شبكات الربط الكهربائي.. مستقبل واعد لسوق الطاقة بأوروبا ودول الخليج

الأربعاء 30 أغسطس 2023 06:53 م

سلط الزميل غير المقيم في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، روبن ميلز، الضوء على توسع شبكات الكهرباء بدول مجلس التعاون الخليجي، مشيرا إلى أن هذا التوسع يدفع مصطلح "الشرق الأوسط" إلى تراجع لصالح مصطلح "غرب آسيا" الأقل مركزية في أوروبا.

وذكر ميلز، في تحليل نشره بموقع المعهد وترجمه "الخليج الجديد"، أن مستقبل المنطقة يتسم بقدر أكبر من الربط الكهربائي، وهو تطور مهم؛ لأن التجارة الدولية في الكهرباء لاتزال ضئيلة للغاية، وتتم نسبة 80% منها داخل أوروبا، في ظل سوق واحدة، وجغرافيا كثيفة، وبنية أساسية راسخة. فمعظم البلدان تعتمد بشكل كامل تقريبًا على توليد الكهرباء داخل حدودها، غير أن الأمر سيكون مختلفاً تماماً بحلول منتصف القرن الجاري، حسبما يرى ميلز.

وأوضح: "يحب أنصار حماية البيئة شعار "كهربة كل شيء"، إذ يتصور سيناريو تصفير الانبعاث الكربوني، الذي وضعته وكالة الطاقة الدولية، أن يكون أكثر من 50% من الاستخدام النهائي للطاقة في هيئة كهرباء منخفضة الكربون بحلول عام 2050، مقابل 20% اليوم".

فالكهرباء، التي يمكن توليدها بطرق منخفضة الكربون من مصادر الطاقة المتجددة، أو المفاعلات النووية، أو محطات توليد الطاقة التي تعمل على احتجاز الكربون وتخزينه، تفضلها جماعات الدفاع عن البيئة لتحل محل النفط والغاز والفحم في التدفئة المنزلية، والعمليات الصناعية، والمركبات الأرضية.

وحتى لو لم تتحقق مثل هذه السيناريوهات بالكامل، فإن حصة الكهرباء سترتفع بشكل كبير لأنها نظيفة الاستخدام وتتسم بالكفاءة.

ويتضمن سيناريو وكالة الطاقة الدولية مضاعفة إجمالي توليد الطاقة المتجددة على مستوى العالم، في حين تتوقع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، ومقرها أبو ظبي، أن تنمو حصة المصادر المتجددة في توليد الطاقة من 25% إلى 85%، وهذا بدوره يخلق مشكلة لشبكات الكهرباء التي تتأثر سلبا بتغير العوامل الطبيعية، سواء حجب السحب الشمس أو تراجع سرعة الرياح.

وفي المقابل، تساعد أنظمة تخزين الطاقة، مثل البطاريات والسدود الكهرومائية، في دعم الاتجاه المعاكس، لكن العنصر الرئيسي في جدواها يتمثل في توصيل الكهرباء عبر مسافات طويلة من مواقع المصادر المتجددة إلى مراكز الطلب، وتخفيف التغيرات المحلية في الطقس.

شبكات التوزيع

ويرى ميلز ضرورة تعزيز شبكات التوزيع المحلية حتى يتسنى لها قبول تدفقات أكبر من التوليد الذاتي من الألواح الشمسية، وتوفير نقاط شحن كافية للسيارات الكهربائية على المدى الأبعد، مشيرا إلى أن الشبكات الذكية يمكنها أن تساعد في تحقيق التوازن بين الطلب والمدخلات المتقلبة وتحسين استخدام تخزين الكهرباء، مثل البطاريات والتخزين الحراري المرتبط بالتبريد.

غير أن مثل هذه التدابير تعالج التحديات المحلية، لكن تحقيق التوازن وتحسين الشبكة على المستوى الإقليمي يمثل مشكلة مختلفة.

وهنا يلفت ميلز إلى أن هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي تأسست في عام 2001، وأكملت الربط بين دول المجلس الست في عام 2011، بقدرة قصوى تبلغ 1.2 جيجاوات.

وتتم معظم عمليات تبادل الكهرباء في فصل الصيف عندما يكون الطلب على تكييف الهواء مرتفعًا، لكن سلطنة عمان فقط، من بين الدول الست، لديها سوق حقيقي للكهرباء، تم إطلاقها في مارس/آذار 2022.

وفي الدول الخمس الأخرى، هناك كمية صغيرة من توليد الطاقة الخاصة، وعادة ما يتم بيعها لمشتري حكومي واحد بأسعار منظمة.

لذا، فإن هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي تعمل في الغالب على تقاسم احتياطيات التوليد وتغطية الأعطال الطارئة، وليس كوسيلة لتجارة الكهرباء الروتينية واسعة النطاق على أساس تجاري.

