تحول الطاقة.. هكذا تقترب الدول النفطية من التحول إلى الحياد الكربوني

الأربعاء 27 سبتمبر 2023 07:24 م

سلطت شبكة cbc الأمريكية الضوء على تحرك الجهود العالمية نحو الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وتبني مصادر الطاقة منخفضة الكربون، مشيرة إلى أن العديد من الدول المنتجة للنفط مثل كندا تتصارع لتحقيق الأهداف المناخية وموازنتها مع الاعتبارات المالية والاقتصادية والسياسية.

وأوردت الشبكة، في تقرير نشرته بموقعها الإلكتروني وترجمه "الخليج الجديد"، أن موسم حرائق الغابات الاستثنائي في كندا، إلى جانب موجات الحرارة القياسية ودرجات الحرارة القياسية في جميع أنحاء العالم، خلقت دافعا لبعض البلدان كي تتحرك بشكل أسرع للحد من الانبعاثات.

ومع ذلك، فهناك دول أخرى مترددة، إذ تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في حدوث اضطرابات في أنظمة الطاقة بجميع أنحاء العالم ووضع المزيد من التركيز على الحاجة إلى أمن الطاقة، مع إبقاء أسعار المرافق تحت السيطرة.

وفي جميع أنحاء العالم، تتبنى الدول المنتجة للنفط أساليب مختلفة للتعامل مع هذه المشكلة، وهو ما يسلط الضوء على كيفية حدوث تحول الطاقة بسرعة وحجم مختلفين من دولة إلى أخرى حيث يواجه كل منها تحديات مالية ووجهات نظر متباينة حول المستقبل، بحسب الشبكة الأمريكية.

وقالت وكالة الطاقة الدولية في تقرير أصدرته الثلاثاء: "لدى البلدان نقاط بداية ومستويات مختلفة من المسؤولية والقدرات. وبالتالي، فقد اعتمدت أطر زمنية مختلفة لتعهداتها بتصفير الانبعاثات (الحياد الكربوني)".

ففنلندا تريد الوصول إلى صافي الصفر بحلول عام 2035، في حين أن هدف الصين والسعودية بحلول عام 2050، أما الدول الأخرى، مثل الكويت وقطر، فليس لديها هدف على الإطلاق.

واستعرض مؤتمر النفط العالمي كل هذه الأولويات المتنافسة للدول المنتجة للنفط، الأسبوع الماضي، وهو مؤتمر للنفط والغاز شارك فيه العديد من قادة الصناعة رؤيتهم لتحول الطاقة.

السياسات والإعانات العملاقة

وفي كندا، وضعت الحكومة الفيدرالية أهدافًا مناخية ولديها العديد من المبادرات التي تهدف إلى الحد من الانبعاثات الناتجة عن التدفئة والتبريد في المباني وقطاع النقل، من بين العديد من القطاعات الأخرى.

وتخطط أوتاوا للكشف عن سقف للانبعاثات بمنطقة النفط في وقت لاحق من هذا العام، مع تمويل التقنيات النظيفة في الصناعة ودعم تطوير مرافق احتجاز الكربون وتخزينه.

وفي الولايات المتحدة، يشهد إنتاج النفط ارتفاعاً، ولكن نهضة الطاقة النظيفة قد تلوح في الأفق بعد إقرار قانون خفض التضخم، الذي يهدف إلى خفض الانبعاثات وتعزيز مصادر الطاقة المنخفضة الكربون.

وفي السياق، قالت كارولين ناريتش، مديرة تحول الطاقة بشركة أكسنتشر للتكنولوجيا والاستشارات، المقيمة في الولايات المتحدة: "نحن في مرحلة حرجة في تحول الطاقة (..) في بعض الدول نشهد اتخاذ إجراءات غير مسبوقة، مع عدد كبير من الالتزامات ومستويات هائلة من الدعم السياسي والتمويلي لأول مرة".

