ستراتفور: الائتلاف الحكومي بإسرائيل مرشح للانهيار لهذه الأسباب

الخميس 11 يناير 2024 09:28 ص

رجح مركز "ستراتفور" الأمريكي للدراسات الاستراتيجية والأمنية أن تتعرض الحكومة الإسرائيلية لضغوط شديدة لحملها على تقديم تنازلات لا تحظى بشعبية لدى أعضائها من اليمين المتطرف، ما قد يؤدي إلى انهيارها واستبدالها بحكومة من يمين الوسط، تتفاوض على تنازلات مع الفلسطينيين.

وذكر المركز، في تقدير ترجمه "الخليج الجديد"، أن ائتلاف حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يواجه ضغوطاً متعددة تهدد بتفكيكه، حيث تدفع العناصر اليمينية المتطرفة والدينية ويمين الوسط نحو سياسات متنافسة.

وفي الأول من يناير/كانون الثاني، ألغت المحكمة العليا في البلاد الإصلاح القضائي الذي أقرته الحكومة، وأبطلت ما يسمى "قانون المعقولية"، الذي يحد من صلاحيات المحكمة في نقض قرارات الحكومة، ما أثار ردة فعل عنيفة من جانب العناصر اليمينية المتطرفة في الائتلاف الحاكم.

الإصلاح القضائي

وطالب وزراء اليمين ببدء عملية الإصلاح القضائي مرة أخرى على الرغم من الحرب المستمرة في غزة، ورغم افتقار تلك العملية للشعبية بين الجمهور الإسرائيلي على نطاق واسع.

وتحاول نفس الأحزاب اليمينية المتطرفة، مثل الصهيونية الدينية، إقناع الحكومة بإعادة توطين الفلسطينيين خارج غزة وإقامة مستوطنات يهودية بالقطاع، لكن عناصر يمين الوسط في حزب الليكود الحاكم أعربوا عن قلقهم من أن مثل هذه التحركات قد تؤدي إلى عزل إسرائيل دبلوماسيا، خاصة من جانب الولايات المتحدة.

وفي الوقت نفسه، استمرت الأحزاب الدينية في المطالبة بإعفاء المجتمع اليهودي المتطرف، الذي ينمو بسرعة في إسرائيل، من الخدمة العسكرية، على الرغم من احتياجات البلاد المتزايدة في زمن الحرب.

ووصف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أحزاب اليمين المتطرف في إسرائيل بأنها العناصر الأكثر إشكالية في التحالف الإسرائيلي قبل وأثناء الحرب في غزة، ما يزيد من مخاوف يمين الوسط من أن تسبب حكومة نتنياهو في تنفير أهم حليف لإسرائيل.

ويلفت "ستراتفور" إلى أن انضمام أحزاب اليمين المتطرف إلى الائتلاف الحاكم في إسرائيل أدى إلى انقسام الناخبين اليهود في الولايات المتحدة بشأن دعمهم لحكومة نتنياهو، ما أعطى البيت الأبيض مساحة سياسية لانتقاد تلك الأحزاب علنا.

ولا يرجح المركز الأمريكي أن تحظى الجهود الحكومية المتجددة للإصلاحات القضائية بشعبية كبيرة بين السياسيين والناخبين من يمين الوسط في إسرائيل، ما قد يؤدي إلى تفاقم الانقسامات داخل الائتلاف الحاكم.

وأضرب العديد من جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي نتيجة للإصلاحات القضائية في عام 2023، ما ساهم في التصور العام بأن الدولة العبرية منقسمة داخليًا بحيث لا يمكنها منع هجوم حماس (عملية طوفان الأقصى) في وقت لاحق من ذلك العام.

ويركز العديد من السياسيين والناخبين من يمين الوسط بشكل أكبر على الضرورات الأمنية لإسرائيل في أعقاب الطوفان والحرب اللاحقة في غزة، بدلاً من التركيز على الأجندة السياسة والاجتماعية لليمين المتطرف.

