تحليل: السعودية وأفغانستان.. من الدعم المتقلب إلى "شعرة معاوية" من أجل الاستقرار

الخميس 9 فبراير 2023 07:51 ص

سلط تحليل نشره "معهد دول الخليج العربي في واشنطن وترجمه "الخليج الجديد"، الضوء على العلاقات بين السعودية وأفغانستان، مشيرا إلى أنها كانت متقلبة ومثيرة للجدل على مر العقود الماضية، لكن الرياض الآن يبدو أنها اختارت إبقاء بعض قنوات الاتصال مفتوحة مع حركة "طالبان" التي تحكم أفغانستان، لتعزيز الاستقرار بالمنطقة.

وقال التحليل، الذي كتبه "ليوناردو جاكوبو"، الباحث في الشؤون الأمنية لمنطقة الخليج، و"كريستيان ألكسندر" مدير برنامج الأمن الدولي والإرهاب بمؤسسة "TRENDS" للأبحاث في أبوظبي، إن العلاقات السعودية الأفغانية اتسمت بمد وجزر، منذ الاحتلال السوفييتي لأفغانستان إلى الصعود الصاروخي لـ"طالبان"، وهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 لـ"القاعدة"، وسقوط نظام "الملا عمر" في أعقاب الحرب التي قادتها الولايات المتحدة على "الإرهاب"، والانسحاب الفوضوي لقوات التحالف الدولي من البلاد.

وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، سعت السعودية ودول الخليج إلى النأي بنفسها عن أفغانستان، لا سيما عن الشبكات المرتبطة بـ"القاعدة" و"طالبان"، فقد خشي قادة الخليج من أن الجاذبية العابرة للحدود للأيديولوجية الإسلامية الراديكالية قد تتسبب في انعدام الأمن في بلدانهم الأصلية وفي المنطقة.

وفي حين أن أفغانستان منفصلة جغرافيًا عن شبه الجزيرة العربية، فإن الاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار في البلاد تؤثر بشكل مباشر على إيران وباكستان، وهما الجاران المجاوران للخليج.

ويرى التحليل أن السعودية كان لها بشكل خاص مصالح أمنية واقتصادية وإنسانية في المستقبل السياسي لأفغانستان، ولتعزيز هذه المصالح، مارست المملكة درجات متفاوتة من التأثير على ديناميكيات القوة الأفغانية على مدى العقود العديدة الماضية.

ويضيف أن السعودية أولت مزيدًا من الاهتمام لأفغانستان وبدأت في الانخراط في سياساتها الداخلية، مدفوعة بثلاثة عوامل رئيسية أولها الواجب الأخلاقي والديني لدعم بلد إسلامي يتعرض للهجوم من قبل نظام اشتراكي (الاحتلال السوفييتي)، وثانيها العلاقة المتنازع عليها مع إيران وضرورة احتواء طموحاتها التوسعية في آسيا الوسطى والشرق الأوسط الكبير، وآخرها محاربة "الشبكات الإرهابية والمتطرفة".

ويرى التحليل أنه بينما تلاشى العنصر الأول تدريجيًا بسبب انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991 وعدم التركيز على الدين في السياسة الخارجية السعودية، لا يزال العاملان الثاني والثالث يساهمان بشكل كبير في تشكيل مسار العلاقات السعودية الأفغانية.

مقاومة السوفييت

وبالتنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة وباكستان، لعبت السعودية دورًا حاسمًا في تنظيم ودعم مقاومة المجاهدين ضد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان.

ومع ذلك، لم تكن هيكلة الميليشيات الأفغانية بطريقة منضبطة مهمة سهلة، حيث كان الانقسام وانعدام الثقة والاستياء يلوح في الأفق بشكل كبير بين أحزاب المعارضة الرئيسية الستة التي شكلت المعسكر الأفغاني المناهض للسوفييت.

حاولت السعودية رأب هذا الصدع بين "المجاهدين الأفغان"، فجمعت قادتهم في مكة عام 1981 واتفقوا على الوحدة وأقسموا بذلك أمام الكعبة، لكن بمجرد عودتهم إلى أفغانستان نسوا القسم وعادت الخلافات المسلحة، فعادت المملكة إلى جمعهم مجددا في مكة لنفس السبب، وأيضا فشلت محاولة حل الخلاف وتجدد الاقتتال الداخلي بين الفصائل الأفغانية السنية.

