رغم المخاطر.. تركيا تعتبر إدارة رئيسي فرصة في ظل المواجهة مع الغرب

السبت 14 أغسطس 2021 09:57 م

بالرغم من المخاطر التي تحيط بالعلاقات التركية الإيرانية، إلا أن هناك فرصا جديدة في ظل إدارة الرئيس الإيراني الجديد "إبراهيم رئيسي"، وهو قيادي متشدد له علاقات وثيقة مع المرشد الأعلى الإيراني "علي خامنئي" ومؤسسات الدولة.

ويتمتع المرشد الأعلى والمجلس الأعلى للأمن القومي بتأثير حاسم على السياسات الخارجية والأمنية للبلاد. وبالتالي، فإن استبدال "رئيسي" مكان "روحاني" قد لا يجلب تغييرات جذرية في السياسة الخارجية. ستحافظ طهران على علاقاتها مع أنقرة طالما بقيت سياسة العزلة والعقوبات التي يقودها الغرب ضد إيران، ما يبقي التنافس بين أنقرة وطهران في مستوى يمكن إدارته.

وبالفعل، أدلى "رئيسي" مبكرا بتصريح علني إيجابي فيما يتعلق بالعلاقات مع أنقرة. ومن المرجح أن تلعب تفضيلات المؤسسة الإيرانية دورًا رئيسيًا في تشكيل السياسة الخارجية لـ"رئيسي" الذي يتمتع بخبرة محدودة في هذا المجال.

وفي هذا السياق، فإن إشادة "خامنئي" بالرئيس الجديد، وتعهد رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية "محمد حسين باقري" بالتعاون مع الإدارة الإيرانية الجديدة، ووعد "رئيسي بتشكيل "حكومة ثورية" يشير إلى أن الرئيس الجديد يتبنى بالفعل خيارات المؤسسة الإيرانية المتشددة.

ويقول الخبراء إنهم يعتقدون أن البيروقراطية المدنية الإيرانية التي تدعو إلى تطبيع علاقات طهران مع الغرب ستفقد على الأرجح نفوذها في ظل حكم "رئيسي". وبالرغم أن الكلمة الأخيرة دائمًا في السياسات الخارجية والأمنية للبلاد هي للمرشد، إلا أن "روحاني" كان قادرًا على ممارسة دبلوماسية مزدوجة لتحقيق التوازن.

وبالفعل، قبل تنصيب "رئيسي" تم التخلي عن سياسة "الصبر الاستراتيجي" التي انتهجها "روحاني" والتي تهدف إلى مواجهة سياسة "أقصى ضغط" التي انتهجتها الولايات المتحدة ضد طهران.

بعبارة أخرى، فتحت المؤسسة الإيرانية التي يقودها "خامنئي" الطريق أمام فوز "رئيسي" في الانتخابات للقضاء على الانقسام بين المرشد الأعلى والرئاسة.

وتشير الهجمات الانتقامية الإيرانية ضد إسرائيل في الخليج العربي إلى طبيعة العلاقة الجديدة بين طهران والعواصم الغربية. وقد تعهد "رئيسي"، في احتفال أقيم في 3 أغسطس/آب في طهران، بـ"رفع العقوبات القاسية".

ومع ذلك، ربما تواصل طهران بعض "المرونة" في مفاوضاتها مع الغرب بشأن الاتفاق النووي. وفي النهاية، فقد بدأت المفاوضات في فيينا بمباركة "خامنئي". ويبدو أن إيران ما زالت تأمل في الحصول على نتائج من هذه المحادثات ولكن دون تقديم تنازلات.

وهنا يمكن أن يكون تعطل محادثات فيينا بمثابة حافز لتقدم العلاقات بين طهران وأنقرة، وإن كان من المحتمل أن يقتصر على التعاون في المجال الاقتصادي. وفي المقابل، فإن النفوذ المتزايد للحرس الثوري على الخيارات السياسية للبلاد قد يؤدي إلى تصعيد الخلافات بين أنقرة وطهران بشأن سوريا والعراق. 

