إفراجات محدودة في مصر.. مسكنات السيسي لآلام المعتقلين

الاثنين 25 أبريل 2022 12:17 م

من آن لآخر يطلق النظام المصري سراح العشرات من المعتقلين من معارضيه، وسط تهليل من الإعلام الرسمي للخطوة، واعتبارها انفراجة كبيرة للوضع المتأزم في البلاد منذ سنوات.

وكثيرا ما يصاحب تلك الإفراجات، آمال طموحة بحزمة قرارات تنهي مأساة آلاف المعتقلين القابعين خلف الأسوار، منذ الانقلاب العسكري، 3 يوليو/تموز 2013.

وسنويا، وقبل حلول عيد الفطر المبارك، يصدر الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" قرارات عفو رئاسي بحق المئات من المحكوم عليهم في قضايا مختلفة، من بينهم ناشطون في تهم ذات صبغة سياسية.

كذلك مع حلول عيد الأضحى المبارك، وعيد تحرير سيناء، وذكرى ثورة 23 يوليو/تموز، ونصر 6 أكتوبر/تشرين الأول، يجري الإفراج عن المئات ممن اقترب انقضاء مدة محكوميتهم، لكن تلك القرارات كثيرا ما تستثني المعتقلين السياسيين.

وتحمل الإفراجات الأخيرة،  تساؤلات حول دلالة التوقيت، وعدد المفرج عنهم، ومدى ارتباطها بضغوط خارجية، أو كونها محاولة للتنفيس عن الداخل، الذي يشهد غليانا مكتوما، جراء تدهور الأوضاع المعيشة وتزايد معدلات الفقر والبطالة والغلاء.

41 معتقلا فقط

ووفق عضو مجلس حقوق الإنسان (حكومي) "محمد أنور السادات"، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، فإن "الفترة القريبة القادمة ستشهد مراجعات قانونية وإنسانية للإفراج عن مزيد من المحبوسين احتياطيا أو المحكوم عليهم، ممن ينطبق عليهم شروط العفو الشرطي أو الرئاسي".

في الاتجاه ذاته، أكد بيان صادر عن السفيرة "مشيرة خطاب" رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان، أن "الفترة القادمة ستشهد مزيدًا من المراجعات القانونية والإنسانية للكثير من المحبوسين احتياطيًا أو المحكوم عليهم ممن ينطبق عليهم شروط العفو الرئاسي".

ومن أبرز من تم إطلاق سراحهم، بموجب القرار الأخير، "وليد شوقي، محمد صلاح، عمرو إمام، عبده فايد، هيثم البنا، عبدالرحمن بسيوني، حسن بربري، أحمد تمام علام، وعبدالعليم عمار، رضوى هلول، حامد محمدين".

وتجاوز بعض هؤلاء فترة الحبس الاحتياطي دون محاكمة أو الحصول على حكم. وتقدر هذه الفترة بعامين وفق القانون المصري، وهي مثار جدل وانتقاد حقوقي.

ومن بين المفرج عنهم 9 أقباط محبوسين احتياطيا منذ 3 أشهر، على ذمة التحقيقات في اتهامات بـ"تعريض السلم العام للخطر"، وفق "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية".

ولم تتضمن قائمة الـ41 المفرج عنهم، أحدا من صحفيي قناة "الجزيرة" الأربعة المعتقلين، أو المرشحين الرئاسين السابقين مثل "عبدالمنعم أبو الفتوح" و"حازم أبو إسماعيل" و"أحمد قنصوة"، أو رمزا من رموز الإخوان الذين أطاح "السيسي" برئيسهم الراحل "محمد مرسي" من الحكم، عقب عام واحد من ولايته الرئاسية، منتصف العام 2013.

سياقات مختلفة

تأتي الإفراجات المحدودة بعد دعوة "السيسي"، الأسبوع الجاري، إلى حوار سياسي "يتناسب مع فكرة بناء الجمهورية الجديدة"، في خطوة نادرة، في وقت تواجه فيه مصر انتقادات حقوقية واسعة حول وضع حقوق الإنسان في البلاد.

لكن الملفت أن الإفراجات جاءت بعد أيام من ضجة كبيرة ومتواصلة في الداخل والخارج، على خلفية وفاة الباحث الاقتصادي المصري "أيمن هدهود"، وإخفاء جثته لمدة شهر  في ثلاجة مستشفى العباسية (وسط القاهرة)، وسط تقارير حقوقية عن وجود آثار تعذيب في أنحاء جسده.

وتظهر صور جديدة لجثمان "هدهود"، نشرها موقع "تفنيد" الإلكتروني، تعرض الضحية لكسر في جمجمته وجروح مختلفة قبل وفاته، وهو الأمر الذي سبق أن طالبت منظمة العفو الدولية، بإجراء تحقيق مستقل وحيادي بشأن مُلابسات الوفاة المشبوهة بعد إخفاء الراحل قسراً في 5 فبراير/شباط الماضي.

