أرشيف 66 عاما.. ماذا يخبرنا التاريخ عن العلاقات الإيرانية السعودية؟

السبت 9 سبتمبر 2023 06:55 ص

كانت العلاقات بين إيران والسعودية داخل دائرة الضوء على مدى الأشهر الستة الماضية، بعد الاتفاق الذي توسطت فيه الصين لتطبيع العلاقات بعد 7 سنوات من قطعها في عام 2016.

ومع ذلك، تعود العلاقات بين طهران والرياض إلى أبعد من ذلك بكثير.

يتناول بانافشه كينوش في مقال في معهد الشرق الاوسط ترجمه الخليج الجديد أرشيف العلاقات الإيرانية-السعودية من خلال تقرير جديد عن التاريخ الدبلوماسي بين الدولتين.

ويعد التقرير، أول منشور لجمع وترجمة أرشيف إيران باللغة الفارسية حول العلاقات الثنائية مع الرياض خلال الفترة من 1913 إلى 1979، حيث إن هذه الوثائق تسبق تأسيس العلاقات الثنائية الحالية.

وفيما يلي سلسلة من المقتطفات من التقرير، تسلط الضوء على عدد من المواضيع الرئيسية التي تظهر فى الأرشيف.

وفي حين أن هناك الكثير من الجوانب فيما يتعلق بالعلاقات بين الرياض وطهران خلال القرن الماضي، فإن العديد من هذه المواضيع لا يزال يتردد صداها حتى اليوم.

حل التوترات في الخليج

يذكر المقال أن عبدالعزيز آل سعود عارض تأكيدات إيران على النفوذ على منطقة جنوب الخليج، بحكم سيطرتها على أجزاء من المنطقة قبل وصول العثمانيين في القرن السادس عشر، وقد برز دور ابن سعود في توحيد القبائل في شبه الجزيرة العربية وتأسيس الدولة الحديثة في المملكة العربية السعودية في عام 1932.

 وقبل عقد من الزمن، أبرم معاهدة المحمرة مع البريطانيين لترسيم حدود الخليج لدولته الجديدة وتأسيس سلطنة نجد وتوابعها (1921-1926).

وفي عام 1924، تقدمت قواته نحو الحجاز في غرب شبه الجزيرة العربية.

وكما يشير المقال في الوقت نفسه، فشلت إيران في المضي قدمًا في مطالباتها بالبحرين، وجزيرتي أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، من خلال عصبة الأمم في عام 1927.

وأنشأ عبدالعزيز مملكة الحجاز ونجد وتوابعها، واعترف رسميًا بالبحرين، مما دفع إيران إلى الاعتراف بها.

وفي فبراير/ شباط 1928، تواصل مع إيران للتوقيع على ميثاق أمني مشترك ورفضت إيران الفكرة واستبدلتها بوعد غير ملزم بعدم الاعتداء.

ويضيف المقال أنه عندما أعلنت بريطانيا اعتزامها الانسحاب من الخليج بحلول عام 1969، تشاورت إيران بشكل متكرر مع السعودية، ووافقت على منح البحرين استقلالها في ديسمبر/كانون الأول 1971، ولكنها نشرت قوات عسكرية في جزر الخليج التي كانت تتنازع عليها مع الإمارات.

وأعربت السعودية عن أسفها، لكنها لم تتخذ موقفا ضد إيران بشأن هذه القضية أمام الأمم المتحدة.

ووفقا للمقال كانت إيران قد رفضت في وقت سابق الاعتراف بالنظام اليمني الجديد المدعوم من مصر (بالرغم من قرار الولايات المتحدة القيام بذلك في ديسمبر/كانون الأول 1962)، وعرضت الأسلحة على السعودية، وشجعت واشنطن على أن تفعل الشيء نفسه لمساعدتها على حماية حدودها ضد القوات اليمنية المعادية.

تعزيز فن الحكم

ويذكر المقال أن عبدالعزيز دعا إيران إلى إرسال بعثة لتقصي الحقائق لتفقد الأوضاع على الأرض في الحجاز، موطن مدن جدة ومكة والمدينة المنورة.

والتقى القنصل العام الإيراني في سوريا حبيب الله هويدا مع عبد العزيز وأفاد بما يلي:

"أبلغ ابن سعود سكان مكة أنهم إذا التزموا بالقواعد التي يسعى آل سعود لإرسائها، فسوف يتم حمايتهم [و] أرسل رسالة إلى سكان جدة، قال فيها إنه حريص على حل الأمور سلمياً".

