أسعار النفط .. كيف استخدمت السعودية سلاحها الأثير ضد نفسها؟

الأحد 13 مارس 2016 07:03 ص

على مدار النصف قرن الماضي، كان الاقتصاد العالمي رهينا من قبل دولة واحدة هي المملكة العربية السعودية. سمحت احتياطيات النفط الهائلة والإنتاج غير المستغل للبلاد بلعب دور المنتج المرجح/البديل عبر استراتيجيتي الضخ أو السحب على حد سواء.

وكان الحظر النفطي بين عامي 1973-1974 هو الدليل الأول على أن آل سعود كانوا مستعدين لتسليح أسواق النقط. في أكتوبر/تشرين أول عام 1973، قام تحالف من الدول العربية بقيادة المملكة العربية السعودية بوقف شحنات النفط ردا على دعم الولايات المتحدة لـ(إسرائيل) خلال حرب يوم الغفران. تضاعف سعر برميل النفط 4 مرات بسرعة كبيرة. أدت الصدمة الناتجة عن ذلك إلى ارتفاع حاد في تكاليف المعيشة والبطالة وتنامي السخط الاجتماعي في الاقتصادات الغربية المعتمدة على النفط.

«لو كنت رئيسا لأجبرت العرب على أن يضخوا النفط»، هكذا قال وزير الخارجية «هنري كيسنجر» غاضبا لنائبه «برنت سكوكروفت»، ولكن الرئيس الأمريكي «ريتشارد نيكسون» لم يكن في ذلك التوقيت في موقف يسمح له بأن يملي قراراته على السعوديين.

في الغرب، يبدو أن نسينا كثيرا من دروس عام 1974 ويرجع ذلك ربما إلى تغير تركيبة اقتصاداتنا لتصبح أكثر قوة، ولكن السبب الرئيسي لذلك هو أننا، أي الولايات المتحدة، لم نعد الهدف الرئيسي للسعوديين. التوقعات بأن إنتاج النفط العالمي سيصل إلى ذروته في نهاية المطاف، والذي بقى ضامنا لارتفاع الأسعار بشكل دائم، لم تتحقق. معظم أزمات النفط الحديثة جاءت ناجمة عن السياسات الإقليمية للضخ أكثر من كونها ناجمة عن التقلبات الطبيعية للأسعار.

في السنوات الأخيرة، جعل السعوديون من الواضح أنهم ينظرون إلى أسواق النفط باعتبارها خط المواجهة الحاسم في معركة المملكة ذات الأغلبية السنية ضد منافستها إيران التي يهيمن عليها الشيعة. التكتيك المفضل، وهو الضخ المتواصل للنفط في الأسواق الهشة، هو بمثابة حرب بوسائل اقتصادية: التحكم بتجارة النفط ربما يعدل أثره إسقاط قنبلة على منافسك.

في عام 2006، حذر «نواف عبيد»، وهو مستشار أمني سعودي، من أن الرياض مستعدة لدفع الأسعار نحو الهبوط من أجل خنق الاقتصاد الإيراني. بعد ذلك بعامين، فعل السعوديون ذلك فعلا بهدف إعاقة قدرة طهران على دعم الميليشيات الشيعية في العراق ولبنان وأماكن أخرى.

وفي عام 2011، أخبر «تركي الفيصل»، الرئيس الأسبق للاستخبارات السعودية، مسؤولي حلف شمال الأطلسي أن الرياض مستعدة لإغراق السوق من أجل إثارة القلاقل داخل إيران. بعد ثلاث سنوات، ضرب السعوديون مرة أخرى، وقاموا بفتح الصنبور من جديد.

ولكن في هذا المرة، قاموا بكي أيديهم أيضا.

عندما قام المسؤولون السعوديون بخطوتهم في خريف عام 2014، مستفيدين من سوق متخم بالفعل، فإنهم كانوا يأملون بلا شك أن انخفاض الأسعار سوف يقوض صناعة النفط الصخري الأمريكي الذي كان يتحدى هيمنة المملكة على السوق. ولكن الهدف الرئيسي لهذه الخطوة كان هو جعل الحياة صعبة بالنسبة إلى طهران. «إن طهران تتعرض لضغوط اقتصادية ومالية لم يسبق لها مثيل في الوقت الذي تحاول فيه الحفاظ على اقتصادها الذي يعاني من العقوبات الدولية»، وفقا للسيد «عبيد».

