المعارضون المصريون ضحية أخرى لحرب غزة.. تجاهل أمريكي لوضعهم لصالح إسرائيل

الجمعة 3 نوفمبر 2023 11:33 ص

اعتبر الكاتب المصري، السجين السياسي السابق، عبدالرحمن الجندي، أن المعارضين في بلاده هم ضحايا "الضرر الجانبي" للعدوان الإسرائيلي الوحشي بقطاع غزة، مشيرا إلى أن دعم الولايات المتحدة للدولة العبرية يدفعها إلى تعمد التغاضي عن الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في مصر.

وذكر الجندي، في مقال نشره بمجلة "فورين بوليسي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن الدور، الذي يقوم به نظام الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، خلال الحرب، تعتبره واشنطن مهما لأمن إسرائيل، ولذا تتغاضى عن سجله الحقوقي.

ووصف الجندي قيمة المعارضين المصريين المعتقلين في الدبلوماسية الأمريكية بأنها مجرد "ضرر جانبي" يمكن تجاهله حال تحقيق نظام السيسي أدواره الوظيفية المطلوبة لأمن إسرائيل، ومنها الفتح المؤقت لمعبر رفح من أجل إخراج المواطنين الأمريكيين والغربيين من القطاع.

وفيما يلي نص المقال:

كنت في السابعة عشرة من عمري، في أكتوبر/تشرين الأول 2013، عندما ألقي القبض علي أثناء مظاهرة في القاهرة ضد الانقلاب العسكري الذي أوصل الرئيس المصري الحالي، عبدالفتاح السيسي، إلى السلطة، مع 67 متظاهرًا آخر، واتهمت بالتجمع غير القانوني، وخضعت لمحاكمة جماعية، وحُكم علي بالسجن لمدة 15 عامًا في سجن شديد الحراسة.

وبعد 6 سنوات و3 أشهر كسجين سياسي، أدى الاستئناف الذي تقدمت به عائلي لمكتب النائب العام المصري إلى إجراء تحقيق غير متوقع في ظروف محاكمتي وإطلاق سراحي في يناير/كانون الثاني 2020.

وتمثل تلك السنوات الست في السجن جزءًا كبيرًا من حياتي. وأنا لست وحدي، فقد قمعت مصر في عهد السيسي الاحتجاجات وذبحت آلاف الأشخاص. ومن غير المعروف بالضبط عدد الأشخاص المسجونين في مصر، حيث لم تعلن الحكومة عن أعداد المعتقلين منذ التسعينيات.

 ومع ذلك، فقد قدرت بعض جماعات حقوق الإنسان العدد بأكثر من 60 ألف شخص، بما في ذلك أولئك المدانين والمحتجزين على ذمة المحاكمة، بينما تشير تقديرات أخرى إلى أن العدد يصل إلى 120 ألف شخص. وقد تم سجن العديد من هؤلاء الأشخاص لأكثر من عقد من الزمان.

يتلقى نظام السيسي العسكري دعمًا ماليًا وسياسيًا واسع النطاق من الإدارة الأمريكية، وذلك في المقام الأول لخدمة الهدف الأمريكي المتمثل في الحفاظ على أمن إسرائيل، وكذلك للتعاون في مكافحة الإرهاب.

إن دعم الولايات المتحدة، الذي لا يتزعزع، لإسرائيل والذي يصل إلى أكثر من 3 مليارات دولار من المساعدات العسكرية سنويًا، أصبح تحت تدقيق متزايد وسط الفظائع التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة.

فالمنطقة تتعرض لقصف إسرائيلي عنيف و"حصار كامل" منذ 3 أسابيع. وقد قُتل الآلاف مع تفاقم الأوضاع الإنسانية سوءًا.

ويدفع الفلسطينيون، حتى الآن، الثمن الأكبر لدعم واشنطن لإسرائيل. لكن السجناء السياسيين المصريين أصبحوا بمثابة أضرار جانبية أيضاً.

وفي أغسطس/آب 1978، عشية اتفاقيات كامب ديفيد، وقعت الحكومتان الأمريكية والمصرية اتفاقية ثنائية تؤطر علاقة مساعدات طويلة الأمد بين البلدين.

وفي أعقاب معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، قدمت الولايات المتحدة لمصر حزمة مساعدات اقتصادية كبيرة تبلغ حوالي مليار دولار، بالإضافة إلى القروض المخصصة لشراء الأسلحة، وكان هذا الرقم هو ثاني أكبر حزمة مساعدات اقتصادية في العالم، بعد المساعدة الأمريكية لإسرائيل.

