كيف تخلق المشاكل الاقتصادية في سوريا انقسامات وصراعات على السلطة؟

الجمعة 6 أكتوبر 2023 04:02 م

تهدد الضائقة الاقتصادية المتزايدة في سوريا، وتجميد جهود إعادة الإعمار، شرعية الجهات الفاعلة الراسخة، مما يوفر بدوره مساحة للمتطرفين لاستغلالها.

وعلى الرغم من تراجع القتال في سوريا بشكل كبير، حيث تم تجميد الخطوط الأمامية للحرب الأهلية إلى حد كبير منذ عام 2020، لكن شروخًا جديدة بدأت تظهر مؤخرًا خلف تلك الخطوط الأمامية القائمة، وفق ما يذكر تحليل معهد "ستراتفور"، وترجمه "الخليج الجديد".

ومنذ أغسطس/آب، اندلعت سلسلة من الاحتجاجات والمناوشات في مدينة السويداء الجنوبية، التي تسيطر عليها الحكومة اسميا، حيث خرج المتظاهرون الدروز إلى الشوارع للاحتجاج على السياسات الاقتصادية لرئيس النظام بشار الأسد، مما أدى إلى أعمال عنف بين المتظاهرين والقوات الحكومية.

أما في الشمال الغربي، فأثار النزاع حول تقاسم عائدات النفط، اشتباكات دامية الشهر الماضي، بين القبائل العربية المتحالفة ظاهرياً مع "قوات سوريا الديموقراطية"، المتحالفة مع الولايات المتحدة، مما أدى إلى مقتل العشرات من المقاتلين.

ووقعت الاضطرابات على خلفية أول زيارة دولة للأسد إلى الصين منذ عام 2004، حيث حاول الحصول على مساعدات صينية للمساعدة في دفع فاتورة إعادة الإعمار في بلاده التي مزقتها الحرب، والتي تقدر الأمم المتحدة بنحو 500 مليار دولار.

لكنه الأسد غادر بكين دون أي تعهدات تمويلية ملموسة، حيث وعدت الصين فقط بمواصلة دعم سوريا، وهي عضو في مبادرة الحزام والطريق في بكين.

ووفق التحليل، وصلت الأزمة الاقتصادية في سوريا إلى مستوى منخفض جديد في أعقاب الزلازل التي ضربت شمال البلاد في فبراير/شباط 2023، مما فتح الباب أمام صراعات جديدة.

ويتوقع البنك الدولي أن ينكمش الاقتصاد السوري بنسبة 5.5% في عام 2023، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تأثير الزلازل الهائلة التي دمرت شمال سوريا، في وقت سابق من هذا العام.

كما فقدت الليرة السورية أكثر من 50% من قيمتها هذا العام، متأثرة بارتفاع تكاليف الواردات (خاصة واردات المواد الغذائية والوقود) الناجمة عن تداعيات الحرب في أوكرانيا والأزمة الاقتصادية في لبنان، الشريك التجاري الرئيسي، إلى جانب مع عدم قدرة الحكومة السورية التي تعاني من ضائقة مالية على إعادة بناء البنية التحتية الرئيسية بشكل فعال.

ولتخفيف الضغط على الموارد المالية للبلاد، قام نظام الأسد بإلغاء دعم الوقود الشعبي، مما تسبب في غضب وتراجع في شعبية النظام في أماكن مثل السويداء ودمشق.

ويؤثر هذا القرار على البلاد على الصعيد الوطني، على الرغم من أن أراضي قوات سوريا الديموقراطية تعتمد أيضًا على مبيعات النفط والغاز والتجارة مع العراق، بما في ذلك مع دمشق، لدعم اقتصادها المحلي.

وهذه الأنماط الجديدة من العنف وعدم الاستقرار ستزيد من إعاقة قدرة سوريا على تأمين مساعدات إعادة الإعمار الحيوية، وفق التحليل، الذي يقول إنه "رغم أن الإنجازات الدبلوماسية الأخيرة التي حققتها سوريا كبيرة، إلا أنها لم تسفر عن وعود جديدة بالدعم المالي".

ويضيف: "على الرغم من إعادة فتح دمشق علاقاتها مع منافسيها السابقين مصر والسعودية والإمارات، لم تتعهد أي من هذه الدول بتقديم مساعدات كبيرة لإعادة الإعمار، حيث لا تزال تشعر بالقلق من العقوبات الأمريكية التي لا تزال سارية على سوريا".