البلدان المنتجة للنفط، خاصة تلك الدول ذات الاقتصادات غير المتنوعة نسبيا مثل روسيا، تقوم بتقويم ميزانياتها على أساس توقع عدم انخفاض أسعار النفط تحت عتبة معينة. إذا تهاوت الأسعار إلى أقل من ذلك، فإن بوادر الانهيار المالي تبدأ في الظهور في الأفق. دبر السعوديون انخفاضا حادا في أسعار النفط ليس فقط لإيذاء صناعة التكسير الأمريكية، ولكن أيضا لمحاصرة اقتصادات إيران وروسيا. وهذا بدوره من شأنه أن يضعف قدرتها (إيران) على دعم حلفائها وأتباعها، لاسيما في العراق وسوريا.

كان هذا التكتيك فعالا بشكل منقطع النظير في الماضي. كان هذا السيناريو القاتم الذي يواجه الشاه في عام 1977 عندما غمر السعوديون أسواق النفط لكبح جماح النفوذ الإيراني. لم يكن طوفان عام 1977 هو السبب الوحيد للثورة الإيرانية ولكنه كان بالتأكيد أحد العوامل: تمت زعزعة حكم الشاه ونجح الخميني في إسقاط النظام الموالي للغرب لتحل محله دولة دينية. بهذا المعنى، فإن تأجيج أسواق النفط قد تسبب بشكل ما في صعود الإسلام السياسي.

ساعدت أسعار النفط أيضا في إنهاء الحرب الباردة. مثلما هو حال روسيا اليوم، فقد كان الاتحاد السوفييتي يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط والغاز. خلال عامي 1985 و1986 قرر السعوديون إغراق السوق، وهو الأمر الذي يعتقد الكثيرون أنه تم بإيعاز من إدارة «ريغان»، مما أدى إلى انهيار الأسعار بشكل أوصل الاقتصاد السوفييتي إلى حالة من الفوضى.

«يمكن أن نعزو بداية الجدول الزمني لانهيار الاتحاد السوفيتي إلى 13 سبتمبر/أيلول 1985» وفق ما كتبه الخبير الاقتصادي الروسي «إيغور غايدارز». وفي هذا التاريخ كان الشيخ «أحمد زكي يماني»، وزير النفط في المملكة العربية السعودية آنذاك، قد أعلن عن أن النظام الملكي قد قرر تغيير سياستها النفطية بشكل جذري.

واليوم فإن نصف الإيرادات الروسية بالكامل تأتي من النفط والغاز. وحتى لو عاد سعر النفط إلى 40 دولارا للبرميل، علما بأنه قد سقط مرتين هذا العام إلى أقل من مستوى 30 دولارا للبرميل، فإن هذا الانخفاض يبدو كفيلا بخلق سيناريو خطير وفقا لـ«ميخائيل ديميترييف»، نائب وزير الاقتصاد الروسي السابق. بلغ التضخم في روسيا خانة العشرات خلال العام الماضي، بينما يتم استنزاف صندوق الثروة السيادية الخاص بالبلاد وفي حين أن إغلاق المصانع يواصل تغذية الاضطرابات العمالية.

ولسوء حظ الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين»، فإن هذه الاضطرابات الاقتصادية تأتي متزامنة مع التدخلات العسكرية الروسية في شرق أوكرانيا وفي سوريا. عندما يسوء الاقتصاد الروسي ويشعر السيد «بوتين» بالحصار فإنه يبحث عن سبل لإلهاء الشعب الروسي بالمزيد من الاستفزازات والمزيد من دعوات التحلق حول العلم، وكذلك إحداث الذعر في أسواق النفط بشان الإمدادات.

انهيار الدول الصغيرة

وقد وصلت صدمة الأسعار إلى حد يؤثر على مستقبل بعض منتجي النفط مثل فنزويلا التي تم التهام اقتصادها بسبب خسائر عائدات النفط الذي يشكل 95% من عائدات التصدير الخاصة بالبلاد. مع ارتفاع معدلات التضخم التي تنبأ بها صندوق النقد الدولي لتصل إلى 720% هذا العام، فقد دخلت فنزويلا في غيبوبة مالية تمثل تذكيرا قاسيا بمصير تلك البلدان التي تعتمد اعتمادا كبيرا على سعر سلعة واحدة غير مستقرة. الرئيس «نيكولاس مادورو» يبدو واقعا تحت رحمة الأسواق التي تقوم في كل يوم بدفع نظامه المترنح ليصبح أقرب إلى الهاوية.

