خليل العناني: 5 سلبيات.. كيف تحول الحوار الوطني بمصر لفرصة ضائعة لإنقاذ البلاد؟

السبت 8 يوليو 2023 12:35 م

لم تتحقق حاجة مصر الملحة لحوار وطني حقيقي لمعالجة قضاياها الملحة وتسهيل المصالحة الوطنية التي طال انتظارها، وبدلاً من ذلك ، يبدو أن نهج النظام الحالي في الحوار يقلل من أهمية هدفه ، ويخدم مصالح الحكومة الخاصة ويديم قبضتها على السلطة، ولذلك فإن "الحوار الوطني" الدائر الآن في مصر يمثل "فرصة أخرى ضائعة كان من الممكن أن تنعش حاضر البل ومستقبلها".

ما سبق كان خلاصة تحليلل كتبه أستاذ العلوم السياسية بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية خليل العناني، ونشره "المركز العربي واشنطن دي سي" وترجمه "الخليج الجديد".

ويرى العناني أنه بينما يمثل الحوار الوطني فرصة ذهبية للتغيير السياسي والمصالحة الوطنية في مصر، فإنه يواجه العديد من العقبات، كما يحدث تحت رعاية نظام ديكتاتوري قمع بشكل منهجي المعارضة، وقلص الحريات السياسية، وخنق المجتمع المدني.

وبالتالي، فإن احتمالات الحوار الذي يؤدي إلى تغيير سياسي جوهري في مصر واهية وبعيدة المنال، بحسب الكاتب.

ويقول العناني إن هناك خمسة سلبيات تمثل عوارا يشوب الحوار الوطني، وهي على النحو التالي:

1- استبعاد موضوعات أساسية

مع بداية الحوار الوطني، كانت هناك توقعات وآمال بأن يناقش المشاركون بجدية القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الهامة التي تواجهها مصر حاليًا.

وبالفعل، كانت موضوعات، مثل قوانين الانتخابات البرلمانية، وممارسة الحقوق السياسية، والأحزاب السياسية، والمجتمع المدني، من بين قضايا أخرى، موجودة على الطاولة.

وعلى الرغم من أهمية هذه الأمور، فإن استبعاد بعض الموضوعات الأساسية من مجال المناقشة يقوض الفحص الشامل المطلوب لإجراء إصلاح سياسي جوهري، وفقا لـ العناني.

من بين هذه الموضوعات الحاسمة محنة السجناء السياسيين الذين عانوا خلال العقد الماضي.

ففي ظل النظام الحالي، تم سجن ما يقرب من 60 ألف سجين سياسي، بمن فيهم أفراد من خلفيات سياسية متنوعة، وخاصة الإسلاميين ، لمجرد رفضهم لسياسات النظام ومعارضتها لها، يقول الكاتب.

ويتعرض هؤلاء السجناء لظروف يرثى لها تتسم بالمشقة الشديدة والمعاملة اللاإنسانية.

وعلى الرغم من أن النظام قد أطلق سراح حوالي 1000 محتجز على ذمة المحاكمة، إلا أن عددًا كبيرًا من السجناء السياسيين لا يزالون رهن الاعتقال دون أي علامات على إطلاق سراحهم في المستقبل القريب.

علاوة على ذلك ، أصبحت قيود الحوار واضحة لأنه يفتقر إلى السلطة اللازمة للشروع في عملية عدالة انتقالية شاملة يمكن أن تحاسب المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان.

ويرى العناني أن هذا يثير شكوكاً مشروعة حول الجدية الحقيقية والتزام المشاركين في الحوار الوطني بالتعامل الفعال مع هذه القضايا الملحة.

2- عدم محاسبة النظام

ويقول العناني إن الحوار يهدف أيضًا إلى معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية الرئيسية مثل التعليم والرعاية الصحية والبطالة والاستثمارات والدين العام والسياحة.

ومع ذلك، فهو يقصر عن تحميل النظام المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية الحادة التي سببتها سياساته غير الفعالة والفاشلة.

ويضيف: يبدو أن المشاركين مترددين في إلقاء اللوم أو المطالبة بالمساءلة عن التحديات الاقتصادية السائدة مثل الفقر، الذي يؤثر على 60% من السكان، والمستوى غير المسبوق للديون الخارجية للبلاد، والتي وصلت مؤخرًا إلى 162.9 مليار دولار.

