قبل مؤتمر برلين.. الإجماع السياسي الهش في ليبيا يواجه تحديات خطيرة

الثلاثاء 22 يونيو 2021 08:49 م

تستضيف برلين مؤتمرا في 23 يونيو/حزيران لبحث خطوات المضي قدما في الانتخابات الوطنية الليبية وإخراج المرتزقة الأجانب من الأراضي الليبية. وسيكون هذا الحدث تابعا لمؤتمر برلين الذي أقيم في يناير/كانون الثاني 2020 والذي ساعد في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة وإنشاء منتدى الحوار السياسي الليبي، وهو الهيئة التي انتخبت في مارس/آذار الماضي مجلسا رئاسيا من 3 أعضاء ورئيسا للوزراء تم تكليفه بتشكيل حكومة مؤقتة.

ووافق مجلس النواب الليبي المنقسم على حكومة رئيس الوزراء "عبدالحميد الدبيبة"، ما سمح لليبيا بتشكيل أول حكومة موحدة منذ عام 2014. وقد تم تكليف حكومة الوحدة الوطنية هذه بالتحضير للانتخابات المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

وبعد 9 أشهر من الحصار المفروض على صادرات النفط نتيجة سيطرة قوات الجنرال "خليفة حفتر" على حقول النفط الليبية، تم استئناف الإنتاج في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بمعدل يزيد عن مليون برميل يوميا. وتهدف حكومة الوحدة إلى تصدير 1.5 مليون برميل في اليوم بحلول نهاية عام 2021، ما سيقلل بشكل كبير من عجز الميزانية في البلاد.

ووفقا للبنك الدولي، كان الأداء الاقتصادي لليبيا خلال عام 2020 هو الأسوأ منذ أعوام. ومع ذلك، فإن وقف القتال واستئناف تصدير النفط وتشكيل حكومة موحدة تعد خطوات واعدة بالرغم من استمرار الانقسامات السياسية والخلافات حول عملية إجراء انتخابات حرة ونزيهة.

بوادر التقدم

وقد نصت الأمم المتحدة على أن تكون العملية السياسية الليبية نابعة من الليبيين وبقيادة ليبية خالصة. ويؤيد الليبيون الديمقراطية والحل السياسي للصراع. وفي استطلاع للرأي العام أجراه "الباروميتر العربي" في أكتوبر/تشرين الأول 2020، قال 71% من الليبيين إن "الانتخابات الحرة مطلب أساسي لتحقيق الديمقراطية المنشودة" وأنه "من الضروري أن يتمتع جميع الناس بنفس الحقوق بغض النظر عن الدين أو العرق". وأظهر الاستطلاع أن الليبيين أكثر قلقا بشأن عدم الاستقرار الداخلي والتدخل الأجنبي والاقتصاد.

ولا يزال وقف إطلاق النار في ليبيا، الذي تم الاتفاق عليه في أكتوبر/تشرين الأول 2020، قائما نتيجة قناعة عامة بعدم جدوى استمرار القتال وأهمية دعم حل سياسي للصراع. وفي أبريل/نيسان، صوت مجلس الأمن الدولي بالإجماع لصالح القرار 2570 لنشر مراقبين تابعين للأمم المتحدة قبل منتصف سبتمبر/أيلول للمساعدة في الإشراف على وقف إطلاق النار.

وفي هذا الصدد، سيعمل 60 من مراقبي وقف إطلاق النار التابعين للأمم المتحدة مع اللجنة العسكرية المشتركة "5+5"، التي تضم 5 ممثلين تختارهم حكومة الوفاق الوطني السابقة ومقرها طرابلس و5 يختارهم "حفتر" في شرق البلاد، لتحسين آليات مراقبة وقف إطلاق النار.

وفي الوقت الحالي، تتراجع الجهات الفاعلة الرئيسية في الصراع الليبي، مثل "حفتر". وقد تحول الخطاب العسكري لـ"حفتر" نحو رواية سياسية أكثر بعد تراجع الدعم الخارجي والمحلي له وزيادة الزخم الدولي  لدعم العملية السياسية التي تتوسط فيها الأمم المتحدة.

ويبدو أن "حفتر" يستعد للترشح للرئاسة، بالرغم من وجود عقبات محتملة أمام محاولته. على سبيل المثال، تتضمن مسودة الدستور الليبي، التي من المقرر التصويت عليها قبل انتخابات ديسمبر/كانون الأول، مادة تمنع مزدوجي الجنسية من الترشح للرئاسة، في حين يحمل "حفتر" الجنسيتين الأمريكية والليبية. وإذا كان "حفتر" غير قادر على الترشح، فقد يقرر دعم مرشح معين يستطيع من خلال تأمين وضعه في المشهد السياسي والأمني ​​في ليبيا.

