طفرة البطارية.. ضرورة خليجية لتخزين الكهرباء مع تراجع النفط

الأحد 27 أغسطس 2023 05:55 م

مع تراجع الوقود الأحفوري (النفط والغاز الطبيعي) في ظل تحول مشهد الطاقة العالمي، بات الاستثمار في سلسلة توريد البطاريات لتخزين طاقة الكهرباء المتجددة ضرورة استراتيجية لدول الخليج العربي من أجل الحفاظ على الرخاء والأمن الوطنيين.

ذلك ما خلص إليه الدكتور يحيى القحطاني، وهو عضو هيئة تدريس وباحث في جامعة هوارد بواشنطن العاصمة، ومتخصص في الطاقة النظيفة ومستقبل صناعة النفط بمنطقة مجلس التعاون الخليجي، الذي يضم السعودية والإمارات والكويت وقطر وسلطنة عمان والبحرين.

القحطاني أردف، في تحليل بـ"معهد الشرق الأوسط في واشنطن" (MEI) ترجمه "الخليج الجديد": "تاريخيا، لعبت صناعة النفط والغاز الطبيعي دورا محوريا في الاقتصادات وهياكل السلطة السياسية في السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، حيث جنت ثروات من تصدير هذا الوقود الأحفوري، وبالتالي تعزيز نفوذها الدولي".

وتابع: "ومع تحول العالم نحو مستقبل أنظف وأكثر استدامة، تتبنى دول مجلس التعاون الخليجي أيضا هذا التحول العميق، حيث تنتقل من آبار النفط إلى خلايا الطاقة".

و"اليوم، وبسبب التقدم التكنولوجي وحجمه، أصبحت الطاقة الشمسية الوسيلة الأكثر فعالية من حيث التكلفة لإنتاج الكهرباء في أجزاء كثيرة من العالم، متجاوزة الطرق التقليدية، وكذلك تشهد طاقة الرياح انخفاضات كبيرة في التكاليف"، كما زاد القحطاني.

وأضاف: "في الوقت نفسه، تعمل التطورات في تكنولوجيا البطاريات على تغيير قدرتنا على تخزين الطاقة واستخدامها بكفاءة. وقد مهدت هذه التطورات معا الطريق أمام "طفرة البطارية"، حيث توقعت (وكالة) بلومبرج (الأمريكية) زيادة في الطلب العالمي على البطاريات بمقدار 10 أضعاف بحلول عام 2030، مدفوعة في المقام الأول بسوق السيارات الكهربائية سريعة التوسع".

صناعة مزدهرة

و"هذا النمو الوشيك في صناعة البطاريات قدّم مجموعة من الفرص الاقتصادية. ومع ذلك، فإن قطاع البطاريات لا يتعلق فقط بتصنيع الخلايا، فهي سلسلة توريد معقدة، تبدأ من تعدين المواد الخام مثل الليثيوم والنيكل والكوبالت، مرورا بتصميم وتصنيع خلايا البطاريات إلى إعادة تدوير واستخدام البطاريات المستهلكة"، بحسب القحطاني.

وزاد بأن "دول مجلس التعاون الخليجي، التي تعتبر تاريخيا من كبار الموردين العالميين للنفط والغاز، اكتسبت نفوذا اقتصاديا وسياسيا كبيرا على مر السنين. ومع إدراكها لحتمية التحول العالمي بعيدا عن الوقود الأحفوري، يتعين عليها أن تنظر إلى صناعة البطاريات المزدهرة باعتبارها محورا استراتيجيا".

وشدد على أن "الاستفادة من رأس مال تلك الدول الكبير ونفوذها الجيوسياسي أمر ضروري كي تنتقل بشكل استباقي في هذا التحول في مجال الطاقة، بدلا من الخضوع له بشكل سلبي".

القحطاني مضى قائلا إن "الاستثمار في سلسلة توريد البطاريات أكثر من مجرد فرصة اقتصادية، فهو خطوة حاسمة لحماية سيادتها السياسية والاقتصادية في المستقبل، فقد يفقد النفط مركزيته، فهذا التحول ليس مجرد خيار لتلك الدول، بل ضرورة استراتيجية للحفاظ على الرخاء والأمن الوطنيين مع تطور مشهد الطاقة العالمي".

التقنيات الخضراء

وتجسد السعودية، بحسب القحطاني، هذا التحول الجاري بالفعل بين دول مجلس التعاون الخليجي، التي تتبنى استراتيجيات شاملة تهدف إلى تعزيز اقتصاد أكثر استدامة وتنوعا، وعنصر رئيسي في ذلك هو تطوير قطاع البطاريات المحلي.

وتابع: "كما هو موضح في رؤية 2030 والمبادرات الخضراء في السعودية والشرق الأوسط، تبذل المملكة جهودا متضافرة لتقليل اعتمادها على عائدات النفط وتهدف إلى أن تصبح لاعبا رئيسا في النظام البيئي العالمي للطاقة المتجددة، وهو ما يكمل هدفها المتمثل في زيادة توليد الطاقة من المصادر المتجددة".

و"نتيجة لذلك، تستثمر المملكة أيضا في صناعة البطاريات؛ لأن البطاريات لها دور محوري في تخزين وإدارة هذه الطاقة المتجددة بشكل فعال، مما يجعلها جزءا لا يتجزأ من طموحات البلاد لتصبح رائدة عالميا في التقنيات الخضراء"، كما أردف القحطاني.

وأضاف أن "تقدم صناعة البطاريات في السعودية يوفر أيضا سبلا جديدة للتصدير والاستثمار وخلق فرص العمل؛ مما يساعد على تنويع اقتصادها بشكل أكبر".

وقال إنه "على الجانب الآخر من الخليج، في الإمارات، تتم تحولات مماثلة على قدم وساق، إذ تهدف المشاريع الطموحة، مثل استراتيجية دبي للتنقل ذاتي القيادة، إلى تحويل 25% من إجمالي الرحلات في دبي إلى رحلات تقوم بها المركبات ذاتية القيادة بحلول عام 2030".

وزاد بأنه "بما أن هذه التكنولوجيا تميل إلى الاندماج في المركبات الكهربائية بدلا من المركبات ذات محركات الاحتراق، فمن الطبيعي أن يؤدي الاعتماد على المركبات الكهربائية إلى زيادة الطلب الكبير على البطاريات عالية الأداء".

القحطاني قال إنه "على الرغم من الإمكانات الكبيرة، فإن الرحلة من آبار النفط إلى خلايا الطاقة مليئة بالتحديات، إذ يتطلب توطين صناعة البطاريات استثمارات ضخمة في البنية التحتية ورأس المال البشري والتكنولوجيا".

وأوضح: "مثلا، سوف يتطلب تطوير القوى العاملة الماهرة، وبناء مصانع التصنيع، وتسهيل نقل التكنولوجيا من الشركات العالمية الرائدة، من مئات الملايين إلى المليارات من الدولارات".

كما أن "ضمان سلسلة توريد مستدامة وأخلاقية للمواد الخام للبطاريات، التي يرتبط الكثير منها بقضايا البيئة وحقوق الإنسان، يمثل عقبة أخرى، فمثلا يتطلب تعدين الليثيوم كميات هائلة من المياه، مما يهدد إمدادات المياه المحلية في المناطق القاحلة كالشرق الأوسط، كما أنه تم ربط تعدين الكوبالت بعمالة الأطفال وانتهاكات حقوقية أخرى في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أكبر منتج عالمي"، بحسب القحطاني.

المصدر | يحيى القحطاني/ معهد الشرق الأوسط بواشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية الإمارات الخليج النفط بطاريات كهرباء