العراق.. تحول كبير في ديناميات القوة مع التأخر في تشكيل الحكومة

الاثنين 18 أبريل 2022 11:49 م

بالرغم من مرور 6 أشهر على تصويت العراقيين في الانتخابات البرلمانية لم يتم تشكيل حكومة جديدة ولا تزال حكومة رئيس الوزراء "مصطفى الكاظمي" - والتي بدأت كحكومة مؤقتة - تمارس دورها كحكومة تصريف أعمال.

وكان من المقرر أن تجري الانتخابات في الأصل في ربيع 2022 لكن تم تقديم الاقتراع استجابة لمطالب الاحتجاجات على مستوى البلاد.

ومن المعتاد في العراق أن تطول عملية تشكيل الحكومة، لكن الجمود الحالي يقوض استقرار البلاد وشرعية الدولة.

وينبغي على الحكومات الأوروبية التي استثمرت سياسيا واقتصاديا في العراق خلال السنوات الأخيرة الضغط على جميع الأطراف للتغلب على هذا الجمود.

جمود مختلف عن السابق

 العملية الحالية لتكوين الحكومة تطول عن المتوسط ​، بالنظر إلى تجارب تشكيل الحكومة بعد عام 2003، فإن متوسط الفترة الزمنية لهذه العملية بلغ 5 أشهر ونصف. 

كما أن عملية تشكيل الحكومة توقفت بعد انتخاب رئيس مجلس النواب، وهو أمر غير عادي.

وفي الحالات السابقة، كانت تجري مداولات طويلة لأشهر لكن بعدها كان يجري انتخاب رئيس مجلس النواب ثم بعده مباشرة الرئيس وأخيرا رئيس الوزراء.

أما هذه المرة، فقد أعيد انتخاب "محمد الحلبوسي" كرئيس لمجلس النواب في يناير/كانون الثاني. وبالرغم من مرور 3 أشهر، لم يتمكن النواب من تشكيل أغلبية الثلثين اللازمة لانتخاب الرئيس.

وقد شهد العراق جمودا سياسيا من قبل، لكن الأسباب هذه المرة مختلفة.

وبالرغم مما يعتقده الكثيرون في المجتمع الدولي، فإن الجمود الحالي ليس نتيجة لتدخل إيران، والتي ستظل مؤثرة في العراق بغض النظر عن الائتلاف السياسي الذي يحكم.

وتكمن المشكلة الرئيسية حاليا في أن الأحزاب السياسية لا ترغب في التجمع لتشكيل حكومة واسعة النطاق كما كان الحال سابقا.

خطورة تحول ديناميات القوة

حصل التيار الصدري بزعامة "مقتدى الصدر" على 73 مقعدًا من المقاعد الـ 329 في مجلس النواب، لكنه يصرّ على أنه لن يشارك في حكومة توافقية تقليدية مرة أخرى.

وبالرغم أن التيار الصدري فاز بمقاعد أقل بكثير في الانتخابات السابقة، إلا أنه كان على استعداد دائما للانضمام إلى حكومات توافقية مع الأحزاب الشيعية الأخرى.

هذه المرة، يسعى "الصدر" إلى تشكيل حكومة مع "الحزب الديمقراطي الكردستاني" وتحالف "السيادة" السني.

ويعني ذلك أنه يسعى إلى استبعاد الأحزاب الشيعية الأخرى - وعدوه القديم "نوري المالكي" - الذين اتحدوا في إطار تنسيقي، وكذلك الحزب الكردي الرئيسي الآخر "الاتحاد الوطني الكردستاني".

ويعتقد "الصدر" أن المقاعد التي يسيطر عليها مع هذا التحالف الثلاثي، تمنحه الفرصة لاحتكار حصة الشيعة من الغنائم السياسية، ويرى حليفه "مسعود برزاني" من "الحزب الديمقراطي الكردستاني" فرصة مماثلة فيما يتعلق بالحصة الكردية.

وفي حين أن هذه الحكومة ستكون مختلفة عن حكومات التوافق السابقة، فإن ذلك لن يجلب التغيير السياسي الذي وعد به "الصدر" وحلفاؤه، بل ستظل حكومة ائتلافية ممزقة بين أحزاب سياسية متعددة وتستند إلى نفس النظام غير الرسمي القائم على توزيع المناصب الحكومية بناء على الاعتبارات الإثنية الطائفية.

كما لن تحقق هذه الحكومة إصلاحًا كبيرًا يرضي العراقيين المحبطين والمحتجين.

