تنافس إيراني عراقي في ممرات العبور البحرية والبرية الإقليمية

الأحد 16 أبريل 2023 12:34 م

في السنوات الأخيرة، أصبح العراق أحد الوجهات الرائدة للاستثمارات الصينية في الشرق الأوسط ورابطًا مهمًا في مبادرة الحزام والطريق في بكين. للاستفادة من موقعه الجغرافي الاستراتيجي وموقعه المركزي داخل مبادرة الحزام والطريق الصينية، يسعى العراق إلى تطوير مشروع ميناء جديد مترامي الأطراف تبلغ مساحته 54 كيلومترًا مربعًا في أقصى جنوب مدينة الفاو، ما سيقلل اعتماد الدولة على موانئ الخليج العربي والعبور البري من إيران وتركيا لوارداتها.

ويبرز المقال الذي نشره أمود شكري في "معهد الشرق الأوسط" وترجمه "الخليج الجديد" أيضًا التنافس الاقتصادي المتزايد بين العراق وإيران المجاورة، حيث يسعى كلا البلدين إلى خلق مكانة مماثلة في التعامل مع حركة المرور والمعابر الإقليمية.

ويشير المقال إلى أن الشركات الدولية تبدي اهتمامًا متزايدًا بالاستثمار في قطاعي الطاقة والبنية التحتية في العراق على وجه الخصوص حيث يمكن أن يساعد ذلك في تحسين الآفاق الاقتصادية للبلاد وتقليل اعتمادها على صادرات النفط، والتي شكلت 95% من إيرادات الميزانية الفيدرالية في عام 2022.

وسيعتمد نجاح مثل هذه المشاريع على مجموعة من العوامل، بما في ذلك الظروف الأمنية والاستقرار السياسي. وقدرة الحكومة على خلق مناخ استثماري ملائم.

وبالنظر إلى الحجم الهائل وانتشار الفساد  حيث قُدر المبلغ الإجمالي المسروق بين عامي 2003 و2020 بمبلغ 250 مليار دولار، فمن الواضح أن العراق أمامه طريق طويل للغاية لمعالجة المشكلة.

الفاو ركيزة اقتصادية مستقبلية

يتضمن مشروع الفاو بناء ميناء جديد وحوض جاف ومحطة نفطية وقناة جافة وما يرتبط بها من بنية تحتية للنقل، وبمجرد اكتماله، من المتوقع أن يصبح أحد الركائز الأساسية لاقتصاد العراق. وستوفر القناة الجافة اتصالًا بريًا بالحدود التركية عبر الطرق والسكك الحديدية، وربطها بالبنية التحتية للموانئ والسكك الحديدية في تركيا، خاصة في مرسين وإسطنبول. إذا اكتمل بنجاح، يمكن للفاو الاستفادة من موقعه واتصاله مع تركيا وسوريا ليصبح محطة حاويات رائدة وأحد أكبر الموانئ في العالم.

كما أن هناك طموحا لربط الفاو بمبادرة الحزام والطريق، وفي هذا السياق بلغ إجمالي الاستثمار الصيني في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا بين عامي 2005 و2022 ما مجموعه 273 مليار دولار.

وقد أصبح العراق شريكًا مهمًا بشكل متزايد للصين في السنوات الأخيرة، مع التركيز بشكل خاص على قطاع الطاقة. ووقعت بكين صفقات مع بغداد بقيمة 10.5 مليار دولار في عام 2021 وحده. وقد ساهمت استثمارات الصين بشكل كبير في التنمية الاقتصادية للعراق وعززت العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

الفرص الضائعة والتحديات الجديدة 

يشير المقال إلى أن التركيز على الفاو واستثمارات الصين في العراق أكد على الدور المحدود لإيران المجاورة في العبور والتجارة الدولية، وهي منطقة تقل فيها طهران عن ثقلها بكثير. نظرًا لموقعها المركزي ومكانتها كجسر أرضي بين جنوب ووسط آسيا والشرق الأوسط، يجب أن تلعب إيران دورًا رئيسيًا في كل من ممرات الشرق والغرب والشمال والجنوب فالأول يربط القوقاز وآسيا الوسطى والصين بالشرق الأوسط وأوروبا عبر إيران، في حين أن الأخير يربط روسيا وآسيا الوسطى بالخليج العربي والهند عبر إيران، لكن طهران لم تستغل أيا من الفرصتين.

بالرغم من مزاياها الطبيعية، فشلت إيران في أن تصبح مركزًا استراتيجيًا مهمًا لنقل البضائع بسبب مجموعة من العوامل، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي والبنية التحتية للنقل التي عفا عليها الزمن، خاصة بالنسبة للسكك الحديدية والموانئ.

وقد يمثل تطوير ميناء الفاو في العراق تحديًا إضافيًا لتطلعات إيران في هذا المجال. وبمساعدة من تركيا والإمارات، يحاول العراق ربط الفاو بسكة حديد العراق الوطنية وربط خط السكة الحديد هذا بتركيا في الشمال، ما يخلق ممر نقل بديلا من المحتمل أن يكون له تأثير سلبي على حركة مرور إيران العابرة إلى تركيا.