ويمكن تفسير العلاقات الإيرانية التركية، التي تم تشكيلها منذ فترة طويلة وفقًا لمبدأ "المنافسة السلمية"، وفق 3 اعتبارات رئيسية.

ويتضمن الاعتبار الأول الأولويات الرئيسية مثل الحفاظ على الاستقرار والأمن على طول الحدود المشتركة بين البلدين منذ عام 1639. وفي هذا الإطار يأتي الحفاظ على العلاقات التجارية والثقافية بين البلدين. ولطالما رفضت تركيا فرض عقوبات على إيران، باستثناء عام 2019 عندما فرضت إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" عقوبات على طهران.

أما الاعتبار الثاني فهو التهديدات المتبادلة التي شكلت العلاقات بين البلدين حيث ترى إيران أن محطة رادار الإنذار المبكر كجزء من نظام الدفاع الصاروخي لحلف الناتو في شمال شرق تركيا وقاعدة إنجرليك الجوية بالقرب من الحدود السورية تشكلان تهديدًا لأمنها القومي. كما كانت العلاقات الوثيقة بين تركيا وإسرائيل حتى عام 2010 أيضًا مصدرًا للتوتر بين الجانبين.

وتندرج الخلافات والتنافسات في القرارات السياسية ضمن الاعتبار الثالثة. وتأتي استراتيجية التعامل ضد "حزب العمال الكردستاني" على قائمة الخلافات. ولطالما اتهمت تركيا طهران بلعب لعبة مزدوجة مع "حزب العمال الكردستاني".

بالإضافة إلى ذلك، كانت أنقرة حتى وقت قريب حذرة من الجهود الإيرانية لتصدير "النظام الإسلامي" إلى تركيا. وبالمثل، انتقدت طهران أنقرة لمساهمتها في الحركة المناهضة للنظام في إيران من خلال إيرانيين من أصل أذري.

وتبرز منطقة جنوب القوقاز كمجال تنافس آخر، لا سيما بعد اشتباكات عام 2020 بين الجيشين الأذربيجاني والأرمني. وتميل إيران إلى تفضيل أرمينيا ضد القوات الأذربيجانية المدعومة من إسرائيل وتركيا. كما أن الخطط التركية الأذرية لإقامة ممر يربط بين أذربيجان وتركيا عبر معبر ناخيتشيفان الأذري تثير غضب الجانب الإيراني، لأن مثل هذا الممر سيتجاوز إيران كطريق تجاري رئيسي بين تركيا وأذربيجان.

وقد تصاعدت حدة التنافس بين إيران وتركيا على العراق بشكل خاص بعد غزو عام 2003. وبينما وسعت إيران نفوذها في البلاد من خلال المليشيات الشيعية، حاولت تركيا مواجهة النفوذ الإيراني من خلال العرب السنة والتركمان.

علاوة على ذلك، تعارض إيران العمليات العسكرية التركية في شمال العراق ضد المسلحين الأكراد. وقد أثارت خطط تركيا لشن عملية ضد جيب سنجار في شمال العراق تحذيرات شديدة اللهجة بشكل غير معتاد من إيران، كما نشرت طهران وحدات "الحشد الشعبي" في المنطقة.

ويعتبر الصراع على النفوذ في الشرق الأوسط، والذي اكتسب زخماً بعد الربيع العربي مع تصاعد التنافس في سوريا ولبنان واليمن، من بين المجالات الخلافية الأخرى بين العاصمتين.

ومع ذلك، فإن المبادئ التقليدية التي تشكل أساس العلاقات بين إيران وتركيا تمنع تحول هذه المنافسات إلى مواجهات مباشرة. على سبيل المثال، أثار الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" في ديسمبر/كانون الثاني غضب المؤسسة الإيرانية من خلال الاستشهاد بقصيدة تسيء إلى طهران في خطاب ألقاه في باكو خلال زيارته لأذربيجان لكن تم وضع حد لهذا التوتر بعد تدخل "خامنئي".