ومن الخطير تقويض الاتفاق السياسي غير الرسمي الذي يهيمن على العراق منذ عام 2003.

وتفتقر البلاد إلى ثقافة المعارضة في مجلس النواب، وإذا لم يكن أداء الحكومة أفضل بشكل كبير من الحكومات السابقة، فإن ذلك سيقويض الثقة في الإصلاح السياسي.

وسيكون هذا ضارا بشكل خاص بالنظر إلى أن هذه الانتخابات مهدت الطريق أمام معارضة حقيقية لا تنتمي للأحزاب التقليدية ولكن للأحزاب الإصلاحية الجديدة والمستقلين الذين فازوا بعدد كبير غير متوقع من المقاعد.

أما الأكثر إثارة للقلق، فهو أن الأحزاب السياسية الكبرى التي تسيطر على الجماعات المسلحة لن ترغب في التنازل عن السيطرة على الدولة لمدة 4 سنوات.

وتجلت نزعة هذه المجموعات للعنف بعد في مهاجمة مقر إقامة رئيس الوزراء.

ويغير هذا التحول من ديناميات القوة في إقليم كردستان العراق، حيث يهيمن "الحزب الديمقراطي الكردستاني" على الحكومة الإقليمية مقابل أن يسيطر "الاتحاد الوطني الكردستاني" على رئاسة العراق.

وبالرغم أن الرئاسة غالبا ما ينظر إليها على أنها رمزية، فقد زودت "الاتحاد الوطني الكردستاني" بالقدرة على الوصول إلى جميع الوزارات الفيدرالية، وكذلك التأثير على السياسة الخارجية.

وبالتالي، فإن إبعاد "الاتحاد الوطني الكردستاني" من الرئاسة (وفق رغبة التحالف الثلاثي) سيضعفه بشكل كبير ويغير الديناميكية السياسية بين الحزبين الكرديين الرئيسيين. وقد يثير هذا صراعا سياسيا يتحول إلى العنف.

وخسر "الاتحاد الوطني الكردستاني" المقاعد تدريجيا في عمليتي الانتخاب الفيدراليتين الأخيرتين، لكنه يحافظ على سيطرة عسكرية على محافظة السليمانية.

ولن يكون النزاع الداخلي جديدًا على الأكراد، الذين اقتتلوا في حرب أهلية بين عامي 1994 و 1998.

تداعيات حرب أوكرانيا

في الوقت نفسه، سيكون الزعماء السياسيون في العراق حمقى إن اعتقدوا أنهم آمنون من آثار حرب روسيا على أوكرانيا، فالدول المجاورة (سوريا وإيران وتركيا) جميعها لديها علاقات قوية مع روسيا.

وتعمل شركات النفط الروسية الكبرى في العراق، التي تصدر أكثر من 3 ملايين برميل من النفط يوميا.

وتضعف الحرب من قبضة روسيا في سوريا وتخلق دورا أكبر لكل من تركيا وإيران هناك، وبالتالي فإن عدم الاستقرار في سوريا له تداعيات شديدة بالنسبة للعراق.

ومنذ سنوات تخرج احتجاجات في العراق للمطالبة بخدمات أفضل ووظائف، ولكي تستطيع الحكومة تقديم الخدمات وخلق فرص عمل فلابد لها من ميزانية فيدرالية.

وقد تمرر الحكومة الحالية ميزانية، لكنها لا ترغب في أن تُتهم بتقييد خليفتها بقواعد لم تكتبها.

وطالما استمر الجمود السياسي، فسوف يتصاعد الضغط على الحكومة.

وفي هذه الأوقات المضطربة، تحتاج الطبقة السياسية العراقية إلى إنهاء الجمود السياسي بسرعة.

ويعد الاتحاد الأوروبي وأعضاؤه من بين أكبر المانحين للمساعدات التنموية في العراق، لكن قدرتهم على الدعم تتناقص بسبب الحرب في أوروبا.

وتحتاج الدول الأوروبية المنخرطة بشكل كبير في العراق إلى الضغط على القادة العراقيين للتوصل إلى اتفاق، وتمرير ميزانية فيدرالية، والاستثمار في تنمية بلادهم.

المصدر | حمزة حداد/ المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العراق أزمة العراق السياسية مقتدى الصدر الاتحاد الوطني الكردستاني مصطفى الكاظمي الحزب الديمقراطي الكردستاني الحكومة العراقية حرب أوكرانيا

العراق من الطائفية إلى المحاور الإقليمية

الصدر داعيا نواب كتلته للاستقالة: الانسداد السياسي مفتعل