الموقف المصري من غزة.. هل ينجح السيسي في استرضاء بايدن؟

الأحد 20 يونيو 2021 12:06 م

حظي الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" ببضعة أشهر جيدة، إذ تراجعت أنقرة للخلف لتحسين العلاقات مع القاهرة التي غلفها التوتر الشديد منذ الانقلاب العسكري بمصر، في يوليو/تموز 2013، وشارك الدبلوماسيون المصريون في اتفاقيات مع الأردن والعراق بهدف توسيع وتعميق التعاون بين الدول الثلاث.

ومؤخرا، لعب "السيسي" دورا مهما في تأمين وقف لإطلاق النار أنهى، في 21 مايو/أيار، جولة من العنف بين إسرائيل و"حماس" في قطاع غزة.

وأدى دور مصر البناء خلال الصراع إلى فوز "الديكتاتور المفضل" للرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب"، ليس بمكالمة هاتفية واحدة بل بمكالمتين هاتفيتين من الرئيس الأمريكي "جو بايدن".

وقبل ذلك، كان "بايدن" قد قرر حرمان نظيره المصري من الاتصال به بسبب القمع الشديد للمعارضة الذي تشهده مصر منذ وصول "السيسي" إلى السلطة.

فقد كان قرار عدم مكافأة الزعيم المصري بمكالمة هاتفية جزءا لا يتجزأ من تأكيد إدارة "بايدن" على قيم السياسة الخارجية الأمريكية.

لكن عندما جاءت الحاجة لمصر لإنهاء العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين، انتصر الأمن والاستقرار. هذا انتصار لمصر، حيث يبدو أن القادة والدبلوماسيين سعداء بأن الحرب الأخيرة في غزة أثبتت ما كانوا يقولونه طوال الوقت من أن مصر دولة مركزية للاستقرار الإقليمي، وعلى هذا النحو، تظل شريكا مهما للولايات المتحدة.

وكان المصريون ينتظرون لتوهم أن يدرك الأمريكيون هذه الحقيقة مرة أخرى. وبوضوح كاف. لكن التاريخ يشير أيضا إلى أنها مسألة وقت فقط حتى تبدأ الولايات المتحدة في التشكيك في قيمة مصر كحليف مرة أخرى.

الأساطير المصرية

وتستند الأساطير حول دور مصر في المنطقة إلى فكرة أن المصريين يمكن أن يكونوا متعاونين بشكل فريد في الجمع بين الإسرائيليين والفلسطينيين والدول العربية الأخرى، إضافة إلى احتواء جولات العنف الدورية، لكن هذا لم يكن الحال دائما.

ففي أواخر التسعينات من القرن الماضي، وضع وزير الخارجية المصري آنذاك "عمرو موسى" حواجز أمام تطوير العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والدول العربية.

كذلك، لم يكن للمصريين علاقة بمعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية التي جرى توقيعها عام 1994. 

والصيف الماضي، شاهدوا من بعيد توقيع "اتفاقيات إبراهيم".

وخلال حرب غزة عام 2014، لم يكن المصريون طرفا معاديا، لكنهم كانوا مع ذلك عدوانيين، وحثوا الإسرائيليين على الإطاحة بـ"حماس"، وهو أمر لم يكن لدى الإسرائيليين نية لفعله.

ودعونا لا ننسى أن مصر لا تزال أكثر من راغبة في المشاركة في حصار غزة. فهذه سياسة مثالية للمصريين؛ فمن خلالها يمكنهم إبقاء "حماس" محاصرة، والتأكد من أن الإسرائيليين لا يحاولون إلقاء غزة مرة أخرى في أحضانهم.

وطوال الوقت، كانت مصر تتنحى جانبا، بينما تكيل الحكومات الأوروبية والأمم المتحدة والناشطون الانتقادات للإسرائيليين بسبب الفقر واليأس الذي يعاني منه سكان غزة بسبب الحصار.

لكن الصراع الأخير بين إسرائيل و"حماس" في غزة أتاح فرصة للمصريين، حيث كان "بايدن"، الذي أبدى القليل من الاهتمام بعملية السلام في الشرق الأوسط والقضايا ذات الصلة، يعاني من مشكلة.

فبعد 11 يوما من الهجمات الجوية الإسرائيلية وصواريخ "حماس"، يريد التقدميون وغيرهم من "بايدن" ممارسة الضغط على الإسرائيليين وإعطاء أولوية أكبر للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وحتى الآن، امتنع "بايدن" عن معاقبة إسرائيل أو الخوض في رمال مفاوضات السلام المتحركة لصالح سياسة تهدف إلى إعادة إعمار وتقديم المساعدة لغزة وتحسين حياة سكانها.

وفي هذا الصدد، سعى المصريون للبناء على العمل الذي نجحوا فيه والمتمثل في تحقيق وقف لإطلاق النار الشهر الماضي.

ففي خطوة أثارت ضحك الجميع تقريبا في واشنطن، أعلن "السيسي" عن 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة، رغم أن هذا المبلغ لا يمثل أموال فعلية لغزة، وإنما ستحصل عليه شركات المقاولات المصرية التي تقوم بهذا العمل.

وعلى الفور، أرسل "السيسي" كتيبة من الجرافات ومعدات أخرى ترفع العلم المصري إلى غزة.

