استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الثورة المرجوة للانخراط في التاريخ

الأربعاء 6 يناير 2016 03:01 ص

أما وقد هيمن العقل الأمني فليتنا نوسع الدائرة كي نرى استحقاقات الدفاع عن الأمن القومي من منظوره الكلي، الذي تقنعنا شواهده بأن المسؤولية فيه أكبر بكثير من أن ينهض بها رجال الأمن وحدهم.

(1)

أمضى «رامي بن براك» 35 عاما في المخابرات الإسرائيلية الخارجية (الموساد) حتى صار نائبا لرئيس الجهاز. وخلال سنوات خدمته اعتبر الرجل «نجما» في محيطه، الأمر الذي أهله لكي يترأس شعبة العمليات «قيساريا» التي تعد أهم شعب الجهاز. وبعدما أحيل إلى التقاعد تحدث قبل أسبوعين إلى القناة التلفزيونية الثانية، وفاجأ الجميع بشهادته التي أدلى بها أمام الصحفي داني كشمارو حين كشف بعضا من خلفيات العمليات التي قام بها واعتبرت بطولات وإنجازات.

قال الرجل إن أهم عنصر في النجاحات التي حققها هو وفريقه تمثل في الفجوة التكنولوجية التي تفصل (إسرائيل) عن «أعدائها» الذين استهدفتهم. تحدث في هذا الصدد عن أن الموساد يعتمد في المهام التي يقوم بها على توظيف قدرات تكنولوجية تفوق بكثير ما هو متوافر لدى خصومها. أضاف أن (إسرائيل) تحقق عوائد إيجابية هائلة من وراء التطور الكبير الذي حققته في مجال التقنيات المتقدمة، وهو ما سمح لها ليس فقط بتقليص الاعتماد على القوى البشرية، بل أفضى إلى تحولات جذرية على مقومات القوة العسكرية الإسرائيلية.

وفي شرحه لهذه النقطة قال إنه نظرا لأن (إسرائيل) باتت ثانى أكبر منتج للطائرات من دون طيار في العالم، وبسبب الاستخدامات العسكرية والأمنية والاستخباراتية الكبيرة والمتعددة التي باتت تضطلع بها تلك الطائرات، فإن الجيش قرر توظيف ذلك التميز على نحو آخر ــ إذ قرر تقليص الاعتماد على الطيارين والاتجاه بدلا من ذلك إلى الاستعانة بشباب مهمتهم تشغيل الطائرات بدل طيار من قواعد ثابتة وآمنة في عمق (إسرائيل) كما ذكرت صحيفة ميكور ريشون في ١٣/٦/٢٠١٥. وهو ما أورده أحد خبراء الشؤون الإسرائيلية، الدكتور «صالح النعامي» في مقالة اعتمدت عليها ونشرتها صحيفة «العربى الجديد» تحت عنوان «صناعة البطولة من دون مخاطر».

(2)

شهد الدكتور «النعامي» بأنه منذ العام 2004 ومرورا بالحروب التالية على غزة (في الأعوام 2008 و2012 و2014) فإن معظم الشهداء في الجانب الفلسطيني سقطوا من غارات شنتها الطائرات من دون طيار. ونقل عن الصحفي الإسرائيلي «عمير رايبويورت» الذي زار إحدى قواعد الطائرات من دون طيار، قوله إن مجندا ومجندة في عمر 19 عاما ينفذان من مقصورة تحكم غارات عديدة بالضغط على زر. مشيراً إلى أن استخدام تلك الطائرات يقلص المخاطر التي يتعرض لها العنصر البشرى.

وقد باتت (إسرائيل) تستخدمها في هجمات داخل سوريا، وهو ما حدث في اغتيال القيادي في حزب الله اللبناني «جهاد مغنية» واغتيال آخرين من قادة الحرس الثوري الإيراني في الجولان قبل ثلاثة أشهر. وبسبب إسهاماتها الميدانية الاستخباراتية عكف الجيش الإسرائيلى منذ عامين على تزويد كل كتيبة مقاتلة بطائرة من دون طيار. كما أنهم يتجهون في المستقبل إلى تزويد كل كتيبة بقمر صناعي أيضا.

