في مواجهة تحديات هائلة.. هل يصل المحتجون في إيران إلى مبتغاهم؟

الاثنين 31 أكتوبر 2022 07:16 ص

تتواصل موجة الاحتجاجات ضد النظام في إيران بعد مقتل الشابة "مهسا أميني"، وهو الأمر الذي فاقم الغضب من المصاعب الاجتماعية والاقتصادية القائمة بالفعل.

ورغم أن الثورة الكاملة تعد أمرا سهلا باللسان، إلا أن تحويل ذلك إلى واقع يعد أمرا صعبا.

الثورة ببساطة هي تمرد اجتماعي جماعي يستبدل النظام السياسي تماما بآخر. على سبيل المثال، استبدلت الثورة الإسلامية عام 1979 الملكية بالثيوقراطية، لكن ليس من المرجح أن تؤدي الاضطرابات الحالية إلى نفس النتيجة؛ أي الانتقال من الثيوقراطية إلى الديمقراطية على سبيل المثال.

فهذا الطموح يواجه عدة عقبات مهمة؛ أولها إمكانية اندلاع عنف واسع النطاق على يد النظام أو المتظاهرين، والذي من شأنه أن يحول المظاهرات السلمية إلى حرب أهلية، على غرار ما حدث في سوريا.

وهناك عقبة أخرى تتمثل في الافتقار إلى معارضة سياسية منظمة تعبر عن الطموحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للشعب الإيراني.

وأخيرا، فإن وجود أقليات عرقية ودينية لديها طموحات انفصالية أو أكثر استقلالية يشكل عائقا آخر أمام إنشاء نظام سياسي تمثيلي حقا. وباختصار، هناك عقبات هائلة أمام إنشاء ديمقراطية ليبرالية في إيران.

معارضة منقسمة

على مدار تاريخ، أثبت المواطنون الإيرانيون شجاعتهم في مواجهة الديكتاتورية التي تحكم بلادهم؛ فقد شهدت العديد من المدن انتفاضات شعبية من عام 1991 إلى عام 1994، وبرزت مظاهرات الطلاب في عام 1999، واحتج الإيرانيون على نطاق واسع على نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009.

لكن بمرور الوقت، تراجعت الأحزاب السياسية الإصلاحية، فيما تعاظم دور المتشددين. وبعد أن كان "مير حسين موسوي" و"مهدي كروبي" شخصيتين مؤثرتين للغاية في عام 2009، قبعا قيد الإقامة الجبرية لأكثر من عقد من الزمان، وتم منعهما من أي نشاط سياسي. وغني عن القول أن القوى السياسية الأخرى لا يمكن أن تعمل داخل إيران؛ بسبب القمع القاسي الذي تمارسه السلطات.

أما خارج إيران، فالوضع ليس أفضل بكثير؛ فقد بقي نجل الشاه الأخير "رضا بهلوي" خارج البلاد لعقود من الزمن، ويفتقر إلى التأثير داخل البلاد، كما إن معظم الإيرانيين يبغضون المجموعات الأخرى مثل "مجاهدي خلق".

ولا يعرقل انقسام وضعف المعارضة خلق الظروف المناسبة لتغيير النظام فحسب، لكن ذلك يعرقل أيضا وضع خارطة طريق عملية لأي فترة انتقالية. ومن الناحية المثالية، فإن المعارضة السياسية الفعالة من شأنها أن تجمع القوى الاجتماعية المتباينة لا أن تقسمها، وتخلق فهما سياسيا مشتركا فيما يتعلق بالنظام السياسي المأمول.

وبدون جبهة موحدة، يكاد يكون من المستحيل إنشاء عقد اجتماعي جديد؛ مما يهيئ البلاد للفوضى إذا حدث فراغ في السلطة على مستوى البلاد.

مخاطر التصعيد

مع استعداد النظام لاستخدام أقسى درجات العنف، يمكن أن تغرق البلاد أيضا في صراع داخلي مرير؛ ما يعني أن الانتقال الديمقراطي سيكون بعيد المنال.

ورغم المأساة التي تكشفت أمام أعين العالم حتى الآن، فإن مستوى العنف اليوم في إيران يبدو بسيطا مقارنة بالقمع الذي شهدته الدول الأخرى التي عصفت بها الاضطرابات الأهلية. على المرء النظر فقط إلى شريكة إيران (سوريا) ليدرك الأهوال التي تجلبها الأنظمة الديكتاتورية على مواطنيها إذا تعرضت لخطر وجودي.

ويتوقع المراقبون أن تتصاعد تدابير النظام القمعية إذا هددت المظاهرات وجوده. ويظل أمل نجاح الثورة ضعيفا بدون انحياز قوات الأمن إلى جانب المتظاهرين.

وقد هدد المرشد الأعلى "علي خامنئي" بسحق المحتجين، واصفا الجمهورية الإسلامية بأنها "أصبحت شجرة عظيمة لا يجرؤ أحد على التفكير في اقتلاعها". ويعد ذلك مؤشرا واضحا على أنه على استعداد لتنفيذ أقصى درجات القمع من خلال جهاز الأمن.

