هل تنجح سياسة التحالفات المتعددة في الهند؟

السبت 30 سبتمبر 2023 01:51 م

إذا كان هناك أي فائز في عملية إعادة التوازن العالمية التي نشأت عن الغزو الروسي لأوكرانيا، فسيكون الهند.

هكذا يتحدث تقرير "معهد الدراسات السياسية الدولية"، وترجمه "الخليج الجديد"، لافتا إلى أنه في سيناريو دولي متزايد الاستقطاب، أتقن رئيس الوزراء ناريندرا مودي سياسة خارجية "متعددة الانحياز" تعمل على تعزيز دور الهند باعتبارها حجر الزاوية.

وتعد الهند واحدة من الفائزين وسط الفوضى العالمية التي أحدثها الغزو الروسي لأوكرانيا، وهي تحتاج إلى تعزيز دورها الجديد في مواجهة القوة العالمية الحالية، وكذلك في مواجهة القوى المتوسطة المتزايدة الطموح، والقوى الإقليمية المتلهفة إلى إعادة كتابة القواعد الدولية.

ويسعى مودي، وفق التقرير إلى إضفاء الطابع المؤسسي على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وإعادة إطلاق منطقة المحيط الهادئ الهندية، مع الاعتماد على تكتل "بريكس" باعتباره طليعة الجنوب العالمي.

وفي هذا السياق، سافر مودي مؤخرًا إلى الولايات المتحدة (20-23 يونيو/حزيران)، ومصر (24-25 يونيو/حزيران)، وفرنسا (13-15 يوليو/تموز).

في واشنطن، يوصف مودي بأنه شريك موثوق. حيث تم استقباله في واشنطن بأكبر قدر من التكريم.

ويهدف الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى الحد من التعاون التكنولوجي مع الصين، مع تعزيز الشراكة بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا والدفاع.

وعلى الرغم من المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان في الهند في عهد مودي، فقد عرَّف الزعيمان العلاقة الثنائية بأنها "شراكة بين ديمقراطيات تتطلع إلى القرن الحادي والعشرين بأمل وطموح وثقة".

وبالنسبة للولايات المتحدة، تمثل الهند البديل الرئيسي لاقتصاد الصين، فواشنطن لا تراهن على النمو المحتمل في الهند فحسب، كما أنها تتطلع إلى اكتساب ميزة سياسية من خلال تنويع سلاسل القيمة الاستراتيجية نحو دولة صديقة في آسيا.

وفي القاهرة، كانت زيارة مودي، بعد زيارته لواشنطن مباشرة، مهمة لترسيخ دور نيودلهي داخل مجموعة "بريكس".

ويقدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مساعدة مودي لدعم طلب مصر، في حين يحتاج مودي إلى أصدقاء لموازنة قوة الصين داخل مجموعة "بريكس" واحتواء إمكانية وصول باكستان.

أما باريس، فتأتي في المرتبة الثانية بعد واشنطن باعتبارها الوجهة الأولى لمودي بسبع رحلات منذ عام 2014.

وتعد هذه الزيارة نتيجة رائعة للسياسات الخارجية لكلا البلدين، حيث تهدف فرنسا إلى زيادة سوق الدفاع الهندي، حتى لو كانت بالفعل المورد الثاني للأسلحة للهند بعد روسيا، فضلا عن رغبتها في تعزيز دورها كقوة مقيمة في منطقة المحيط الهادئ الهندية، والسعي إلى تحقيق الاستقلال الاستراتيجي لأوروبا خارج الثنائية الصينية الأمريكية.

ومن ناحية أخرى، تأمل نيودلهي في تقليل اعتمادها على الإمدادات الدفاعية الروسية، والاعتراف بها كقوة عظمى ناشئة، وتعزيز موقف مودي السياسي المحلي قبل الانتخابات العامة في عام 2024.