وفي عام 2021، على سبيل المثال، كان 97% من تداول الكهرباء على أساس عيني بدلاً من تسويته نقداً، وبلغ إجماليه أقل من 0.2% من التوليد في الدول الست.

وفي المقابل، تلقت المملكة المتحدة في عام 2022 ما يقرب من 5% من الكهرباء التي تستهلكها من شبكات الربط الدولية.

وتعمل شبكة دول مجلس التعاون الخليجي على ربط العراق عبر الكويت بقدرة أولية تبلغ 0.5 جيجاوات، قابلة للزيادة إلى 1.8 جيجاوات.

وتقدر ذروة الطلب في الصيف بالعراق، خارج منطقة كردستان المتمتعة بالحكم الذاتي، بنحو 34 جيجاوات، لكن شبكته المتهالكة يمكنها إدارة 26 جيجاوات في أفضل الأحوال.

ويأتي حوالي 1 جيجاوات من هذه الطاقة من إيران، وذلك عندما تمتلك طهران الطاقة الكافية وتستطيع بغداد إدارة المدفوعات.

لكن طموحات إيران في أن تصبح مصدراً رئيسياً للكهرباء للعديد من جيرانها، مثل أفغانستان وباكستان، تراجعت مع حدوث نقص بتوليد الكهرباء في الداخل.

وفي هذا الإطار، تحرص دول مجلس التعاون الخليجي، بتشجيع من الولايات المتحدة، على منح العراق خيارات أخرى، كما يعمل الأردن على إنشاء وصلة إلى العراق بقدرة 0.15 جيجاوات تزيد إلى 0.5 جيجاوات، وتقوم تركيا بتزويد شمال العراق بكميات صغيرة.

وتمثل هذه الخيارات روابط التيار الكهربائي المتناوب بالمنطقة، بحسب ميلز، مشيرا إلى أن الأفضل لنقل الكهرباء لمسافات طويلة هو التيار المباشر عالي الجهد، حيث أن خسائر نقله أقل بكثير، رغم أنه يتطلب محطات تحويل في كل طرف، ولا يمكنه خدمة نقاط وسيطة.

تصدير خليجي

ويمكن لدول مجلس التعاون الخليجي تصدير بعض موارد الطاقة لديها عبر وصلة بقدرة 3 جيجاوات بين المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية ومدينة بدر في مصر قيد الإنشاء، مع خطة لبدء العمليات في يونيو/حزيران 2025 بعد سنوات عديدة من التطوير.

ويشير ميلز، في هذا الصدد، إلى أن دراسة جدوى جارية حاليا لمشروع الربط الكهربائي الأوروبي لأفريقيا بقدرة 2 جيجاوات، والذي سيمتد من مصر إلى قبرص وكريت والبر الرئيسي لليونان.

وفي الإطار ذاته، سيبدأ مشروع الربط الكهربائي "إيروآسيا"، بقدرة 1 جيجاوات، والذي يموله الاتحاد الأوروبي في إسرائيل ويتبع نفس المسار.

وإلى الغرب، هناك خطط لربط تونس بإيطاليا (0.6 جيجاوات) والجزائر بإيطاليا (ما يصل إلى 2 جيجاوات)، في حين أن المغرب مرتبط بالفعل بإسبانيا (0.8 جيجاوات).

أما المشروع الأكثر طموحًا بالمنطقة فهو "إكس لينكس"، والذي سيجلب 3.6 جيجاوات من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من المغرب إلى المملكة المتحدة، عبر كابل بحري بطول 2300 ميل، ما يلبي ما يصل إلى 8% من الطلب البريطاني.

ويحتاج شمال غرب أوروبا إلى تكملة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المحلية بإمدادات من مناطق جغرافية أخرى، حيث الظروف المظلمة والباردة، التي يمكن أن تضربها في الشتاء لأسابيع، وهي فترة طويلة جدًا، لا تستطيع البطاريات وحدها تغطيتها.

وإزاء ذلك، ثمة اقتراح، مقدم من التحالف الدولي للطاقة الشمسية، يقضي بربط سلطنة عمان بشمال غرب الهند، وتبادل الكهرباء في الاتجاهين، مع الاستفادة من اختلاف ساعات النهار وأنماط الطلب الموسمية.

كما يمكن استخدام الموارد المائية في الدول المحيطة بحزام جبال الهيمالايا، وهي: طاجيكستان، وقرغيزستان، ونيبال، وبوتان، كبطارية تخزين طاقة لتحقيق التوازن في نظام الربط الكهربائي بالكامل، بحسب ميلز.

