الملء الثاني لسد النهضة.. خيارات السيسي للقبول بالأمر الواقع

الأحد 11 يوليو 2021 01:13 م

بعد ساعات من الإخفاق المصري في انتزاع موقف داعم في مجلس الأمن الدولي في أزمة "سد النهضة"، كان المشهد صادما للمصريين، مع ظهور الرئيس "عبدالفتاح السيسي"، في جولة تفقدية بالدراجة،يوم الجمعة الماضي، بمدينة العلمين الجديدة، شمال غربي البلاد.

الظهور المتكرر لـ"السيسي" بالدراجة كان محط ومثار اهتمام إعلامي وجماهيري، لكن هذه المرة تحديدا حمل علامات استفهام مصحوبة بإشارات بأن مصر بصدد القبول بالأمر الواقع، وتمرير خطوة بدء الملء الثاني للسد، يوليو/تموز الجاري، بل والتعايش مستقبلا مع النقض المحتمل في حصتها السنوية من مياه نهر النيل.

يعزز ذلك توالي الإشارات الرسمية من قبل الحكومة المصرية بالاستعداد لمرحلة أقسى من الفقر المائي الذي تعاني منه البلاد في الأساس، مع محاولة لتهيئة الشارع المصري لإجراءات أشد قسوة للتعامل مع أزمة مائية حادة خلال السنوات المقبلة.

إدارة الموارد

بالتزامن مع إعلان مجلس الأمن الدولي، إسناد حل الأزمة إلى الاتحاد الأفريقي، واعتماد التفاوض سبيلا للوصول إلى اتفاق بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا)، ورفض استخدام القوة لحل النزاع، خرج وزير الري المصري "محمد عبدالعاطي"، مؤكدا جاهزية الدولة للتعامل مع أي طارئ فيما يخص قطاع المياه.

وزاد "عبدالعاطي" بالقول إن وزارة الري تبذل جهودا كبيرة في "إدارة الموارد المائية"، لضمان الاستفادة القصوى من كل قطرة مياه وعدم إهدارها لسد الفجوة المائية.

واستعرض الوزير المصري، في تصريحات صحفية، الأسبوع الجاري، تفاصيل استراتيجية الدولة للموارد المائية حتى عام 2050 بتكلفة تصل إلى 50 مليار دولار، ويمكن زيادتها إلى 100 مليار دولار.

وتعتمد الخطط المائية وضعتها الحكومة المصرية حتى العام 2037 على 4 محاور، تشمل ترشيد استخدام المياه، وتحسين نوعية المياه، وتوفير مصادر مائية إضافية، وتهيئة المناخ للإدارة المثلى للمياه.

ووفق الخطة، سيتم إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والمياه الجوفية السطحية بالوادي والدلتا، بالإضافة لوقف زراعة الأصناف المستهلكة بشراهة للمياه (الأرز نموذجا)، واستيراد منتجات غذائية من الخارج، لتوفير 34 مليار متر مكعب سنويا من المياه.

وتعول مصر على شبكة الرصد "التليمتري" لإدارة مناسيب المياه والتكنولوجيا والرقمنة لمتابعة المحاصيل وكمية الزراعات، إضافة إلى تبطين الترع، وتقليل الفاقد من هدر المياه.

والشهر الماضي، أكد "عبدالعاطي" أن مصر تستعد منذ أكثر من 5 سنوات للتعامل مع "صدمة مائية" يمكن أن تحدث حال حدوث الملء الثاني لسد النهضة.

بدائل أخرى

وتتضمن خطة البدائل المصرية، تنفيذ مشروع يستهدف ربط بحيرة فيكتوريا والبحر الأبيض المتوسط عبر ممر مواز للنيل، وآخر لتطوير "حوض بحر الغزال" أحد روافد النيل من جنوب السودان، بحسب موقع "المونيتور" الأمريكي.

ووفق وزير الري بجنوب السودان "ماناوا بيتر جاتكوث"، فإن حكومة جوبا اتفقت مع الحكومة المصرية على تطهير مجرى النيل في حوض بحر الغزال، ومساعدة جنوب السودان في التعامل مع الفيضانات والبدء في مشروعات ري ضخمة في المنطقة.

ويستقبل حوض بحر الغزال 530 مليار متر مكعب من الأمطار سنوياً، ويتوقع المحللون أن يؤدي تطهير مجراه إلى إضافة نحو 4 مليارات متر مكعب سنويا إلى مياه النيل.