في الوقت نفسه، حتى مع أن للصين تاريخاً في الالتفاف على العقوبات الأمريكية على بعض البلدان أو تجاهلها، فإن سوريا لا تستوفي مؤهلات بكين للاستثمارات الكبيرة لأن الدولة الشرق أوسطية ليست سوقاً مقصداً كبيراً للصادرات الصينية، ولا مصدراً رئيسياً لموارد الطاقة، كما أن جغرافية سوريا ليست ضرورية لنجاح طموحات الصين في مبادرة الحزام والطريق، وفق التحليل.

علاوة على ذلك، فإن الحرب الأهلية المستمرة، والشقوق التي تظهر الآن خلف الخطوط الأمامية، تعني أن الاستثمارات الصينية في سوريا قد تتعرض لحوادث أمنية، ولم تبد الصين اهتماما كبيرا بتقديم المساعدة الأمنية للبلاد، ناهيك عن نشر قوات في الخارج هناك.

ويلفت تحليل "ستراتفور"، إلى أن الضائقة الاقتصادية المستمرة في سوريا "ستضر بشرعية كل من حكومة الأسد وقوات سوريا الديموقراطية، مما قد يخلق فرصاً للمتطرفين مثل تنظيم الدولة الإسلامية للتوسع".

ويتابع: "ولا يزال من غير المرجح حدوث تمرد واسع النطاق مماثل لما حدث في عام 2011، حيث أعادت دمشق فرض سلطتها إلى حد كبير على المناطق الخاضعة لسيطرتها".

ويزيد: "لكن المشاكل الاقتصادية المتصاعدة ستستمر في تأجيج العنف الذي من شأنه أن يضعف الشرعية السياسية لحكومة الأسد وقوات سوريا الديموقراطية، حيث تعتمد شرعيتهما في كثير من الأحيان على ادعاءاتهما بتوفير الأمن الاقتصادي والمادي في أعقاب الحرب الأهلية".

ومع ظهور هذا الاتجاه، وفي التحليل، ستتمكن الجماعات السرية مثل تنظيم الدولة الإسلامية من الاستفادة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن قوات الأمن المنقسمة لن تكون قادرة على التركيز على احتواء أنشطتها، وجزئيًا لأن المواطنين العاديين سيبحثون عن بدائل للسلطات القائمة لتزويدهم بالمساعدة، والعمل ومعالجة شكاواهم.

وفي حين أنه من المرجح أن تحتفظ دمشق وقوات سوريا الديموقراطية بالأراضي الخاضعة لسيطرتهما حالياً، فإن تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات المتطرفة الأخرى يمكن أن توسع قدراتها السرية.

وقد يؤدي ذلك كذلك إلى قيام المسلحين بشن المزيد من الهجمات في المدن الكبرى مثل دمشق، مما سيظهر قدرتهم على العمل في مناطق تتمتع بدفاع أفضل وبعيدة عن ملاذاتهم الآمنة في الصحراء.

واعتماداً على مدى قدرتها على الاستفادة من الإحباطات الاقتصادية وجيوب انعدام الأمن لتحسين قدراتها، قد تحاول الجماعات المتطرفة حتى تنفيذ هجمات عبر الحدود في تركيا والعراق والأردن ولبنان ودول الخليج العربي.

كما يشير التحليل إلى أن عدم الاستقرار المستمر، يعني أن العديد من اللاجئين السوريين الذين يعيشون في الخارج لن يتمكنوا أيضًا من العودة إلى ديارهم في أي وقت قريب، مما يزيد من الضغط على اقتصادات البلدان المضيفة لهم.

ويضيف: "عدم الاستقرار خلف الخطوط الأمامية سيجعل من الصعب إعادة ملايين اللاجئين السوريين الذين يعيشون حاليا في تركيا ولبنان والأردن المجاورة إلى وطنهم".

ويتابع: "وفي المستقبل المنظور، سيتعين على هذه البلدان المضيفة الاستمرار في دفع تكاليف دعم أعدادها الكبيرة من النازحين السوريين واحتواء المخاطر المتزايدة المتمثلة في الاضطرابات من جانب اللاجئين، فضلاً عن السكان المحليين المستائين من وجودهم".

المصدر | ستراتفور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الأسد بشار الأسد أزمة اقتصادية قوات سوريا الديموقراطية