كما يعد الحرس الثوري عنصرا مهما للغاية في المعادلة، ومن غير المرجح أن يظل محايدًا فيما يهدد المتظاهرون الجمهورية الإسلامية. وفي عام 1999، على سبيل المثال، أصدر الحرس الثوري رسالة إلى الرئيس آنذاك "محمد خاتمي"، مطالبين بإنهاء فوري لمظاهرات الطلاب، وحذروا من عواقب وخيمة إذا فشل في قمع الاضطرابات.

إلى جانب أيديولوجيتهم الصلبة وتفانيهم للجمهورية الإسلامية، فإن الحرس الثوري لديهم مصلحة اقتصادية في الحفاظ على الوضع الراهن؛ حيث يشارك الحرس في مختلف قطاعات الاقتصاد الإيراني.

وبالطبع، هناك احتمال أن يلجأ المحتجون إلى استخدام العنف إذا استمرت حملة النظام العنيفة أو تصاعدت، أو إذا شعروا أن أصواتهم لا تسمع. وغالبًا ما يكون اليأس بمثابة حافز للنشاط الثوري. وإذا لم تمهد الوسائل السلمية الطريق لتغيير ذي مغزى، فقد يدفع ذلك المتظاهرين إلى اللجوء إلى التدابير الأخرى.

تطلعات الأقليات

وبالرغم من الطبيعة المتماسكة للمجتمع الإيراني مقارنة بجيرانها؛ فهناك بعض التصدعات التي قد تتسع إذا استمر عدم الاستقرار، مما يهدد أي ثورة محتملة قبل أن تبدأ. وتدمج الهوية الوطنية القوية لإيران عدة مجموعات من الأقليات العرقية والدينية، ومع ذلك فإن التمييز ضد الأقليات واسع الانتشار، وقد تظهر تطلعات الاستقلال إذا ضعفت الحكومة المركزية.

على سبيل المثال، تتعرض المناطق الكردية لتمييز عميق، وتعاني من واحدة من أعلى معدلات البطالة في البلاد. وعندما مرت إيران بوقت مضطرب بعد الحرب العالمية الثانية، تم إعلان جمهورية مهاباد الكردية؛ حيث سعى الأكراد الإيرانيين إلى حماية أنفسهم. وتم إعادة إحياء طموحات الأكراد للاستقلال بعد ثورة 1979، ودعم العراق للأحزاب الكردية خلال الحرب الإيرانية العراقية.

وبالمثل، يعاني الأذريون من التمييز في إيران، مع أنهم يشكلون ثاني أكبر شريحة من المجتمع، وقد أعلنوا أيضًا استقلالهم في 1945-1946، وتم إحياء آمالهم عندما سعى البعض للانفصال عن إيران للانضمام إلى أذربيجان "الشمالية" بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. كما تظاهر الأذريون مرارا ضد التمييز الذي يستهدف هويتهم. وعلى سبيل المثال، نزل المتظاهرون الأذريون إلى الشارع بعد أن سخرت قناة حكومية من لهجتهم وعرضت نكاتًا تهاجمهم على الهواء.

ولا يقتصر التمييز على هاتين الأقليتين حيث يواجه العرب أيضا تمييزا متأصلا. وباختصار، ستؤثر الاختلافات الفكرية والعرقية والثقافية واللغوية على تشكيل النظام السياسي الجديد، وستعيق بالتأكيد العملية الثورية.

وبالرغم من نضال المواطنين الإيرانيين المستمر من أجل ظروف سياسية أفضل؛ فإن أي ثورة تسعى إلى استبدال الجمهورية الإسلامية بنظام ديمقراطي تواجه تحديات هائلة. وتحتاج إيران إلى معارضة سياسية قوية لترجمة طموحات المجتمع إلى نظام سياسي قادر على العمل، فالإطاحة بالنظام مسألة، وإنشاء بديل ديمقراطي مسألة أخرى.

علاوة على ذلك، من الواضح أن جهاز الأمن الإيراني اليوم يختلف اختلافا جذريا عن الجهاز الذي تم تشكيله في عهد الشاه؛ فأيديولوجية الحرس الثوري والباسيج تؤيد بشدة نظام "ولاية الفقيه". وبالتالي، فإن اقتلاع النظام الحالي سيتطلب مواجهة مع جهاز أمني مخلص للنظام وقوي للغاية.

المصدر | مصعب الألوسي/ منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مهسا أميني احتجاجات إيران محادثات نووية المرشد الأعلى خامنئي الحرس الثوري

إضراب عمال النفط.. عنصر حساس قد يغير مسار الاحتجاجات في إيران

إيران: هل الاحتجاجات «مؤامرة خارجية»؟

إعلام إيراني: محاكم ثورية علنية في انتظار متظاهري مهسا أميني

طلاب إيران يتحدون قوات النخبة والقمع بإضراب متواصل