سلط موقع "ميدل إيست آي" الضوء على إقبال لاعبي كرة القدم حول العالم على التعاقد مع أندية سعودية، مشيرا إلى عاملين رئيسيين وراء تلك الظاهرة، هما: الدين والثروة.
وذكر الموقع البريطاني، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، أن كريم بنزيمة، الحائز على جائزة الكرة الذهبية، والذي أكمل الأسبوع الماضي تعاقده مع الاتحاد السعودي، لم يكن أول نجم كبير ينتقل إلى الدولة الخليجية هذا الصيف، فقد سبقه زميله السابق في ريال مدريد، كريستيانو رونالدو، وسط موجة شائعات أخيرة حول انتقال اللاعبين البارزين إلى فرق في الدوري السعودي للمحترفين وضخ تمويل من صندوق الاستثمارات العامة في المملكة لهذا الشأن.
وتشكل الرواتب الضخمة جزءًا كبيرًا من جاذبية السعودية، ولكن بالنسبة للبعض مثل بنزيمة، يلعب الدين دورًا أيضًا.
وخلال المؤتمر الصحفي الخاص لإعلان انتقاله إلى اتحاد جده، وعندما سئل عن سبب اختياره للمملكة الخليجية، قال بنزيمة: "حسنا، لأنني مسلم وهي دولة مسلمة. لطالما أردت العيش هناك".
وأضاف أن عائلته كانت متحمسة للانتقال إلى المملكة، موطن أقدس موقعين في الإسلام، مكة والمدينة المنورة، وأنه أدى بالفعل العمرة مرتين في البلاد.
وتابع بنزيمة، وهو من أصول جزائرية: "مكة قريبة جدًا (من جدة) وكمؤمن فهي مهمة بالنسبة لي. هذا هو المكان الذي سأشعر فيه أنني في أفضل حالاتي".
بلد مسلم جذاب
وترك بنزيمة ريال مدريد بعد أن فاز بـ 24 لقباً، بما في ذلك 5 ألقاب لدوري أبطال أوروبا، وحقق لقب ثاني أفضل هداف في تاريخ النادي (خلف رونالدو).
وسينضم نجم فرنسي آخر إلى اتحاد جدة، هو، نجولو كانتي، وهو المعروف بصيام شهر رمضان بانتظام وأداء العمرة أيضا.
وربطت تقارير عديدة أخرى بين لاعبين مسلمين آخرين وبين السعودية، مثل رياض محرز، لاعب مانشستر سيتي، وحكيم زياش، لاعب تشيلسي، وياسين بونو، لاعب إشبيلية.
وفي السياق، قال مصطفى محمد، الصحفي الرياضي المصري: "بالنسبة لبعض اللاعبين المسلمين الذين يقتربون من نهاية حياتهم المهنية، فإن فرصة التجربة والعيش في أمة مسلمة هي عامل جذب".
وأوضح أن قرار بنزيمة تسليط الضوء على أهمية إيمانه "يلقى مردودا جيدا مع الجمهور في البلد المضيف الجديد والمنطقة، وكذلك الجماهير في أوروبا".
وأشاد المشجعون المسلمون بكأس العالم الذي أقيم في قطر العام الماضي، وهو الأول من نوعه في دولة إسلامية، باعتباره مخططًا لأعلى مستوى من اللعبة يتم لعبها في بيئة بها مساحة واسعة للصلاة، ومستويات منخفضة من الكحول.
لكن إلى جوار المعتقد الديني، هناك العديد من العوامل الأخرى، التي تجذب اللاعبين حول العالم إلى السعودية، فهم في النهاية يريدون اللعب بأكبر قدر ممكن من المال.
ويعتقد عبدالله العريان، مؤلف كتاب كرة القدم في الشرق الأوسط، أن دو المعتقد الديني ثانوي إذا ما قورن بدور المال في جذب اللاعبين إلى السعودية، مضيفا: "بالتأكيد، قد يجد لاعبون مثل كريم بنزيمة ونجولو كانتي الانتقال إلى السعودية أسهل نظرًا للعلاقات الدينية والثقافية التي توفرها، لكنني لا أتوقع أن يكون هذا عاملاً مهمًا في جذب المواهب العالمية".