في الوقت الحالي، يتحرك ما يقدر بـ90% من حركة المرور عبر إيران براً. في حين أن هناك سكة حديدية قائمة بين إيران وتركيا، إلا أنها محدودة وغالباً ما تتعطل بسبب التوترات السياسية بين البلدين.

وفي ذات السياق يشير المقال إلى اتهام مسؤولين في طهران الولايات المتحدة بالتدخل وأشاروا إلى أن بغداد تتعرض لضغوط من واشنطن لعرقلة تطوير إيران لممر عبور شمال غربي قابل للحياة. كما يزعمون أن تركيا تمارس نفوذها على العراق لدعم ربط السكك الحديدية بآسيا، بما يتماشى مع طموح أنقرة في أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة والاتصالات. نتيجة لذلك يتوقع المقال أن تستخدم إيران الإجراءات العراقية في هذا المجال كرافعة في مفاوضاتها الثنائية حول تجارة الطاقة والزراعة، وقد يؤدي ذلك إلى توتر العلاقة بين البلدين في المستقبل.

وحول مشاريع السكك الحديدية العراقية التي تدعمها دول مثل تركيا والإمارات فإن المقال يرى أنه لكي تتنافس إيران مع ميناء الفاو وتحسن اتصاله العام، فإنها بحاجة إلى زيادة تطوير البنية التحتية للسكك الحديدية. تشمل الفرص المحتملة ربط ميناء جاسك على خليج عمان بسرخس على حدود تركمانستان، ومن هناك إلى آسيا الوسطى عبر ممر للسكك الحديدية يمر عبر إيرانشهر وزاهدان ومشهد، وكذلك ربط ميناء تشابهار بشلامجة على طول ساحل الخليج ثم إلى البصرة. على وجه الخصوص، يمكن أن يوفر الأخير بديلاً لخطط تحويل الفاو إلى بوابة للبضائع المتجهة إلى أوروبا.

تنافس إيران والعراق

لدى إيران عدد من المخاوف الرئيسية بشأن طموحات العراق بطرق العبور وتعاونها مع الصين، كما أن الضعف المحتمل لموقفها في تجارة الترانزيت يرجع إلى حقيقة أن ميناء خرمشهر الإيراني القريب لا يتمتع بنفس الموقع الجيوسياسي مثل الفاو، وكل ذلك يؤكد عزلة إيران الدولية وتأثير العقوبات. كما تشعر إيران بالقلق بشكل خاص من احتمال أن يتفوق عليها العراق كلاعب إقليمي في النقل البحري.

وفي حين أن الخبراء متفائلون بشأن قدرة إيران المحتملة على التعامل مع حركة المرور عبر الإقليمية، ويقدرونها بما يصل إلى 200 مليون طن سنويًا، فإن الحجم الحالي أقل بكثير  أقل من 10 ملايين طن سنويًا.

ويرى المقال أن قطاعات النقل والموانئ والعبور واللوجستيات في إيران أصبحت رهينة للسياسة وتأثير التوترات الجيوسياسية والعقوبات الدولية. وإلى أن يتغير هذا، ستتعطل جهود طهران لتطوير وتوسيع هذه القطاعات ولن تكون قادرة على تحقيق إمكاناتها كقائد إقليمي في النقل والتجارة.

المستقبل

يوفر مشروع ميناء الفاو العديد من الفرص للعراق لتعزيز دوره في العبور الإقليمي وموقعه الجيوسياسي على نطاق أوسع. للقيام بذلك، سيتعين عليها أولاً معالجة كل من التحديات الداخلية، مثل الفساد والانقسامات السياسية، والتحديات الخارجية، مثل المنافسة الاستثمارية بين الصين والولايات المتحدة.

وبالنظر إلى المنطقة، يبدو أن مشاريع مثل الفاو تمثل تهديدًا لبعض البلدان، مثل إيران ، بينما من المحتمل أن تفيد دولًا أخرى، مثل تركيا وقطر وسوريا.

ويختتم المقال بالإشارة إلى أنه بالرغم من الصعود الكبير المحتمل للعراق، اقتصاديًا وسياسيًا، لن يكون من السهل التغلب على التحديات المرتبطة به.

وتدل المنافسة بين إيران والعراق في ممرات العبور البحرية والبرية الإقليمية على التنافس الاقتصادي والسياسي الأوسع بين البلدين. ويمثل مشروع ميناء الفاو الضخم في العراق تحديًا كبيرًا لجهود إيران لتطوير ميناء تشابهار وترسيخ مكانتها كمركز عبور إقليمي.

ومع ذلك، يعتقد الكاتب أنه لا يجب أن تكون المنافسة بين البلدين صفرية، وكلاهما سيكسب الكثير من زيادة التعاون الاقتصادي والتكامل. في نهاية المطاف، سيعتمد نجاح هذه المشاريع الضخمة على مجموعة من العوامل، بما في ذلك الاستقرار السياسي والأمن الإقليمي واستعداد جميع أصحاب المصلحة للعمل معًا لتحقيق أهدافهم المشتركة.

المصدر | أمود شكري | معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران السعودية الفاو تركيا الصين