مع تهديدات داخلية وخارجية.. إلى متى تتأجل الإصلاحات في الجزائر؟

السبت 17 يونيو 2023 09:49 م

قال هلال خشان، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت، إن القيادة السياسية والعسكرية في الجزائر "ترفض بشدة فكرة تغيير النظام وتقمع أي محاولة لزعزعة استقرار السلطة الحاكمة، لكن يبدو أنها تدرك بشكل متزايد أنها لا تستطيع الاستمرار في تأجيل الإصلاحات السياسية والاقتصادية".

خشان أضاف، في تحليل بموقع "جيوبوليتيكال فيوتشرز" (Geopolitical Futures) ترجمه "الخليج الجديد"، أن "الجزائر يمر بمرحلة انتقالية منذ انتفاضة 2019"، التي أجبرت الرئيس آنذاك عبد العزيز بوتفليقة (1999-2019) على الاستقالة.

وتابع أن "استقالة بوتفليقة كشفت عن انقسامات عميقة داخل الدولة، وقد قبلت النخبة السياسية استقالته فقط كملاذ أخير للنجاة من الاحتجاجات واسعة النطاق، وفي  2019 تم انتخاب عبد المجيد تبون خلفا له، لكنه فشل في إنهاء الصراع الداخلي على السلطة، حيث اعتبرته الفصائل المتنافسة مجرد عامل استقرار مؤقت".

واعتبر خشان أنه "قبل الانتقال، كانت أكبر مشكلة حكم في الجزائر هي أن القرارات تُتخذ من أعلى إلى أسفل، متجاهلةً مطالب الشعب، وعلى الرغم من أن الحركة الاحتجاجية لم تحل هذه القضية بشكل كامل، إلا أنها أطلقت مسيرة ثورية على الجبهتين الاجتماعية والسياسية".

وأردف: "الجزائريون قلقون من التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لبلدهم، ما أجبر القيادة السياسية والعسكرية على الاتفاق على صيغة للحكم تتمتع بالشرعية الشعبية، وهم حريصون على إدخال إصلاحات ذات مغزى تسمح بـمشاركة المجتمع المدني في مؤسسات الدولة، لكنهم يرفضون بشدة فكرة تغيير النظام ويقمعون أي محاولة لزعزعة استقرار السلطة الحاكمة".

مبادرة إصلاح وطنية

و"على مدى ستة عقود، فشلت النخبة الحاكمة في الجزائر في إقامة نظام سياسي واقتصادي يمكن للجزائريين الالتفاف حوله واستخدامه لتحسين نوعية حياتهم، ولهذا نزل الشعب المحبط إلى الشوارع بعد إعلان بوتفليقة ترشحه لفترة رئاسية خامسة"، وفقا لخشان.

وزاد بأنه "على الرغم من فشل الانتفاضة في إحداث تغييرات سياسية واقتصادية ملموسة، إلا أنها أقنعت المؤسسة السياسية ببدء حوار يمكن أن يمهد الطريق للتحديث السياسي والاقتصادي، وكان جزءا من استراتيجيتها لتحفيز النمو الاقتصادي هو التقدم للانضمام إلى البريكس، وهي مجموعة من الدول النامية ستشكل مجتمعةً 40% من الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030".

واستدرك: "ومع ذلك، فإن الجزائر لديها أيضا مخاوف جدية بشأن أمنها القومي والتماسك الاجتماعي، مما يعقد جهود التنمية الاقتصادية. وفي مواجهة هذه التحديات المتصاعدة، يبدو أن النخبة الحاكمة تدرك بشكل متزايد أنها لا تستطيع الاستمرار في تأجيل الإصلاحات السياسية والاقتصادية".

ولفت خشان إلى أنه "في وقت سابق من الشهر الجاري، أطلق تجمع من 28 نقابة عمالية وأحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني جزائرية المبادرة الوطنية لتعزيز التلاحم وتأمين المستقبل".

وأضاف أن "المبادرة تهدف إلى تحقيق مشروع وطني متكامل بحلول 2040 لبناء اقتصاد تنافسي، والاستثمار في العلوم والتكنولوجيا والطاقة المتجددة، وإعادة تنظيم الزراعة، والارتقاء بالسياحة، وتحديث القطاع المصرفي، وتعزيز الطابع الاجتماعي للدولة، وتحديث نظام الضمان الاجتماعي، وفتح قنوات للحوار الاجتماعي، منع التطرف الديني ومراجعة النظم التربوية والإعلامية".

