كيف تعزز سلطنة عمان طموحاتها في مجال خفض الكربون؟

السبت 30 سبتمبر 2023 11:00 ص

الحكومة العمانية في سباق للاستعداد لمستقبل ما بعد النفط، حيث يعد التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة ضرورة حتمية ومسارًا اقتصاديًا عمليًا نحو مستقبل أكثر استدامة.

هكذا يتحدث تحليل لـ"معهد دول الخليج العربية في واشنطن"، وترجمه "الخليج الجديد"، مشيرا إلى أنه "منذ اكتشاف النفط في الستينيات، اعتمد اقتصاد السلطنة بشكل كبير على عائدات صادرات النفط"، رغم أنها تمتلك ثاني أصغر احتياطي من النفط والغاز، وتعد ثاني أصغر اقتصاد في دول الخليج العربية.

ولا تزال عائدات النفط والغاز تشكل 65% من إيرادات التصدير، و78.2% من إجمالي الإيرادات الحكومية، و23.5% من الناتج المحلي الإجمالي.

وتشير التقديرات إلى أن احتياطيات النفط والغاز الحالية في عُمان من المتوقع أن تنفد في أقل من عقدين من الزمن.

ومثل هذا الجدول الزمني، الذي يتفاقم مع التنبؤات بذروة الطلب على النفط التي تلوح في الأفق نتيجة لتدابير التخفيف المناخية المتقدمة، والذي يعززه تعرضه لتقلبات أسعار النفط، يحد من النطاق الترددي لسلطنة عمان للتنويع الاقتصادي.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أعلنت عُمان التزامها بالوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، مما حدد اتجاهًا جديدًا لسياسة الطاقة والنمو الاقتصادي في البلاد.

وتحدد "الاستراتيجية الوطنية لسلطنة عمان للانتقال المنظم إلى صافي الصفر"، طريقًا لفتح الاستثمارات في مصادر الطاقة البديلة، بما في ذلك الطاقة المتجددة والهيدروجين، إلى جانب تدابير لإزالة الكربون من مصادر الهيدروكربون التقليدية، عبر استخدام تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه.

فضلا عن حلول الانبعاثات السلبية التي تزيل الانبعاثات من الغلاف الجوي، مثل احتجاز الهواء المباشر والطاقة الحيوية مع احتجاز الكربون وتخزينه.

ويشير اعتماد سياسة الطاقة الجديدة هذه، إلى تحول تدريجي من الاقتصاد الريعي القائم على النفط والغاز، إلى اقتصاد يحد من سيطرة الحكومة، والإنفاق، والملكية العامة.

وحددت رؤية عمان 2040، التي تم الإعلان عنها في عام 2019، استراتيجية التنويع الاقتصادي، بعد نسخة سابقة غطت الفترة 1996-2000، وهي رؤية 2020.

وتتمثل الأولوية الرئيسية لرؤية 2040 في إنشاء نموذج اقتصادي يتم فيه تقليل الاعتماد على الهيدروكربونات.

وبينما يعود اهتمام الحكومة العمانية بحماية بيئتها الطبيعية والحياة البرية إلى عام 1974، فإن رؤية 2040 هي أول خطة تنمية اقتصادية تضع حماية البيئة الطبيعية والاستخدام المستدام للموارد الطبيعية في قلب الأولويات الوطنية.

قال سلطان عمان هيثم بن طارق آل سعيد، في خطابه "رؤية 2040"، بتاريخ 23 فبراير/شباط 2020: "مع تحديد الأولويات الوطنية، تركز الرؤية على إعادة تشكيل الأدوار والعلاقات بين القطاعين العام والخاص والأهلي لضمان الإدارة الاقتصادية الفعالة، وتحقيق اقتصاد وطني متطور ومتنوع ومستدام، وضمان التوزيع العادل لمكاسب التنمية بين المحافظات؛ وحماية الموارد الطبيعية للبلاد وبيئتها الفريدة".

وتتناول رؤية 2040 أيضًا الطاقة المتجددة، حيث حددت هدفًا لزيادة استهلاك الطاقة المتجددة إلى 20% من إجمالي استخدام الطاقة بحلول عام 2030، وإلى ما بين 35% و39% بحلول عام 2040.

وتهدف الرؤية كذلك إلى وضع عمان ضمن أفضل 20 دولة عالميًا في "المؤشر البيئي".

وفي عام 2019، صدقت عمان على اتفاقية باريس للمناخ، وأصدرت استراتيجية وطنية للتخفيف من تغير المناخ والتكيف معه.

وفي يوليو/تموز 2021، قدمت عمان مساهمتها الثانية المحددة وطنيًا بشأن تغير المناخ، وتعهدت بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 7% مقارنة بسيناريو العمل كالمعتاد بحلول عام 2030.

وتربط المساهمات المحددة وطنيًا لعمان بشكل واضح بـ"رؤية 2040"، ومشروع الطاقة الوطني.

وتتضمن "رؤية 2040" معايير ومؤشرات أداء رئيسية لخفض مساهمة النفط في الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة إلى 16% في عام 2030، و8.4% بحلول عام 2040.