وفي استطلاعات الرأي الأخيرة، قال العديد من ناخبي يمين الوسط إنهم لم يعودوا يثقون في قدرة نتنياهو على حكم إسرائيل وتأمينها بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وإزاء ذلك، يبدو نتنياهو وأنصاره في الحكومة غير متحمسين لإعادة عملية الإصلاح القضائي، خاصة أن إسرائيل لا تزال غارقة في عمليات قتالية كبرى ضد حماس في غزة، فضلاً عن الاشتباكات المستمرة مع حزب الله اللبناني.

لكن العناصر اليمينية في الائتلاف الحاكم، بما في ذلك وزير العدل، ياريف ليفين، قالت إن الحكومة لم تتخلى عن هدفها العام المتمثل في إعادة تشكيل السلطة القضائية لصالح توسيع صلاحيات الكنيست، ما يزيد من احتمال أن تقوم الحكومة في نهاية المطاف بتقديم الإصلاحات القضائية مرة أخرى، وهو ما قد يثير قلق المشرعين من يمين الوسط بما يكفي ليفكروا في ترك الحكومة، حسب تقدير "ستراتفور".

وفي استطلاع للرأي نشره المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في الثاني من يناير/كانون الثاني، أظهر 15% فقط من الإسرائيليين رغبتهم في بقاء نتنياهو رئيساً للوزراء بعد انتهاء الحرب، ويشمل ذلك أنصار حزبه، الليكود، ما يؤشر لمشرعي الليكود بمخاطر البقاء مرتبطين بنتنياهو.

وهناك انقسام في الحكومة الإسرائيلية حول المدى الذي ينبغي أن تصل إليه هذه الإصلاحات القضائية، فقد دفعت العناصر اليمينية المتطرفة إلى إعادة هيكلة أكثر جذرية للنظام القضائي الإسرائيلي، بما في ذلك قانون مقترح يسمح للكنيست بتجاوز قرارات المحكمة العليا.

وفي المقابل، يفضل يمين الوسط قصر التغييرات على الطريقة التي يتم بها اختيار قضاة المحكمة العليا. وهناك أيضًا انقسام حول مدى إلحاح مثل هذه الإصلاحات، حيث يميل اليمين المتطرف إلى اعتبارها مصدر قلق أكثر إلحاحًا من يمين الوسط.

الخدمة العسكرية

وتواجه الحكومة الإسرائيلية أيضًا ضغوطًا من أحزابها الدينية، التي لا تزال تطالب بإعفاءات دينية من الخدمة العسكرية، وهو المطلب الذي أصبح أقل شعبية في أعقاب حرب غزة، التي شهدت تعبئة عسكرية غير مسبوقة.

وتهدف الأحزاب الدينية إلى استخدام مواقعها في الائتلاف الحاكم، الذي يتزعمه نتنياهو، لترسيخ إعفاءات اليهود المتشددين من الخدمة العسكرية بشكل دائم.

ومع ذلك، فإن الإسرائيليين العلمانيين والمؤسسة العسكرية يعارضون هذه الإعفاءات خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى ترك إسرائيل بدون قوات كافية في المستقبل، نظرًا للحجم المتزايد للمجتمع الأرثوذكسي المتطرف في البلاد.

وأدت عملية "طوفان الأقصى" إلى تعميق هذه المخاوف من خلال إظهار أن التهديدات الأمنية التي تواجهها إسرائيل قد تتطلب تعبئة عامة لتأمين البلاد.

ورغم ذلك، لم تظهر الأحزاب الدينية حتى الآن أي علامة على استعدادها للتسوية أو التخلي عن هدفها العام المتمثل في ضمان بقاء الإسرائيليين المتشددين معفيين من الخدمة العسكرية حتى أثناء حالات الطوارئ في زمن الحرب.

ويقدر خبراء الديموغرافيا في إسرائيل أن المجتمع الأرثوذكسي المتطرف سيشكل حوالي 16% من إجمالي سكان البلاد بحلول عام 2030.

ونظرا لارتفاع معدلات المواليد، فإن الأرثوذكس المتطرفين سيشكلون أيضا نسبة أعلى من السكان الشباب الذين يستعين بهم الجيش الإسرائيلي، الذي لطالما أشار إلى هذا النمو باعتباره مصدر قلق أمني.