ومن شأن مثل هذه المشروعات أن تربط دول مجلس التعاون الخليجي وشرق البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا بأوروبا من الغرب والشمال، وجنوب ووسط آسيا من الشرق، في شبكة عابرة للقارات، ومن شأنه ذلك أن يشكل جزءاً رئيسياً من خطط الرئيس السابق لشركة ستيت جريد كورب الصينية، ليو زينيا، لإنشاء شبكة طاقة عالمية بتكلفة 50 تريليون دولار.

ووفق هذا المخطط، سيصبح الشرق الأوسط مركزًا لشبكة كهربائية عنكبوتية، لكن مثل هذه الأحلام تواجه تحديات هائلة، بحسب ميلز، مشيرا إلى أن بلدان المنطقة "ليست مستعدة للاعتماد على الدول المجاورة، التي قد تسبب إزعاجاً، أو دول العبور الصعبة، في تلبية أجزاء كبيرة من احتياجاتها من الكهرباء.

حذر أوروبي

ورغم أن أوروبا تريد الحصول على كهرباء منخفضة الكربون وتنويع مصادر الطاقة بعيدا عن روسيا، لكنها أيضاً ستكون حذرة من إسناد قدر أكبر ما ينبغي من أمن الطاقة إلى شمال أفريقيا.

وفي الوقت نفسه، تشهد دول شمال أفريقيا ارتفاعاً سريعاً في احتياجاتها من الكهرباء؛ حتى أن مصر تعاني حاليا من نقص في التوليد.

ولدى دول شمال أفريقيا مساحات شاسعة من الأراضي المشمسة والرياح، وقد لا تريد الكثير من المنافسة من دول مجلس التعاون الخليجي في تصدير الكهرباء أو الهيدروجين الأخضر.

إن تجارة الكهرباء مزدهرة في الاتحاد الأوروبي، ومتراجعة في كل مكان آخر تقريبا، بسبب الأنظمة القانونية والتجارية الآمنة والأسواق المتكاملة في الاتحاد، و"إذا كانت التجارة حتى داخل دول مجلس التعاون الخليجي منخفضة للغاية، وفي الغالب على أساس عيني غير شفاف، فإن الأمر أكثر صعوبة في أماكن أخرى في المنطقة"، بحسب ميلز.

ومن شأن تحسين شبكات الربط الكهربائي أن يدعم العلاقات الاقتصادية ويحسن الموثوقية والتكلفة، وخاصة في العصر القادم، كثيف الاستخدام للطاقة المتجددة، حسبما يرى ميلز، مشيرا إلى أن شبكات الربط البينية الضخمة جيدة للغاية، و"لكن يتعين على المنطقة أولاً أن تركز على التطوير الفني، وإصلاح السوق، والتكامل، والجدوى التجارية، والشفافية".

وشكلت الكهرباء 10% من الاستخدام النهائي للطاقة بالشرق الأوسط في عام 1990، و13% في عام 2010، و15% في عام 2019، ولا يزال توليد الطاقة الشمسية بالمنطقة صغيرا على الرغم من الظروف المشمسة، لكنه نما في المتوسط بنحو 60% سنويا منذ عام 2010.

ولدى جميع دول مجلس التعاون الخليجي ومعظم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أهداف إنتاجية في مجال الطاقة المتجددة، غالباً ما تكون طموحة للغاية، فالسعودية، على سبيل المثال، تريد الوصول إلى 58.7 جيجاوات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، بما في ذلك 40 جيجاوات من الطاقة الشمسية الكهروضوئية، و2.7 جيجاوات من الطاقة الشمسية الحرارية، و16 جيجاوات من طاقة الرياح.

ومن إجمالي قدرة المملكة الحالية على توليد الطاقة، التي تبلغ 81 جيجاوات، بلغت قدرة الطاقة المتجددة المركبة في عام 2022 نحو 0.4 جيجاوات فقط، لكن العديد من المشروعات الكبيرة قيد الإنشاء، سترفع هذه القدرة إلى 11.3 جيجاوات.

 ففي مايو/أيار الماضي، أطلقت الحكومة السعودية 3 مشروعات رئيسية للطاقة الشمسية بقدرة مجمعة تبلغ 4.55 جيجاوات.

وتخطط شركة مياه وكهرباء الإمارات لزيادة القدرة الشمسية إلى 16 جيجاوات بحلول عام 2035، بينما تقترب هيئة كهرباء ومياه دبي من استكمال القدرة الكاملة لمجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية، البالغة 5 جيجاوات، كما وصلت دبي إلى 0.5 جيجاوات إضافية من الطاقة الشمسية في عام 2022.

المصدر | روبن ميلز/معهد دول الخليج العربية بواشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الخليج مجلس التعاون الخليجي أوروبا الربط الكهربائي الطاقة المتجددة

الخليج يخطط لإنفاق 325 مليار دولار على مشاريع الطاقة المستقبلية