لا تنازلات من الأسد.. هل تُضطر دول التطبيع إلى القبول برؤيته؟

الثلاثاء 4 يوليو 2023 11:46 ص

رجحت كارولين دي روز، وهي محللة مختصة بالشؤون السياسية والدفاعية في الشرق الأوسط وأوروبا، أن رئيس النظام السوري بشار الأسد لن يقدم أي تنازلات بشأن معالجة الأوضاع بعد 12 عاما من الحرب الأهلية في بلاده، وستُضطر الدول التي تطبع العلاقات مع دمشق إلى القبول برؤيته.

كارولين قالت، في تحليل بمركز "جيوبوليتيكال فيوتشرز" الأمريكي (Geopolitical Futures) ترجمه "الخليج الجديد"، إن "دول الجوار، التي دعمت المعارضة السورية في البداية وقطعت العلاقات مع دمشق واستنكرت الفظائع الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها النظام وفرضت إجراءات اقتصادية، بدأت في مايو/ أيار الماضي بسط البساط الأحمر للأسد وعائلته وكبار المسؤولين السوريين".

وفي 19 من ذلك الشهر، شارك الأسد في القمة الأخير لقادة جامعة الدول العربية بالسعودية، للمرة الأولى منذ أن جمدت الجامعة في 2011 مقعد سوريا؛ ردا على قمع الأسد عسكريا لاحتجاجات شعبية مناهضة له طالبت بتداول سلمي للسلطة، مما زج بالبلاد في حرب أهلية مدمرة.

وتابعت كارولين: "منذ ذلك الحين، عقدت دمشق والحكومات الإقليمية اجتماعات رفيعة المستوى وصاغت اتفاقيات أولية، وأعادت الجامعة العربية قبول سوريا رسميا، وأطلق نظام الأسد مجموعات عمل ثنائية مع جيران مثل العراق والأردن للتعاون في قضايا بينها أمن الحدود ومكافحة المخدرات".

وأردفت: "عرض المسؤولون الإقليميون هذه المبادرات على أنها محاولة للتطبيع مع النظام السوري. لكن من غير الواضح كيف ستبدو إعادة ضبط الوضع السياسي والدبلوماسي والاقتصادي مع دمشق، عندما يسعى نظام بشار الأسد (الذي يحكم خلفا لوالده منذ 2000) إلى الحفاظ على الوضع الراهن".

تلاعب بالتطبيع

"في السنوات الأخيرة، تلاعبت العديد من دول الشرق الأوسط بفكرة التطبيع مع سوريا لإنهاء الحرب الأهلية في البلاد (والاضطرابات الإقليمية المصاحبة لها)"، وفقا لكارولين.

واعتبرت أن "الإمارات شجعت هذا النهج ابتداءً من 2015، لتصبح واحدة من أولى الجيران الإقليميين الذين جلبوا مسؤولين سوريين، بينهم الأسد نفسه، إلى طاولة المفاوضات حول أجندة لإعادة سوريا إلى الحظيرة الإقليمية".

واستطردت: "فيما خرج المسؤولون المصريون بفكرة السماح لسوريا بالعودة إلى الجامعة، وكانت دول مثل الأردن أكثر حذرا مع حرص على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة واختبار ردود فعل النظام، فمثلا أعاد الأردن فتح معبر جابر- نصيب الحدودي ودعا دبلوماسيين سوريين إلى عمان لإجراء مناقشات".

وقالت كارولين إن "هذه الجهود اكتسبت زخما بعد الزلزال الكارثي الذي ضرب شمالي سوريا وجنوبي تركيا في فبراير (شباط الماضي)، إذ قدمت المأساة مبررا لدول عديدة تفكر في التطبيع لفتح اتصال مباشر مع دمشق لتنسيق السياسات الإنسانية وتقديم المساعدات الفورية للسوريين عبر الأراضي التي يسيطر عليها النظام".

وزادت بأنه "منذ ذلك الحين، وضعت الدول أنظارها على التطبيع الكامل، عبر إعادة فتح السفارات وتعيين سفراء واستكشاف طرق للتنسيق مع سوريا بشأن قضايا منها أمن الحدود والتجارة وتغير المناخ".