وكما كتبت إيمي هوثورن في تقرير عام 2016 لمشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط: "على مدى العقدين التاليين، نمت حزمة المساعدات الاقتصادية إلى برنامج ضخم بقيمة 840 مليون دولار سنويًا، في المتوسط، واحتلت مكانها، إلى جانب 1.3 مليار دولار من المساعدات المالية، المساعدات العسكرية السنوية، باعتبارها محور "العلاقة الإستراتيجية".

واليوم، تواصل مصر تلقي أكثر من 1.3 مليار دولار سنويًا من المساعدات العسكرية الأمريكية، بهدف الحفاظ على السلام المصري الإسرائيلي ووضع مصر كشريك أمني رئيسي في الشرق الأوسط. وفي المقابل، لعبت مصر دورًا نشطًا في الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة منذ 16 عامًا والتعاون مع إسرائيل في الإجراءات الأمنية.

وفي عام 2013، بعد الانقلاب الذي احتجت عليه، واجهت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، معضلة، إذ أن وصف الحدث رسميًا بأنه انقلاب عسكري من شأنه أن يحمل عواقب قانونية على الولايات المتحدة، ما يعرض المساعدات المخصصة لمصر للخطر.

فالمادة 7008 من قانون الاعتمادات الموحدة، التي يشار إليها عادة باسم "بند الانقلاب"، تنص على أنه لا يمكن تقديم المساعدات الخارجية الأمريكية إلى أي دولة يقوم فيها انقلاب عسكري بإطاحة حكومة منتخبة.

وأصبح تنفيذ واشنطن لهذه السياسة غامضا. وفي ذلك الوقت، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤول كبير في إدارة أوباما شرح كيف ستتجاوز الولايات المتحدة هذه المعضلة.

وقال المسؤول: "القانون لا يلزمنا باتخاذ قرار رسمي بشأن ما إذا كان انقلاب قد حدث، وليس من مصلحتنا الوطنية اتخاذ مثل هذا القرار (..) لن نقول أنه كان انقلابا".

وواصلت الحكومة الأمريكية منذ ذلك الحين استخدام المناورات القانونية والمنطقية لدعم النظام العسكري في مصر وتعزيز أمن إسرائيل.

وأجرى هذا النمط (الأمريكي) إدارتي الرئيسين السابقين، باراك أوباما ودونالد ترامب، إضافة إلى إدارة الرئيس الحالي، جو بايدن.

وعبر أوباما عن هذا الموقف صراحة خلال خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2013، قائلا: "ستعمل الولايات المتحدة في بعض الأحيان مع حكومات لا تلبي أعلى التوقعات الدولية، ولكنها تعمل معنا على تحقيق أهدافنا ومصالحنا الأساسية".

في عام 2018، خلال إدارة ترامب، استند وزير الخارجية، مايك بومبيو، إلى تنازل يتعلق بالأمن القومي للإفراج عن 195 مليون دولار من المساعدات لمصر، والتي كانت قد تم تعليقها في السابق لارتباطها بظروف حقوق الإنسان. وبعد عام واحد، أشاد ترامب بالسيسي ووصفه بأنه "ديكتاتوره المفضل".

بدأ بايدن ولايته في عام 2021 بشكل أكثر حزما، معلنا "لا مزيد من الشيكات الفارغة للديكتاتور المفضل لترامب"، ومع ذلك، فإن الصراع في إسرائيل غيّر خطابه بسرعة وبشكل جذري.

إن تصاعد العنف الإسرائيلي الفلسطيني في مايو/أيار 2021، عندما أدت الصواريخ التي أطلقتها حماس ردًا على التوترات في القدس إلى حملة قصف إسرائيلية في غزة، أتاح للسيسي فرصة ذهبية لتأكيد نفسه كحليف لا غنى عنه للولايات المتحدة في المنطقة.

وسرعان ما تدخل (السيسي) للتوسط في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس واستعادة حظوظه لدى إدارة بايدن.

وفي ذلك العام، اختار وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، عدم تفعيل تنازل الأمن القومي الذي استخدمه بومبيو، لكنه تمكن من صرف الأموال من خلال حلين قانونيين.

