«فورين أفيرز»: هل أنقذ «السيسي» مصر حقا؟

الأربعاء 27 يناير 2016 11:01 ص

قبل خمس سنوات، فاجأ قادة الاحتجاجات في مصر أنفسهم حين نجحوا في إسقاط الرئيس المصري الأسبق «حسني مبارك»، الذي كان يقبع في السلطة قبل ميلاد العديد منهم. في تلك الأيام، لم يكن من غير المألوف أن نسمع الحديث عن فجر جديد في السياسة المصرية والعالم العربي. من الصعب أن تجد العديد من قادة تلك الاحتجاجات مبتهجين حتى اليوم. بينما تتم مشاركة خيبة أملهم على نطاق واسع في الأوساط الأكاديمية والإعلامية والسياسية في جميع أنحاء العالم. وغالبا ما تروى القصة على أساس قيام الشباب المصري الساخط بثورة ضد نظام عديم الجدوى مطالبين بحكومة ديمقراطية ومجتمع أكثر حرية والمزيد من الحقوق الاقتصادية. فاز هؤلاء الشباب في معركة، ولكنهم خسروا الحرب. حيث أصبح الجيش، جنبا إلى جنب مع الإخوان المسلمين في البداية، ثم بدونهم لاحقا، صاحب اليد العليا بعدما نجح في هزيمة الثوار.

لكن هناك طريقة مختلفة جدا لرواية قصة عام 2011. هذه الرواية ليست رواية بين الأمل وخيبة الأمل، لكنها سردية تتبنى ثنائية الأمن أو تهديدات الفوضى. من وجهة نظر المؤسسات الأمنية في مصر، الجيش والشرطة والمخابرات، فإن الثورة لم تكن تمثل خطرا في إسقاط الرئيس المصري وحده، لكنها كانت تمثل خطرا على النظام الاجتماعي والسياسي برمته. تجنب مثل هذه النتيجة كانت مهمة شاقة، وهي مهمة ترى القوات المسلحة في مصر أنها قد تعهدت للاضطلاع بها.

سلطة المجلس العسكري

في أعقاب يناير/كانون الثاني عام 2011، قام المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو هيئة عسكرية عتيقة، بتولي مسؤولية الإدارة المؤقتة للبلاد في أعقاب الإطاحة بـ«حسني مبارك» وإلى حين انتخاب «محمد مرسي». في الواقع، كان المجلس العسكري يتشارك بعض المصالح المشتركة مع المحتجين، بما في ذلك معارضته لمحاولات «مبارك» لتوريث الحكم إلى نجله «جمال»، ذو الخلفية المدنية، إضافة إلى الاستياء من تزايد نفوذ وزارة الداخلية في النظام السياسي. في الواقع، بعد وقت قصير من بدء الاحتجاجات، ضغط الجيش على الرئيس الطاعن في السن بهدف إزالة نجله والدائرة المقربة منه من مواقعهم داخل الحزب الحاكم. في وقت لاحق، تم إبعاد «حبيب العادلي»، حليف «مبارك» ووزير الداخلية القوي من مهامه أيضا. وأخيرا، وفي استغلال لزخم الثورة، فقد قام الجيش بالإطاحة بـ«مبارك»، قائد سلاح الجو الأسبق الذي حكم مصر قرابة ثلاثة عقود.