إضافة إلى ذلك فإن (إسرائيل) حسنت قدراتها الاستخباراتية عبر توظيف الحرب الإلكترونية، حيث لم يعد جلب المعلومات السرية الحيوية ممكنا فقط من خلال العناصر البشرية أو عبر توظيف آليات التنصت والتصوير المتقدمة، وإنما بات ذلك ممكنا من خلال تطوير برامج اختراق المنظومات المحوسبة. وقد منحت هيئة أركان الجيش الإسرائيلي في مطلع عام 2013 وساما لضابط في وحدة التجسس الإليكتروني المعروفة بـ«الوحدة 8500» لتمكنه من الحصول على معلومات استخباراتية غاية في الأهمية لطرف «عدو»، وقد تطور توظيف الإسرائيليين للفضاء الإليكتروني حتى بات الشعار المرفوع هو: الفيروس بدل الصاروخ، وذلك بعد النجاحات التي حققتها الهجمات الإليكترونية التي شنتها بالفيروسات خلال عامي 2009 و2012 واستهدفت المنشآت النووية الإيرانية، الأمر الذي أوقع بها أضرارا جسيمة.

الملاحظة المهمة التي نبه إليها الباحث أن القدرات الكبيرة التي حققتها (إسرائيل) في المجالين التقني والإليكتروني تعود أساسا إلى نظام التعليم السائد، الذي يخطط له لكي يخدم تلك الأهداف. في هذا الصدد ذكر أن وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بنات أطلق قبل ثلاثة أشهر ما سماها «ثورة الرياضيات»، التي تهدف إلى زيادة أعداد الطلاب الإسرائيليين الحاصلين على المستوى الخامس في الرياضيات بالثانوية العامة، وكان الوزير الذي قاد وحدة خاصة في الجيش قد أدار بعد تقاعده شركة تقنيات ناجحة. وهو يعتبر أن استيعاب علم الرياضيات متطلبا إجباريا لتحقيق إنجازات حاسمة في صناعة التقنيات المتقدمة بشقيها العسكري والمدني.

(3)

أكثر ما يهمنا في الأمر أن التطورات الحاصلة في العالم الافتراضي باتت تهدد بنية أى مجتمع، وهي أبعد وأخطر بكثير مما تتصور. يشهد بذلك الإنفاق الهائل الذي بات يوجه إلى أنظمة أمن المعلومات في الشرق الأوسط بوجه أخص. إذ قدر الإنفاق الذي جرى ضخَه في هذا المجال بأكثر من 32 مليار دولار وفق مؤسسة آي. دي سي الدولية المتخصصة في خدمات تكنولوجيا المعلومات. وفي ظل التطورات التي حدثت فإن احتمالات الدفاع أو الهجوم من خلال العالم الافتراضى أصبحت واردة. يذكر في هذا الصدد أن استونيا تعرضت لهجوم من ذلك القبيل. ذلك أن تلك الدولة الصغيرة التي تقع في منطقة بحر البلطيق (كانت تابعة للاتحاد السوفييتي وانضمت لاحقا للاتحاد الأوروبي) فوجئت في عام 2007 بعد ساعات من صدور قرار رئيسها بنقل تمثال يخلد ذكرى الجيش السوفييتي بأن البلد أصيب بالشلل. إذ تعرض لهجوم إليكتروني عطل أنظمة الكمبيوتر المعرفية والخدمات الحكومية والأنظمة الحيوية في الدولة، الأمر الذي عزلها عن العالم الخارجى.

قرأت مقالة في الموضوع للأكاديمى والكاتب الأردنى «موسى برهومة» (نشرتها صحيفة الحياة اللندنية في 11-11-2015). ومما ذكره أن جندي المستقبل المتطور لم يعد مضطرا لحمل بندقية على كتفه وإنما أصبح يزود بجهاز كمبيوتر، لاسيَّما أن الهجمات الإليكترونية التي يطلق عليها «دبدوس» وهى هجمات جيوبوليتيكية، قد زادت منذ مطلع عام 2015 بمعدل 300%. وهي تستهدف حجب الخدمة عن المؤسسات الحيوية في الدولة، وربما تتطور في المستقبل إلى استهداف الأنظمة الاستخباراتية الحساسة، وحركة الملاحة وأنظمة المستشفيات والمياه والكهرباء أو النفط والغاز والمصانع التي تستخدم المواد الكيماوية.

في هذا الصدد ذكَر الكاتب بما أذاعه مسؤولون إيرانيون في عام 2014، عن إحباط محاولة استهدفت موقع (إي آر 40) النووى بالقرب من مدينة أراك وسط البلاد. وسبق ذلك تعرض مفاعل «نظنز» الإيرانى لتخصيب اليورانيوم لهجوم بفيروس عام 2010، أدى إلى حدوث توقف مؤقت لأجهزة الطرد المركزى، وهو ما حملت طهران مسؤوليته في الحادثتين إلى الولايات المتحدة و(إسرائيل).

الشاهد أن قواعد الصراع وأدواته باتت تشهد انقلابا شاملا يستدعي إعادة النظر ليس فقط في خطط التفكير الاستراتيجى والتسليح، وإنما أيضا إعادة النظر في خطط ومناهج التعليم لتسويغ التعامل مع متغيرات أدوات الصراع التي تجاوزت كل الحدود المتعارف عليها.