علاوة على ذلك ، يفتقر المشاركون في الحوار الوطني إلى القدرة على إجبار النظام على تغيير سياساته الاقتصادية وإنقاذ الأمة من مأزقها الرهيب.

ويرى الكاتب أن هذا التردد السائد وانعدام التأثير يعيقان قدرة الحوار على إحداث تغيير ذي مغزى ودفع الإصلاحات اللازمة لإنقاذ اقتصاد البلاد.

3- خطوط حمراء

وينتقد العناني تصريحات منسق الحوار، ضياء رشوان، حيث حدد صراحة ثلاث قضايا حاسمة باعتبارها خارج نطاق المناقشة: تعديل الدستور والسياسة الخارجية والأمن القومي، رغم أنه كان قد قال، قبيل بدء الحوار، إنه لن تكون هناك خطوط حمراء وأن جميع القضايا ستكون مطروحة للنقاش.

ويسلط هذا الموقف المتناقض الضوء على التناقض بين الوعد الأولي للحوار بالشمولية والفرض اللاحق للقيود، مما يثير مخاوف بشأن الطبيعة الحقيقية لعملية الحوار وفعاليتها.

وواقعيا، تنطوي قضايا الخط الأحمر هذه على أهمية حاسمة لأنها تكشف عن العديد من المشكلات والتحديات التي ابتليت بها مصر على مدار العقد الماضي.

الدستور

يحتوي الدستور الحالي، الذي تم إقراره في 2014 وتعديله في 2019، على العديد من القضايا التي تحتاج إلى معالجة من أجل إحداث تغيير حقيقي في مصر.

فقد مكّنت تعديلات عام 2019 السيسي من العمل لفترة ثالثة مدتها ست سنوات، وتمديد فترة حكمه حتى عام 2030.

كما منحته سلطة السيطرة على القضاء من خلال تمكينه من تعيين قضاة المحكمة المهمين، بما في ذلك رؤساء محكمة النقض والمحكمة العليا والمحكمة الدستورية والنيابة العامة.

والأهم من ذلك، أدخلت التعديلات بندًا كرّس مشاركة الجيش في السياسة، مما جعله ملزمًا "بحماية الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المكونات الأساسية للدولة وطبيعتها المدنية، ومكاسب الشعب، وحقوق الأفراد و الحريات".

علاوة على ذلك، وسعت التعديلات بشكل كبير من اختصاص المحاكم العسكرية على المدنيين، متجاوزة حصرها السابق في القضايا المتعلقة فقط بالهجمات على المنشآت العسكرية والمصانع والمعدات والمناطق والحدود والأفراد.

وفي الوقت الحاضر، يشمل النطاق الموسع أي منشأة يحرسها الجيش.

وعبر الكاتب عن استغرابه من عدم السماح بمناقشة هذه الشواغل الدستورية أو معالجتها في الحوار الوطني.

السياسة الخارجية

في ما يتعلق بأمور السياسة الخارجية، يُمنع المشاركون في الحوار من مناقشة وتقييم أو انتقاد أخطاء النظام الإقليمية والدولية، فهذا خط أحمر يجب عليهم احترامه، يقول الكاتب.

على سبيل المثال، يقول العناني إن تعامل النظام مع مسائل السياسة الخارجية المتعلقة بليبيا والسودان شابه عدد من الأخطاء الفادحة، مما أدى إلى تقويض كبير لنفوذ مصر الإقليمي.

وبدلاً من تبني نهج بناء وتولي دور الوسيط بين الفصائل المتحاربة داخل هذه الدول، اتبع النظام الحالي سياسات قصر النظر، مما أثر سلباً على المصالح الوطنية لمصر.

بالإضافة إلى ذلك، شهدت السياسة الخارجية لمصر تداعيات كبيرة بسبب اعتماد النظام على المساعدات المالية الخارجية، حيث باتت دول مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تمارس تأثيرًا كبيرًا على قرارات السياسة الخارجية لمصر نظرًا لدورها المحوري كداعمين ماليين أساسيين للنظام، كما يقول الكاتب.

