انقلاب جديد.. الجابون تلحق بـ8 دول أفريقية خلال 3 سنوات لتقويض سلطة فرنسا

الأربعاء 30 أغسطس 2023 11:54 ص

أعلن ضباط كبار في الجيش الجابوني، الأربعاء، عن "إنهاء النظام القائم"، وإلغاء الانتخابات، واستيلاءهم على السلطة، ووضع الرئيس علي بونجو أونديمبا قيد "الإقامة الجبرية"، محاطا بعائلته وأطبائه، وإيقاف أحد أبنائه بتهمة "الخيانة العظمى".

جاء ذلك بعد ساعات من إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في الدولة الواقعة بغرب وسط أفريقيا، وفوز بونجو، الذي يحكم البلاد منذ 14 عاما، رئيسا لولاية ثالثة، وحصوله على نسبة 64,27% من الأصوات، في انتخابات قالت المعارضة إنها "مزورة".

ومن شأن الإطاحة بالرئيس بونجو، أن تنهي سيطرة عائلته على السلطة في البلاد، والتي استمرت 53 عاما.

وظهر 12 ضابطا عسكريا على شاشة قناة "غابون 24" التلفزيونية، من مقر الرئاسة، وأعلنوا الاستيلاء على السلطة.

وإذا تأكد الأمر، فسيكون هذا الانقلاب الثامن في المستعمرات الفرنسية السابقة في أفريقيا، خلال السنوات الثلاث الماضية.

وأدت انقلابات في مالي وغينيا وبوركينا فاسو وتشاد والنيجر، إلى تقويض التقدم الديمقراطي في المنطقة، خلال السنوات القليلة الماضية.

وقال العسكريون إنه "وبسبب حوكمة غير مسؤولة تتمثل في تدهور متواصل للنسيج الاجتماعي، ما قد يدفع بالبلاد إلى الفوضى، قررنا الدفاع عن السلام من خلال إنهاء النظام القائم".

وأضاف العسكريون الذين قالوا إنهم يتحدثون باسم "لجنة المرحلة الانتقالية وإعادة المؤسسات" في بيانهم: "لهذه الغاية أُلغيت الانتخابات العامة التي جرت في 26 أغسطس/آب 2023 ونتائجها".

وانتقد البيان الانتخابات الأخيرة، وقالوا إنها "لم تكن مستوفية للشروط وتُعَد باطلة"، مشيرين إلى أن البلاد "تشهد أزمات خطيرة وآخرها الانتخابات العامة التي لم تكن شفافة"، حسب البيان.

وأوضح البيان: "حُلّت كل المؤسسات، الحكومة ومجلس الشيوخ والجمعية الوطنية والمحكمة الدستورية"، ودعوا المواطنين إلى الهدوء، وجددوا تمسكهم باحترام التزامات الجابون حيال الأسرة الدولية، وأعلنوا إغلاق حدود البلاد حتى إشعار آخر.

ومن بين العسكريين، أفراد من الحرس الجمهوري المنوط به حماية الرئاسة، إضافة إلى جنود من الجيش وأفراد من الشرطة، وتلوا بيانهم عبر تلفزيون الجابون الرسمي.

والشهر الماضي، استولى الجيش على السلطة في النيجر؛ مما أثار موجات من الصدمة في أنحاء منطقة الساحل واجتذب قوى عالمية صارت مصالحها الاستراتيجية على المحك.

انتخابات مزورة

وخلال قراءة البيان العسكري الجابوني، سُمعت أصوات إطلاق نار من أسلحة أوتوماتيكية في أحياء عدة من العاصمة ليبرفيل.

ولم يصدر رد فوري من الحكومة على إعلان الضباط استيلاءهم على السلطة، ولم يُعرف حتى اللحظة مكان وجود بونجو.

وجاء الإعلان عقب نشر النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية التي جرت السبت، وأظهرت إعادة انتخاب الرئيس بونجو، الذي يحكم البلاد منذ 14 عامًا، لولاية ثالثة، بحصوله على 64.27% من الأصوات.

وتفوّق بونجو في انتخابات جرت بدورة واحدة، على منافسه الرئيسي ألبير أوندو أوسا، الذي حصل على 30.77%، بينما حصل 12 مرشحًا آخر على ما تبقى من أصوات.

وبلغت نسبة المشاركة في الاقتراع 56.65% وفقا لما أعلنته لجنة الانتخابات.

وكان أوسا قد تحدث عن "عمليات تزوير أدارها معسكر بونجو"، قبل ساعتين من إغلاق مراكز الاقتراع، السبت الماضي، وأكد فوزه بالانتخابات، وناشد بونجو "تنظيم تسليم السلطة من دون إراقة دماء"، استنادًا إلى فرز للأصوات أجراه مدققوه، من دون أن ينشر أي وثيقة تثبت ذلك.

واشتكى أوسا، من أن العديد من مراكز الاقتراع افتقرت إلى أوراق التصويت التي تحمل اسمه، في حين قال الائتلاف الذي يمثله، إن أسماء بعض الذين انسحبوا من السباق الرئاسي لا تزال موجودة على ورقة التصويت.