علاوة على ذلك، تحدد "رؤية 2040" هدفًا لرفع إنتاجية الطاقة (الناتج المحلي الإجمالي لكل وحدة طاقة) من 6.92 في عام 2014 إلى 14.57 في عام 2030 و17.3 في عام 2040.

التحول الاقتصادي منخفض الكربون

ومنذ عام 2020، أعلنت الحكومة العمانية عن عدة مبادرات لدعم تحولها الاقتصادي منخفض الكربون، وتم إنشاء مركز عمان للحوكمة والاستدامة، للإشراف على تطوير وتنفيذ استراتيجية الحياد الكربوني.

ومن أجل تنسيق استثمارات الطاقة البديلة في سلطنة عمان بشكل أفضل، تم إنشاء شركة تنمية الطاقة في عمان في ديسمبر/كانون الثاني 2020 بموجب مرسوم ملكي لتحرير الاقتصاد من الاعتماد على عائدات النفط والغاز.

ويتناقض هذا التحول مع نموذج الأعمال لشركة تنمية نفط عمان، الشركة المملوكة للدولة والتي كانت لفترة طويلة مصدرًا كبيرًا للإيرادات للدولة.

وتتمثل مهمة تنمية الطاقة في سلطنة عمان في تطوير آليات تمويل بديلة تدعم التوسع في مصادر الطاقة المتجددة من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

وفي عام 2022، أنشأت الحكومة العمانية شركة "هيدروم" للطاقة، التي تركز على الهيدروجين، المملوكة بالكامل لشركة تنمية الطاقة العمانية وتنظمها وزارة الطاقة والمعادن، مع تفويض بتيسير وتنسيق تطوير مشاريع الهيدروجين.

طاقة متجددة

ووفق التحليل، حققت عُمان تحولًا سريعًا إلى الطاقة المتجددة، حيث بلغت قدرتها المركبة من الطاقة المتجددة 1005 ميجاواتات في عام 2022، مقارنة بـ1 ميجاوات فقط في عام 2014.

وهناك 2700 ميجاوات أخرى في طور الإعداد.

وطرحت عُمان هدفها الأول للطاقة المتجددة في عام 2017، بهدف ضمان أن تمثل مصادر الطاقة المتجددة 10% من مزيج الطاقة.

وقبل ذلك، كان يتم توليد ما يقرب من 100% من الكهرباء في سلطنة عمان من المواد الهيدروكربونية.

وفي عام 2019، رفعت عُمان هدفها للطاقة المتجددة إلى 20% من مزيج الطاقة بحلول عام 2030، وما بين 35% و39% بحلول عام 2040، وهذا يعني إضافة ما يصل إلى 4000 ميجاوات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2040.

وإلى جانب تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة واسعة النطاق، نفذت الحكومة العمانية منذ عام 2017 سياسات تمكن أصحاب المنازل وكذلك الكيانات الصناعية والتجارية من إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وبيع الفائض لشركات توزيع الكهرباء.

وفي مخطط يُعرف محليًا باسم "ساحيم"، تعمل شركات التوزيع كوكلاء، وتقوم بشراء الكهرباء المولدة بالطاقة الشمسية من المستهلكين عبر آلية قياس صافية تسمح بالتعويض عن الكهرباء المولدة من الألواح الشمسية الكهروضوئية على الأسطح.

وبالإضافة إلى ذلك، بدأ تشغيل مشروع مزرعة رياح بقدرة 50 ميجاوات في جنوب عمان في عام 2019.

وفي عام 2022، افتتحت عمان محطة للطاقة الشمسية بقدرة 500 ميجاوات في عبري. المشروع عبارة عن محطة طاقة مستقلة تم منحها إلى ائتلاف تقوده شركة الطاقة النظيفة السعودية أكوا باور بعد مناقصة تنافسية دولية.

الهيدروجين

ويتصدر إنتاج الهيدروجين، وتحديداً الهيدروجين الأخضر المنتج من الطاقة المتجددة، أجندة الحكومة العمانية في جهودها لتطوير مصادر الطاقة النظيفة وتوليد مصدر بديل للدخل.

ومنذ عام 2020، تم إنشاء العديد من المشاريع واسعة النطاق المتعلقة بالهيدروجين واستراتيجية وطنية لاقتصاد الهيدروجين، بهدف بناء اقتصاد يركز على الهيدروجين بحلول عام 2040.

وتستهدف الحكومة إنتاج الهيدروجين النظيف بحوالي 1 جيجاوات بحلول عام 2025، و10 جيجاوات بحلول عام 2030، و30 جيجاوات بحلول عام 2030، للاستفادة من موارد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الوفيرة.

ولتسريع تقدم صناعة الهيدروجين في سلطنة عمان وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، حددت الحكومة مواقع لإنتاج الهيدروجين المتجدد في الدقم وظفار والجزير على طول الساحل الجنوبي الغربي.

وتم تخصيص أكثر من 19 ألف ميل مربع من الأراضي لتطوير الهيدروجين.