وبشكل تقليدي، فقد نصب الجيش المصري نفسه وصيا على الشعب: وبعبارة أخرى، فإنه يعتقد أن له الحق، كما أنه من واجبه أيضا، التخلص من الشخصيات الحكومية التي يرى أنها قد أصبحت غير شرعية. على الرغم من العلاقات الشخصية والمؤسسية بينهم وبين الرئيس والنظام الدستوري منذ فترة طويلة، فقد فضل الجيش حماية ما يراها أنها المصالح الوطنية الأساسية بما في ذلك وقف الإضرابات العمالية التي وصلت إلى المرافق التي يديرها الجيش وهددت بشل الاقتصاد في البلاد، إضافة إلى استعادة القانون والنظام في مواجهة الإجرام المتفشي، والدفاع عن أموال القاهرة في ضوء الانخفاض الكبير في عائدات السياحة والاستثمار الأجنبي، وإحباط هذا النوع من الحرب الأهلية التي ظهرت بعد ذلك بوقت قريب في كل من ليبيا وسوريا. كانت مصر، كما يعي الجنرالات جيدا، تحتوي على أكثر من 90 مليون مواطن، نصفهم على الأقل يعيشون قرب خط الفقر. الأكثر مدعاة للقلق أنهم كانوا يعتقدون أن الاضطرابات الإقليمية تحمل آثار مؤامرة أجنبية تهدف إلى زعزعة استقرار مصر والشرق الأوسط، وأنهم يمثلون خط الدفاع الأخير في هذا الصدد.

ومما أسهم في دعم قرار المجلس العسكري بالتحرك هي حقيقية أنه، ومنذ انقلاب 1952 ضد النظام الملكي، فإن الجيش المصري طالما لعب دورا بارزا في بناء وإدارة النظام السياسي. خلال الخمسينيات والستينيات، تولى الجيش المسؤولية المشتركة للحكم مع الرئاسة ومجلس الوزراء. وقد أجبرت الهزيمة في حرب 1967 ضد (إسرائيل) الجنرالات على اتخاذ خطوة إلى الوراء، وقد أسهم ذلك في إعفائهم من المسؤولية عن معظم مشاكل مصر وسمح لهم بالحفاظ على دائرة نفوذهم من تغول المدنيين. كان ذلك حلا وسطا مريحا ليس فقط بالنسبة إلى حكام مصر، الذين لم يعد عليهم التطلع دوما فوق أكتافهم خوفا من حدوث انقلاب عليهم، ولكن أيضا بالنسبة للجيش. كان بإمكان الجنرالات التركيز على الدفاع وصفقات الأسلحة والسيطرة على مفاصل الحياة الاقتصادية، في حين تركوا الرئيس، الذي يكون دوما من صفوفهم، لممارسة مهام الحكم والسياسة. في عام 2011، ورغم ذلك، أثبت «مبارك» أنه قد صار ركنا متقلبا لا يمكن الاعتماد عليه، لذا فقد تمت الإطاحة به.

في المرحلة الأولى بعد الثورة، كان المجلس العسكري يأمل في العودة إلى لعب دور الوصي من خلال حكم البلاد عبر المراسيم والإعلانات الدستورية أحادية الجانب مع احتفاظ الحكومة بصلاحيات واسعة نسبيا في ي مجال الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية. مدفوعا بهذا الطموح، قام المجلس العسكري بتنظيم انتخابات حرة والسماح بالمشاركة السياسية للإسلاميين. ويبدو أن الفكرة كانت قريبة من فكرة إنشاء نظام «أوتوقراطية تنافسية»، شبيه بذلك الذي وصفه كتاب «ستيفن فيتسكي» على أنه طريق لتعددية بدون ديموقراطية. بالنسبة للجنرالات في مصر، فقد كان مخططا أن تنتج التنافسية الاستبدادية برلمانا ضعيفا ومعلقا مع رئيس بخلفية عسكرية، مع الحكم الذاتي المعتاد للمجلس العسكري. في حال نجحت هذه الجهود، فإن ذلك يعني أن الجيش قد عاد للعب دور الوصي مع واجه داخلية مستقرة مقبولة شعبيا، وديموقراطية كاذبة مقبولة دوليا.

