السعودية قد تخسر اليمن حتى إذا كسبت الحرب

الأحد 14 فبراير 2016 03:02 ص

تدعم السعودية مجموعة من الفاعلين المتباينين في اليمن أوسع من أي وقت مضى، على أمل أن يقوموا بمشاركتها في قتال الحوثيين. ولكن الطموحات السياسية لهذه الفصائل، وقدراتهم المحدودة إقليميا، تتعارض مع مصالح المملكة في يمن موحد.

تحولت أهداف المملكة العربية السعودية في اليمن من تأمين النصر العسكري المطلق والتأكد من أن القوات الموالية للرئيس «عبد ربه منصور هادي» تسيطر على البلاد بأكملها إلى تقليص مساحة الأراضي الواقعة تحت سيطرة الحوثيين ومقاتليهم المتحالفين مع الموالين للرئيس اليمني الأسبق «علي عبد الله صالح». وبالتالي، فإن المملكة قد تبنت، مرة أخرى، مقاتلين يمنيين مختلفين، بل ربما يكونون منافسين في أحيان كثيرة، طالما هم على استعداد للقتال ضد الحوثيين و«صالح». في جنوب اليمن على وجه الخصوص، فإن المعركة تزداد تعقيدا بسبب الطموحات السياسية لهذه الجهات التي غالبا ما تكون على خلاف مع المملكة العربية السعودية. وبسبب تلك الحرب السعودية، إضافة إلى انهيار الدولة اليمنية فإنهم يبدون كأنهم يسخرون من التزام الرياض القاطع تجاه وحدة اليمن.

تحالفات مرتبكة في الشمال

ترعى الأمم المتحدة محادثات السلام التي يتم عقدها عند بعض النقاط، لكن من غير المرجح أن يكون لها تأثير كبير على التركيز الرئيسي للمملكة العربية السعودية وهي ضمان أن معظم الأراضي اليمنية تقع تحت سيطرة مقاتلين ليسوا معادين بشكل تام لمصالحها. تحقيقا لهذه الغاية، فإن القائد العسكري الأسبق في عهد «صالح»، «علي محسن الأحمر»، يعود كلاعب عسكري مباشر بارز. ووفقا للصحفي السعودي «جمال خاشقجي»، فقد نجح «علي محسن الأحمر» في كسر الجمود في الشمال في مواجهة مقاتلي الحوثي. ويرى «خاشقجي» أن دعم «علي محسن» من قبل حكومة «خالد بحاح» المدعومة من السعودية، ومقرها عدن، إضافة إلى الرئيس «هادي» كان «خطوة ذكية». صوت سعودي بارز آخر يؤكد أن «علي محسن» هو مجرد واحد من العديد من اللاعبين اليمنيين الذين تسعى المملكة إلى «إدارتهم» كجزء من محاولتها لدمج العناصر المتباينة التي تبدي استعدادا لقتال «الحوثي» و«صالح». الإدارة السعودية تعني في المقام الأول المال السعودي، وتدريب بعض المقاتلين القبليين الشماليين على الأرضي السعودية، إضافة إلى نشر قوات جوية على أمل أن هذا سيساعد على استرداد الأرض من قبل القوات الصديقة. أصبح «علي محسن» أكثر ملاءمة لأهداف السعودية في اليمن من أي من «بحاح» أو «هادي» على الرغم من أنه لم يعد بإمكانه أن يلعب دور الرجل القوي الذي غالبا ما كانت السعودية تنتظره من حلفائها الإقليميين العرب بما في ذلك في اليمن.