استشهدت إدارة بايدن ببند يسمح لها بتوجيه الأموال إلى مبادرات محددة، مثل مكافحة الإرهاب وأمن الحدود واستحضرت بندًا يحد من مبلغ الأموال المحتجزة لأسباب تتعلق بحقوق الإنسان بـ 130 مليون دولار، وبالتالي تسهيل الإفراج من بقية الأموال.

ونتيجة لذلك، تلقت مصر 170 مليون دولار من المساعدات العسكرية (الأمريكية)، مع النص على أن المبلغ المتبقي، وهو 130 مليون دولار، سيعتمد على تلبية الدولة للشروط الجديدة لحقوق الإنسان.

وأشارت العديد من الجماعات الحقوقية إلى أن هذا القرار يمثل موقفًا حقوقيًا أضعف تجاه مصر من موقف إدارة ترامب. ومرة أخرى، أكدت واشنطن أن الحفاظ على استقرار إسرائيل أهم من محنة عشرات الآلاف من السجناء السياسيين والمعارضين المصريين.

تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ كبير على مصير السجناء السياسيين في مصر. فمنذ عام 2013، كان أي تساهل أظهره نظام السيسي بشأن حقوق الإنسان يأتي في الغالب استجابة للضغوط الأمريكية.

ورداً على قرار وزارة الخارجية لعام 2021 بحجب المساعدة الأمنية السنوية لمصر، البالغة 130 مليون دولار، أجرى النظام المصري إصلاحات مهمة على ما يبدو، إذ قدم السيسي استراتيجية جديدة لحقوق الإنسان وأعلن 2022 "عاما المجتمع المدني"، وافتتح أحد أكبر مجمعات السجون في العالم، لكنه قارنه بـ "فندق 5 نجوم"، ووصفه لبرنامج تلفزيوني وطني بأنه منشأة "على الطراز الأمريكي" في محاولة لتصويره على أنه فخم.

وكانت مقاطع الفيديو الترويجية التي تسلط الضوء على ميزات المجمع كلها مترجمة إلى اللغة الإنجليزية في إشارة إلى المتبرعين الأمريكيين للسيسي.

وبعد ذلك، أعلن السيسي عن إعادة تشكيل لجنة العفو الرئاسي عن السجناء السياسيين، وأطلق دعوات لإجراء حوار سياسي موسع مع منظمات المجتمع المدني والمعارضة.

وخلال العام الماضي، تم العفو عن عدد من السجناء السياسيين البارزين، مثل زياد العليمي، ومحمد الباكر، وأحمد دومة. لكن الناشطين والمحللين السياسيين المصريين يؤكدون أن هذه التحركات هي مجرد واجهة وسط تقارير مستمرة عن قمع سياسي مكثف.

وهناك شعور سائد في مصر بأن الولايات المتحدة، بمصالحها الإقليمية الخاصة، لاسيما ضمان أمن إسرائيل، لا تتحدى القاهرة حقًا. وقد شجع هذا التسامح الواضح نظام السيسي.

فرغم أن واشنطن تتمتع بالنفوذ للتأثير بشكل كبير على مصير السجناء السياسيين في مصر، إلا أن أفعالها ترقى إلى مستوى المقايضة مفادها: في مقابل إصلاحات طفيفة ومخادعة مقترنة بالتعاون المستمر بشأن أمن إسرائيل، ستتجاهل الولايات المتحدة المسؤولية الإنسانية الخطيرة للحكومة المصرية عن انتهاكات الحقوق.

وظهر بصيص من الأمل للناشطين المصريين في أواخر سبتمبر/أيلول، عندما اتُهم السيناتور الأمريكي، بوب مينينديز، بالتآمر كعميل للحكومة المصرية على مدار عدة سنوات، بينما كان يتولى دورًا محوريًا في تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية.

وأوردت لائحة الاتهام أن مينينديز، خلال فترة عمله كرئيس للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، شارك في العديد من الأنشطة لصالح المسؤولين المصريين، وشمل ذلك كتابة رسالة خفية إلى زملائه في مجلس الشيوخ للضغط من أجل الإفراج عن 300 مليون دولار من المساعدات لمصر. كما اتُهم بتبادل معلومات سرية مع مسؤولين مصريين حول المساعدات العسكرية.

وفي ضوء هذه الفضيحة، قرر السيناتور الأمريكي، بن كاردين، الرئيس الحالي للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، في 3 أكتوبر/تشرين الأول، بحجب المساعدات العسكرية عن مصر، كما اقترح منع مبيعات الأسلحة المستقبلية للبلاد.

