فاجنر ما بعد بريجوزين.. شبكة أقل رشاقة وأكثر ارتباطا بالكرملين

الثلاثاء 3 أكتوبر 2023 11:13 ص

سلط الخبير في الشؤون الأمنية والأكاديمي في جامعة كينجز كوليدج البريطانية، أندرياس كريج، الضوء على مستقل مجموعة المرتزقة الروسية "فاجنر"، بعد مقتل زعيمها، يفغيني بريجوزين، مشيرا إلى أن الدولة الروسية تبذل جهودا لكبح جماح المجموعة.

وذكر كريج، في مقال نشره بموقع "ميدل إيست آي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن مقتل بريجوزين أحيا الآمال في العديد من العواصم الغربية في تفكك فاجنر، لكن جهود الدولة الروسية للسيطرة عليها سارت في الاتجاه المعاكس.

وأضاف أن الرؤية الغربية للمجموعة اتسمت بالاستهانة بشبكة تضم حوالي 400 شركة، إذ جرى تصورها في كثير من الأحيان من خلال العدسة التحليلية الضيقة لفن الحكم الغربي، الذي تأسس على معايير التسلسل الهرمي، وتعريفات الإستراتيجية التي تتمحور حول الدولة، والمفاهيم العسكرية الغربية للسيطرة الفعالة.

وفي حين ظهر بريجوزين، من خلال كياناته العديدة المختلفة، كمحور مركزي في الشبكة، إلا أن فاجنر بعيدة كل البعد عن كونها كيانًا هرميًا، بحسب كريج، الذي وصف عمل المجموعة الروسية في أفريقيا والشرق الأوسط بأنه "بنية هرمية لكيانات مختلفة تعمل كعقد في شبكة، منسوجة معًا عبر روابط ثابتة أحيانًا وغالبًا ما تكون فضفاضة إلى حد ما".

وعلى عكس مؤسسات الدولة الروسية، بما في ذلك الجيش، تعمل فاجنر بتسلسلات هرمية مسطحة إلى حد ما، وتوفر نقاطًا مختلفة في الشبكة بدرجات من الاستقلالية التي تبدو أنها تتعارض مع فكرة دولة استبدادية مثل روسيا.

ويشير كريج إلى أن إنشاء فاجنر كشبكة فضفاضة من الكيانات المرتبطة بالكرملين فقط من خلال أحد المقربين من الرئيس، فلاديمير بوتين (بريجوزين) كان متعمدا، فقد سعى الكرملين إلى إيجاد وسيلة لإدارة شؤون الدولة في أفريقيا والشرق الأوسط يمكن أن توفر إمكانية إنكار معقولة في مواجهة الجمهور العالمي، وسلطة تقديرية فيما يتعلق بالجمهور الروسي الذي أصابه القلق من إرسال أكياس بجثث الجنود الروس من سوريا في عام 2018.

خطوط حمراء

وفي بداية انتشارها في أوكرانيا وسوريا، ظل التمويل الحكومي هو العمود الفقري لعمليات فاجنر، لكن تجربة استخدام شركة مملوكة لشركة فاجنر كوسيط لبيع الخدمات الأمنية والعسكرية لنظام الأسد عبر امتيازات النفط، غيرت نموذج العمل، ما مكّن الشبكة من الاعتماد على نفسها.

وكان السماح لفاجنر بالتواصل مع النخب المحلية في أفريقيا والشرق الأوسط يتماشى مع كونها كيانا شبكيا، وهي كيانات تتمتع بدرجة من حرية المناورة ضمن معايير محددة بوضوح.

وطالما لم يتم تجاوز الخطوط الحمراء، فكان بإمكان فاجنر تطوير الفرص بالشكل الذي تراه مناسبًا، بحسب كريج، مشيرا إلى أن رغبة الشبكة في تحقيق الأرباح تتماشى بالصدفة مع المصالح الاستراتيجية لروسيا في الجنوب العالمي.

وتشمل هذه المصالح تحقيق العمق الاستراتيجي لورسيا رغم البنية التحتية المتهالكة للدولة الروسية، غير القادرة على توفير الحكم الفعال في الداخل؛ إذ تمكنها الشبكة من تحقيق مكانة القوة العظمى بمواجهة الغرب في عالم تنافسي متعدد الأقطاب؛ وتنظيم الشبكات التجارية لاستخراج الموارد وأسواق مبيعات الأسلحة الروسية.

ويؤكد كريج أن المكاسب الاستراتيجية التي حققتها فاجنر للكرملين في السنوات الأخيرة لم يكن من الممكن تحقيقها من خلال التسلسل الهرمي المتورط بشكل يائس في حرب الاستنزاف البطيئة في أوكرانيا.

فقد وفّرت فاجنر خفة الحركة والمرونة، دون الضوابط والتوازنات التي توفرها الوسائل المعتادة في إطار منظومة الحكم الروسية، وأثبتت بنية الشبكة أنها أكثر مرونة بكثير من الهياكل الهرمية في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي والتي لا تزال تصيب بيروقراطية الدولة الروسية بالشلل.