وبالرغم أن اتهامات شراء الأصوات شابت عملية انتخاب "الدبيبة" من خلال منتدى الحوار السياسي الليبي،فقد حصلت حكومة الوحدة على دعم محلي ودولي واسع النطاق، بما في ذلك من الجهات الدولية التي كانت تدعم الأطراف المتعارضة في الصراع، مثل تركيا ومصر وروسيا والإمارات وقطر.

ويعتبر هذا الأمر مصدر تفاؤل بالنظر إلى مساهمة هذه الدول في تأجيج الانقسامات الليبية في الأساس. وتركز الحكومة المؤقتة بشدة على استعادة العلاقات مع المجتمع الدولي والجيران في الوقت الذي تسعى فيه إلى استئناف التجارة والاستثمار وحشد الدعم لجهود إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع.

وكانت أول زيارة لـ"الدبيبة" إلى دول الخليج في أبريل/نيسان الماضي حيث زار الإمارات والتقى مع ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" لبحث سبل التعاون الاقتصادي. وزار رئيس الوزراء المصري "مصطفى مدبولي" ليبيا في أبريل/نيسان الماضي لمناقشة التجارة واستعادة العلاقات الاقتصادية والسياسية الأوسع. ويعتبر "مدبولي" أكبر مسؤول مصري يزور ليبيا منذ اندلاع الحرب في عام 2011.

وزار وزيرا خارجية تركيا وقطر ليبيا للقاء رئيس الوزراء المؤقت. ووعد وزير الخارجية القطري "محمد بن عبدالرحمن آل ثاني" بالدعم القطري للحكومة المؤقتة والتزم بتشكيل مجموعات عمل لاستكشاف مجالات التعاون خلال المرحلة الانتقالية. وسافر "الدبيبة" أيضا إلى تركيا للاجتماع مع الرئيس "رجب طيب أردوغان" في أبريل/نيسان الماضي. وأكد الجانبان مجددا التزامهما بالاتفاق البحري الثنائي لعام 2019، والذي أثار انتقادات من اليونان وقبرص.

وتعهد "أردوغان" بدعم إعادة إعمار ليبيا وتلبية احتياجاتها الأمنية بالإضافة إلى الدعم الطبي وتقديم اللقاحات لمساعدة ليبيا في مكافحة فيروس كورونا. وزار "الدبيبة" أيضا روسيا حيث التقى برئيس الوزراء "ميخائيل ميشوستين" لمناقشة التعاون في مجال الطاقة، كما التقى بوزير الدفاع الروسي "سيرجي شويجو" لمناقشة العلاقات العسكرية.

وكانت هذه الاجتماعات مفاجئة بالنظر إلى أن كل هذه الدول استثمرت بكثافة في دعم الأطراف المتصارعة في الصراع الليبي، لكن يبدو أن هؤلاء الفاعلين الدوليين متفقون علي ضرورة إقامة علاقات مع حكومة الوحدة الجديدة، وهي علامة إيجابية أخرى للحفاظ على وقف إطلاق النار ودعم العملية السياسية.

ومن غير المرجح أن تتخلى هذه القوى الأجنبية بسهولة عن العلاقات السياسية والاقتصادية والدفاعية التي أقامتها في ليبيا مع مختلف العناصر السياسية والعسكرية طوال فترة الصراع. وتبحث تركيا والإمارات وروسيا ودول أخرى عن سبل لممارسة النفوذ مع الحكومة الليبية الجديدة مع الحفاظ على وجود كبير للمقاتلين الأجانب في البلاد.

أسباب القلق

وأبلغ مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا "يان كوبيش" مجلس الأمن في مايو/أيار أن عملية سحب القوات الأجنبية من ليبيا قد توقفت. وانتقد "كوبيش" و"الدبيبة" علنا روسيا وتركيا والإمارات بسبب استمرار وجود المقاتلين الأجانب. وفي خطاب ألقاه أمام البرلمان في مارس/آذار، قال "الدبيبة" إن "المرتزقة طعنة في ظهرنا. يجب أن يغادروا. إن وجودهم ينتهك سيادتنا".

ويشير رفض الجهات الأجنبية سحب القوات التي تعمل بالوكالة لصالحها في ليبيا، إلى خطر العودة إلى الصراع العسكري.

