مع تهديد إمدادات الغاز.. قطر تلعب دور منقذة أوروبا بشروطها الخاصة

الأحد 13 فبراير 2022 08:22 م

يجب النظر إلى الطلب الأمريكي للمساعدة القطرية في ضمان أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي، في حالة اضطراب الإمداد الروسي، باعتباره إيماءة سياسية للإشارة إلى دعم الحلفاء الغربيين وتحذير روسيا.

ومع ذلك، فإن الطلب الأمريكي هو مجرد عامل واحد فقط في حسابات قطر التي تنظر في زيادة صادرات الطاقة إلى أوروبا، وسيتم تحديد قرار الدوحة النهائي من خلال مزيج معقد من الاعتبارات الاقتصادية والسياسية على المدى الطويل.

وفي هذه المعادلة، قد لا تكون الأسباب السياسية هي المهيمنة، كما أن الدوافع الاقتصادية لن تكون دائمًا في صالح الغرب.

مساعدة تُستثمر سياسيًا

أوضح الخبراء بالفعل أبرز إيجابيات وسلبيات زيادة قطر لوجودها في سوق الغاز الأوروبي، وملخصها أن أي محاولة من الدوحة لمساعدة الأوروبيين على تنويع مصادرها من إمدادات الغاز الطبيعي، أو تعويض نقص إمدادات الغاز الروسي الناجم عن تفاقم الوضع في أوكرانيا أو السلوك الانتهازي للمنتجين الروس، سيجلب بعض الفوائد الاقتصادية والسياسية.

فمن ناحية، ستقوم قطر بترسيخ نفسها بعمق في أسواق الغاز الأوروبية من خلال التفوق على روسيا في شرق وجنوب أوروبا، وتعزيز وجودها في أوروبا الغربية.

وأظهرت الدوحة بالفعل استعدادها لأن تلبي النداء وتكون منقذة للمستهلكين؛ ففي أواخر عام 2021، قدمت قطر شحنة إضافية من الغاز الطبيعي المسال إلى المملكة المتحدة (والتي كانت موجهة في البداية إلى آسيا) لمساعدة الحكومة البريطانية على تلبية الطلب الحالي.

وكمكافأة لذلك، عُرض على الدوحة صفة "مورّد الملاذ الأخير"، مما يعني أن البلاد مستعدة لمساعدة السلطات البريطانية في حالة انقطاع إمدادات الغاز الطبيعي، على الرغم من أن التفاصيل المعنية لم يتم الإعلان عنها.

ومن ناحية أخرى، فإن استعداد قطر لتلبية نداءات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للمساعدة في معضلة الغاز الأوروبية يمثل فرصة أخرى للدوحة لتعزيز علاقاتها مع إدارة "بايدن".

وفي ظل التكهنات المستمرة التي تفيد بأن اتفاق العلا بين قطر ودول المقاطعة هو مجرد وقف لإطلاق النار يمكن أن ينتهك ذات يوم، فإن جهود قطر للاستفادة سياسيًا من مواردها الاقتصادية لبناء علاقات أوثق مع الولايات المتحدة تبدو خطوة منطقية.

وعلاوة على ذلك، فإن هذه الجهود قد بدأت تثمر بالفعل؛ فخلال زيارة الأمير القطري الأخيرة للبيت الأبيض، تم منح الدوحة صفة "حليف رئيسي خارج الناتو".

قطر لن تلعب دور المنقذ

ومع ذلك، يرى معظم الخبراء أنه من غير المرجح أن تلعب قطر دورًا حاسمًا في ضمان أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي؛ لأن الدوحة ببساطة ليس لديها الأحجام الحرة اللازمة للتصدير من الغاز الطبيعي المسال.

وتهدف استراتيجية السوق الخاصة بها إلى ضمان الطلب الكامل على الغاز الطبيعي المسال التي تنتجه عبر تعظيم حصة الغاز الطبيعي المباعة بموجب العقود طويلة الأجل، وتقليل تلك التي تباع عبر السوق الفورية.