وأثناء مشاركتها بمؤتمر النفط العالمي، أشارت ناريتش إلى البرامج الحكومية الأمريكية التي توفر "أكثر من 450 مليار دولار متاحة في شكل قروض ومنح وإعفاءات ضريبية لدعم جهود إزالة الكربون".

الاعتبارات النقدية

وهذا الرقم أكبر من إجمالي الاقتصاد في بعض البلدان، بما في ذلك غانا، ذات التاريخ في الصراعات المالية، حتى بعد أن أصبحت دولة منتجة للنفط في عام 2010.

فقد وقعت الدولة الواقعة في غرب إفريقيا مؤخرا على برنامج إنقاذ جديد مع صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار أمريكي يهدف إلى المساعدة في تخفيف المشاكل المالية الشديدة التي تعاني منها البلاد.

وتهدف غانا إلى خفض الانبعاثات الوطنية بحلول عام 2030، بالإضافة إلى التوقيع على اتفاقية باريس وميثاق غلاسكو للمناخ، وفي الوقت نفسه، تتطلع إلى زيادة إنتاج النفط ولهذا السبب كان بعض مسؤوليها في مؤتمر النفط العالمي يحاولون حشد الاستثمار.

وتشمل بعض أولويات غانا البيئية سياسة عدم حرق النفط واستخدام الطاقة المتجددة على المنصات البحرية بدلاً من الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء في المستقبل.

وقال إجبرت فايبيل، الرئيس التنفيذي لهيئة البترول في غانا: "ترى غانا علامة واضحة لما يتعين علينا القيام به للانضمام إلى بقية العالم في سيناريو تحول الطاقة الذي نجد أنفسنا فيه (..) سأقول للمستثمرين الذين يريدون التطلع إلى غانا، إذا كان هناك أي بلد في غرب أفريقيا مستعد للتعامل مع قضية تحول الطاقة هذه، فهو غانا".

وفي وقت سابق من هذا الشهر، تصدرت وكالة الطاقة الدولية عناوين الأخبار في جميع أنحاء العالم عندما أشارت إلى أن ذروة الطلب على الوقود الأحفوري ستحدث خلال هذا العقد، وأنه على الرغم من اختلاف الجداول الزمنية، فإن النفط والغاز والفحم كلها في طريقها للخروج من مزيج الطاقة في عديد الدول.

ورفض قادة السعودية وبعض الدول الأخرى هذا التوقع، مشيرين إلى كيفية تزايد تعطش العالم للنفط سنة بعد سنة.

ودفعت فكرة ذروة الطلب على النفط والمخاوف بشأن تغير المناخ بعض البلدان المنتجة للنفط إلى السعي للاستفادة قبل أن تبدأ حظوظ القطاع في التلاشي.

وتتمتع غيانا بأحد أسرع الاقتصادات نموًا في العالم، حيث ازدهرت منطقة النفط فيها بمستويات غير عادية من الاستثمار الأجنبي والعديد من الاكتشافات الجديدة لاحتياطيات النفط.

وتعمل الدولة الصغيرة في أمريكا الجنوبية، المتاخمة لفنزويلا، على زيادة إنتاج النفط مع بدء العالم في التحول إلى أشكال أنظف للطاقة، ما يترك الرئيس، محمد عرفان علي، ليعلق في الماضي قائلا: "الوقت ليس في صالحنا"، مشيرا إلى ما يتعلق بجعل النفط أكثر نظافة.

العمل المناخي

ولا توجد خريطة طريق محددة لكيفية خفض شركات النفط والدول المنتجة له للانبعاثات، رغم أن المدافعين عن البيئة يركزون غالبا على مستوى ضروري من السرعة والحجم للحد من تأثيرات تغير المناخ.

وفي أحدث أبحاثها، أظهرت وكالة الطاقة الدولية انخفاضًا في الانبعاثات العالمية في السنوات القادمة، لكنها حذرت من أنه ليس قريبًا بدرجة كافية لوضع العالم على طريق الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل التصنيع، وهو ما يعتبر أمرًا بالغ الأهمية، ومهم لتجنب كارثة مناخية.