وتتمتع مساحة الأرض هذه بالقدرة على إنتاج 25 طنًا متريًا من الهيدروجين سنويًا (بقوة 500 جيجاوات من مصادر الطاقة المتجددة).

وتقع هذه المواقع بالقرب من المراكز الصناعية المشتركة، وهي الموانئ، مثل الدقم وصلالة وصحار، والتي يمكن تصدير الهيدروجين منها.

وفي منتصف مارس/آذار، تم طرح العطاءات العامة الأولى للمربعات الأرضية الأولى، مما أدى إلى ترسية 6 مشاريع للهيدروجين بقيمة 20 مليار دولار.

وحددت وكالة الطاقة الدولية، في تقرير خاص، عمان بأنها تمتلك القدرة على أن تصبح سادس أكبر مصدر للهيدروجين على مستوى العالم والأكبر في الشرق الأوسط بحلول عام 2030.

تحديات

ووفق التحليل، فقد يتطلب إطلاق العنان للاقتصاد العماني المنخفض الكربون التغلب على التحديات المؤسسية والمالية والبشرية.

وفي حين أن إزالة الكربون اقتصاديًا أمر أساسي لتحقيق أهداف رؤية عمان 2040، إلا أنها عملية متطورة ولا تزال مجزأة.

وتشرف وزارة الطاقة والمعادن وهيئة تنظيم الخدمات العامة على تطوير مصادر الطاقة البديلة، مثل الطاقة المتجددة والهيدروجين، ووضع الأنظمة والسياسات لجذب الاستثمارات واستيعاب موارد الطاقة النظيفة.

ومع ذلك، فإن وزارة الاقتصاد والوزارات الأخرى ذات الصلة لا تشارك بشكل مباشر، مما يؤدي إلى تأخير الموافقات على المشاريع الجديدة.

وتعتمد عُمان بشكل كبير على واردات التكنولوجيا بدلاً من المواهب المحلية في مجال البحث والتطوير.

وفي عام 2020، بلغ متوسط الاستثمار في البحث والتطوير في عمان 0.2% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ2% إلى 3% في الدول الصناعية.

ويقول التحليل إن نسبة 0.2% هي أقل بكثير من النسبة المئوية الدنيا (1%) اللازمة لقاعدة علمية وتكنولوجية فعالة كما حددتها اليونسكو.

وفي الواقع، فإن "رؤية 2040" تجعل دعم البحث والابتكار أمرًا أساسيًا في الأولويات الوطنية لسلطنة عمان، بهدف تحسين تصنيف عمان في مؤشر الابتكار العالمي.

ويضيف التحليل، أن التكلفة والحجم اللازمين للتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون سوف يتطلبان تمويلاً مستقلاً عن عائدات النفط وميزانية الدولة.

وسوف يتطلب ذلك، وفق التحليل، الاستثمار المباشر المحلي والأجنبي، المؤسسي والخاص، ودوراً أكبر للقطاع الخاص.

وفي الواقع، في عام 2019، أصدر بنك مسقط، مزود الخدمات المالية الأساسي في سلطنة عمان، أول مخطط تمويل أخضر في البلاد لدعم تركيب الألواح الشمسية على الأسطح.

وسيتعين على الحكومة أيضًا إصلاح سياساتها الاجتماعية، التي سمحت للمواطنين بالاستفادة من الإنفاق الحكومي السخي، بما في ذلك الإنفاق على الرعاية الصحية والتعليم، فضلاً عن الدعم السخي للوقود والطاقة والغذاء.

ويتابع التحليل: "ولابد من إدارة التحول الاقتصادي بطريقة لا تسبب توترات اجتماعية، حيث أنه مع انخفاض قيمة أصول الوقود الأحفوري، قد لا تتمكن الحكومة بعد الآن من الحفاظ على برنامج الدعم الاجتماعي وقد تضطر إلى خفض أو خفض الدعم لجميع الخدمات وزيادة تكلفة هذه الخدمات بطريقة تعكس الأسعار الحقيقية".

ويزيد: "وقد تلجأ الحكومة أيضاً إلى خصخصة الشركات والخدمات المملوكة للدولة، وإدخال نظام ضريبي من شأنه أن يولد مصدراً جديداً للدخل غير النفطي، خاصة من القطاع الخاص المتنامي".

وفي مارس/آذار، قامت شركة الطاقة العمانية المتكاملة "أوكيو"، بخصخصة وحدة الحفر التابعة لها، أبراج لخدمات الطاقة، والتي جمعت 244 مليون دولار.

وفي سبتمبر/أيلول، أعلنت "أوكيو" أنها ستعرض حصة قدرها 49% في أعمال خطوط أنابيب الغاز الخاصة بها، والتي من المتوقع أن تجمع ما يقرب من 800 مليون دولار.

وتجري حاليًا عملية خصخصة أصول الطاقة الحكومية وتحويل قطاع حيوي في الاقتصاد العُماني.

المصدر | معهد دول الخليج العربية في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

عمان الهيدروجين طاقة نظيفة

4471 شخصا في مراكز الإيواء العُمانية بسبب إعصار "تيج"