كما أرسل عبدالعزيز برقية إلى إيران لتهنئة رضا شاه عندما أسس سلالة بهلوي في عام 1925.

ونقل هويدا رسالة الصداقة من رضا شاه إلى عبدالعزيز، والتي جاء فيها:

"أعرب عن الامتنان.. وأذكّر بأن إيران لديها اهتمام مطلق بالمدينة المنورة ومكة، ورغبة في إقامة علاقات مع الحجاز".

واستقبل عبدالعزيز هويدا في قصر حصن قصر الخزام على مشارف جدة، وأفاد الأخير أن:

"ابن سعود أجلسني بجانبه كدليل على احترام إيران، وقرأ مذكرة معدة باللغة العربية، ووقف عندما بدأت أقرأ الرسالة التي أرسلها رضا شاه والتي كانت ملفوفة بالحرير وسلمت في صينية فضية.. اهتم ابن سعود بفتح الرسالة قبل أن يعيدها إليّ لأقرأها بصوت عالٍ، وبعدها وصلت المشروبات والمرطبات".

ويشير المقال أن عبدالعزيز أرسل وفداً إلى إيران في عام 1926 للحصول على الاعتراف، وأرسل رضا شاه خطابًا ردًا على ذلك في عام 1928، يوضح شروط إيران.

وبعد المفاوضات منحت إيران الاعتراف بـ"حكومة الحجاز ونجد" في 13 أغسطس/آب 1929.

وجاء في الاعتراف الإيراني: "يسعدنا أن نعلمكم أن الحكومة الإمبراطورية الإيرانية قد مددت اعتبارًا من هذا اليوم اعترافها بحكومة الحجاز ونجد".

ووفقا للكاتب أدى ذلك إلى إبرام معاهدة الصداقة الموقعة في إيران، والتي تم تبادلها في جدة، وتم تسجيلها في أرشيف عصبة الأمم.

معالجة الانقسامات الدينية

ضغط رجال الدين الشيعة في إيران على طهران للمساعدة في تسهيل الحج في مكة والمدينة. وتفاوض عبد العزيز مع هويدا في مكة حول هذه القضية.

ونقل هويدا رسالة باسم إيران لحماية الكعبة وسط المسجد الحرام، فيما نقل عبدالعزيز الرسالة التالية إلى إيران: "إن السلطان حريص على توفير الرفاهية والراحة لرعايا حكومتكم الموقرة لأداء الحج".

وشرع عبدالعزيز في دعوة رجال الدين الإيرانيين لزيارة الحجاز لكن إيران، التي فرضت حظراً لمدة 3 سنوات على أداء الحج خلال معركة الحجاز، اعترضت على قيام قوات عبدالعزيز بإزالة العلامات من القبور من أجل تثبيط عبادة القبور.

وكان مؤيدو ابن سعود، والمعروفين بـ"إخوان من أطاع الله"، في ذلك الوقت، قد أزالوا العلامات من القبور في مقبرة جنة البقيع في المدينة المنورة، حيث دفن أئمة الشيعة من أهل البيت وأعلنت إيران في بيان لها، تعليقا على ما حدث: "لقد حدثت الأحداث الأخيرة، والتي أدت إلى لحظة توقف للتأمل، مما أدى إلى أن تجد الحكومة الإيرانية أنه من غير المقبول قبول دعوة ابن سعود".

وأظهرت التقارير المرسلة إلى إيران بعد رفع حظر الحج أن الحجاج مُنعوا من زيارة القبور.

وفي عام 1930، فكك عبدالعزيز "إخوان من أطاع الله"، وأرسل رسالة إلى إيران جاء فيها: "أقول لك بشكل لا لبس فيه.. سأحمي الحرمين الشريفين بنفسي ومالي وولدي".

موازنة العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل

أعقب أزمة تأميم النفط الإيراني لإنهاء السيطرة البريطانية على صناعة النفط الإيرانية انقلاب مدعوم من بريطانيا والولايات المتحدة في عام 1953 للإطاحة برئيس الوزراء محمد مصدق.

ووفقا للكاتب، ساعدت السعودية إيران على تجاوز الأزمة من خلال التجارة مع البلاد بالرغم من المقاطعة الغربية.