وإلى جانب التهديدات المستمرة التي يشكلها المقاتلون الأجانب في ليبيا، هناك مخاوف أيضا من الحكومة المؤقتة ورئيس الوزراء حيث أن "الدبيبة" رجل أعمال ملياردير من مصراتة يمثل من نواح كثيرة فساد عصر "معمر القذافي". وعيّن الزعيم الليبي السابق "الدبيبة" في عام 2007 لإدارة الشركة الليبية للاستثمار والتنمية المملوكة للدولة والتي أدارت أكبر مشاريع الأشغال العامة في ليبيا قبل الإطاحة بـ"القذافي" عام 2011.

ومع ذلك، فإن تركيز "الدبيبة" على الاستقرار وتحفيز النشاط الاقتصادي وجذب الاستثمار الأجنبي نجح في تأمين دعم محلي ودولي واسع، وهو ما منع التركيز على ماضي "الدبيبة" حتى الآن. ولكن مع اقتراب الانتخابات، يمكن أن ينهار هذا التوازن الهش بسهولة بسبب الانقسامات السياسية والأمنية الراسخة.

وكما قال "ولفرام لاتشر": "وافق الفاعلون السياسيون فقط على التنافس داخل حكومة موحدة من أجل الوصول إلى أموال الدولة. ويمكن أن تختبر صراعات التوزيع قريبا تماسك الحكومة". ويشير "لاتشر" وخبراء آخرون إلى احتمال أن تحاول حكومة "الدبيبة" تأجيل الانتخابات والتمسك بالسلطة، الأمر الذي قد يشعل فتيل أزمة سياسية أخرى.

وفي حال إجراء الانتخابات، فليس من الواضح أنها ستكون حرة ونزيهة حيث تنطوي الانتخابات في ليبيا على احتمالية كبيرة لحدوث مخالفات واسعة ويمكن أن يثير ذلك العنف. وفضلا عن ذلك، يمكن أن تؤدي الانتخابات إلى عودة المزيد من الشخصيات السياسية البارزة في عهد "القذافي" مثل نجله "سيف الإسلام القذافي" الذي صرح بأنه يريد الترشح للرئاسة.

التداعيات الإقليمية لأمن ليبيا

وإذا تمكنت الحكومة المؤقتة من الحفاظ على الإجماع السياسي الحالي، والتركيز على التعاون الاقتصادي وتحسين الاستقرار الداخلي، وإعداد إطار قانوني ولوجستي لإجراء الانتخابات في ديسمبر/كانون الأول، فقد تكون هذه الفترة الانتقالية ناجحة نسبيا. لكن ذلك يتطلب أن تحترم الحكومة المؤقتة تفويضها للتحضير للانتخابات والتنحي بعد إجرائها.

في الوقت نفسه، لا تزال هناك مخاوف جدية بشأن ما إذا كان توقيت الانتخابات مناسبا. ولا يزال الوضع الأمني ​​في ليبيا غير مستقر، وقد تؤدي الانتخابات إلى تجدد القتال. وقد لا تمتلك ليبيا مؤسسات قوية بما يكفي لإجراء الانتخابات قريبا.

وفي تعليقاته إلى مجلس الأمن، شدد "كوبيش" على أن "التحركات الواسعة للجماعات المسلحة والإرهابيين وكذلك المهاجرين واللاجئين من خلال القنوات التي تديرها شبكات الجريمة المنظمة والجهات الفاعلة المحلية الأخرى عبر الحدود غير الخاضعة للرقابة، تساهم في زيادة مخاطر عدم الاستقرار وانعدام الأمن في ليبيا والمنطقة".

واعتبر كثيرون أن انتشار الجماعات المسلحة في جنوب ليبيا مصدر قلق كبير لأمن البلدان المجاورة. ويتطلب النزوح الجماعي في ليبيا وتزايد عدد الفئات الضعيفة، مثل المهاجرين واللاجئين، مزيدا من الإجراءات الحكومية والدعم الإنساني الدولي.

وإجمالا، فقد قدمت العملية التي توسطت فيها الأمم المتحدة بشأن ليبيا العديد من الأسباب للتفاؤل. ومع ذلك، فإن هناك تهديدات جدية قد تقوض العملية السياسية وتعرض الانتخابات والاستقرار للخطر نتيجة استمرار طموحات الجهات الفاعلة الدولية والمحلية ووجود المقاتلين الأجانب مع وجود حكومة وحدة هشة تواجه العديد من التحديات السياسية والاقتصادية.

المصدر | أنا جاكوبس - معهد دول الخليج في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حكومة الوحدة الوطنية الحكومة الليبية الانتخابات الليبية عبد الحميد الدبيبة خليفة حفتر عبدالحمدي الدبيبة

وزيرة الخارجية الليبية: علاقتنا مع مصر تاريخية وأكبر من المصالح المشتركة

خلال مؤتمر "برلين-2".. ليبيا تطرح مبادرة للمصالحة الوطنية وتوحيد الجيش