وكانت هناك مخاوف جدية بشأن عملية التصويت، واستندت على ما جرى في الانتخابات العامة السابقة.

وقالت منظمة "مراسلون بلا حدود" إن وسائل الإعلام الأجنبية مُنعت من دخول البلاد لتغطية الانتخابات.

ومع إغلاق صناديق الاقتراع، أعلنت الحكومة حظر التجول وتعليق الوصول إلى شبكة الإنترنت لـ"أسباب أمنية"، من أجل الحؤول دون نشر "أنباء كاذبة" وحصول "أعمال عنف" محتملة.

وقد شكك المعارضون في الفوزين السابقين لعلي بونجو، باعتبارهما "مزورين"، وفي هذه الانتخابات، تم إجراء تغييرات مثيرة للجدل على أوراق التصويت، وقبل أسابيع قليلة من يوم الانتخابات.

وانتخب بونجو، البالغ 64 عاما، في عام 2009 بعد وفاة والده عمر بونجو أونجيمبا - الذي حكم هذا البلد الصغير الواقع في وسط أفريقيا والغني بالنفط لأكثر من 41 عاما.

وفي 2016، أضرم متظاهرون النيران في مبنى البرلمان، عندما اندلعت احتجاجات عنيفة رفضا لفوز بونجو بولاية ثانية.

أزمة قديمة

وفي عام 2018، أصيب علي بونجو بجلطة دماغية أبعدته عن المشهد السياسي لمدة عام تقريبا وأدت إلى مطالبته بالتنحي.

أما في يناير/كانون الثاني 2019، أحبطت الجابون انقلابا عسكريا بعد أن استولى جنود لفترة وجيزة على محطة إذاعية وبثوا رسالة مفادها أن بونجو الذي عانى من جلطة قبلها بأشهر لم يعد صالحا للمنصب.

لكن تم تدارك الموقف بعد ساعات عقب مقتل اثنين ممن يشتبه في تدبيرهم الانقلاب واعتقال آخرين.

وفي وقت سابق من العام الجاري، شهدت الجابون تعديلا دستوريا، مكنت بونجو بموجبه من الترشح لفترة رئاسية ثالثة؛ وهو ما أثار معارضة الرأي العام في بلاده واعتبره "تلاعبًا" بالدستور للاستحواذ على السلطة.

كما أن الوضع الاقتصادي المتردي في الجابون في ظل حكم بونجو زاد من معارضيه خاصةً وسط فئة الشبّان، مع امتعاض واسع من الفساد في الطبقة الحاكمة.

وينتمي بونجو إلى أسرة تحكم الجابون منذ نحو 55 عامًا في إطار نظام توريث، وهو ما لم تعد تقبله الأجيال الجديدة في البلاد، حسب تقارير إعلامية.

ويعتقد مراقبون أن الانقلاب كان معدًا له مسبقا، خاصة أن فوز بونجو كان متوقعًا، وأن التعامل مع انقلاب النيجر شجّع عليه، حيث لم يستطع أحد أن يغيّر موقف المجلس العسكري الانقلابي رغم تهديد المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" بالتدخل العسكري لإعادة النظام الدستوري برئاسة محمد بازوم المحتجز منذ 26 يوليو/ تموز الماضي.

تأييد واسع

ومع عودة الإنترنت، نُشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الجابون مشاهد لمظاهرات متفرقة مؤيدة للانقلاب العسكري.

وأظهرت الصور ومقاطع الفيديو انتشار قوات من الجيش في شوارع العاصمة ليبرفيل واحتشاد المتظاهرين حولهم مرددين هتافات تؤيد خطوة الضباط.

ففي حي بلان سييل الشعبي في ليبرفيل، القريب من وسط المدينة، تجمع نحو 100 شخص على جسر، بعضهم مشاة والبعض الآخر في السيارات، يهتفون "إنه التحرير"، و"بونجو أخرج".

وعلى صوت أبواق السيارات، صفقوا لشرطة مكافحة الشغب التي حضر عناصرها ملثمين.

في وقت أظهرت مقاطع فيديو جنودا كانوا في سيارة نقل رفعوا أذرعهم تعبيرا عن النصر، وسط تصفيق الحشود.

وبمنطقة أكاندا الغنية، على مقربة من منزل بونجو، وقف سكان على عتبات منازلهم، من دون أن يجرؤوا على الخروج، فيما كان جنود من وحدة خاصة يطلبون منهم دخول منازلهم.

وفي بور جانتي، عاصمة البلاد الاقتصادية، وفي ساحة دو شاتو دو، في حي شعبي ومعقل تقليدي للمعارضة، خرج مئات الأشخاص في سياراتهم وأطلقوا الأبواق وهم يهتفون "لقد تحررت الجابون".

وقال شهود عيان إن بعض الأشخاص يرقصون مع عناصر الشرطة والجنود الذين يرتدون الزي العسكري.

ردود أفعال

وفي أول رد فعل من الخارج، قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إن وزراء دفاع دول التكتل، سيناقشون الموقف في الجابون، واصفا ما يحدث في غرب أفريقيا بأنه مشكلة كبيرة لأوروبا.