كما عارضت السعودية حلف بغداد لعام 1955، الذي تم إطلاقه لربط مناطق النفوذ الجغرافية الأمريكية في الشرق الأوسط، بالرغم من انضمام إيران إلى الاتفاقية.

ويشير الكاتب أن الطفرة النفطية عام 1973، واندلاع الحرب العربية الإسرائيلية، والمقاطعة السعودية لمبيعات النفط إلى الغرب لدعم إسرائيل، ساعدت إيران والمملكة العربية السعودية على توسيع العلاقات.

لكن سعي إيران إلى ارتفاع أسعار النفط كان يشكل تحدياً لخطط السعودية للحصول على ملكية ربع عمليات النفط الخام من الولايات المتحدة في شركة "أرامكو".

وبعد مفاوضات مطولة، تمكنت الرياض تدريجياً من السيطرة على "أرامكو"، ووافقت على خفض أسعار النفط لمساعدة الاقتصاد الأمريكي.

ويشير الكاتب أن السعودية شجعت إيران على وقف صادراتها إلى إسرائيل.

حتى أن الصحف السعودية نشرت إحصائية للشركات المملوكة لليهود في إيران وحثت العرب على التوقف عن التجارة معهم.

وكانت إيران قد منحت اعترافها الفعلي بإسرائيل عام 1950.

وفي عام 1976، تمت إثارة قضية التطبيع العربي الإسرائيلي عندما سافر الزعيم السعودي الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود إلى طهران.

وفي مؤتمر صحفي مشترك، لم يُظهر خالد أي رد فعل عندما أخبر الزعيم الإيراني محمد رضا بهلوي الصحفيين من العالم العربي أن التطبيع مع إسرائيل قد يكون مفيدًا للمنطقة، قائلا إنه "إذا قررت الدول العربية الاعتراف بإسرائيل… فلن تخسر، لأن وجود إسرائيل حقيقة لا يمكن إنكارها".

وبعد أن خرجت السعودية بثقة أكبر من أزمة النفط، حاولت إبرام اتفاقية أمنية خليجية تشمل إيران في عام 1977.

وفي يوليو/تموز 1978، سافر ولي العهد السعودي الأمير فهد بن عبدالعزيز آل سعود إلى إيران لإبرام اتفاق أمني إقليمي.

ولكن بحلول ذلك الخريف، كان الشاه قد فقد قبضته على السلطة. وغادر إيران، ولم يعد أبدًا، في 16 يناير/كانون الثاني 1979.

خاتمة

يعتقد الكاتب أن العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران اتخذت منعطفاً حاداً نحو الأسوأ في ظل الجمهورية الإسلامية.

واعتبرت الرياض النسخة الثورية من الإسلام في طهران بمثابة تهديد مباشر للشرعية الدينية التي قامت عليها المملكة وسلالة آل سعود.

وازدادت الديناميكية عدائية على نحو متزايد، مما دفع الرياض إلى تقديم الدعم لبغداد خلال الحرب الإيرانية العراقية من 1980 إلى 1988.

وعلى مدى العقود اللاحقة، استمرت التوترات بين القوتين الإقليميتين في المد والجزر، مما أدى في النهاية إلى قطع العلاقات في عام 2016.

وفي أعقاب اتفاق التطبيع السعودي الإيراني في مارس/آذار 2023، لا يزال مدى استمرار هذا الفصل الأخير في تاريخ العلاقات الثنائية بين الرياض وطهران الممتد لقرن من الزمان غير مؤكد، كما يقول الكاتب.

ويرى الكاتب أن الوقت وحده هو الذي سيحدد ما يخبؤه المستقبل، لكن العديد من المواضيع الرئيسية التي تنبثق من الأرشيف الدبلوماسي المترجم حديثاً باللغة الفارسية، ترتبط بالتوترات بشأن الجهود المبذولة لتأكيد الهيمنة الإقليمية، وتأثير الانقسامات الدينية، والاختلافات حول تصورات الجهات الفاعلة مثل تواصل الولايات المتحدة وإسرائيل تحديد العلاقات السعودية الإيرانية اليوم.

المصدر | بانافشه كينوش/ معهد الشرق الاوسط – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران الأرشيف آل سعود العلاقات السعودية الإيرانية