أما قناة جونقلي، الواقعة على نهر الجبل بدولة جنوب السودان، والتي اكتمل نحو 70% من أعمال الحفر فيها، فإنها ستضيف مباشرة نحو 3.2 مليار متر مكعب سنويا إلى مياه النيل، وسترتفع هذه الكمية إلى نحو 7 مليارات متر مكعب مع التوسع المخطط له.

ويقول مستشار وزير الري المصري الأسبق وخبير الموارد المائية الدكتور "ضياء الدين القوصي" لـ"سبوتنيك"، إن الإيراد المائي من القناة قد يصل إلى 20 مليار متر مكعب تستفيد منه الدول الثلاث (مصر، السودان، جنوب السودان)، علاوة على توفير آلاف الأفدنة الزراعية نتيجة تجفيف البرك والمستنقعات.

خيارات "السيسي"

أعادت هذه الخطط إلى الأذهان تصريخات "السيسي" في أكتوبر/تشرين الأول 2019، حينما كشف عن وجود خطة لقطع مياه النيل عن مدن ومحافظات الساحل الشمالي والبحر الأحمر، والاعتماد على تحلية المياه بهذه المناطق.

لاحقا، توالى الإعلان عن تعاقدات مصرية مع شركات أجنبية لإقامة محطات لتحلية المياه، ما عزز الاتهامات الموجهة لـ"السيسي" حينها بتنفيذ خيارات قد تكون مكلفة وصعبة على المصريين.

وفي محاولة لترويج نجاح الخطة، جرى الإعلان حكوميا عن ارتفاع إجمالي طاقة إنتاج مياه التحلية من 80 ألف متر مكعب يوميا -قبل 3 سنوات- إلى 800 ألف متر مكعب، في الوقت الراهن.

وفي وقت سابق أعلن وزير الإسكان المصري "عاصم الجزار"، العمل على إنشاء 52 محطة لمعالجة المياه، جنوبي البلاد، مؤكدا الانتهاء من 38 محطة حتى الآن.

وتعول مصر على جني 8 مليارات متر مكعب من تدوير مياه الصرف، إضافة إلى اتباع نظم ري حديثة، والعدول عن طريقة الري بالغمر، واستنباط تقاوي (بذور) تعتمد على المياه البسيطة، إلى جانب الاستفادة من مياه الأمطار.

والعام الجاري، دعت وزارة الري والموارد المائية في مصر المواطنين إلى الاقتصاد في كعك عيد الفطر باعتباره من مصادر الإهدار المائي في البلاد، مشيرة إلى أن حساب مقدار المياه الداخلة في صناعة مكونات الكعك يصل بالحساب الإجمالي إلى نحو 6 آلاف لتر من المياه لكيلو الكعك الواحد.

وتخطط الحكومة المصرية لاعتماد وتعميم تجربة الكارت الذكي في عدادات المياه، لإجبار المواطنين على ترشيد الاستهلاك، والتوسع في تدوير ومعالجة مياه الصرف الصحي، والعودة إلى حفر الآبار للبحث عن المياه الجوفية.

وتستهلك مصر نحو 70 مليار متر مكعب من المياه سنويا، منها 55 مليار متر مكعب من نهر النيل، و12 مليارا معادا تدويرها، و6 مليارات مياه جوفية، فيما أصبحت حصة مصر التاريخية (55 مليار متر مكعب) مهددة بعد بناء وتشغيل "سد النهضة" الإثيوبي.

ومن المتوقع أن يقلص السد الإثيوبي من حصة مصر السنوية من مياه النيل، بنحو 5 إلى 15 مليار متر مكعب سنويا خلال فترات الملء، وذلك اعتماداً على معدل هطول الأمطار ومعدلات التبخر وغيرها من مصادر فقد المياه.

الخلاصة أن مصر، ربما تكون تجهز نفسها بالفعل لأسوأ السيناريوهات وهو القبول بالأمر الواقع، والتعامل مع نقص المياه المتحمل عبر خيارات بديلة، من المرجح أنها ستشكل عبئا على كاهل المصريين.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سد النهضة مصر السيسي نهر النيل مجلس الأمن إثيوبيا وزير الري المصري تحلية المياه السودان

مصر: مجلس الأمن تجنب وتجاهل إدانة التعبئة الثانية لسد النهضة

رئيس النواب المصري يبشر بنصر بأزمة سد النهضة رغم تعنت إثيوبيا

بلاغات قضائية وانتقادات إعلامية لصحفي طالب السيسي بالتنحي