كان الجيش يرى أن ذلك هو الخيار الأنسب من أجل تجنب المهمة التي طالما حرص على تجنبها: الجمع بين الحكم والإدارة في ذات التوقيت. لكن الجنرالات أثبتوا أنهم غير قادرين على توجيه النتائج وشهدت استراتيجيتهم انحرافا عن مسارها. أنتجت الانتخابات البرلمانية التي جرت في عامي 2011 و2012 برلمانا سيطر عليه الإسلاميون بشكل حاسم وحصل فيه الإخوان المسلمون على نصيب «الأسد» من المقاعد في حين جاء خلفهم السلفيون الأصوليون. وبالمثل، فإن الآمال في العودة إلى تقليد الرئيس العسكري سرعان ما تبددت عندما حسم مرشح الإخوان «محمد مرسي» الانتخابات في مواجهة «أحمد شفيق»، جنرال القوات الجوية الأسبق، بشق الأنفس. سرعان ما قام «مرسي» بتجريد المجلس العسكري من سلطته التشريعية وقام بإقالة وزير الدفاع ليحل محله مدير المخابرات العسكرية «عبد الفتاح السيسي». وخلافا للحديث حول وجود تحالف بين الأعداء السابقين (الجيش والإخوان)، فقد قام الإخوان بشن عملة لترويض الجنرالات انتهت إلى مصير مشؤوم. على الرغم من أن هذا التنافس قد بدا خاملا في عام 2012، (حيث تصرفت جماعة الإخوان على أساس أن لديها الوقت والقدرة من أجل إدارة هذه العلاقة)، فإن الجنرالات كانوا يستعدون بالفعل لتأكيد هيمنتهم.

في الواقع، فقد كان الجيش يحارب من أجل ذلك عبر كل خطوة خاضها على الطريق. عندما تبين أن البرلمان كان حلا غير عملي، فقد تم حله عبر المحكمة الدستورية ما قدم دليلا يقينيا على تمسك المجلس العسكري بالحكم. عندما أصبح من الواضح أن «مرسي» سيكون الرئيس القادم، أصدر المجلس العسكري إعلانا دستوريا يقيد سلطاته وصلاحياته. وأخيرا، فإن الشك في أن الإخوان ستتحركون في نهاية المطاف للسيطرة المدنية على القوات المسلحة قد دفع الأجهزة الأمنية لتشجيع الاحتجاجات، والإطاحة الرئيس.

بعد الفشل في تقزيم السياسة المصرية داخل المربع العسكري، إضافة إلى مسحة السياسة الخرقاء التي مارسها الإخوان المسلمون، فقد ترك الجيش دون أي خيار سوى تولي المهمة التي كان قد أعرب عن رغبته في عدم توليها منذ فترة طويلة: الجمع بين الحكم والإدارة في ذات الوقت. في الواقع، فإنه في يوليو/تموز عام 2013، عندما أعلن «السيسي» الإطاحة بـ«مرسي»، فإن آمال مصر كانت تبدو قاتمة: كان الاقتصاد على شفا كارثة (كانت احتياطيات مصر من العملة الأجنبية لا تكفى لتغطية أكثر من 3 أشهر من الواردات) وكان المجتمع مستقطبا للغاية (كانت معارك الشوارع تدور بين أنصار الرئيس ومعارضيه)، وقد اهتزت شبه جزيرة سيناء بسبب الهجمات الإرهابية، بينما كانت الدول المجاورة على شفا الانهيار. بالنسبة للجيش، كان الخيار الوحيد هو التدخل لإنقاذ البلاد من الانهيار الكارثي من خلال فرض النظام، مهما كان الثمن.