إذا استمر «علي محسن» في إظهار الحسم في بعض الأجزاء من الشمال فإن ذلك يرجع في المقام الأول إلى نفوذه القبلي ونفوذ حلفاء الإخوان المسلمين بما في ذلك بعض الزيديين. حرصت المملكة العربية السعودية على إصلاح علاقاتها مع التجمع اليمني للإصلاح، فرع جماعة الإخوان المسلمين الذي تم إهماله في عهد الملك الراحل «عبد الله بن عبد العزيز آل سعود» قبل بدء الحرب الجوية التي تقودها السعودية في مارس/ أذار عام 2015. واصلت البراغماتية أهميتها التقليدية بالنسبة إلى الرياض التي حرصت على احتضان جميع القوى التي لا تمثل تهديدا مباشرا لها، لاسيما إذا كانت على استعداد لمحاربة أعدائها. ونتيجة لذلك، فإن التجمع اليمني للإصلاح، والتي يمكنه إنجاز هذه المهمة في أجزاء من شمال اليمن، هو واحد من مجموعة واسعة من العناصر المعادية للحوثي/«صالح» الذين تفضلهم المملكة العربية السعودية. يشمل هذا التحالف أيضا مجموعة واسعة ومنافسة من الفصائل القبلية في الشمال إضافة إلى الجنوبيين الذين يسعون في نهاية المطاف إلى الانفصال. العديد من هذه العناصر المدعومة من السعودية تحاول بشكل متزايد لأجل تشكيل الواقع السياسي على الأرض لمصالحها الخاصة.

وعلى الرغم من تواصل الضربات الجوية السعودية على العاصمة صنعاء وأماكن أخرى في اليمن، فإن حلفاء المملكة لم تستعيدوا بعد سيطرتهم على العاصمة. رجال «علي محسن» لا تستطيعون أن يفعلوا ذلك لأنها يفتقرون إلى ما يكفي من الحلفاء القبليين الذين يتمتعون بأوضاع جيدة هناك. القبائل المعارضة للمملكة تتمتع بنفوذ استراتيجي أوسع في صنعاء. إذا ظلت جماعة الحوثي محتفظة بسيطرتها على ما تبقى من المؤسسات الحكومية في وسط المدينة فإن مجرد الحفاظ على يمن موحد مهترئ سوف يكون حلما بعيد المنال. ومع ذلك، يعتقد السعوديون أن الحملة الجوية كانت ناجحة في نهاية المطاف في تمكين «هادي» من بعض مظاهر الحكم في العاصمة الساحلية الجنوبية عدن حتى لو كان يتعرض إلى تحديات مثل «الدولة الإسلامية» التي هاجمت القصر الرئاسي في أواخر يناير/كانون الثاني. في تعز المجاورة، في الجنوب الغربي الاستراتيجي الحيوي من اليمن، فإن السعوديين يقولون أن عددا كبيرا من «حلفائهم» من القبائل قد أمنوا معظم أراضي المحافظة من سيطرة العدو.

ميول انفصالية

وبطبيعة الحال، لا يزال تنظيم القاعدة هو أقوى المعارضين للحوثي في البلاد. لم يكن تنظيم القاعدة عرضة للهجمات السعودية في محافظة حضرموت الجنوبية حيث يسيطر التنظيم على مدينة المكلا الساحلية. وقد رسخ التنظيم نفوذه في المكلا في الوقت الذي لا تريد فيه المملكة العربية السعودية تنفير الحضرميين ويرجع ذلك جزئيا إلى وجود مليون حضرمي مقيمين في المملكة العربية السعودية. إذا فشل اليمن في أن يعود موحدا مرة أخرى فإن هذه المحافظة يمكن أن تعمل كمنفذ للمملكة العربية السعودية إلى بحر العرب. كل هذا يجعل من حضرموت محافظة يحتاج السعوديون إلى التعامل معها بحذر. وهم لا يريدون السماح لتنظيم القاعدة، وهو قوة سنية منافسة ترغب في نهاية المطاف في تدمير أسرة آل سعود، أن يظهروا أنفسهم عل أنهم العدو الرئيسي للحوثيين. ولكن اليمنيين الموالين لإيران يعطون الأولوية بوضوح إلى الطائرات القاذفة السعودية.