تأثير هيدرا

لكن مشكلة هكذا شبكات فيما يسميه كريج بـ "تأثير هيدرا"، وهو التأثير الذي يحدث عند إزالة عقدة واحدة من الشبكة، إذ قد تظهر عقدتان مكانها، وهو ما يجرحه في حالة إعادة تشغيل فاجنر بعد بريجوزين.

ونتيجة لذلك، تحولت مجموعة فاجنر في أفريقيا والشرق الأوسط من "كيان مدعوم من الدولة (الروسية) إلى كيان يشبه الدولة"، بعد أن ظلت تحت رقابة شبكات الاستخبارات العسكرية في الداخل فقط.

وأظهرت الشبكة قدرتها على التحول إلى الأداة المطلوبة للتواصل مع الشبكات المحلية في كل مكان من ليبيا إلى السودان إلى مالي إلى جمهورية أفريقيا الوسطى إلى تشاد، وكل ذلك مع درجة من الانفصال عن الدولة الروسية، بينما تقوم بالوساطة بشكل فعال، إضافة إلى إبرام الصفقات التي تخدم المصالح الروسية في نهاية المطاف.

جوهرة التاج

ويلفت كريج إلى أن مرونة فاجنر في الاتصال بالشبكات المالية واللوجستية العالمية وشبكات استخراج الأسلحة والموارد، عبر مراكز إقليمية أخرى، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، سمح لها بالنمو لتصبح شبكة ممولة ذاتيًا، وعلى الرغم من أهميتها البالغة للعمليات في أوكرانيا، إلا أنها لن تكون مطلوبة للعمليات في جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط.

وهنا وصل بريجوزين وشبكته إلى مفترق طرق مع الكرملين، وكان التمرد الذي قامت به قوات فاجنر في يونيو/حزيران الماضي، رغم أنه لم يكن موجها ضد الكرملين، بل ضد الدولة العسكرية العميقة، خطوة أبعد مما ينبغي بالنسبة لبوتين، الذي لا بد أنه تم تذكيره بحالة الفوضى الروسية في التسعينيات.

ومن نواحٍ عديدة، أصبحت فاجنر جوهرة التاج في منظومة الحكم الروسية المتمركز حول الشبكة في الجنوب العالمي، بعد مقتل بريوجوزين، ولكن دون أن تشكل تهديدًا لمصالح النظام الروسي.

ومنذ مقتل زعيم فاجنر في أغسطس/آب، ظهر المسؤولون الروس، الذين لهم صلات بالاستخبارات العسكرية، في أفريقيا للإشارة إلى الشركاء بأن لا شيء سيتغير.

ولكن مع تحرك وزارة الدفاع الروسية نحو تغيير وضعها من عميل مستفيد من فاجنر إلى صاحب مصلحة رئيسي في تشغيلها، يرتبط بها عضويا، فإنها تخاطر بتقويض ميزة فاجنر الرئيسية، وهو كونها شبكة قائمة بذاتها ومنفصلة عن الدولة الروسية.

ففقدان القدرة على "الإنكار المعقول" يعني أن بوتين يتحمل في نهاية المطاف المخاطرة الجيوسياسية المترتبة على أي ظهور مستقبلي لفاجنر في الجنوب العالمي، حسبما يرى كريج، مشيرا إلى أن تحويل الشبكة إلى نظام هرمي من شأنه أن يؤدي إلى فقدان خفة الحركة والمرونة والفعالية العسكرية.

ولذا يتعين على بوتين أن يوازن بين الفوائد المترتبة على المزيد من السيطرة على فاجنر وتلك المترتبة على الانفصال عنها، بحسب كريج، لافتا إلى أن تفضيل الرئيس الروسي لنموذج سيطرة الرجل القوي على فن الحكم المبتكر هو ما قاده إلى الحرب التي لا يمكن الفوز بها في أوكرانيا.

وبالمحصلة، يرى كريج أن ضعف شبكة فاجنر يعتمد بشكل أكبر على الحسم والمصداقية التي يقرر بها المنافسون الغربيون الانخراط في الشرق الأوسط وإفريقيا.

فقدرة فاجنر على التوسع بهذه السرعة تحت أنظار صناع السياسات في واشنطن ولندن وباريس، كانت مدعومة بانطوائية غربية ليس لديها أي خطاب حقيقي تقدمه للعالم النامي.

فالولايات المتحدة منشغلة بالصين في المحيط الهادئ؛ والمملكة المتحدة منشغلة بروسيا في أوروبا؛ وفرنسا تعاني من مواقف الشعوب الأفريقية منها في مرحلة ما بعد الاستعمار، ما خلق جماهير جاهزة للاستغلال من قِبَل الشبكات الروسية المناهضة للغرب.

المصدر | ميدل إيست آي/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فاجنر روسيا يفغيني بريجوزين فلاديمير بوتين الكرملين أفريقيا الإمارات