معهد إسرائيلي: السياسة الإقليمية للإمارات تتجه إلى نهج أكثر حذرا وواقعية

الخميس 3 يونيو 2021 02:20 ص

تشهد السياسة الخارجية لدولة الإمارات، والتي ظهرت في العديد من المسارح في الشرق الأوسط خلال العقد الماضي، تغيرات عديدة؛ حيث تحاول التكيف مع الظروف الجديدة على الساحة الإقليمية والدولية.

وما تزال أهداف السياسة الخارجية للإمارات دون تغيير، وهي أولا وقبل كل شيء الحفاظ على علاقاتها مع الولايات المتحدة وتعزيزها، وكذلك مواجهة التهديدات الخارجية الرئيسية المتصورة مثل إيران وتركيا.

ويبدو أن الجهد الإقليمي للإمارات يتجه نحو نهج أكثر حذرا وواقعية، كما يتم توجيه المزيد من الاهتمام والموارد إلى قضايا أخرى.

وبدلا من السعي إلى تشكيل البيئة المحيطة، تحاول الإمارات التكيف معها الآن.

ومع محدودية عدد المواطنين الإماراتيين واحتياطياتها النفطية الضخمة، فإنها تعتبر واحدة من أغنى دول العالم من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.

وساعدت هذه الثروة الإمارات، التي تحتفل بالذكرى الـ 50 لاستقلالها، في الحصول على دور رائد في العالم العربي في العديد من المجالات، من بينها الطاقة المتجددة، والطاقة النووية المدنية، وصناعة الدفاع، والمجال السيبراني والفضاء الخارجي.

وفي أعقاب الاضطرابات الإقليمية، حاولت الإمارات، التي أبدت سابقا اعتدالا وضبطا للنفس في سياستها الخارجية، أن تتولى دور اللاعب المهم في عدد من مسارح الشرق الأوسط.

وانخرط جيش الإمارات الصغير، الأفضل تدريبا وتجهيزا من بين جميع الجيوش العربية، في صراعات في اليمن وليبيا وفي الحملة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية".

وكان هدف أبوظبي هو تشكيل النظام الإقليمي من خلال بناء القواعد العسكرية والموانئ والدعم المالي والمشاركة الدبلوماسية ودعم الوكلاء وتوطيد التحالفات مهما كانت فضفاضة.

وفي الآونة الأخيرة، كان هناك تغيير واضح في السياسة الإقليمية للإمارات، ويظهر هذا التغيير في الحد من مشاركتها في مناطق الصراع.

وسحبت الإمارات معظم قواتها البرية من اليمن في عام 2019، كما قلصت مشاركتها العسكرية في ليبيا منذ عام 2020، وذلك مع استمرار مشاركتها المنخفضة ودعم الفصائل المحلية في هذه المسارح.

وفي أوائل عام 2021، وردت أنباء أن الإمارات تبحث تخفيض وجودها العسكري في إريتريا وأرض الصومال في القرن الأفريقي.

وهناك تحول محتمل آخر في سياستها وهو الرغبة في زيادة مشاركتها واستثماراتها في غزة التي تسيطر عليها "حماس".

بالإضافة إلى ذلك، كان هناك تغيير في القيادة العليا في وزارة الخارجية الإماراتية في أوائل عام 2021.

وتم تعيين وزيرين جديدين للدولة، وهما "شخبوط بن نهيان"، السفير السابق في السعودية (تم تعيينه وزير دولة للشؤون الخارجية بدلا من "أنور قرقاش") و"خليفة شاهين المرر"، السفير السابق في سوريا وتركيا وإيران، ما يشير إلى تعديلات في سياسة الإمارات تجاه تلك الدول.

وقد تكون التغييرات مرتبطة أيضا بالديناميكية بين دبي وأبوظبي، الإمارتين الرئيسيتين في دولة الإمارات.

وفي هذا السياق، من المحتمل أن يكون أحد الدوافع الرئيسية لهذا التغيير زيادة نفوذ نائب رئيس الدولة رئيس الوزراء وأمير دبي "محمد بن راشد آل مكتوم"، والذي لم يكن من دعاة الحزم الإقليمي الذي طرحه ولي عهد أبوظبي والقائم بأعمال رئيس البلاد "محمد بن زايد".

وتنعكس التعديلات في السياسة الخارجية الإماراتية أيضا على علاقات الدولة مع كل من السعودية (حليف) وإيران (خصم).

العلاقات مع السعودية

وظلت دول الخليج مستقرة، وما زالت رمز الاستقرار العربي.

ومع ذلك، فإن السياسات الخارجية لكل من السعودية والإمارات تتعارض أحيانا مع مصالح بعضهما البعض.

وفي العقد الماضي، شكل التحالف بين البلدين التطورات والعمليات الإقليمية، ومن بينها المساعدة في صعود الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" إلى السلطة، والحرب في اليمن، والتعاون مع إدارة "ترامب"، وحصار قطر.

كما أفادت التقارير أن "محمد بن سلمان" و"محمد بن زايد"، يتشاركان علاقات وثيقة ونظرة مشتركة.

وفي الماضي، ظهر التوتر بين الدولتين حول الخلافات الحدودية، بسبب مواقع حقول النفط والغاز، وبشأن الريادة في العالم العربي وفي مجلس التعاون الخليجي.

ومع ذلك، يسعى البلدان علنا لإعطاء الانطباع بأن كل شيء على ما يرام.