وتابع: "ما يهم في النهاية هو جلب المواهب عالية المستوى واللاعبين المعترف بهم عالميًا الذين تركوا بصماتهم على الرياضة في المنافسات الكبرى في العالم".
رواتب غير مسبوقة
وسيحصل بنزيمة على 200 مليون دولار سنويًا، وهو رقم مشابه لرونالدو، بينما سيحصل كانتي على حوالي 107 ملايين دولار سنويًا.
وبالنسبة للعديد من اللاعبين، سيكون المال هو العنصر الأساسي، حيث لن تتمكن الأندية الأوروبية من التنافس مع الأندية السعودية في عروض مالية مذهلة.
فالدوري السعودي بات يقدم رواتب غير مسبوقة للاعبين الذين ما زالوا نظريًا أمامهم سنوات للعب في المستوى الأعلى، بحسب العريان، مضيفا: "من خلال القيام بذلك، تهدف السعودية إلى إبعادهم عن أنديتهم الحالية قبل بضع سنوات من اعتبار هذه الخطوة بمثابة الفصل الأخير من حياتهم المهنية".
والسعوديون ليسوا أول من حاول استخدام رواتب ضخمة لجذب اللاعبين بعيدًا عن الدوريات الخمس الكبرى في أوروبا (في إنجلترا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا) ، لكن مردود جهودهم يبدو جديدا وغير مسبوق.
وقال محمد: "مستوى الاستثمار مختلف تمامًا من حيث الحجم، وبدعم من النظام السعودي، ستكون هذه التغييرات أكثر استدامة من عمليات الاستحواذ السابقة للاعبين رفيعي المستوى في الصين أو روسيا أو الولايات المتحدة".
ويشير الصحفي الرياضي المصري إلى أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي استحوذ مؤخرًا على غالبية الأسهم في الأندية الأربعة الكبرى بالدوري، النصر، الهلال، الاتحاد، الأهلي، ضمن استراتيجية رؤية المملكة العربية السعودية 2030 لتنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد على النفط.
التوازن التنافسي
وفي الأيام الأخيرة، شارك مسؤولو صندوق الاستثمارات العامة بنشاط في المفاوضات مع لاعبي كرة القدم المهتمين بالانتقال للسعودية، غالبًا نيابة عن أكثر من نادٍ واحد.
وفي هذا الإطار، قال العريان: "من خلال السيطرة المركزية على أهم الأندية، يمكن لصندوق الاستثمارات العامة أن يشرف على مليارات الدولارات المستثمرة حديثًا"، مضيفا: "[يمكنه] تنسيق توزيع النجوم عبر الفرق المختلفة وتعظيم التوازن التنافسي بطريقة تناسب احتياجات الدوري لأنها تتحدى هيمنة مسابقات النخبة في أوروبا".
وبالنسبة للاعبي كرة القدم القادمين من أوروبا، قد تجعل هذه القدرة التنافسية الدوري السعودي أكثر جاذبية من البطولات الأخرى المعروفة بدفع رواتب كبيرة، ولكن دون الكثير من ترسخ ثقافة كرة القدم بين جماهيرها.
فقبل فترة طويلة من وصول النجوم العالميين، كانت السعودية مهووسة بكرة القدم، مع وجود منافسات شهيرة بين فرق المقدمة، كالنصر والهلال، كما أن الأندية السعودية ناجحة للغاية على مستوى المنافسات الآسيوية.
وقال محمد: "الدوري السعودي تنافسي للغاية وراسخ نسبيًا في المنطقة، ويحتل مرتبة عالية بين بطولات الدوري في آسيا، وربما بعد اليابان وكوريا الجنوبية فقط".
وفاز الهلال السعودي بلقب دوري أبطال آسيا أكثر من أي نادٍ آخر، بينما تأهل المنتخب السعودي إلى كأس العالم 6 مرات، محققًا فوزًا لا يُنسى على الأرجنتين، الفائزة باللقب العام الماضي.
ويشير العريان إلى أن العقود المربحة للنجوم العالميين هي في الواقع نقطة محورية للرياضة الأكثر مشاهدة في السعودية، مضيفا: "في بعض النواحي، يشير هذا إلى تحول كبير في كرة القدم السعودية".