الأمن القومي

علاوة على ذلك ، تستبعد جلسات الحوار الوطني المداولات المتعلقة بالأمن القومي المصري، مما يحد من المناقشات الشاملة حول الأمور الحاسمة.

ويتبنى النظام تفسيرًا واسعًا وغامضًا للأمن القومي، يشمل موضوعات يتم حمايتها عمداً من الرقابة العامة، مثل جهود مكافحة الإرهاب المستمرة، ومسألة سد النهضة الإثيوبي المعقدة التي تؤثر على إمدادات المياه في مصر.

فقد تم استخدام سياسة مكافحة الإرهاب التي ينفذها النظام كذريعة في العقد الماضي لمنع المصالحة الوطنية وعرقلة التغيير السياسي.

علاوة على ذلك، فقد تم استخدامه لإخفاء العديد من انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، بما في ذلك حالات الاعتقال والمحاكمات الجماعية والاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء.

أما فيما يتعلق بسد النهضة، فيتحمل نظام السيسي المسؤولية الكاملة عن الأزمة مع إثيوبيا، لأنه وقع إعلان المبادئ في مارس/آذار 2015، والذي سمح لإثيوبيا بالإسراع في بناء السد قبل التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن إدارته وتشغيله أثناء الجفاف.

4- لا قدرة على التصويت

ويقول العناني إن الحوار الوطني يواجه قيودًا متأصلة، حيث يفتقر المشاركون إلى حقوق التصويت على القضايا قيد المناقشة وسلطة فرض نتائج مداولاتهم على مؤسسات الدولة.

وتحظر اللوائح الداخلية للحوار استخدام آلية التصويت، لا سيما في القضايا الخلافية التي يحتمل أن تؤدي إلى خلافات بين المشاركين.

ويقول العناني إن هذا القيد يثير مخاوف بشأن فعالية ونوعية نتائج الحوار، لأنه قد يعيق المشاركة البناءة واتخاذ القرارات الحاسمة.

علاوة على ذلك، وعلى الرغم من أن المشاركين في الحوار الوطني يتمتعون بحرية الانخراط في المناقشات المتعلقة بالقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إلا أنهم لا يمتلكون السلطة لتنفيذ حلول مباشرة لحل هذه التحديات.

بدلاً من ذلك ، تخضع توصياتهم ونتائج الحوار للمراجعة من قبل الرئيس، الذي يحتفظ بالسلطة النهائية لتحديد مسار العمل الذي يجب اتباعه.

5- الافتقاد إلى جدول زمني

علاوة على ذلك ، فإن عدم وجود جدول زمني محدد لجلسات ومداولات الحوار الوطني يثير العديد من المخاوف بشأن أهميته ومستوى التزام النظام.

وأكد رشوان أن الحوار الوطني ليس له جدول زمني محدد، مؤكدا أن العملية ستستمر حتى الانتهاء من المناقشات حول مختلف القضايا.

ويرى العناني أن عدم وجود إطار زمني واضح يترك مجالاً لعدم اليقين، مما قد يؤثر على القيمة المتصورة والجدية العامة لعملية الحوار.

احتجاز أقارب مرشح رئاسي

علاوة على ذلك، وبعد وقت قصير من بدء الحوار الوطني في 3 مايو / أيار، حدث تطور كبير، حيث احتجزت السلطات أقارب النائب السابق أحمد طنطاوي، الذي أعلن عزمه على تحدي الرئيس السيسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ومن الجدير بالذكر أن خالد داود، عضو الحركة المدنية الديمقراطية ، وهو تحالف يضم أحزابًا ليبرالية ويسارية، أعرب عن استيائه الشديد وانتقد السلطات لفشلها في خلق مناخ موات وإيجابي ضروري لحوار هادف. على حد تعبيره، قائلا: "إذا كنت تبدأ الحوار الوطني وكانت الخطوة الأولى التي تقوم بها هي إزالة مرشح محتمل واعتقال عائلته وأنصاره ، فهذه علامة سيئة للغاية للانتخابات الرئاسية".

المصدر | خليل العناني / المركز العربي واشنطن دي سي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الحوار الوطني السيسي مصر المعتقلون السياسيون القمع ضياء رشوان