بعد انتهاء التمرد.. كيف يتحرك بوتين للسيطرة على فاجر داخل وخارج روسيا؟

الخميس 29 يونيو 2023 09:13 م

في الساعات التي أعقبت وقف مجموعة "فاجنر" العسكرية الروسية الخاصة تقدم جنودها نحو موسكو بعد تمرد مسلّح، شرع الكرملين في السيطرة الكاملة على الإمبراطورية العالمية للمجموعة التي بناها رجل الأعمال يفجيني بريغوجين.

هكذا كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، حيث كشفت أن نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي فيرشينين سافر إلى دمشق نهاية الأسبوع، لإيصال رسالة بشكل شخصي لرئيس النظام السوري بشار الأسد، مفادها أن قوات مجموعة "فاجنر" لن تعمل هناك بشكل مستقل.

ونقلت عن شخص مطلع على المحادثات، قوله إن فيرشينين حض الأسد على منع مقاتلي "فاجنر" من مغادرة سوريا دون إشراف موسكو.

فيما اكتفى بيان صادر عن مكتب الأسد بعد الاجتماع، بالقول إنهما بحثا التنسيق خاصة في "ضوء الأحداث الأخيرة".

وقال مصدران مطلعان، إن مقاتلي "فاجنر" الذين عملوا بشكل مستقل إلى حد كبير في سوريا، تلقوا أوامر، الثلاثاء، بالذهاب إلى قاعدة جوية تديرها وزارة الدفاع الروسية في مدينة اللاذقية الساحلية، وإنهم امتثلوا للأوامر.

وعلى نحو مماثل اتصل كبار المسؤولين بوزارة الخارجية الروسية برئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، الذي يضم حراسه الشخصيون عناصر من "فاجنر"، وقدموا تطمينات بأن أزمة، السبت، لن تعرقل توسع روسيا في أفريقيا.

فيما انتقلت طائرات حكومية تابعة لوزارة الطوارئ الروسية من سوريا إلى مالي، وهي من المواقع الخارجية الرئيسية الأخرى لمجموعة "فاجنر".

وقال دبلوماسيون وضباط استخبارات، ومنشقون عن "فاجنر"، وأشخاص مطلعون على المحادثات ومراجعة بيانات الرحلات الدولية للصحيفة، إن هذا التسارع في النشاط الدبلوماسي يعكس محاولة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التقليل من الفوضى في الداخل، وطمأنة شركاء روسيا في أفريقيا والشرق الأوسط بأن عمليات "فاجنر" هناك ستستمر دون انقطاع.

ومن الآن فصاعداً، ستخضع هذه العمليات لإدارة جديدة، وهذه هي النتيجة المفضلة بالنسبة لموسكو، وفق المصادر.

يأتي ذلك بعد أيام من انتهاء تمرد مسلح نفذته مجموعة "فاجنر" بقيادة بريغوجين استمر 24 ساعة في روسيا نهاية الأسبوع الماضي، حيث سيطرت لفترة وجيزة على قيادة عسكرية توجه حملة الجيش الروسي في أوكرانيا، ثم بدأت مسيرة إلى موسكو قبل إجهاضها.

وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن روسيا، التي نفت طيلة سنوات أي ارتباط بمجموعة "فاجنر"، تحاول السيطرة على شبكة المرتزقة مترامية الأطراف التي يديرها بريجوجين ومساعدوه، لكن بعد فشل تمرد، السبت، ليس من الواضح إلى أي مدى يمكنها ذلك أو الوقت الذي ستستغرقه.

ونقلت الصحيفة عن المبعوث الخاص السابق لمنطقة الساحل بغرب أفريقيا جيه بيتر فام، قوله إن "فاجنر ساعدت روسيا في بناء نفوذها، والحكومة غير مستعدة للتخلي عنها".

وأضاف: "فاجنر منحت الدولة قدرة الإنكار. لكن المسألة هي ما إذا كان بإمكانهم إدارة تعقيداتها، ومواجهتها مع مزيد من التدقيق".

وساعدت "فاجنر" الكرملين، بأقل تكلفة ودون تدخلٍ مباشرٍ، في حشد النفوذ الدولي وجمع الإيرادات، وتديرها شركة "كونكورد" القابضة المملوكة لبريغوجين، وشبكة من الشركات الوهمية التي ساعدت في تحويل الأموال إلى الكرملين، وفقاً لمسؤولين غربيين ووثائق.

وقال مسؤولون غربيون، إن شركات "فاجنر" تحصد مئات الملايين من الدولارات سنوياً في أفريقيا، وهي مصدر أساسي للتمويل للحفاظ على نفوذ روسيا في القارة، وتمويل عملياتها العسكرية في أوكرانيا.

وأضاف المسؤولون، أن مصادر دخل المجموعة تشمل صادرات الذهب السوداني إلى روسيا، وكذلك الماس من جمهورية أفريقيا الوسطى، والأخشاب.

ووفقاً للصحيفة، عملت مجموعة "فاجنر" طيلة سنوات "كقوة أمنية للأنظمة الاستبدادية" في أنحاء الشرق الأوسط وإفريقيا، ومؤخراً، كانت تتقدم بحذر تجاه أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.

وتضم "فاجنر" أكثر من 30 ألف مقاتل، يشمل هؤلاء عناصرها في أوكرانيا وروسيا.

ورسخت مجموعة "فاجنر"، وجودها في مالي وسوريا وجمهورية أفريقيا الوسطى، بدعم من مخططين استراتيجيين وممولين وجيولوجيين للتنقيب عن موارد معدنية.