ونتيجة لذلك، بحلول عام 2022؛ لم تزد حصة الغاز الطبيعي المسال القطري المتداولة عن طريق العقود الفورية والقصيرة الأجل أكثر من 10-13% (أو 9.7-13.8 مليار متر مكعب سنويًا)، حيث شكل الاتحاد الأوروبي حوالي 2.8-4.1 مليار متر مكعب سنويًا.

وبمعنى آخر، حتى إذا تم إعادة تخصيص 5.6-11 مليار متر مكعب المتبقية من آسيا إلى أوروبا، فلن تتمكن الدوحة من التأثير بشكل كبير على توازن سوق الغاز الأوروبي، حيث يتجاوز الطلب الكلي 326 مليار متر مكعب، كما لن تتمكن من تغطية نقص الإمدادات الروسية المحتمل.

تدرك قطر هذا، ودعت منتجي الغاز الآخرين (بالإضافة إلى المستهلكين) للعمل بشكل جماعي إذا أراد المجتمع الدولي مساعدة الاتحاد الأوروبي على حل معضلة الطاقة الخاصة به.

كما تفرض البنية التحتية الخاصة بتحويل الغاز الطبيعي المسال إلى غاز طبيعي في الاتحاد الأوروبي أيضًا حدودًا معينة على قدرتها على زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال.

ولكن هذا مجرد غيض من فيض؛ إذ إن هناك أيضًا عدد من العوامل الأخرى التي تمنع قطر من لعب دور المنقذ للاتحاد الأوروبي، وهي عوامل غير واضحة بشكل جيد للمراقبين الخارجيين.

بادئ ذي بدء؛ فإن السوق الأوروبية ثانوية بالنسبة للدوحة على عكس آسيا، حيث تستهلك الأوروبية أقل من ثلث صادرات الغاز الطبيعي المسال القطرية، مع قفزات عرضية في الأحجام المباعة عندما تحتاج الدوحة إلى تحويل الغاز الفائض من السوق الآسيوية لتجنب إغراقه، أو عندما تريد كسب أموال إضافية، كما حدث في هذا الشتاء، عندما تجاوزت أسعار الغاز الطبيعي المسال في أوروبا تلك الموجودة في آسيا.

ومع ذلك، فإن آسيا هي الأولوية على المدى الطويل. وسينمو اعتمادها على الغاز الطبيعي في العقود القادمة (على عكس أوروبا) وظروف التشغيل السوقية أكثر ملاءمة للموردين من تنظيمات الاتحاد الأوروبي المقيّدة.

مخاطر متوقعة

وفي هذا السياق، فإن تحويل جزء كبير من تدفقات تصدير الغاز الطبيعي المسال من آسيا إلى الاتحاد الأوروبي ليس في مصلحة قطر الفورية، وسيكون له عواقب سلبية قصيرة وطويلة الأجل.

فمن ناحية، سيؤدي ذلك، إلى زيادة الأسعار الإضافية في آسيا - وإن كان ذلك مؤقتًا - مما يؤدي إلى غلاء السوق، وزيادة جاذبية البدائل مثل الفحم أو حتى النفط، وانخفاض ثقة المستهلكين في الدوحة كمورد موثوق.

ومن ناحية أخرى، يشهد سوق الغاز الطبيعي المسال الآسيوي منافسة جدية على حصة السوق الحالية والمستقبلية بين منتجي الغاز الطبيعي المسال الرئيسيين؛ وهم قطر، أستراليا، والولايات المتحدة، وعلاوة على ذلك، فإن قطر تخسر هذه المعركة مؤقتًا.

ففي عام 2021، لم تزح الولايات المتحدة قطر فقط من المرتبة الثانية إلى المركز الثالث في قائمة موردي الغاز الطبيعي المسال إلى الصين، وإنما توصلت مؤخرًا أيضًا إلى عقد تاريخي لتوريد الغاز الطبيعي إلى بكين.

وفي ظل هذه الظروف، يعد بذل المزيد من الاهتمام بالسوق الأوروبية رفاهية لا يمكن لقطر أن تتحملها. وعلاوة على ذلك، فإن عرض الأمريكيين "مساعدة الاتحاد الأوروبي" يبدو وكأنه نوع من "حصان طروادة"، مما يحتمل أن يضعف قدرة الدوحة على زيادة وجودها في آسيا في المستقبل إذا حولت جزءًا من الغاز الطبيعي المسال إلى السوق الأوروبية.

