ريسبونسبل ستيتكرافت: لا يمكن معالجة قضايا المنطقة دون إشراك الأسد.. ولكن

الخميس 27 يوليو 2023 04:56 م

"على الولايات المتحدة أن تعلم أنه على الرغم من وحشية رئيس النظام السوري بشار الأسد، إلا أنه لا يمكن معالجة القضايا الإقليمية الخطيرة بدونه، حتى أن عودة الأسد للساحة الدولية وليست العربية فقط، هي نتيجة للواقعية الجديدة والتغييرات الأخيرة في المنطقة.

هكذا يخلص تحليل لمجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت"، وترجمه "الخليج الجديد"، مستعرضا العلاقات العراقية السورية المتجددة، على خلفية زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إلى العاصمة دمشق، للقاء الأسد، في أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء عراقي إلى سوريا منذ عام 2010.

وحسب ما ورد، ناقش الجانبان، مجموعة من القضايا التي تؤثر على العراق وسوريا، بما في ذلك الإرهاب والمياه وتهريب المخدرات واللاجئين والهجمات الإسرائيلية والعقوبات الأمريكية والتنمية الاقتصادية.

وعلى الرغم من أن شركاء العراق الغربيين لا يحبون مشاركة الدول العربية مع دمشق، يعتقد المسؤولون في بغداد أن القيام بذلك يخدم المصالح الوطنية للعراق، على خلفية اكتساب زخم إعادة اندماج دمشق في الحظيرة الدبلوماسية في المنطقة.

وكانت العلاقات العراقية السورية معقدة عبر التاريخ الحديث، ففي زمن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ونظيره السوري الراحل حافظ الأسد، تنافست الدولتان في عالم السياسة البعثية.

كما أن رعاية بغداد المزعومة للإرهاب في سوريا، ودعم دمشق لطهران خلال الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)، ومساهمة سوريا في التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة والذي حرر الكويت من الاحتلال العراقي في عام 1991، كانت عوامل ساهمت في العداء المتبادل.

وعلى الرغم من تحسن العلاقات خلال السنوات الأخيرة لصدام حسين في السلطة، إلا أن ظهور نظام سياسي موالٍ لإيران في "عراق ما بعد البعث"، هو الذي مهد الطريق للتقارب.

ومع ذلك، كانت هناك حلقات توتر، مثل تفجير السيارات المفخخة في بغداد عام 2009 التي ألقى رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي باللوم فيها على حكومة الأسد.

بيد أن التهديد الوجودي الذي شكله تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، لكل من دمشق وبغداد، أعطى الحكومتين قضية مشتركة.

وفي حين ظل تهديد تنظيم "الدولة الإسلامية" خطيرًا بعد انتخاب حيدر العبادي رئيسًا لوزراء العراق في عام 2014، فقد فتكت العلاقات العراقية السورية بعد أن حل العبادي محل المالكي.

وسعى العبادي إلى مسافة أكبر من إيران مقارنة بسابقه، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الضغط الأمريكي الكبير.

والآن، مع حكم السوداني وحلفائه المتحالفين مع طهران العراق منذ أكتوبر/تشرين الأول، وتطبيع معظم دول العالم العربي العلاقات مع الأسد بعد عزله بداية من 2011/2012، تحسنت العلاقات الثنائية بين البلدين بشكل ملحوظ مرة أخرى.

ومن وجهة نظر بغداد، يعتبر التعامل مع دمشق عمليا، حيث تشترك البلدان العربية في حدود يبلغ طولها 375 ميلًا تقريبًا، والعديد من التحديات الأمنية والمشاكل الاقتصادية والبيئية تربط البلدين العربيين معًا.

وينقل التحليل عن مدير مركز الأمير الوليد للتفاهم بين المسيحيين والمسلمين في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورجتاون نادر هاشمي، قوله إن "هناك العديد من القضايا المتداخلة المتعلقة على وجه التحديد بعودة اللاجئين وبقايا داعش وقضايا المياه".

وأضاف أن للعراق أيضًا "مصالح اقتصادية من حيث مد خط أنابيب النفط عبر الأراضي السورية لتوسيع قاعدته الاقتصادية".

ويقلق الوضع في مخيم الهول للاجئين الواقع في شمال شرق سوريا الخاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المسؤولين العراقيين.

ويُوصف الهول بأنه "نقطة الصفر لأزمة النزوح المتعلقة بداعش"، وهو موطن لأكثر من 50 ألف شخص يُشتبه في كونهم مقاتلين سابقين في داعش أو مرتبطين بالتنظيم.

ويعد قرب المخيم من العراق، وعدد النازحين العراقيين فيه، والعنف داخله، كلها تشكل تحديات أمنية كبيرة للعراق لا توجد حلول سهلة لها.

كما تعتبر تجارة الكبتاغون غير المشروعة ذات صلة أيضًا بتعاملات العراق مع الأسد، حيث انتشر الكبتاغون، وهو مخدر صناعي شديد الإدمان، في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وخاصة في دول الخليج العربية.

ويتم إنتاج معظمها حاليًا في سوريا ولبنان، من قبل الحكومة السورية نفسها، وحزب الله اللبناني، والجماعات المسلحة المناهضة للأسد، وفق تقارير.

وتمت الإشارة إلى أهمية إنهاء التجارة كسبب رئيسي وراء قرار الحكومات العربية الرئيسية إعادة الأسد إلى الجامعة العربية قبل أشهر.