وبات التحدي الذي تواجهه الهند الآن، هو الحفاظ على التوازن، مع الاستمرار في "التمحور المتعدد" نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ والجنوب العالمي، من دون التنافس مع الصين.

من جانبه، يقول أرميتيندو باليت الأكاديمي بجامعة سنغافورة الوطنية، إن زيارات مودي أكدت العلاقات الاستراتيجية العميقة للهند مع القوى العالمية الكبرى عبر المحيط الأطلسي.

ووصف البيان المشترك بين الولايات المتحدة والهند كلاهما بأنهما "الشريكان الأقرب" بشراكة تمتد من "البحار إلى النجوم".

وكان التعاون طويل الأمد في مجال التكنولوجيا والدفاع من أهم نقاط زيارة الولايات المتحدة، بما في ذلك إطلاق مبادرات جديدة في أشباه الموصلات، والذكاء الاصطناعي، والتنسيق الكمي، وصناعة الدفاع والطاقة النظيفة".

كما كان الدفاع أيضًا بارزًا في زيارة مودي لفرنسا بمناسبة مرور 25 عامًا على العلاقات الاستراتيجية.

وكان مودي ضيف الشرف في احتفالات يوم الباستيل التي ضمت القوات الجوية الهندية، فضلا عن التباحث في قضايا المناخ والتمويل الرقمي.

ويعلق باليت، على خذخ الزيارات بالقول: "أكدت الزيارات علاقات الهند القوية مع الولايات المتحدة وفرنسا على الرغم من الخلافات مع الغرب ومجموعة السبع حول عدة قضايا (مثل الصراع في أوكرانيا، وتغير المناخ، وإصلاح المؤسسات المتعددة الأطراف)".

ويضيف: "كما أنها تؤكد ظهور الهند كلاعب استراتيجي عالمي رئيسي وشريك وثيق للغرب".

أما إيزابيل سان ميزار الأكاديمية بجامعة باريس الثامنة، فقالت إن زيارات مودي للولايات المتحدة وفرنسا، رسمت خريطة طريق طموحة للسنوات الـ25 المقبلة.

ومنذ البداية، كانت الشراكة الفرنسية الهندية مدفوعة بأعلى المستويات في الدولتين وازدهرت في ثلاثة قطاعات رئيسية هي الدفاع والفضاء والطاقة النووية.

كما دعمت باريس مصالح الهند في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بما في ذلك القضايا الحاسمة مثل الإرهاب وكشمير.

ونتيجة لهذا فقد نجحت فرنسا في احتلال مكانة خاصة لنفسها في المشهد الاستراتيجي في الهند باعتبارها شريكاً وثيقاً وجديراً بالثقة.

وبما أنه كان حريصًا على الحفاظ على مكانة فرنسا المميزة بين شركاء الهند، لم يدخر الرئيس إيمانويل ماكرون أي جهد لإغراء مودي.

وتعلق سان ميزار بالقول: "بينما فهم الكل في أهمية إشراك الهند في قضايا رئيسية، شككوا في قرار ربط يوم الباستيل وقيم "الحرية والمساواة والأخوة" بزعيم، تسبب في تآكل الحريات الديمقراطية في بلاده".

أما نيكولا ميساليا الباحثة في معهد الدراسات السياسية الدولية، فتقول إنها الزيارات تشكل دليلاً آخر على نجاح استراتيجية الهند المتعددة الانحيازات.

وتضيف: "في عصر التعددية القطبية، تشكل تعدد الانحيازات (طريقة الهند) لوضع قواعد جديدة للاشتباك بين البلدان التي تحتاج إلى بناء مساحات آمنة في نظام عالمي غير مؤكد ومتغير ومزقته الحروب".

وتتابع: "من المثير للاهتمام أن الجميع، بما في ذلك الغرب، يتصرفون وكأن هذا هو الخيار الأفضل للعالم للمضي قدماً".

المصدر | معهد الدراسات السياسية الدولية - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الهند سياسة عدم الانحياز تعدد الأقطاب أمريكا فرنسا مصر بريكس