من الطاقة إلى الدفاع.. لهذا تُعتبر الهند "أولوية قصوى" للسعودية

الأربعاء 8 مارس 2023 01:12 م

ياسين مهداوي- الخليج الجديد

"أولوية قصوى".. بتلك العبارة الحاسمة وصف وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان علاقات بلاده مع الهند، وهي تمتد إلى أكثر من سبعة عقود وشهدت تميزا في مجالات عديدة أهمها الاقتصاد والدفاع.

والعلاقات الدبلوماسية بين البلدين قديمة، بدأت بتعيين قنصل عام للسعودية في مومباي عام 1947، وبعد 8 سنوات ارتفع مستوى التمثيل إلى سفير، وفي ذلك العام زار الملك الراحل سعود بن عبدالعزيز آل سعود الهند، وفق تقرير وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس).

لكن لعقود طويلة، اختارت السعودية إقامة علاقات استراتيجية متميزة مع باكستان، البلد ذي الغالبية المسلمة والخصم اللدود لجارته الهند، بل ووجهت انتقادات عديدة لنيودلهي على خليفة سياساتها تجاه إسلام آباد (قوتان نوويتان).

ولذلك فإن التقارب الملحوظ منذ سنوات بين السعودية والهند، لاسيما على مستوى الدفاع، يمثل "تغيرا حقيقيا في عقلية القادة السعوديين"، بحسب رانجيت كومار، محلل الشؤون الاستراتيجية في موقع "abp live".

وقال الكاتب معين الدين أحمد، في تقرير بصحيفة "إنديا تايمز" الهندية، إن بداية هذه الحقبة الجديدة من العلاقات الثنائية تعود إلى فبراير/ شباط 2019، حين زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان نيودلهي؛ ما أسفر عن إنشاء مجلس الشراكة الاستراتيجية برئاسة بن سلمان ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، الذي زار الرياض للمرة الأولى في 2016.

إمكانات هائلة

وخلال زيارته للهند قبل أيام للمشاركة في اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين، قال بن فرحان، في مقابلة صحفية مع سمير ساران، رئيس مؤسسة "أوبزرفر ريسيرش فاونديشن"، إن العلاقة مع الهند "أولوية قصوى".

وأضاف أن هذه العلاقة نمت بشكل كبير في السنوات الخمس الماضية، وهناك حاجة لتحقيق تقدم ملموس في جميع القطاعات وخاصة الاقتصادية والتجارية.

ومؤكدا مكانتها العالمية المتصاعدة، تابع أن "الهند بلد ديناميكي بشكل خيالي يتمتع بإمكانات هائلة، ورأينا أنه في السنوات الخمس الماضية على وجه الخصوص مسار الهند رائع. إمكانات الهند ربما لا يمكن قياسها".

سوق رئيسي للنفط

وفي قطاع الطاقة، أبرز نقاط قوة السعودية، قال بن فرحان: "نحن بالطبع أهم شركاء الهند في الطاقة، لأن هذا هو الحال بالنسبة للطاقات التقليدية، ولكننا نتطلع أيضا إلى مواصلة ذلك في عصر الطاقة المتجددة".

والسعودية هي المزود الأول للنفط بالنسبة للهند، ثالث أكبر اقتصاد آسيوي، حيث تستورد نيودلهي من المملكة حوالي 18% من احتياجاتها من النفط الخام ونحو 22% من احتياجاتها من الغاز المسال، بحسب معين الدين أحمد.

كما تستثمر شركة "أرامكو" السعودية للنفط في قطاع تكرير النفط بالهند، وخاصة المصفاة العملاقة في الساحل الغربي وكذلك في مجال تخزين النفط، وفق "واس".

وبينما تلعب السعودية دورا مهما في أمن الطاقة بالهند، تعد الهند شريكا حيويا في الأمن الغذائي للمملكة.

رابع شريك تجاري

وعلى مستوى التجارة، بحسب بن فرحان، فإن "الحجم الهائل للهند (مساحة وسكانا) يوفر إمكانات كبيرة.. ويمر قدر هائل من تجارة الهند مع أوروبا عبر البحر الأحمر (للسعودية سواحل وموانئ عليه)".

والسعودية هي رابع أكبر شريك تجاري للهند بعد الصين والولايات المتحدة والإمارات، وفي السنة المالية 2021-2022 بلغت قيمة التجارة الثنائية 42.8 مليار دولار أمريكي، بحسب معين الدين أحمد.