ومن المرجح أن تكون أفغانستان أول اختبار للعلاقات بين البلدين بعد تولى "رئيسي" منصبه. وإلى جانب روسيا والصين، تستعد إيران للتعاون مع طالبان بينما تخطط تركيا لتولي أمن مطار كابول الدولي لدعم قوات الحكومة الأفغانية. علاوة على ذلك، أدى تدفق طالبي اللجوء الأفغان الذين وصلوا إلى تركيا عبر إيران إلى تفاقم المشاعر ضد اللاجئين في تركيا. وقد طالبت أنقرة طهران بتكثيف جهودها لوقف تدفق اللاجئين.

وقد يزيد الانتصار الانتخابي للمتشددين الإيرانيين الذين يعتبرون طموحات تركيا الإقليمية تهديدًا لطهران من حدة الخلافات بين البلدين حول سوريا والعراق. ومع ذلك، فإن احتمال التصعيد يجبر كلا الجانبين على توخي المزيد من الحذر.

من جانبها، أظهرت أنقرة استعدادها لبداية جيدة من خلال بعض الإشارات. وكان "أردوغان" من أوائل القادة الذين هنؤوا "رئيسي" على فوزه في الانتخابات، وقد تراجعت الانتقادات لإيران في وسائل الإعلام الموالية للحكومة التركية بشكل كبير، وتجاهلت وسائل الإعلام التركية في الغالب الاحتجاجات المناهضة للحكومة الإيرانية بشأن نقص المياه في منطقة خوزستان ذات الغالبية العربية في إيران.

وبالرغم أن سوريا والعراق قد يشعلان الخلاف بين أنقرة وطهران في ظل إدارة "رئيسي"، فليس لدى تركيا سبب للحزن على نهاية حكومة "روحاني"، حيث كانت سياسات طهران في سوريا والعراق بيد "المؤسسة الإيرانية". وبالرغم أن التطابق بين الحكومة الإيرانية الجديدة والمؤسسة لن يؤدي إلى تسهيل مهمة تركيا، إلا أنه سيجعل سياسات طهران أكثر قابلية للتنبؤ.

وقال "عارف كسكين" المعلق التركي والخبير في شؤون إيران، إنه يعتقد أن العلاقات الإيرانية التركية قد تكون متوترة أكثر بشأن العراق وسوريا، حيث من المرجح أن يكتسب فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني مزيدًا من النفوذ تحت قيادة "رئيسي" ومن المرجح أن يتولى المعينون الأيديولوجيون زمام المبادرة في وزارة الخارجية الإيرانية. 

واستدك "كسكين"، قائلا إن التوترات المتصاعدة بين إيران والغرب ستجبر طهران على الحفاظ على علاقات جيدة مع جيرانها للتخفيف من تأثير العقوبات والعزلة.

وقال إن تركيا بدورها ترى فرصة في المواجهةال محتملة بين إيران والغرب، لذلك ستخفف انتقاداتها لطهران وستحافظ على نبرتها الحذرة.

أخيرًا، من المرجح أن تعطي تركيا اهتماما بشخصية "رئيسي" في الوقت الذي لن يجد فيه ترحيباً حاراً من المجتمع الدولي، وخاصة وسط القادة الغربيين.

المصدر | فهيم تاشكين - المونيتور – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات التركية الإيرانية حزب العمال الكردستاني إبراهيم رئيسي رجب طيب أردوغان خامنئي تركيا إيران سوريا العراق

هل اقترب شهر العسل التركي الإيراني من نهايته؟

السياسة الخارجية التركية.. هل تنأى أنقرة بنفسها عن الغرب للانفصال عنه؟