(4)

الأجراس التي ترددت أصداؤها في مختلف عواصم العالم أيقظت الأغلبية العظمى، ونبهت الجميع إلى أن النهوض بالتعليم يمثل أحد المفاتيح المهمة لتحقيق التقدم. وإذ ظلت فنلندا تحتل الأولوية بين الدول التي حققت تلك النهضة وجنت ثمارها، ولحقت بها دول غربية عدة مثل النرويج وسويسرا وكندا.

إلا أن الدول الآسيوية نجحت في تحقيق القفزة المنشودة، حتى أصبح تلامذة آسيا يتصدرون تصنيف التعلم بين طلاب العالم. وتتولى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية قياس النمو في ذلك المضمار من خلال اختبارات تجريها في برنامج يحمل اسم «بيسا» أي البرنامج الدولى لمتابعة تحصيل التلاميذ، الذي أصبح بمثابة لوحة التصنيف المدرسي العالمى. وهو يركز على اختبار التلاميذ في ثلاث مواد أساسية هي: اللغة الأم والرياضيات والعلوم.

لا مجال للحديث عن موقع مصر في خرائط التصنيف المدرسي العالمي. فسمعتها السيئة في مجال التعليم لها صداها في كل محفل، وحين ذكرت «فورين بوليسي» في عام 2013 أن جودة التعليم في مصر أصبحت صفرا فإن ذلك لم يكن مفاجئا، والأخطر من ذلك أنه لم يحدث أي صدى في الأوساط المعنية بالتعليم في البلد.

في العام الأخير نشر موقع جريدة «الشروق» (في 21-5-2015) نتيجة تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي حول جودة المدارس الابتدائية احتلت فيه مصر المركز الأخير بين 124 دولة، وفي المؤشر العام لرأس المال البشري جاء ترتيب مصر 84 بين 124 دولة، في حين احتلت فنلندا موقع الصدارة الأول.

احتفظ بتقرير حول التعليم في آسيا نشرته صحيفة «لوموند» الفرنسية (فى 4-12-2012) ضرب المثل بالنظام التعليمى بكوريا الجنوبية، الذي يفرض على التلاميذ قضاء نحو 50 ساعة في الأسبوع في الدراسة، وذلك عدد من الساعات يفوق نظيره الأوروبي بـ16 ساعة. ذلك أنهم يدخلون الصفوف في السابعة والنصف صباحا ويغادرونها في الساعة الرابعة بعد الظهر. ومعظم هؤلاء يغادرون الصفوف لكي يلتحقوا بمدارس خاصة تعدهم لدخول الجامعة منذ انخراطهم في المرحلة الابتدائية.

وقدر التقرير نفقات الأهالي على المدارس الإعدادية (في عام 2012) بما يعادل 13 مليار يورو، وهو ما يعادل عشرة أضعاف ما أنفقه الفرنسيون على «المساعدة» المدرسية. وبعض التلاميذ الكوريين يستمرون في الدراسة اليومية حتى الساعة العاشرة مساء. وهذا الموعد حددته الحكومة للحيلولة دون إفراط الأهل في حمل أولادهم على الدراسة إلى ما بعد ذلك الموعد. وهذا الذي حدث في كوريا الجنوبية له نظيره في عدة دول آسيوية أخرى، منها سنغافورة التي أصبحت توصف بأنها أرض الفرص العلمية التي لا نظير لها.

إذا سألت: أين نحن من كل ذلك؟ فلن أجيب على السؤال. ولكنني أدعوك إلى مطالعة أخبار التعليم في الصحف الصباحية، وحين تجد أنها أدارت ظهرها للتعليم واشتغلت بالأمن فإنك لن تتلقى الإجابة الشافية فحسب، ولكنك أيضا ستعرف إلى أين نحن ذاهبون. وستدرك عندئذ حقيقة الثورة التي ننتظر انطلاقها للانخراط في التاريخ، وبغير النجاح فيها سنصبح خارج مجرى التاريخ. ولن نستطيع أن ندعي أن أحدا تآمر علينا في ذلك.

  كلمات مفتاحية

الثورة العقل الأمني الأمن القومي المسؤولية رجال الأمن العرب المخابرات الإسرائيلية التعليم

جدلية الثقافة والتعليم في أرض العرب

إنّه التعليم يا سادة!

ثقافة الشباب والعنف الرمزي في زمن العولمة

الثقافة العربية وقول الحقيقة

إشاعة ثقافة الحقوق والواجبات

فصل في إنكار تجميد التاريخ واستنساخه

التاريخ مصدر للفهم والتخطيط… وكذلك للفتنة!

معركة التأويل

تعدد مسارات التاريخ