علاوة على ذلك، من الطبيعي أن يكون للحلفاء مصالح وقيود مختلفة توجه سياساتهم تجاه مختلف المسارح والبلدان.

وقد أظهرت السعودية حساسية أكبر فيما يتعلق بالتطبيع مع إسرائيل.

فيما بدأت سياسة الإمارات تجاه إيران تظهر موقفا تصالحيا بالفعل عام 2019، كما سحبت الإمارات معظم قواتها من اليمن تاركة السعودية وحيدة في الحملة ضد الحوثيين.

وجددت الإمارات علاقاتها مع نظام "الأسد" في سوريا، ويبدو أن الرياض حريصة الآن على فعل الشيء نفسه.

بالتوازي مع ذلك، أشارت اتفاقية المصالحة مع قطر، الموقعة في يناير/كانون الثاني 2021، إلى تغيير في السياسة السعودية، بالرغم من بعض المعارضة من الإمارات التي لا تزال تعتبر قطر والإسلام السياسي تهديدين خطيرين.

العلاقات مع إيران

ومن وجهة نظر الإمارات، فإن إيران هي التهديد الرئيسي للاستقرار الإقليمي، لكن الإمارات تحرص على الحفاظ على علاقات تجارية مناسبة مع إيران، التي لا تزال أحد شركائها التجاريين المهمين.

وقبل انسحاب الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" من الاتفاق النووي مع إيران، بلغ حجم التبادل التجاري بين الإمارات وإيران 13 مليار دولار.

وفي أعقاب الهجوم على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران عام 2016، أغلقت العديد من الدول العربية بعثاتها الدبلوماسية في إيران، في حين تركت الإمارات سفارتها في إيران مفتوحة.

وفي عام 2019، أطلقت الإمارات حوارا مع إيران، في أعقاب الهجمات الإيرانية على السفن في الخليج في مايو/أيار 2019.

وقد اتخذت الإمارات هذه الخطوة خشية من هجوم إيراني مع شكوكها حول الالتزام الأمريكي تجاه الدفاع عن الإمارات، بعد عدم وجود أي رد أمريكي على الهجمات.

وفي الوقت نفسه، أعلنت الإمارات انسحاب قواتها من اليمن، حيث تحملت العبء الرئيسي للحرب البرية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.

واستمر الاتجاه نحو المصالحة مع إيران، بما في ذلك توقيع مذكرة لتكثيف التنسيق في مجال الشحن، وإلغاء تجميد أموال المستثمرين الإيرانيين في البنوك داخل الإمارات، وزيارات كبار المسؤولين الإماراتيين إلى إيران، وتقديم المساعدة الطبية لإيران خلال جائحة "كوفيد-19".

ومع القلق السائد من المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، من المرجح أن تستفيد الإمارات من رفع العقوبات عن إيران لأنها ذلك سيؤدي إلى زيادة التبادل التجاري بين البلدين.

التأثير على المنطقة

جاءت حاجة الإمارات إلى تعديل سياستها في المقام الأول نتيجة تغير الإدارات في الولايات المتحدة والسياسة التي اعتمدها الرئيس الأمريكي "جو بايدن" بشأن القضايا الرئيسية، وعلى رأسها إيران.

وبالمثل، أدركت الإمارات حدود قوتها، وبالتالي سعت لتعويض خسائرها، لا سيما تلك المتعلقة بصورتها نتيجة تورطها في اليمن وعلاقاتها الوثيقة مع السعودية.

وأدركت القيادة الإماراتية أن حرية التصرف التي كانت تتمتع بها في ظل إدارة "ترامب" قد ضاقت، وأن عليها التكيف مع الوضع المتغير.

وأدت العواقب الاقتصادية لوباء "كوفيد-19"، بما في ذلك انخفاض سعر النفط، إلى زيادة الضغط الاقتصادي على الإمارات، وساهمت في حاجتها إلى التحول إلى الداخل ورسم مسار جديد.

ولا يشير تقليص الوجود العسكري الإماراتي في مختلف المسارح الإقليمية إلى تخليها عن أهداف سياستها الخارجية.

ومع ذلك، من الممكن أن تستخدم وسائل مختلفة من الآن فصاعدا.

وفي اليمن على سبيل المثال، لا تزال الإمارات ملتزمة بدعم الانفصاليين في الجنوب، حيث تسيطر على الميليشيات والجماعات المسلحة هناك، وفي الوقت نفسه تتعاون مع الولايات المتحدة في المعركة ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية.

وبالرغم من تقليص الإمارات لوجودها العسكري في ليبيا، فقد زادت أبوظبي من تعاونها الأمني ​​مع اليونان ضد طموحات أنقرة الإقليمية.

وبالتالي، فمن المرجح أن تواصل الإمارات جهودها لممارسة نفوذها على الأجندة العربية، باستخدام مجموعة متنوعة من الوسائل الأخرى.

وبشكل عام، من المتوقع أن تستمر التغييرات في سياسة الإمارات، وهي التغييرات التي بدأت حتى قبل دخول "بايدن" إلى البيت الأبيض.

المصدر | يوئيل غوزانسكي/معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات الإماراتية الإسرائيلية التطبيع الإماراتي الإسرائيلي التطبيع السعودي الإسرائيلي الحوار السعودي الإيراني السياسات الخارجية محمد بن زايد جو بايدن الاتفاق النووي

ستراتفور: تغير سياسة السعودية والإمارات يمهد الطريق لمبيعات الأسلحة الأمريكية