ووفقا لكارولين، "يعتقد العديد من اللاعبين الإقليميين أن الانخراط في القضايا الهامشية يمكن أن يؤدي إلى تغيير حقيقي في سلوك النظام السوري، وربما موقفه من عدد من القضايا الجوهرية الأكثر إثارة للجدل والمتعلقة بالحرب الأهلية في سوريا".

وأوضحت أن تلك القضايا هي: "العودة الآمنة للاجئين ومكافحة الإرهاب ضد تنظيم الدولة وإيران، والوجود (العسكري) الروسي في سوريا (منذ 2015)، وتسوية سياسية شاملة يمكن أن تقضي على قبضة عائلة الأسد على السلطة وتؤدي إلى نظام سياسي أكثر شمولا يمثل المزيد من الجماعات العرقية والسياسية. لكن من الصعب تخيل مسار للمضي قدما عندما يكون من الواضح أن موقف النظام المتطرف يظل إلى حد كبير دون تغيير".

ما تريده العائلة 

والمتغير الرئيسي في مستقبل سوريا، بحسب كارولين، هو مصير عائلة الأسد، فقد صعد حافظ الأسد الأب إلى السلطة في سبعينيات القرن الماضي مع صعود حزب البعث، وعززت العائلة قبضتها على البلاد.

واستدركت: "لكن تاريخ سوريا من الخصومات الطائفية والقبائل المتنافسة وشبكات المحسوبية المعقدة تشكل تهديدا دائما لاستمرار حكم عائلة الأسد، ورغم تجاوزها المعارضة المدعومة من الخارج واستعادة نحو 70% من الأراضي التي خسرتها في وقت سابق من الحرب، إلا أن العائلة لا تزال تشعر بهشاشة وضعها".

وتابعت أنه "عبر الانتخابات المزورة وعمليات التطهير المتكررة لحلفاء مقربين (بينهم أقارب بالدم) والاعتقالات المتكررة للمعارضين المتصورين، حافظت عائلة الأسد على موقفهما وخلقت سردية للشرعية".

و"هذا بدوره أدى إلى نزيف في السياسة الخارجية لسوريا وانخراطها مع جيرانها، ففي حين أن النظام السوري أراد دائما من نظرائه الإقليميين رفع القيود الاقتصادية وإنهاء عزلته الدبلوماسية، فإنه يرفض تقديم أي نوع من التنازلات التي قد تقوض مصداقيته السياسية"، وفقا لكارولين.

واعتبرت أن "رؤية النظام السوري للتطبيع تختلف بشكل كبير عن رؤية جيرانه، فبالنسبة لسوريا، التطبيع سيحافظ على الوضع الراهن داخل البلاد، أي استبعاد المعارضة من مبادرات الحكم والحفاظ على سيطرة النظام على غالبية البلاد (وتمكينه من تعزيز مناطق إضافية) والحفاظ على مقاليد السلطة السياسية في أيدي عائلة الأسد، مع جني فوائد العلاقات التجارية المتجددة والاستثمار الأجنبي من الدول المجاورة".

وشددت كارولين على أنه "على الرغم من أن دول الشرق الأوسط متفائلة بشأن التطبيع مع سوريا، إلا أنه من المرجح أنها ستضطر إلى قبول رؤية الأسد، في ظل هذه الحوافز المتباينة بين دول المنطقة، فلا يمكنهم ببساطة الضغط على زر لإلعادة ضبط العلاقات الثنائية مع سوريا إلى 2011، قبل بدء الحرب".

المصدر | كارولين دي روز/ جيوبوليتيكال فيوتشرز- ترجمه وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سوريا بشار الأسد الدول العربية تطبيع إيران روسيا

الأسد لا يتراجع والتطبيع لن يتقدم.. هذا ما تعتقده المعارضة السورية

مشاكل سوريا تفاقمت.. كشف حساب لـ3 أشهر من التطبيع مع الأسد

نهايتان أمام الأسد.. انتفاضة درزية علوية غير مسبوقة تنتشر جنوبا

الأسد يتعنت والتطبيع يتباطأ.. هل تنجح استراتيحية خطوة بخطوة؟