وأصبح انتشار الكراهية والمرارة بين قادة المجاهدين أكثر وضوحًا بعد انسحاب السوفييت من أفغانستان في عام 1989 وإزاحة حكومة "محمد نجيب الله" المدعومة من الاتحاد السوفييتي في عام 1992.

وفيما كان من المفترض أن يكون مرحلة استقرار ما بعد الاحتلال، انزلقت البلاد في حالة من الفوضى، حيث تنافس المجاهدون للسيطرة على كابل.

هنا، تزامنت آخر محاولة سعودية لـ"دبلوماسية الكعبة" مع اتفاق السلام لعام 1993 برعاية رئيس الوزراء الباكستاني، آنذاك، "نواز شريف"، الذي جمع ممثلين عن فصائل المجاهدين في إسلام أباد، حيث وافقوا على إنهاء الأعمال العدائية وتشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة، ثم نُقل القادة جواً إلى مكة لحضور حفل توقيع ثان أمام الكعبة. لكن عندما عادت الأطراف إلى أفغانستان ، اندلعت التوترات مرة أخرى.

ويقول التحليل إن السعودية التي خصصت 4 مليارات دولار لدعم المجاهدين الأفغان، فإن أمراء الحرب، وظهور الخصومات القائمة على الاختلافات العرقية بشكل منتظم، أدت إلى تقويض الدعم المالي والتأثير الديني للمملكة العربية السعودية.

وقد اعترفت الرياض تدريجيًا أن لديها القليل من النفوذ للعب دور ذي مغزى في أفغانستان.

التدخل الإيراني

وبينما خصصت السعودية موارد كبيرة لتوحيد المقاومة الأفغانية خلال الثمانينات، كان تدخل إيران في أفغانستان محدودًا، حيث كانت مشغولة بمواجهة مواجهة عسكرية ضد العراق، وترسيخ الأسس الهيكلية للجمهورية الإسلامية الناشئة.

وبعد رحيل السوفييت من أفغانستان، خشيت السعودية من تدخل إيران هناك وأن تستغل الفوضى للاستفادة من تقارباتها اللغوية والدينية مع الأقليات، مثل الطاجيك الناطقين بالفارسية ومجموعات الهزارة الشيعة، لنشر الأيديولوجية الثورية الخمينية.

من ناحية أخرى، أعرب القادة الإيرانيون عن قلقهم من أن الرياض قد تبدأ حرب ظل ضد طهران باستخدام مجموعات المجاهدين المدعومة سعوديًا، خاصة الفصائل الإسلامية الأصولية بقيادة "سياف" و"قلب الدين حكمتيار"، القائد البارز في المقاومة المناهضة للسوفييت، ولاحقاً "طالبان" بقيادة "الملا عمر".

وهكذا دخلت التفاعلات السعودية الإيرانية في أفغانستان مرحلة أكثر اضطرابًا تشبه "صراع النفوذ بين الوهابية السعودية والشيعة الإيرانية" ، وفقًا للباحث "جون كالابريس".

لكن إيران، اكتشفت، مثلها مثل السعودية، أن محاولة بناء تحالفات موالية لها في أفغانستان مهمة صعبة للغاية في بلد متعدد العرقيات كالفسيفساء، حيث قاومت الحركة الثورية الإسلامية، وهي جماعة شيعية رئيسية يقودها "آية الله آصف محسني"، ضغوط إيران للانضمام إلى المظلة التي ترعاها إيران، معتبرة أنها منحازة بشدة لمزاعم الهزارة التاريخية.

ويقول التحليل إنه مع صعود حركة "طالبان" في منتصف التسعينات، بسبب الإحباط من عدم موثوقية مجموعات المجاهدين، خاصة تلك التي يقودها "سياف" و"حكمتيار"، رأت السعودية في "طالبان" بديلاً قابلاً للتطبيق لتحقيق الاستقرار في أفغانستان ومنع إيران من تحقيق غزوات كبيرة في آسيا الوسطى.

لكن لم يدم زواج المصلحة طويلاً، حيث أثبتت "طالبان" أنها أكثر صعوبة للسيطرة من فصائل المجاهدين الأخرى.

وأدى النمو السريع لـ"طالبان"، والمواقف المتشددة لها، والتصرفات الأيديولوجية غير الناضجة إلى تقريب السعودية وإيران ضمنيًا فيما يخص الملف الأفغاني، على الرغم من أنهما كانا لا يزالان على خلاف علني في ملفات أخرى.

