بعد تجاوز الشكوك.. الحوار الاستراتيجي لروسيا مع دول الخليج على المسار الصحيح

الأربعاء 2 أغسطس 2023 05:21 م

سلط صموئيل راماني، الزميل المشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، صمويل راماني، الضوء على اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ونظيرهم الروسي بموسكو في 10 يوليو/تموز الماضي، بالجولة السادسة من الحوار الاستراتيجي بين الطرفين، مشيرا إلى أن انتعاش العلاقات التجارية بين الطرفين.

وذكر راماني، في تحليل نشره بموقع "منتدى الخليج الدولي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أشاد، في خطابه إلى نظرائه في دول مجلس التعاون الخليجي، بزيادة التجارة البينية بنسبة 6% العام الماضي إلى 11 مليار دولار، وأعرب عن تفاؤله بشأن تعميق التعاون الاقتصادي والأمني بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي.

وجاء تعبير مجلس التعاون الخليجي عن اهتمامه بعلاقات اقتصادية أعمق مع روسيا بمثابة ارتياح مرحب به للكرملين، إذ جرى بعد أسبوعين فقط من إطلاق رئيس مجموعة مرتزقة فاجنر، يفغيني بريغوزين، تمردًا فاشلاً ضد القيادة العسكرية الروسية.

وبينما حافظت دول مجلس التعاون الخليجي على علاقة تجارية مع روسيا منذ محاولة انقلاب بريغوزين، فإن المخاوف بشأن استقرار روسيا تتزايد بين شركاء روسيا العرب، حسبما يرى راماني، مشيرا إلى أن موسكو مهتمة أيضًا بضمان عدم تسبب مغازلة دول الخليج العربية في الإضرار بشراكتها متعددة الأبعاد مع إيران.

ومع سير قوات مجموعة فاجنر نحو موسكو في الفترة من 23 إلى 24 يونيو/حزيران، اتبعت دول مجلس التعاون الخليجي نهج "الانتظار والترقب" للتطورات داخل روسيا، ما بدا في بيان أصدرته وزارة الخارجية الإماراتية، عبرت فيها عن "قلقها البالغ" بشأن الوضع، وانتقدت تصرفات بريغوزين عبر "التأكيد على ضرورة احترام قواعد ومبادئ القانون الدولي".

 واتخذت البحرين موقفا أكثر حزما ضد محاولة الانقلاب، واصرت صراحة على "أهمية الحفاظ على الاستقرار في روسيا الاتحادية تحت قيادة الرئيس فلاديمير بوتين".

وفي الأيام التي أعقبت التمرد، تحدث ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وأمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس الإمارات العربية المتحدة، محمد بن زايد، مع بوتين، وأيدوا الإجراءات التي اتخذها لنزع فتيل محاولة انقلاب بريغوزين.

وفي أعقاب الحادث، عبرت وسائل الإعلام والمعلقون في منطقة الخليج عن مخاوف جدية بشأن استقرار روسيا على المدى الطويل.

لحظة صعبة

وفي السياق، وصف المحلل السياسي الإماراتي، عبدالخالق عبدالله، تمرد مجموعة فاجنر بأنه "لحظة صعبة في تاريخ روسيا" وسلط الضوء على الدعم الواسع لبريغوزين من داخل جهاز الأمن الروسي.

وحذر رئيس التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط السعودية، طارق الحميد، من أن روسيا "أصبحت مشكلة لأعدائها وحلفائها على حد سواء"، وانتقد بوتين باعتباره حليفًا غير موثوق به.

وحذر الحميد من أن "الدولة، مهما كانت قوتها، لا يمكن أن تصبح معتمدة على المرتزقة أو الميليشيات، بدلاً من الجيش النظامي، للدفاع عن البلاد".

وأيد مساعد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي للشؤون السياسية والمفاوضات، عبدالعزيز العويشق، هذا التحذير من خلال مقارنة فاجنر بحزب الله، الذي يتبع سياسة خارجية مستقلة على حساب الحكومة اللبنانية.

ووصف راماني هذا التحذير بأنه "مدهش" نظرًا لاعتماد الإمارات العربية المتحدة، الموثق، على المرتزقة في ليبيا واليمن، مشيرا إلى أنه يكشف "الخلاف داخل العلاقة بين روسيا ودول الخليج".

لكن الحوار الاستراتيجي بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي أدى إلى أن تفسح هذه التحليلات المتشائمة المجال أمام خطاب أكثر تفاؤلاً، وهو ما عبر عنه، رئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية في الرياض، محمد السلمي، بقوله إن شروط "أجندة تعاون متبادل" بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي كانت أكثر ملاءمة من أي وقت مضى في العقد الماضي.

وأشاد السلمي بروسيا باعتبارها "قوة عالمية ذات وزن كبير" وحث دول الخليج على النأي بنفسها عن الاستقطاب والخلافات الإقليمية عند التعاون مع موسكو.