مستقبل غزة

ويرجح "ستراتفور" أن يضغط اليمين المتطرف على الحكومة الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين في غزة، حتى ولو على حساب العلاقات الدبلوماسية الإسرائيلية، ما سيزيد من إثارة قلق يمين الوسط ويجعل خروجه من الائتلاف الحكومي أكثر احتمالا.

ولطالما اعتقد الساسة الإسرائيليون من اليمين المتطرف أن إسرائيل يجب أن تعيد احتلال غزة وبناء المستوطنات التي جرى تفكيكها أثناء إخلاء القطاع عام 2005.

ورغم أن نتنياهو رفض الكشف علنًا عن استراتيجية احتلال ما بعد الحرب لقطاع غزة، فإن السنوات التي قضاها في إدارة الصراعات في غزة تشير إلى أنه متردد في إحياء استراتيجية إعادة التوطين التي ميزت سيطرة إسرائيل على القطاع من عام 1967 إلى عام 2005، بحسب تقدير "ستراتفور".

ومع رفض المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، علناً لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة أو إعادة توطين المستوطنين اليهود في القطاع تتزايد الضغوط على الحكومة الإسرائيلية، بما يرجح تقديمها تنازلات للأحزاب اليمينية المتطرفة والدينية، ما قد يؤدي إلى زيادة غضب المواطنين الإسرائيليين، وكذلك حلفاء إسرائيل الدبلوماسيين.

وفي ظل مثل هذا السيناريو، قد ينشق المشرعون من يمين الوسط وينضمون إلى المعارضة وينهارون الائتلاف الحكومي الحالي في إسرائيل، ما سيؤدي إلى انتخابات مبكرة يمكن أن تسفر عن حكومة جديدة بتفويض جديد للتفاوض مع الفلسطينيين، حسب تقدير "ستراتفور".

تحوط نتنياهو

وأشار التقدير ذاته إلى أن نتنياهو لا يواجه ضغوطًا سياسية تهدد منصبه الحالي كرئيس للوزراء فحسب، بل يواجه أيضًا محاكمات فساد مستمرة تهدد حياته السياسية بأكملها، بل وحريته في حال إدانته.

وإزاء ذلك، يحاول نتنياهو استخدام الائتلاف الحكومي لتطوير "درع قانوني" لحماية نفسه من التداعيات المحتملة في محاكمات الفساد المستمرة، ما يزيد من إلزامه السياسي بتقديم تنازلات لمختلف عناصر التحالف للبقاء في السلطة.

وبحسب تقدير "ستراتفور" فإن نتنياهو قد يفضل، في الوقت الحالي، أحزاب اليمين المتطرف والأحزاب الدينية على حزب الليكود الذي ينتمي إلى يمين الوسط، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الأحزاب اليمينية المتطرفة والدينية قد تكون أكثر استعدادا لمغادرة الائتلاف إذا لم يتم تلبية مطالبها.

لكن القيام بذلك قد يدفع المشرعين من يمين الوسط إلى مغادرة الحكومة، ما يؤدي إلى انتخابات جديدة من المرجح أن تؤدي، في ظل الاستطلاعات الحالية، إلى انهيار حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو مع اتجاه ناخبي يمين الوسط إلى أحزاب أخرى.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الحكومة الجديدة قد تضم أحزاب الوسط ويسار الوسط، وهو ما من شأنه أن يدفع الحكومة لتكون أقرب إلى استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين حول حل الدولتين المحتمل.

ورغم أن إسرائيل تعيش حاليًا في حكومة وحدة في زمن الحرب، إلا أنه بمجرد تقليص العمليات القتالية وبدء الحكومة في تقديم تنازلات لليمين المتطرف مرة أخرى بشأن قضايا مثل الإصلاحات القضائية، فإن هؤلاء الحلفاء المؤقتين سيعودون إلى المعارضة ويتركون حكومة نتنياهو مرة أخرى مع حكومة بأغلبية خمسة مقاعد فقط.

المصدر | ستراتفور/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إسرائيل نتنياهو اليمين المتطرف جو بايدن الإصلاح القضائي الصهيونية الدينية