وتؤيد بغداد وعواصم عربية أخرى، مقترحا بأن الاستمرار في عزل الأسد لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة.

ووفق تحليل "ريسبونسبل ستيتكرافت"، فإنه يجب أن تُفهم رحلة السوداني إلى دمشق في سياق هروب حكومة الأسد من العزلة الإقليمية.

ويضيف: "الآن بعد أن أعيد قبول سوريا في جامعة الدول العربية وبعد زيارات كبار المسؤولين من دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن إلى دمشق، فإن إقامة السوداني في العاصمة السورية هذا الشهر لم تثر سوى القليل من الجدل".

من جانبه، يقول نائب رئيس البعثة السابق في السفارة الأمريكية في اليمن نبيل خوري: "عودة الأسد هي نتيجة للواقعية الجديدة والتغييرات الأخيرة في المنطقة، التي تشمل التقارب السعودي الإيراني وعودة دول الخليج إلى الأسد وسوريا في جامعة الدول العربية".

ويضيف: "لا يزال نظام الأسد كما كان في 2011 (أي لم يتم إصلاحه من حيث سجله في مجال حقوق الإنسان وعلاقاته مع روسيا وإيران وحزب الله اللبناني).. الحقيقة، مهما كانت مقيتة للدول الغربية، هي أنه لا يوجد بديل حالي أو قريب لنظام الأسد، لكن القضايا التي تحتاج إلى التفاوض مع سوريا لها أهمية متزايدة".

يشار إلى أن الجيش الأمريكي يحتفظ بوجود في كل من العراق وسوريا، وكلا البلدين يمثلان بؤرة اشتعال للأعمال العدائية بين الولايات المتحدة وإيران و"حرب الظل" بين إسرائيل وإيران.

ولا تريد واشنطن أن ترى العراق يضيف زخماً إلى الاتجاه نحو إعادة اندماج سوريا الكامل في الحظيرة العربية، لكن من غير المرجح أن تفعل واشنطن أي شيء لمنع ذلك، وفق التحليل ذاته.

يقول الهاشمي: "لقد تغير العالم كثيرًا منذ ذروة الربيع العربي"،  مضيفا: "ينصب تركيز السياسة الخارجية الأمريكية بشكل كبير على أوكرانيا وروسيا والصين".

ويتابع: "لن يحركوا ساكنا لمعارضة إعادة دمج الأسد في العالم العربي، على الأكثر سيصدرون تحذيرات وبيانات شفهية ضد هذه التحركات".

إلا أن الهاشمي يستطرد: "لكن الوجود العسكري الأمريكي في العراق وسوريا لا يتناسب مع الصورة على الإطلاق".

ومع ذلك، نظرًا لعقوبات قانون قيصر الأمريكية المفروضة على سوريا والعراق ودول أخرى وشركاتها، تتعرض لخطر الاستهداف بالعقوبات الأمريكية الثانوية إذا تعاملت مع أجزاء تسيطر عليها الحكومة في سوريا.

وبينما يعمل العراق على إعادة البناء بعد عقود من الحرب والاحتلال والإرهاب والدمار الاقتصادي، يعمل المسؤولون في بغداد على تطوير العلاقات التجارية والتجارية والاستثمارية مع جميع جيران العراق ، بما في ذلك سوريا.

ومع ذلك، وفق "ريسبونسبل ستيتكرافت"، فمن المحتمل أن يحد التهديد بفرض عقوبات أمريكية من العلاقات الاقتصادية العراقية السورية.

في الوقت نفسه، من غير المرجح أن تمنع عقوبات واشنطن الحكومتين من البناء على خطط لتعزيز أمن الحدود، ومعالجة التهديد المستمر للدولة الإسلامية، ومعالجة قضايا المياه وغيرها من القضايا البيئية.

ويتابع التحليل: "يجب على واشنطن ألا تفكر فقط في كيفية إلحاق قانون قيصر الضرر بالسوريين العاديين، ولكن أيضًا بجيرانهم (..) إن استخدام النفوذ الأمريكي في النظام المالي الدولي لمنع سوريا من إعادة البناء طالما بقي الأسد في السلطة له عواقب على المنطقة الأوسع".

وسبق أن أعربت مجموعة من الدول العربية، مثل العراق والإمارات، عن معارضتها لقانون قيصر، لكن الجهود المبذولة لإقناع واشنطن بالتخلي عن العقوبات أثبتت عدم جدواها حتى الآن.

ويعلق على ذلك خوري بالقول: "لا تزال الولايات المتحدة على وجه الخصوص تعتبر الأسد منبوذاً، لكن ليس من المنطقي معاقبة الدول إذا وعندما تتعامل مع النظام في دمشق".

ويضيف: "لبنان هو أحد الأمثلة التي تكون فيها قضية اللاجئين السوريين ذات أهمية قصوى، وهي أزمة تبدو الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جاهلين تمامًا بكيفية حلها".

ويتابع: "لا بديل للبنان سوى التفاوض مع دمشق، والعراق يجد نفسه في نفس القارب: سواء أحببت الولايات المتحدة ذلك أم لا، فإن زيارة رئيس الوزراء العراقي منطقية تمامًا ويحتاجها العراق والمنطقة".

المصدر | ريسبونسبل ستيتكرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

بشار الأسد العراق عودة سوريا الشرق الاوسط أمريكا

كاتب أمريكي: التطبيع العربي مع الأسد "شر لا بد منه".. وعلى واشنطن استغلاله بهذه الطريقة