ويرى راماني أن روسيا اتخذت، في الأسابيع الأخيرة، خطوات جديرة بالملاحظة نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول مجلس التعاون الخليجي، والاستفادة من الحوار الاستراتيجي معها وذلك رغم أن المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أشاد بقوة علاقة روسيا السعودية في الأول من يونيو/حزيران، فيما أعربت وسائل الإعلام في البلاد عن مخاوفها بشأن استدامة التعاون في سوق الطاقة.

ووصف مقال نشرته وكالة "ريا نوفوستي" الروسية، في 18 يونيو/حزيران، خطط السعودية لخفض الإنتاج النفطي إلى أدنى مستوى له منذ 10 سنوات بأنها "خطوة يائسة"، مدعيًا أن المملكة "تخسر حصتها في السوق لصالح روسيا وتضع الدول البترولية في الشرق الأوسط كمنافس مباشر لروسيا في آسيا".

وأقر بيسكوف علنًا بإمكانية قيام الولايات المتحدة بالضغط على السعودية بشأن سياستها المتعلقة بالطاقة في 9 يونيو/حزيران الماضي، وشدد على ضرورة حفظ المملكة لسيادتها.

ورغم هذه المخاوف، فقد استمر التنسيق السعودي الروسي بشأن إنتاج الطاقة وأسعارها، وفي 3 يوليو/تموز، أعلنت السعودية أنها ستمدد خفض إنتاجها الطوعي من النفط بمقدار مليون برميل يوميًا لمدة شهر آخر على الأقل، وأكد نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، في الوقت نفسه خفض إنتاج بلاده بمقدار 500 ألف برميل يوميًا.

 وبعد هذا الخفض المنسق للإمدادات، نفى وزير الطاقة السعودي الأمير، عبدالعزيز بن سلمان، المخاوف بشأن غموض إنتاج الطاقة الروسي وإضعاف الالتزام بخفض الإنتاج.

كما استوردت الرياض 910 آلاف طن من زيت الوقود من روسيا في يونيو/حزيران، ما يؤكد التزامها بتعويض عقوبات الاتحاد الأوروبي على زيت الوقود الروسي.

وفي الوقت الذي تواجه فيه الإمارات ضغوط عقوبات مكثفة من الولايات المتحدة وتحقيقات في تسهيلها المزعوم لأنشطة مجموعة فاجنر، يسعى الكرملين إلى تعزيز شراكته مع أبو ظبي.

وفي 13 يونيو / حزيران، أجرت روسيا والإمارات جولة ثانية من المفاوضات بشأن اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، حيث سيساعد تقليص الحواجز التجارية موسكو على التخفيف من تأثير العقوبات الغربية.

فك الدولرة

ويمثل "فك الدولرة" طريقة أخرى لتجنب التدخل الأمريكي، إذ قررت الهند أخيرا استخدام الدرهم الإماراتي بدلاً من الدولار في مشترياتها من النفط، وهو قرار "ليس له هدف استراتيجي أوسع"، حسبما يرى راماني، لكنه أشار إلى أن "روسيا تأمل في إمكانية استخدام الدرهم على أساس أكثر انتظامًا لمشتريات النفط الهندية".

وتعززت شراكة روسيا مع الإمارات بشكل أكبر من خلال قبول موسكو لمطالبة أبو ظبي بإنهاء "الاحتلال الإيراني" لجزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، ما أثار حفيظة طهران. وانتقد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، روسيا بسبب "تدخلها" في وحدة أراضي بلاده.

وناقش المعلقون الروس الآثار السلبية لتضامن روسيا مع الإمارات على العلاقات بين موسكو وطهران على نطاق واسع.

وفي السياق، أعرب مستشار الكرملين السابق، سيرجي ماركوف، عن قلقه من اعتراف إيران المفاجئ بوحدة أراضي أوكرانيا، ودعا إلى حل عاجل "للصراع" بين روسيا وإيران.

ويتوقع راماني أن تتعزز علاقات روسيا مع عمان وقطر في الأشهر المقبلة، مشيرا إلى أن روسيا وسلطنة عمان وقعتا، في 8 يونيو/حزيران الماضي، اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، والتي بنيت على زيادة 46% في التجارة عام 2022.

وبصفته رئيسا لقمة الحوار الاستراتيجي بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي، أشاد وزير الخارجية العماني، بدر حمد البوسعيدي، بالتزام روسيا بـإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

 وأعلن بوتين في 22 يونيو/حزيران أن إمكانات التجارة الروسية مع قطر "لم يتم الكشف عنها بعد"، بينما أعلن رئيس الوزراء الروسي، ميخائيل ميشوستين، عن مشاريع استثمارية جديدة مع قطر بقيمة 1.9 مليار دولار.

ويخلص راماني إلى أن تمرد فاجنر كشف ضعف بوتين أمام التحدي القومي المتطرف، إلا أنه لم يعرقل جهود روسيا لتعزيز تعاونها مع دول مجلس التعاون الخليجي، مشيرا إلى أنه سيتعين على الكرملين طمأنة المستثمرين في دول مجلس التعاون الخليجي، خلال الأشهر المقبلة، بشأن الاستقرار الداخلي لروسيا.

المصدر | صمويل راماني/منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مجلس التعاون الخليجي روسيا البحرين السعودية عمان الإمارات قطر موسكو سيرغي لافروف