وبشكل عام، في العقدين الماضيين بين انهيار نظام "الملا عمر" في 2001 وصعود "طالبان" السريع إلى السلطة بعد انسحاب قوات التحالف الدولي بشكل جماعي خلال صيف عام 2021، استمرت التفاعلات السعودية الإيرانية في أفغانستان في اتباع مسار غير منتظم.

واصل كلا البلدين النهج الخاص بهما في أفغانستان، في محاولة لشراء ولاء الجهات الفاعلة المحلية عن طريق تحويل مبالغ كبيرة من المال إليهم، لكن المنافسة المستمرة منذ عقود بين السعودية وإيران في أفغانستان سلطت الضوء على فشل استراتيجية العميل الراعي في بلد به مثل هذه الفسيفساء السياسية المعقدة.

وربما تكون السعودية قد أوقفت نفوذ إيران في أفغانستان بالفعل، لكنها لم تكن قادرة على توسيع مجال نفوذها السياسي بشكل مفيد، يقول التحليل.

حقبة "محمد بن سلمان"

ومنذ مجيء "محمد بن سلمان" وليا للعهد في السعودية، كان الأمر بمثابة تغيير للحرس القديم وصعود لجيل الشباب، وأدى هذا إلى إعادة تقويم للسياسة الخارجية.

وفي أفغانستان، اتبعت المملكة سياسة مناهضة لـ"طالبان" بشكل شبه صريح، ونأت بنفسها عن "شريكها السابق" من خلال مقارنة النسخة الراديكالية من الإسلام للجماعة الأفغانية بـ"الإسلام الأكثر اعتدالًا" الذي يقدمه "بن سلمان".

في يوليو/تموز 2017، على سبيل المثال، استضافت السعودية مؤتمرًا دوليًا لمدة يومين لمنظمة التعاون الإسلامي لتعزيز السلام والاستقرار في أفغانستان، وشارك في الحدث أكثر من 100 من علماء الدين من حوالي 40 دولة، واختتم بإعلان يدين عدم الشرعية الدينية للعنف الذي تمارسه حركة "طالبان".

وبحسب التحليل، قد يُنظر إلى انخراط السعودية مع أفغانستان، و"طالبان" بشكل خاص، خلال السنوات الأخيرة على أنه جزء من محاولة أوسع من قبل القيادة بالرياض لإعادة تأهيل مكانة البلاد على الساحة الدولية لجذب الاستثمار الأجنبي ورأس المال البشري.

ومع استيلاء "طالبان" على السلطة في منتصف أغسطس/آب 2021، وتجميد الأصول الخارجية للبنك المركزي الأفغاني، والانخفاض الهائل في تدفق المساعدات الخارجية إلى البلاد، بدا التدهور السريع للأوضاع الإنسانية أمرًا لا مفر منه.

ومن خلال الاستفادة من مؤهلات قيادتها، لعبت السعودية دورًا مهمًا في حشد أعضاء منظمة التعاون الإسلامي لتكثيف الجهود لتقديم الإغاثة الإنسانية للشعب الأفغاني.

وفي مارس/آذار 2022، تم تعيين مدير عام جديد لمكتب منظمة التعاون الإسلامي في كابل، وأعيد فتح بعثة منظمة التعاون الإسلامي رسميًا هناك في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

ويخلص التحليل إلى أن القادة السعوديين سيظلون يراقبون بحذر ديناميكيات القوة الأفغانية. ومن المرجح أن يبقي هؤلاء القادة بعض قنوات الاتصال مفتوحة مع "طالبان"، لا سيما باسم الاستقرار في المنطقة، ومن المرجح أن يعملوا على معالجة المخاوف المشتركة، مثل التدفق غير المشروع للمخدرات وتهريب الأسلحة، ومحاولة التأكد من "عدم عودة أفغانستان إلى كونها ملاذًا للمنظمات الإرهابية وانتشار الأيديولوجيات المتطرفة".

ومع ذلك، يبدو أنهم في موقف واضح لتجنب النوع المتشابك من الارتباط مع أفغانستان الذي سعوا وراءه بمثل هذا الطموح وهذه النتائج المحدودة في الماضي.

المصدر | ليوناردو جاكوبو وكريستيان ألكسندر | معهد دول الخليج العربي في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات السعودية الأفغانية طالبان المجاهدون الأفغان العلاقات السعودية الإيرانية أفغانستان