واعتبر أنه "أمر غير مسبوق في الجزائر أن تتوحد عشرات الجماعات من خلفيات سياسية متنوعة في مشروع قال قادته إنه ضروري بسبب التهديدات الداخلية والخارجية المتزايدة التي تواجه البلاد".

تهديدات أمنية واجتماعية

ولطالما كان الأمن مشكلة مزمنة في الجزائر، وفقا لخشان، و"عندما احتل الفرنسيون البلاد في 1830، اعتقدوا أن سيطرتهم على المنطقة ستصبح دائمة وستكون بمثابة امتداد لمدينة مارسيليا (الفرنسية)".

وتابع: "في النهاية، ضم الفرنسيون مساحة أكبر من شمال أفريقيا شملت أجزاءً من المغرب وموريتانيا ومالي والنيجر وليبيا وتونس، ونمت الجزائر إلى كيان أكبر، وللحفاظ على أراضيها الشاسعة، أصبح من الضروري عسكرة الدولة والمجتمع ومؤسساته".

وأردف: "اليوم، للجيش في الجزائر وجود سياسي قوي، في حين أن كل دولة تقريبا لديها جيش، فإن لدى الجيش الجزائري دولة، والآن تتدافع القوى السياسية ومجموعات المجتمع المدني لتشكيل مستقبل الجزائر الاقتصادي والسياسي في ظل ظروف أمنية معقدة".

ولفت خشان إلى "تعزيزات للجيش الجزائري قرب الحدود المغربية وسط مخاوف أمنية متزايدة، إذ حذر رئيس أركان الجيش من احتمال وقوع اشتباكات مع القوات المغربية بحلول سبتمبر (أيلول) المقبل بسبب تصاعد العمليات العسكرية المغربية ضد جبهة البوليساريو (مدعومة من الجزائر ويتنازع مع الرباط على السيادة في إقليم الصحراء) ووجود طائرات مسيرة مغربية تنتهك بانتظام الأجواء الجزائرية".

وزاد بقوله: "كما زعمت حركة تحرير أزواد (تمثل طوارق شمال مالي)، وهي منطقة في جنوب الجزائر، مؤخرا أنها نفذت سلسلة من العمليات العسكرية ضد مواقع للجيش الجزائري على طول الحدود مع مالي، أسفرت عن مقتل 16 جنديا جزائريا".

وأشار إلى أن "جنوب الجزائر، الذي تسكنه إلى حد كبير مجموعة عرقية الطوارق، له تاريخ من التمرد والاحتجاج الناجم عن إهمال الحكومة لمشاكلها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهم يطالبون بالحق في تقرير المصير والاعتراف بهويتهم الثقافية".

وقال خشان إن "السلطات أظهرت أيضا القليل من التسامح تجاه الحركات الأمازيغية (...) والأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للحكومة هو الحركة الأمازيغية لتقرير مصير منطقة القبائل والتي يمولها المغرب، كما لا تتسامح السلطات مع الجماعات الإسلامية المتطرفة، وبينها حركة رشاد" وهي منظمة جزائرية ذات توجه إسلامي معارضة للنظام.

و"على الرغم من الموارد الطبيعية الكبيرة في الجزائر، يعيش العديد من الجزائريين في فقر، وفي 1989، تخلت البلاد عن الاشتراكية واعتمدت اقتصاد السوق، وأدى هذا التغيير الجذري إلى تدهورها الصناعي والاعتماد على الواردات.  والقطاع الصناعي، الذي كان يمثل 18% من الناتج المحلي الإجمالي في 1982، مَّثل 6% فقط من الاقتصاد في 2004، وظل راكدا منذ ذلك الحين"، بحسب خشان.

وختم بأن "البلاد تواجه اليوم أزمات على جبهات متعددة: الخدمات العامة المتعلقة بالتعليم والإسكان والرعاية الصحية آخذة في التدهور، ووفقا لأرقام 2021، كان دخل الفرد البالغ 3690 دولارا أقل حتى من المغرب وتونس المجاورتين، حتى أن بعض الجزائريين شرعوا في رحلات هجرة (غير نظامية عبر البحر المتوسط) محفوفة بالمخاطر سعيا وراء حياة أفضل في أوروبا".

المصدر | هلال خشان/ جيوبوليتيكال فيوتشرز- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الجزائر إصلاحات تهديدات تبون بوتفليقة