وأضاف في كلمة خلال اجتماع وزراء دفاع دول الاتحاد الأوروبي في طليطلة بإسبانيا: "إذا تأكد ذلك، فسيكون انقلابا عسكريا آخر يزيد من الاضطرابات في المنطقة بأكملها".

من جهة أخرى، قالت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن، في كلمة أمام مؤتمر للسفراء الفرنسيين إن "باريس تتابع الوضع في الجابون عن كثب".

أما السفارة الفرنسية في ليبرفيل، فقد نصحت مواطنيها في الجابون بالبقاء في منازلهم؛ بسبب الأحداث الجارية.

من ناحية أخرى، أعلنت شركة التعدين الفرنسية "إراميت" تعليق عملياتها في الجابون عقب تطورات الساعات الماضية.

وتملك "إراميت" وحدة "كوميلوج" لإنتاج المنغنيز في الجابون وتوظّف نحو 8 آلاف عامل في البلاد. وانخفضت أسهم الشركة بنحو 5% عقب قرار تعليق العمليات.

وفي روما، قالت الخارجية الإيطالية إنها تراقب التطورات في الجابون، ودعت مواطنيها هناك إلى توخي الحذر.

بالوقت نفسه، نقلت وكالة "تاس" للأنباء عن السفارة الروسية في الجابون، أن الوضع هادئ في ليبرفيل، ولا يوجد تهديد للسفارة.

فيما دعت الصين "الأطراف المعنية" في الجابون إلى "ضمان أمن" الرئيس بونجو.

وقال المتحدث باسم الدبلوماسية الصينية وانغ ون بين: "تتابع الصين عن كثب تطورات الوضع في الجابون وتدعو الأطراف المعنية إلى التحرك بما فيه مصلحة الشعب الجابوني.. واستتباب النظام فورا وضمان الأمن الشخصي لبونجو".

إقليميا، كشف مصدر دبلوماسي أن مجلس السلم والأمن الأفريقي سيعقد الخميس اجتماعا لبحث الانقلاب العسكري في الجابون.

واستقلت الجابون عن فرنسا في 17 أغسطس/آب 1960، وتملك باريس قاعدة عسكرية دائمة في البلاد.

والجابون هي إحدى الدول الأصغر في منظمة "أوبك"، حيث تضخ نحو 200 ألف برميل يومياً، وتعد رابع أكبر منتج للنفط في أفريقيا جنوب الصحراء، ولديها احتياطيات نفطية تقدَر بملياري برميل.

وفي عام 2020، شكّل قطاع النفط 38.5% من الناتج المحلي الإجمالي، و70.5% من الصادرات، على الرغم من الجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد.

ضربة لفرنسا

كما تعد من الدول الغنية بالنفط والغاز، فضلا عن احتياطيات من الماس واليورانيوم والذهب، لكنها لم تترجم إلى مستويات معيشية أفضل للسكان البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، ويعيش نحو ثُلثهم تحت خط الفقر.

أما عن عملتها، فإن هذه الدولة تتعامل بالفرنك الأفريقي، ولها شراكات تجارية مع الولايات المتحدة والصين وروسيا بالنسبة للصادرات، بينما تأتي أغلب الواردات من فرنسا.

وتعود تسمية هذا البلد إلى اسم البرتغالي "غاباو"، وهو أول أوروبي وصل للجابون كملاح برتغالي يدعى دييغو غاباو، في القرن الخامس عشر.

وأصبح هذا البلد أحد 4 أقاليم في أفريقيا الاستوائية الفرنسية في عام 1910، وهو اتحاد دام حتى عام 1959، قبل أن تنال استقلالها في 17 أغسطس/آب 1960.

وكانت المصالح الفرنسية عنصراً حاسماً في تحديد مستقبل الزعامة في الجابون بعد الاستقلال، وانتخب على إثر ذلك "ليون إمبا" أول رئيس للجابون في عام 1961، الذي عرف بعلاقته القوية مع فرنسا.

وتدفقت الأموال الفرنسية في الحملة الانتخابية الناجحة لإمبا، ثم حاول انقلاب عسكري الإطاحة به، لكن فرنسا تصدت بنفسها له 1964.

وتسلم السلطة بعدها والد الرئيس الحالي، عمر بونجو أونديمبا، في الفترة من 1967 حتى وفاته يونيو/حزيران 2009، وكان قد أعيد انتخابه 3 فترات متتالية مدة كل منها 7 سنوات.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الغابون النيجر انقلاب فرنسا علي بونغو عسكريون غرب أفريقيا أوروبا الصين

انقلاب الجابون.. من هو علي بونجو الذي عزله العسكريون وأنهوا حكم عائلته؟

من مقر إقامته الجبرية.. رئيس الجابون يطالب العالم بالتحرك ضد الانقلاب

انقلابات أفريقيا.. خسارة لفرنسا ونفوذها وفوز مرتقب لروسيا

فرنسا تعلن استئناف أنشطتها العسكرية بوسط أفريقيا: انقلاب الجابون مختلف عن النيجر