار الزائفة، فلن يؤدي هذا إلا إلى تعزيز الإرهاب وتعزيز التعصب والانفصال داخل المجتمعات المسلمة في الغرب".

وتجدر الإشارة إلى أن النظام المصري الحالي كان وراء مبادرة السيناتور الجمهوري الأمريكي "تيد كروز" لإعادة تقديم مشروع قانون في الكونجرس هذا العام لتصنيف جماعة "الإخوان المسلمون" منظمة إرهابية في الولايات المتحدة ومطالبة وزارة الخارجية بتقديم أدلة لإدراج الجماعة على قائمة المنظمات الداعمة للإرهاب.

واعتبارا من اليوم، يبدو أن "بايدن" ملتزم بمشروع لعكس مواقف السياسة الخارجية لـ"ترامب" و"بومبيو" بغض النظر عن الحقائق على الأرض. وبينما يدعي "بايدن" أنه يريد سياسة خارجية تتطلع إلى المستقبل، وليس الماضي، فإن مستشاريه حريصون على إقناعه بإعطاء الأولوية للعودة الأمريكية إلى خطة العمل الشاملة المشتركة.

وهم يناقشون احتمال توقيع "بايدن" على أمر تنفيذي رئاسي يلغي أمر "ترامب" التنفيذي لعام 2018 ويمنح وزيري الخارجية والخزانة الضوء الأخضر للشروع في رفع العقوبات المتعلقة بالمجال النووي.

وقالت مسؤولة السياسة الخارجية السابقة في الاتحاد الأوروبي "فيديريكا موجيريني"، في 22 نوفمبر/تشرين الثاني: "لدينا بضعة أشهر فقط بين يوم التنصيب في 20 يناير/كانون الثاني والانتخابات الرئاسية في إيران في منتصف يونيو/حزيران". وقالت إن كلا من إيران والإدارة الأمريكية الجديدة سيحتاجان إلى العمل ضمن عملية متعددة الأطراف بدلا من العمل كل في جانبه.

وأعربت المفاوض النووي الأمريكية البارزة السابقة "ويندي شيرمان" عن قلقها الشديد من أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو/حزيران 2021 قد تجلب رجل دين متشددا إلى القمة، ما يمكن "خامنئي" من السيطرة الكاملة على القيادة في طهران. وترى أنه من الضروري الاستفادة من الوقت الضيق المتاح للتأثير على شعور الشعب الإيراني.

وتوجد مؤشرات متزايدة على أن السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية الجديدة ستعطي الأولوية للشرق الأوسط. ويبقى من المبالغة التفكير في أن "بايدن" قادم لعكس جميع سياسات "ترامب"، لكن من الواضح أن الدول العربية المعتدلة الرئيسية، السعودية ومصر، لن تتمتع بعد الآن بالتفويض المطلق الذي منحته لهما إدارة "ترامب". ولمخاوف هذه الدول الحليفة تقليديا للولايات المتحدة ما يبررها. ويجب على قياداتها الشروع في حوار عاجل مع الإدارة الأمريكية القادمة من أجل حماية مصالحهم الحاسمة في المنطقة.

المصدر | رافائيل بوشنيك تشين - مركز بيجن السادات الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

جو بايدن إيران الاتفاق النووي مصر السعودية ترامب الإخوان المسلمون الربيع العربي

ماذا تعني إدارة بايدن بالنسبة لدور الأردن في المنطقة؟