ومع اتجاه السعودية، وفق "واس"، نحو خصخصة وتنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط، تسعى إلى جذب استثمارات هندية في قطاعات يحظي فيها الهنود بخبرة، ومنها البناء وتكنولوجيا المعلومات والصلب والألمنيوم.

ووفق وزير خارجيتها سوبرامانيام جايشنكار، في مقابلة صحفية، فإن "الهند تمتلك اقتصادا كبيرا، ونركز على النمو والتنمية.. عدد سكاننا يبلغ 1.3 مليار نمسة.. كل هذا يتيح فرصة كبيرة للسعودية من أجل ضخم استثمارات في الهند".

وتعمل في المملكة أكثر 400 شركة هندية مقابل 40 شركة سعودية في الهند. والمملكة هي المستثمر السابع عشر في نيودلهي باستثمارات تبلغ 3.13 مليارات دولار حتى مارس/ آذار 2021، بحسب معين الدين أحمد.

كما تعد الجالية الهندية، وفق "واس"، أكبر الجاليات الأجنبية في السعودية بنحو 3.6 ملايين مقيم يتوزعون في قطاعات منها تكنولوجيا المعلومات والبناء.

تعاون دفاعي وأمني

أما على صعيد الدفاع والأمن، فيعزز البلدان منذ 2020 تعاونهما عبر تبادل الزيارات على مستوى قادة الجيش، و"توفر صناعة الدفاع الهندية فرصا مثيرة للإنتاج المشترك والاستثمارات"، وهذا أحد المجالات التي تأمل الهند أن تحقق فيها "مزيدا من التقدم مع السعودية"، بحسب جايشنكار.

و"بما أن الإرهاب لا يعرف حدودا أو دينا ويشكل تهديدا للبشرية"، وفق جايشنكار، "فمن الطبيعي أن تجتمع الهند والسعودية معا للتصدي للتهديدات التي تواجه بلدينا عبر المعلومات الاستخباراتية وتطوير تقنيات جديدة ومواكبة أسلوب عمل الإرهابيين".

وضمن التعاون بين البلدين، استضافت السعودية في 26 فبراير/شباط الماضي سرب مقاتلات هندي للتزود بالوقود في الجو وإجراء أعمال صيانة بالرياض.

وفي أغسطس/آب 2021، أجرى البلدان أول تمرين بحري مشترك تحت اسم "المحيط الهندي"، في قاعدة الملك عبدالعزيز البحرية، مقر الأسطول الشرقي البحري السعودي.

وتمثل إيران أحد أبرز التهديدات المحتملة لأمن السعودية، وفي أكثر من مناسبة اتهمت عواصم إقليمية ودولية، بينها الرياض، طهران بامتلاك أجندة توسعية في المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية مجاورة للمملكة، لكن عادة ما ترد إيران بأنها تلتزم بمبادئ حُسن الجوار.

تنويع استراتيجي

وبنظرة أشمل على العلاقات بين الرياض ونيودلهي في ظل توازنات القوى على الساحة الدولية، قال جايشنكار: "نحن لاعبان مهمان في النظام العالمي الناشئ متعدد الأقطاب، وتوجد مجالات عديدة يمكن لبلدينا العمل فيها معا".

والتوجه السعودي إلى تطوير وتعميق علاقات استراتيجية مع الهند واعتبارها "أولوية قصوى" يمكن تفسيره في ضوء تحليل للسفير الأمريكي السابق ويليام روباك، نائب الرئيس التنفيذي لـ"معهد دول الخليج العربية في واشنطن".

روبالك ذهب، في تحليله الذي نشره المعهد، إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي، ولاسيما السعودية والإمارات، برزت منذ سنوات كمركز قوة في منطقة الشرق الأوسط وترغب في إحداث نوع من التنوع الاستراتيجي على صعيد الحلفاء.

وأضاف أنه بينما لا يزال يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها الشريك الأمني الرئيسي لهذه البلدان، فإن تلك الدول تريد متابعة مصالحها الاقتصادية وسياستها الخارجية غير المقيدة بنهجها السابق الأكثر اتساقا مع واشنطن.

وأرجع روباك ذلك النهج الجديد إلى ظهور قادة شباب نشيطين نسبيا في البلدان الخليجية الرئيسية، خاصة السعودية والإمارات، وزيادة الثقة التي تعززها الاقتصادات المدعومة بارتفاع أسعار الطاقة والاحتياطيات الهائلة من الموارد.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية الهند الطاقة الدفاع فيصل بن فرحان

السعودية والهند.. تنامي التعاون الدفاعي بعد شراكات اقتصادية واستراتيجية