تجنب التوترات السياسية

هناك عقبة أخرى في طريق تصدير الغاز القطري إلى أوروبا، فبفضل تكلفة إنتاج الغاز المنخفضة، فإن الدوحة جاهزة لحرب على حصة السوق، وقد قالت صراحة ذلك.

ومع ذلك، ليس لقطر مصلحة في رؤية التنافس الاقتصادي يؤدي إلى التوترات السياسية؛ لأن هذا لن يكون في مصلحة مبدأ السياسة الخارجية الرئيسية في قطر، الذي يقتضي بأن تصبح قوة مؤثرة ومحايدة في الوقت ذاته، للوساطة في الصراعات الدولية.

الصراع الأوكراني الحالي هو فقط أحدث مثال على ذلك. ففي صيف 2021، رفضت الدوحة الانضمام إلى مبادرة "منصة القرم" في كييف، والتي تستهدف موسكو مع الموافقة على مناقشة الخيارات لتزويد أوكرانيا بالغاز الطبيعي المسال القطري عبر بولندا.

منذ عام 2014، تحاول قطر تجنب أن تعطي انطباعًا بأنها تستخدم موارد الغاز الخاصة بها لتطبيق الضغوط السياسية، إما لتعزيز مصالحها الخاصة أو مصالح شركائها ضد طرف ثالث.

وهكذا، فحتى خلال فترات العلاقات المتوترة مع مصر والإمارات في 2014-2019، لم تحاول قطر أن تنتهك التزاماتها التعاقدية بتزويد هذه البلدان بالطاقة.

ونتيجة لذلك، ستنظر موسكو إلى أي زيادة كبيرة في إمدادات الغاز الطبيعي المسال في قطر إلى أوروبا بمثابة خطوة غير ودية وذات دوافع سياسية.

من المثير للاهتمام، أن الدوحة استغلت منذ فترة طويلة الاستياء الأوروبي من سلوك موسكو لتوسيع مبيعاتها في الاتحاد الأوروبي. ومنذ عام 2016، زادت قطر وجودها بثبات في بولندا وإيطاليا وفرنسا.

ومع ذلك، ففي جميع الحالات، تم تقديم هذه التحركات على أنها مدفوعة بالسوق وليس بدوافع سياسية، وقطر لم تدخل حتى الآن الأسواق النمساوية أو الألمانية، التي يعتبرها الروس مجالهم الرئيسي. ويبدو أن الدوحة ترغب في الاستمرار على نفس المنوال لأنها تعمل على بناء علاقاتها مع المستهلكين والمنافسين في أوروبا.

الرهان الطويل الأمد

لكن هذا لا يعني أن قطر لا تستطيع أو لن تساعد أوروبا؛ فهي تريد فقط أن تفعل ذلك بشروطها الخاصة. لا تهتم الدوحة بتوفير إمدادات الغاز الطبيعي المسال الفورية قصيرة الأجل "هنا والآن"، ولا تريد أن تلعب دور فرقة الإطفاء، بحيث تُستدعى لوقت قصير للتعامل مع حالة طوارئ.

ومع ذلك، فهي تظل مهتمة بسوق الاتحاد الأوروبي على المدى الطويل، خاصة إذا تم توفير ظروف أكثر ملاءمة لها، مع قدرات تصدير أكبر، وإطار زمني أطول (أي مزيج من العقود قصيرة وطويلة الأجل).

ربما كان هذا ما يعنيه المسؤولون القطريون عندما قالوا إن ضمان أمن الطاقة الأوروبي يتجاوز النزاع الروسي الأوكراني، ودوافع قطر من ذلك بسيطة؛ فعلى الرغم من أنه ليس لديه أحجام غاز طبيعي مسال متاحة للتصدير الآن، إلا أن الدوحة قد تواجه فائضًا منها في السنوات الـ5 المقبلة.