نظام «السيسي»

من السهل الآن، وليس ذلك عن غير استحقاق، أن نصف النظام السياسي المصري اليوم أنه بمثابة استعادة لعهد «مبارك» الاستبدادي. ولكن هذا لا يبدو كافيا بما فيه الكفاية للتعبير عن الوضع: القمع الآن يبدو أكثر اتساعا. في هذا الوضع، فإن المكافئ التاريخي الأكثر شعبية ربما يكون هو عهد «جمال عبد الناصر»، الرئيس المصري الأسبق، الذي سمح بحزب سياسي واحد حتى وفاته في عام 1970. وبموجب النظام الناصري، فقد تعرضت جماعة الإخوان المسلمين إلى قمع شديد القسوة، ووضع أي نشاط سياسي، أيا كانت أيدولوجيته، تحت رقابة صارمة. تم تأميم الصحافة وتعرضت لرقابة مشددة، وتم إخضاع النقابات المهنية، كما تم نشر مسؤولي الجيش والأمن في جميع أنحاء مناصب الدولة الرئيسية. شهدت الحقبة الناصرية تشجيع الأنشطة السياسية فقط طالما كانت موالية للنظام. ويستند النظام السياسي الحالي في مصر إلى مستوى مماثل من القمع على أيدي الجيش الحاكم.

ومع ذلك فإنه لا يبدو أن «السيسي» يعيد خلق الناصرية أيضا. لا يوجد حزب سياسي وحيد قادر على حشد الناس في بوتقة واحدة، لا توجد مسيرات حاشدة لحشد الدعم الشعبي للنظام (قام النظام بدعوة المصريين إلى الشوارع في مواجهة الإسلاميين في عام 2013، ولكنه منذ ذلك الحين يدعوهم إلى الانشغال بأعمالهم). لا توجد أيديولوجية مثل تلك التي كانت موجودة في سنوات «ناصر»، اللهم سوى نزعة قومية غامضة تدع الجموع لتأييد قادتهم بينما لا تعطيهم فكرة بسيطة حول الهدف الذي ترغب هذه الشخصيات في قيادتهم نحوه.

في هذا الصدد، فإن النظام المصري الحالي يحمل المزيد من أوجه الشبه مع الأنظمة الاستبدادية الغليظة لجنوب أوروبا وأمريكا اللاتينية في منتصف القرن العشرين أكثر مما يشبه القومية الحماسية لـ«عبد الناصر». السياسة ينبغي أن تنحصر إلى حدها الأدنى، مع إبداء أقل قدر ممكن من التسامح. ينبغي أن تترك معظم القرارات الهامة إلى مؤسسات الدولة غير القابلة للمساءلة. من وجهة نظر الجيش، فإن مصر لم تلق مصير سوريا أو ليبيا وهو إنجاز يستحق الاحتفال في ذاته. وبناء عليه، فإن السياسة يجب عليها أن تنتظر جانبا.

المصدر | ناثان براون وياسر الشيمي - فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

السيسي محمد مرسي مصر المجلس العسكري ثورة يناير الإخوان الانقلاب حكم العسكر الاستبداد

الربيع العربي ... ما الذي تغير؟ وما الذي بقى على حاله؟

«المرزوقي»: أحلام الربيع العربي ذهبت أدراج الرياح .. وأرثي للمسكين «السيسي»

جدلية الثورة والثورة المضادة: مصير مصر بين أربع قوى سياسية وأربعة تواريخ

«أمريكان انتريست»: مساعدة السعودية في الإطاحة بـ«مرسي» تسببت في فوضى شاملة بالمنطقة

«الوليد بن طلال»: انتخاب «السيسي» ضربة قاصمة للإخوان ولـ«الربيع العربي»

الثورات العربية تنتظر عقيدتها السياسية

مصر: العاصفة التي لم تأت بعد

خبير إسرائيلي: العلاقات مع مصر في عهد «السيسي» كنز استراتيجي

«فورين بوليسي»: نظام «السيسي» المتصدع!

الجنرال وحيدا!

في تفسير حالة العجز الجماعي في مصر

من الاستعمار إلى الأنظمة الديكتاتورية

«رويترز»: أفول نجم «السيسي» مع تراكم المشكلات في مصر

«السيسي» يحيل 17 مسؤولا بالمخابرات العامة المصرية للتقاعد