الغريب في الأمر كذلك، أن الإفراج عن الـ41 معتقلا، جاء بالتزامن مع اعتقالات أخرى طالت فريق "ظرفاء الغلابة" الذي ينشر فيديوهات تسخر من الغلاء عبر "تيك توك"، وكذلك القبض على الصحفية "صفاء الكوربيجي" التي دعت للتكبير يوم العيد احتجاجا على تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية حلال حكم "السيسي".

والشهر الجاري، قال وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن"، إن هناك أكثر من مليون معتقل سياسي في العديد من أنحاء العالم، مشيرا إلى مصر بجانب روسيا والصين، ومذكرا بالمحامي الحقوقي المعتقل "محمد الباقر" بتهمة "نشر أخبار كاذبة"، منذ سبتمبر/أيلول 2019.

وتزامن قرار العفو الأخير، مع انطلاق حملة شعبية جديدة، عبر مواقع التواصل لسحب الثقة من "السيسي"، حيث تصدر وسم "سحب الثقة من السيسي"، قائمة الأكثر تداولاً في مصر، عقب تدشين الحملة التي بدأها الفنان المصري المقيم في الخارج "عمرو واكد"، عبر استفتاء إلكتروني.

مسكنات مؤقتة

بالنظر إلى المشهد القائم في مصر، يبدو أن القرار لا يعدو كونه سوى مسكنات لتخفيف حدة الاحتقان السياسي في البلاد، وتجاوز الانتقادات الخارجية الموجهة للنظام المصري بعد وفاة "هدهود"، إضافة إلى مخاطبة الداخل والإيحاء له بأن ثمة انفراجة في الطريق.

وعلى مدار أكثر من 8 سنوات، ازداد ملف المعتقلين تعقيدا بعد ارتفاع عدد السجناء والمحبوسين احتياطيا والمحتجزين في مصر حتى بداية مارس/آذار 2021  إلى نحو 120 ألف سجين، بينهم نحو 65 ألف سجين ومحبوس سياسي، وفق الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.

وغالبا ما يستثنى الإسلاميون من أية قرارات عفو تصدرها السلطة، وهو ما بدا في القرار الأخير، وسبق أن عبر عنه "السادات"، حينما قال في مقابلة مع موقع "مدى مصر"، العام الماضي، إن "الإسلاميين وكل ما هو قريب منهم غير مسموح لنا بالحديث عنهم".

وتشمل قوائم المفرج عنهم نوعية خاصة من الناشطين اليساريين والليبراليين والأقباط وحملة الجنسيات الأجنبية، في محاولة لمغازلة الخارج، وتحسين صورة النظام المصري أمام الأوساط الأمريكية والأوروبية تحديدا.

ويعزز القول بانتقائية المفرج عنهم، بقاء الناشط "علاء عبدالفتاح" والبرلماني السابق "زياد العليمي" والمحامي "أسامة مرسي" والصحفي "هشام فؤاد"، والمحامية "هدى عبدالمنعم"، ورجل الأعمال "عمر الشنيطي" وآخرين، خلف الأسوار، إضافة إلى اعتقال آخرين، بدلا من المفرج عنهم.

وفي هذا السياق، كان لافتا، مطالبة نقابة الصحفيين بالإفراج عن المحبوسين احتياطيا غير الملوثة أيديهم بالدم أو المنخرطين في جرائم الإرهاب، وخصوصا أعضاءها، الذين لا يملكون لخدمة وطنهم ومهنتهم سوى أقلامهم وكاميراتهم، ويلتزمون بقوانين البلاد.

ويصل عدد الصحفيين المصريين في السجون، سواء أعضاء نقابة الصحفيين أو الممارسون من غير الأعضاء، إلى 70 صحفيًا، بحسب المرصد العربي لحرية الإعلام.

يبقى ملف المعتقلين في مصر شائكا ومعقدا، لا تكفيه بضعة قرارات عفو محدودة الأعداد، أو مسكنات مؤقتة لأجيال خلف القضبان من كافة التيارات السياسية، من بينهم محبوسون احتياطيا يصل عددهم إجمالًا إلى حوالي 37 ألف محبوس احتياطيًا، وفق تقديرات حقوقية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي عفو رئاسي العفو الدولية الإخوان اعتقالات هدهود السجون المصرية الجزيرة

مصر.. السيسي يوجه بحوار وطني مع كافة التيارات السياسية

حفل إفطار الأسرة المصرية.. مائدة خوف وانقسام

مصر.. عفو رئاسي عن أكثر من 3 آلاف سجين

العفو الدولية تطالب السلطات المصرية بالإفراج عن آلاف المعتقلين السياسيين

الروبي نموذجا.. عذابات يومية للمطلق سراحهم بمصر أو إعادة الاعتقال