وذكرت الوكالة في أحدث تقرير لها: "لقد تم إحراز تقدم كبير في نشر تقنيات الطاقة النظيفة وخفض تكلفتها، ما يغير توقعات الانبعاثات في قطاع الطاقة (..) رغم أنها لا تزال أقل بكثير مما هو مطلوب لتحقيق أهداف درجة الحرارة في اتفاقية باريس".

وقال جون إلكيند، الباحث في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، إن التحول في مجال الطاقة يجب أن يكون مستدامًا أيضًا، حتى لا تستسلم الشركات والحكومات عندما تصبح الأمور صعبة.

وأضاف إلكيند في مؤتمر النفط العالمي: "المتانة تعني قدرة المجتمع على مواصلة تركيزه على إزالة الكربون بشكل تدريجي مع مرور الوقت من خلال الدورات الاقتصادية، من خلال الحروب، كما رأينا مع الغزو الروسي لأوكرانيا ومن خلال الأوبئة"، مضيفا: "نحن بحاجة إلى هذه المتانة".

الاستعداد للحياة بدون نفط

وفي حين أن بعض البلدان تتجه بقوة إلى ضخ المزيد من النفط، فإن بلداناً أخرى تفكر في الحياة من دونه.

فالبحرين، وهي جزيرة في الشرق الأوسط، تنتج النفط والغاز الطبيعي منذ ما يقرب من قرن من الزمان، وهي واحدة من أكثر البلدان كثيفة الانبعاثات في العالم.

وتبلغ مساحة الدولة الخليجية مساحة كالجاري تقريبا، ولكنها موطن للعديد من المرافق الصناعية الكبيرة، بما في ذلك مصفاة ضخمة، ومحطة لتوليد الطاقة بالغاز الطبيعي، ومصهر للألمنيوم ومصنع لإنتاج الحديد، وكلها في مساحة جغرافية صغيرة نسبيًا. وتأمل البحرين فقط في الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060.

وقال مارك توماس، الكندي الذي يشرف على شركة بابكو للطاقة، وهي شركة النفط الوطنية البحرينية: "تواجه المملكة اليوم تحديات فريدة تتطلب قفزة تحويلية. فمواردنا الطبيعية المحلية تستنزف، ويتفاقم ذلك بسبب ارتفاع تكاليف الاستخراج".

وقال توماس أمام حشد من الناس في مؤتمر النفط العالمي: "إن العائد الاقتصادي [من النفط والغاز] كان رائعاً، لكنه جاء بتكلفة كربونية".

وأضاف أنه لا يوجد الكثير من الأراضي الاحتياطية في البحرين لمشروعات الطاقة المتجددة واسعة النطاق، لذا فهي تحاول تقليل الانبعاثات من خلال دفع سياسات كفاءة الطاقة، من بين تدابير أخرى، بما في ذلك محاولة إعادة التفكير في اقتصادها العام.

وقال: "مستقبل البحرين ليس دولة ذات كثافة عالية للطاقة. بل ستنتقل إلى استثمارات أخرى ذات كثافة كربونية أقل".

 وأشار توماس إلى قطاع التكنولوجيا كمثال، قائلا إن تحقيق طاقة آمنة ونظيفة وبأسعار معقولة في جميع القطاعات خلال العقد المقبل سيشكل تحديا للبحرين.

وأردف توماس: "بالنظر إلى حجم البحرين الصغير نسبيًا، فإن إجمالي انبعاثاتها لن يحدث فرقًا كبيرًا في تغير المناخ في جميع أنحاء العالم، ومع ذلك فقد التزمت البلاد بالمناخ، لذلك فهي تريد تحقيق هذا الهدف، بغض النظر عن حجمها".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تصفير الانبعاثات كندا الدول النفطية الغازات الدفيئة حرائق الغابات

الاتحاد الأوروبي يطلق أول "رسوم كربون" في العالم