وهناك مقطع فيديو على موقع يوتيوب يتضمن لقطات من طائرات بدون طيار لما يبدو وكأنها أميال من المقطورات الجرارة مزينة جميعها بالشعار الذي يتبناه الرئيس المصري، "تحيا مصر"، وهي تتأهب للدخول إلى غزة.

مساعدة بايدن

قل ما تريده حول روح الظهور التي يتمتع بها "السيسي"، لكن المدى الذي يريده المصريون لتقديم المساعدة في غزة يساعد "بايدن".

بالتأكيد، للمصريين مصالحهم الخاصة في غزة، وليس هناك شك في أن الشركات المصرية ستستفيد من تداعيات الصراع.

لكن حقيقة أن "السيسي" قال بشكل أساسي "نحن هنا لمساعدتك"، فذلك سيغير مسار العلاقات الثنائية مع إدارة "بايدن".

فهذا سيجعل من الصعب على الإدارة مهاجمة النظام المصري بسبب سجله المروع في مجال حقوق الإنسان.

يحب الناس في واشنطن عدم حصر أنفسهم في خيارين إما هذا أو ذاك؛ فالولايات المتحدة يمكنها مراعاة القيم الأمريكية، ومصالحها في نفس الوقت. لكني لم أر ذلك بعد. فدائما ما يتم وضع حقوق الإنسان في قائمة الأولويات.

بعد اللحظة الحالية في غزة، ليس لدى المصريين الكثير ليقدموه.

وإذا تمكنوا من التفوق على تركيا في ليبيا، فستكون مصر الورقة الرابحة هناك، لكن من غير الواضح ما إذا كان هذا يمثل ميزة إضافية للولايات المتحدة. قد يكون الأمر كذلك إذا كانت واشنطن مهتمة فقط بإمكانية الاستقرار في ليبيا، لكن هذا غير مؤكد.

فيما يتعلق بالأولويات الإقليمية الأخرى لإدارة "بايدن"، مثل إحلال السلام في اليمن، وإعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني، فإن المصريين لاعبون هامشيون، وليس لديهم الكثير ليقدموه.

وفي الصراع بين القوى العظمى، لن يتخلى المصريون عن علاقاتهم المتجددة مع الروس، الذين أصبحوا، مرة أخرى، مصدر أسلحة لهم، ولن يقطعوا العلاقات مع الصين؛ المستثمر الجديد ببلادهم.

ومن المرجح أن تكون شراكات مصر مع خصوم الولايات المتحدة (روسيا والصين) مصدر توتر في العلاقة، لكن في الوقت الحالي، يبدو أن العلاقات الثنائية تسير على مسار أفضل مما كان متوقعا؛ نظرا للدور المصري في غزة.

في انتظار المقابل

ولا تعني النوايا الحسنة الحالية أن المصريين لن يتوقعوا بعض المردود، وهم يريدون أن يروا ذلك فيما يتعلق بأزمة سد "النهضة" الإثيوبي.

إذ يشكل السد، وهو محور خطط التنمية الإثيوبية، تهديدا وجوديا لمصر؛ لأنه سيقلل من حصتها من مياه نهر النيل، الذي يعتمد عليه 100 مليون مصري.

ولم تحقق المفاوضات والمحادثات بين القاهرة وأديس أبابا، تحت رعاية مجموعة متنوعة من الوسطاء، أي اختراق لحل تلك الأزمة.

وفي أواخر عهد "ترامب"، انحازت الولايات المتحدة إلى مصر بدلا من محاولة التوسط في صفقة.

وتراجع فريق "بايدن" عن هذا الموقف، لكنه سيواجه الآن ضغوطا من المصريين للعودة لتلك الوساطة.

عندما أعلن "بايدن"، خلال حملته الانتخابية للرئاسة، أنه لن يكون هناك "مزيد من الشيكات على بياض" لـ"السيسي"، كان من الأسهل تخيل النهج الذي ينوي اتباعه فيما يتعلق بأزمة سد "النهضة"، لكن بعد ذلك جاءت أحداث غزة.

يبقى أن نرى ما إذا كان "السيسي" يمكن أن يستغل مقاربته للصراع للحصول على دعم أمريكي ملموس للموقف المصري بشأن السد، لكن من المرجح أن يحاول ذلك.

إن "بايدن" مغرم بقول "أمريكا عادت"، والآن، كما يبدو، المصريون مغرمون بقول الأمر نفسه أيضا.

ورغم ذلك، فإن ما يسمى بـ"العلاقة الاستراتيجية" بين الولايات المتحدة ومصر لم ترق أبدا إلى مستوى الدعاية الذي قدمها الرئيس المصري السابق "أنور السادات" ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق "هنري كيسنجر".

لكن إذا كان "السيسي" يريد المساعدة في إعادة إعمار غزة، فلا ينبغي أن يتفاجأ أحد إذا رحبت إدارة "بايدن" بذلك.

المصدر | فورين بوليسي | ستيفن أ.كوك - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي بايدن سد النهضة غزة

بهدف اختبار بايدن.. أكاديمي مصري: السيسي يتبع سياسة الترويع أو التجويع

واشنطن بوست: توتر السيسي من بايدن وراء تكتيكاته للاسترضاء والتنمر

كيف استغل السيسي حرب غزة لتحسين صورته عند إدارة بايدن؟

اللقاء العلني بين جنرالات مصريين وإسرائيليين.. رسالة إلى إيران وبايدن