بشكل عام، فإن جنوب اليمن هو الجزء الأكثر تعاطفا مع المملكة العربية السعودية. وهنا تكمن المفارقة في أنها الجزء الذي تسيطر عليه أغلبية غير قبلية، في الوقت الذي يرى فيه السعوديون القبائل أكثر قابلية للتأثر بالإغراءات النقدية من المنظمات العقدية، وأن القبائل هي وسيلة يمكن الاعتماد عليها بشكل ملاحظ من أجل التأثير على الناس. الجهات الفاعلة الجنوبية هي أيضا إشكالية بالنسبة للمملكة العربية السعودية. في حين أن السعوديين من شأنهم أن يقدموا الدعم إلى أي قوة لا تبدي حماسا في معارضتهم، فإن الجنوبيين لهم تطلعات انفصالية في نهاية المطاف. في الجنوب، حيث تدور معركة المرج بين القوات الحوثيين و«صالح» مع أعدائهم، فإنها يمكن أن تؤدي إلى انفصال مساحات واسعة من الأراضي. إذا برزت اقتراحات تقاسم السلطة بقوة في اليمن مرة أخرى، فإن ذلك سوف يعطل عمل السعوديين لاحتواء الطموحات الانفصالية في الجنوب. بعض الانفصاليين الآن ليسوا تابعين لخطوط جنوب اليمن القديم (قبل عام 1990) وهم يعيشون في مناطق جنوبية جغرافيا ولكنها كانت تتبع شمال اليمن سياسيا قبل الوحدة. وكانت علاقة السعودية مع جنوب اليمن في الماضي تهدف في المقام الأول إلى إعطاء نفسها خيارات سياسية ضد الجمهورية اليمنية الشمالية القريبة منها. ومع ذلك، فإن السعوديين الآن يفترضون أن الإيرانيين سوف يستفيدون من الكيان الشمالي وهم يفترضون أن الحوثيين وحلفاءهم سوف يكونون قادرين على صناعة دولة عسكرية يمكن بواسطتها مهاجمة المملكة العربية السعودية. حاليا، فإن بإمكان السعودية والقوات البحرية المصرية خنق الإمدادات الإيرانية إلى الحلفاء في الشمال عبر ميناء الحديدة على البحر الأحمر، ولكن الانفصال الرسمي سوف يجعل ذلك الأمر أكثر صعوبة.

في الوقت الحاضر، فإن السعوديين يريدون استخدام نفوذهم من أجل احتواء الطموحات الانفصالية، وليس تشجيعها. الوحدة اليمنية، بأي شكل يناسب مصالحها، لا تزال هي ما يريده السعوديون. ومع ذلك، هناك شعور متزايد في المملكة والخليج على نطاق أوسع أن «اليمن» قد صار بالفعل كيانا لا معنى له وأنه ربما من المستحيل أن يعود إلى سابق عهده مرة أخرى. مع كل ما قدموه من أجل تشجيع حلفائهم القبليين في الشمال ومع استمرار الغارات الجوية هناك، فإن السعوديين مستمرون في التركيز على عدن وتعز والموارد الهيدروكربونية في مأرب، وهي الأماكن التي يحتفظ فيها السعوديون وحلفاؤهم الإماراتيون بقواتهم. ونتيجة لذلك فإن الواقع السياسي في المناطق الشمالية، بما في ذلك صنعاء، سوف يكون أكثر بعدا.

لا يزال السعوديون يفترضون أن الوقت في صالحهم. داخل المملكة، قد تتسبب الحرب في تعالي التذمر بسبب ارتفاع تكلفتها في ظل ظروف صعبة نسبيا ولكن عموما فإنها لا تزال تتمتع بشعبية على خلفية المنافسة المتصورة مع إيران. طالما تشجع المملكة العربية السعودية اليمنيين على مقاتلة اليمنيين فإنها سوف كون قادرة على إدارة حربها، حتى لو كانت النتيجة السياسية المنتظرة ليست ربما كما تنتظر.

  كلمات مفتاحية

السعودية حرب اليمن عاصفة الحزم تنظيم القاعدة الحوثيين انفصال الجنوب المخلوع صالح اليمن

السعودية: إنفاقنا العسكري زاد 20 مليار ريال في 2015 بسبب حرب اليمن

«ذي إيكونوميست»: اليمن .. بين السعوديين والحوثيين والجهاديين

«رأي اليوم»: الحرب على الحدود السعودية أخطر من نظيرتها داخل اليمن

البحث عن حل سياسي .. هل فشل التدخل العسكري السعودي في اليمن؟

«رويترز»: النصر يراوغ السعودية في حرب اليمن

من الذي رهن اليمن في بورصة المساومات؟

«التليغراف»: حرب اليمن تثبت تنامي قوة السعودية وقد تدفعها للتدخل في سوريا

عن اليمن الذي دمرته أحلام الولي الفقيه ولا تزال

اليمن بين طريقين

الدور القيادي يتبلور.. والقوات الجوية أول ملامحه

حصاد عام من «الحزم» و«الأمل» في أفقر بلاد العرب