هذا لن يقتصر على زيادة كبيرة في الإنتاج من 106 مليارات متر مكعب حاليًا إلى 175 مليار متر مكعب سنويًا بحلول عام 2027، وإنما يشمل أيضًا انتهاء صلاحية عدد من عقود الإمداد الحالية، وكذلك تكليف شركة "جولدن باس" الأمريكية بتشغيل محطة لتسييل الغاز الطبيعي والمملوكة بشكل مشترك بين "قطر للبترول" و"إكسون موبيل" في 2024-2025.

وفي ظل هذه الظروف، وقعت الدوحة بالفعل عقودًا جديدة مع المستهلكين الآسيويين لضمان الطلب في المستقبل على غازها، لكنها ما تزال غير كافية لتغطية أحجام الغاز الطبيعي التي ستتاح مستقبلًا بشكل كامل بعد.

قطر رابحة في الحالتين

بالنظر إلى ضمان قطر الطلب على غازها لسنوات قادمة، فقد يحصل الاتحاد الأوروبي قريبًا على فرصة للوصول إلى المزيد من الغاز الطبيعي المسال.

وبما أن الدوحة تفضل تنويع أسواق التصدير الخاصة بها، وهي مرنة للغاية في سياسة التسعير الخاصة بها، يمكن للاتحاد الأوروبي الحصول على عقود بشروط مواتية.

ومع ذلك، هناك مشكلة تكمن في أن قطر تعتقد أنها في وضع تفاوضي أقوى، وأنها ستكون قادرة على بيع الغاز في أي حال. ونتيجة لذلك، تريد الدوحة شروطًا أكثر ملاءمة إذا كانت ستوسع وجودها في السوق الأوروبية للتعويض عن الخسائر المحتملة في الحصة السوقية الآسيوية الأكثر راحة.

وهذا هو السبب الذي جعل الدوحة تطرح 3 مطالب رئيسية للاتحاد الأوروبي، والتي تناقض في نواح كثيرة الفلسفة الحالية لسوق الغاز الأوروبي الحالي.

أولا، من أجل الحصول على الغاز القطري؛ يجب أن يحظر الاتحاد الأوروبي إعادة بيع أي من الغاز الطبيعي المسال الذي يتم توفيره خارج أوروبا؛ لتجنب التنافس مع الإمدادات القطرية المباشرة لآسيا أو أي مكان آخر.

وثانيًا، تتوقع قطر من بروكسل أن تغلق التحقيقات التي بدأت في عام 2018 في سياسات السوقية القطرية في أوروبا. وثالثًا، تصر الدوحة على التداول على المبادئ التعاقدية، وليس على مبادئ التجارة الفورية.

وبغض النظر عما سيختاره الاتحاد الأوروبي مستقبلًا، فلن تخسر الدوحة.

إذا وافقت أوروبا على شروطها، فإن قطر ستتعاقد على جزء من طاقتها الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال على المدى الطويل، وستقدم الصفقة باعتبارها نتيجة للمفاوضات التجارية بين المستهلكين والمنتجين وليست مدفوعة سياسيًا لاستهداف مصالح موسكو. أما إذا رفضت أوروبا، فإن الدوحة ستحصل على ذريعة أمام واشنطن تبرر بها لمَ لا يمكنها أن تساعد بروكسل.

وهكذا، ستكشف الأحداث في الأشهر المقبلة، تأثير حاسم على كل من أمن الطاقة الأوروبي واستراتيجية تصدير الغاز الطبيعي المسال العالمية القطرية.

المصدر | نيكولاي كوزانوف/ معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قطر الغاز الطبيعي الغاز الطبيعي المسال أوروبا الأزمة الأوكرانية روسيا الاتحاد الأوروبي

وسط مخاوف من انقطاع الغاز الروسي.. وقف تحقيق أوروبي في انتهاك قطر قواعد مكافحة الاحتكار

إيران تشارك بوفد رفيع في قمة قطر لمصدري الغاز

ارتفاع صادرات الغاز القطرية إلى أوروبا بنسبة 65%

قطر: يمكننا تحويل وجهات ما يصل إلى 15% من صادرات الغاز