ويتوقف الإفراج عن أموال المساعدة العسكرية الأمريكية على اتخاذ مصر خطوات كبيرة لتعزيز ممارساتها في مجال حقوق الإنسان. ويبدو أن السيسي يواجه مأزقه الأكثر صعوبة مع الولايات المتحدة منذ وصوله إلى السلطة في عام 2013.

ومع ذلك، وبعد 4 أيام فقط من القرار، في 7 أكتوبر/تشرين الأول، هاجمت حماس إسرائيل، ما أسفر عن مقتل أكثر من 1400 إسرائيلي، وردت إسرائيل بهجوم غير مسبوق على غزة.

وبحسب وزارة الصحة في غزة، فقد قُتل أكثر من 8900 فلسطيني حتى الآن. إن أرقام الضحايا هذه لا مثيل لها في تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الممتد لـ 75 عامًا، ومن المتوقع أن ترتفع مع تكثيف الهجوم البري الإسرائيلي.

وهناك نمط مألوف يحدث الآن: يتدخل السيسي ويتواصل مع بايدن، ويقدم نفسه كوسيط رئيسي في المنطقة. وفي الأسبوعين الأولين بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، زادت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى الضغط على مصر لاستيعاب الفلسطينيين الفارين من غزة.

 وقد عارض السيسي هذا الاقتراح بشدة، على الرغم من حملة الضغط الدولية على مصر، والتي قيل إنها كانت ستتضمن حوافز مالية كبيرة لاستقبال اللاجئين.

وخلال عطلة نهاية الأسبوع، تراجع بايدن وأعلن أن واشنطن لن تواصل بعد الآن جهودها لنقل الفلسطينيين إلى مصر أو أي مكان آخر.

ومع ذلك، فإن نبرة الامتنان التي أبداها تجاه السيسي تشير ضمنا إلى أن الرئيس المصري نجح مرة أخرى في الحصول على موافقة بايدن، ما يضمن استمرار الولايات المتحدة في التغاضي عن انتهاكاته المستمرة لحقوق الإنسان.

وفي يوم الثلاثاء الماضي، فتحت مصر مؤقتًا معبر رفح الحدودي مع غزة للسماح لبعض الفلسطينيين الذين يحملون جنسيات أجنبية واحتياجات طبية خطيرة بمغادرة القطاع، في خطوة من المرجح أن تحظى بمزيد من التقدير الأمريكي.

وخفف السيسي مؤقتًا قوانين مصر الصارمة لمكافحة الاحتجاج لتشجيع المصريين على التضامن علنًا مع الفلسطينيين. لكن مظاهراته التي دعمتها الدولة سرعان ما تصاعدت إلى احتجاج أوسع نطاقا من أجل "الخبز والحرية"، مرددة صدى الشعارات الثورية للربيع العربي.

وتجمع فصيل من المتظاهرين في ميدان التحرير، رمز الثورة المصرية عام 2011، معترضين، ليس فقط على السياسات الإسرائيلية، بل أيضًا على حكم السيسي.

واعتقلت قوات الأمن حتى الآن أكثر من 100 شخص، بينهم قاصرون، من الاحتجاجات ومداهمات المنازل اللاحقة.

وواجه المعتقلون حالات اختفاء قسري، ثم عادوا للظهور في مواجهة اتهامات رسمية بالإرهاب والتخريب، وهي التهم التي تنسبها الدولة المصرية عادة إلى المعارضين السياسيين.

ومنذ أن بدأت الحرب بين إسرائيل وحماس، صدق نظام السيسي أيضًا على الأحكام النهائية الصادرة بحق 3 شخصيات سياسية معارضة بارزة، والذين من المقرر أن يقضوا الآن ما بين 10 إلى 15 عامًا في السجن.

وفي ظل ما يبدو أنه تساهل تدعمه الولايات المتحدة تجاه انتهاكات السيسي لحقوق الإنسان وسط الحرب بين إسرائيل وحماس، يواجه السجناء السياسيون المصريون، وعامة الشعب، مرة أخرى مسألة قيمتهم في الدبلوماسية الأمريكية.

فهل يُنظر إلى المعارضين المصريين مرة أخرى على أنهم "أضرار جانبية" في إطار الهدف الأمريكي الأوسع المتمثل في ضمان استقرار إسرائيل؟

المصدر | عبدالرحمن الجندي/فورين بوليسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر عبدالفتاح السيسي حقوق الإنسان جو بايدن الأمم المتحدة دونالد ترامب مايك بومبيو إسرائيل حماس