وعرضت المجموعة المساعدة في "قمع الاحتجاجات" المناهضة للحكومة في فنزويلا والسودان.

وينفذ نحو 6 آلاف عنصر أو اكثر من مجموعة "فاجنر" أنشطة متنوعة خارج روسيا وأوكرانيا، تشمل حماية المناجم والسياسيين في جمهورية إفريقيا الوسطى التي تشهد حرباً أهلية منذ عقد، والدفاع عن آبار النفط والأراضي التي تسيطر عليها الحكومة في سوريا.

وفي مالي، تنتشر مقاتلات "فاجنر"، بدعم من مقاتلات ومروحيات روسية الصنع، إلى جانب جنود ماليين في قرى صحراوية تحت سيطرة متشددين، يخوضون معارك ضد الدولة منذ عام 2012.

والوقت الراهن، يتوقف مصير عمليات "فاجنر" على ما إذا كان بإمكان الكرملين بشكل متزامن تهميش بريغوجين، والحفاظ على الإمبراطورية التي بناها في 3 قارات.

وفي هذا السياق، يقول بعض مسؤولي الأمن القومي الذين يُقيمون الاحتمالات، إن واشنطن ربما تكون لديها فرصة لاستعادة نفوذها في قارة ترسخ فيها روسيا والصين أقدامهما.

ولفتت الصحيفة إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وحكومات أوروبية كانت تضغط على قادة في أفريقيا للتوقف عن العمل مع "فاجنر"، وتشديد العقوبات على المجموعة.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، ضغط مدير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) وليام بيرنز على قائد عسكري ليبي لطرد "فاجنر"، وسط مخاوف من أن المجموعة يمكن أن تستفيد من ثروات البلاد النفطية.

وصنفت وزارة الخزانة الأمريكية، مجموعة "فاجنر" باعتبارا "منظمة إجرامية" عابرة للحدود، بسبب أعمالها في حرب أوكرانيا نيابة عن روسيا.

وفرضت الولايات المتحدة عقوبات، الثلاثاء، على شركات ذهب في أفريقيا، يشتبه في أن مجموعة "فاجنر" استخدمتها للمساعدة في تمويل عملياتها ضمن الغزو الروسي لأوكرانيا.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إن المزيد من التدابير سيعلن عنها قريباً.

وبعد سنوات من إنكار أي صلات بين الكرملين و"فاجنر"، قال بوتين الثلاثاء، إن المجموعة كانت تموّلها الدولة الروسية للعام المنتهي في مايو/أيار.

وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، تدفع وزارة الدفاع الروسية، التي أرسلت "فاجنر" لأول مرة إلى هناك عام 2018، رواتب 3000 من مرتزقة بريغوجين، حسبما ذكر مستشار الأمن الرئاسي في البلاد فيديل جوانجيكا.

واختزل جوانديكا التقدم المسلح تجاه موسكو يوم السبت في صورة خلاف بين بوتين وبريغوجين، ووصف الأمر بأنه "شأن محلي" ولن تكون تداعياته كبيرةً على بلاده.

وأثبت جوانديكا وجهة نظره بالصمت لبرهة أثناء إقلاع طائرة سوخوي يقودها طيار روسي من مطار العاصمة بانغي، وذلك لتنفيذ مهمة استطلاعية، متابعا: "من المطمئن ألا نشهد أي تغيير هنا".

وأمهلت موسكو رجال "فاجنر" حتى الأول من يوليو/تموز، لتوقيع عقود مع وزارة الدفاع.

وكان بريغوجين، الذي هبطت طائرته، الثلاثاء، في بيلاروسيا، قال مراراً إن رجاله سيرفضون العقود، ولم يقل ما إذا كان سيحاول السيطرة على عمليات "فاجنر" الخارجية أثناء وجوده في المنفى أم لا.

وفي إطار محاولات توسيع انتشار المجموعة، خطط شركاء بريجوجين في أواخر فبراير/شباط الماضي، لرحلة سرية إلى هايتي، لعرض خدماتهم على الحكومة التي تواجه صعوبات في السيطرة على العاصمة بورت أو برنس.

وفي يناير/كانون الثاني، أجرت "فاجنر" محادثات بشأن إرسال قوة عسكرية إلى بوركينا فاسو، الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، التي تواجه تهديدات أيضاً من قبل متشددين، والتي قررت طرد القوات الفرنسية.

وأشارت منصات دعائية تابعة للمجموعة إلى أنها كانت تضع نصب عينيها بعد ذلك كوت ديفوار، في "غزو محتمل" لساحل المحيط الأطلسي بإفريقيا، بحسب الصحيفة.

وفي فبراير/شباط، شاركت الولايات المتحدة معلومات استخباراتية، زعمت أنها تكشف عن مؤامرة بريغوجين لمساعدة متمردين على زعزعة استقرار الحكومة التشادية، وربما قتل الرئيس، وهو حليف مهم للغرب.

وأفاد تقرير للأمم المتحدة صدر هذا العام، بأن مدربين روس يعملون مع جنود محليين في جمهورية أفريقيا الوسطى للسيطرة على مناطق معروفة بتعدين الألماس، مشيراً إلى أن الهدف كان "تشكيل ممر من المناطق التي تسيطر عليها فاجنر" عبر السودان، إلى مركز لتجارة المعادن في الشرق الأوسط.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

روسيا بوتين فاجنر يفجيني بريغوجين أفريقيا