منتج آخر للنفط، نيجيريا، يعاني هو الآخر نفاد المال الذي يعوق حملة الرئيس «محمدو بوهاري» ضد المتمردين الإسلاميين من جماعة بوكو حرام في شمال شرق البلاد. هزت صدمة النفط دول آسيا الوسطى أيضا حيث أعربت أذربيجان وكازاخستان عن رغبتها في الحصول على دفعات إنقاذ من قبل صندوق النقد الدولي وغيره من المقرضين.

في الشرق الأوسط، قيد انخفاض عائدات النفط من قدرة العراق على شن حرب ضد «الدولة الإسلامية». منتجو النفط في دول الخليج مثل قطر والإمارات العربية المتحدة حققوا خسائر جماعية قدرت بـ360 مليارات دولار من عائدات صادراتهم خلال العام الماضي. هذه الحفرة الكبيرة في الميزانية تطرح مشاكل تتعلق بالحفاظ على النظام في الداخل في الوقت الذي تقاتل فيه هذه الدول في حروب في سوريا واليمن، وفي الوقت الذي يعاني فيه حلفاؤها مثل مصر من مشاكل مالية.

ثم هناك المملكة العربية السعودية نفسها.

وتشير كل الدلائل إلى أن المسؤولين السعوديين لم يتوقعوا أن أسعار النفط من الممكن أن تنخفض إلى ما دون مستوى 60 دولارا للبرميل. كما أنهم لم يتوقعوا أبدا أن يفقدوا سيطرتهم كمنتج مرجعة داخل منظمة الدول المصدرة للبترول، أوبك.

وقد حذر صندوق النقد الدولي من أن السعودية قد تواجه شبح الإفلاس بحلول عام 2020 إذا لم تكن قادرة على كبح جماح الإنفاق الحكومي. وقد صار مخزن الاحتياطي العالمي من الذهب الأسود يتطلع فجأة إلى اقتراض مليارات الدولارات من المقرضين الأجانب. وقد استجاب الملك «سلمان» لهذه المتغيرات من خلال خطط التقشف وزيادة الضرائب وخفض الدعم على الناس الذين طالما اعتادوا على سخاء الدولة. وتثير هذه الإجراءات شكوكا حول التماسك الداخلي في المملكة وبخاصة بعد أن قررت تحمل عبء الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، وخوض الحرب على جبهتين.

 وفي الوقت نفسه، من خلال إبرام الاتفاق النووي التاريخي، فإن إيران قد صارت في طريقها للخروج من تحت وطأة العقوبات الدولية. تدرك الرياض أن هذا يعني إضافة منتج آخر إلى السوق العالمية أنها تعي أنها لم تعج قادرة على السيطرة عليها.

عدم الاستقرار والبؤس الاقتصادي في الدول الصغيرة المنتجة للنفط مثل نيجيريا وأذربيجان يبدو مرشحا للاستمرار .ولكن هذه ليست سوى أضرارا جانبية. القصة الحقيقية هي كيف تعرض السعوديون للأذى من قبل السلاح الخاص بهم.

 

المصدر | نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

السعودية انخفاض أسعار النفط النفط الصخري التقشف النفط حرب النفط الاقتصاد السعودي الإفلاس

3 أسباب تفسر حرص السعودية على إبقاء أسعار النفط منخفضة

كيف يمكن أن تساعدنا الأرقام على فهم الاستراتيجية النفطية السعودية؟

لماذا تبدو السعودية مجبرة على مواصلة ضخ النفط رغم انخفاض الأسعار؟

المملكة العربية السعودية تكافح في مواجهة أسعار النفط المنخفضة

حرب أسعار النفط: المملكة العربية السعودية تربح .. ولكنها تتألم أيضا

«الجارديان»: وثائق مسربة تظهر توجه الحكومة السعودية نحو تطبيق خطة تقشفية

«التليجراف»: السعودية قد تفلس قبل أن تستطيع لي ذراع صناعة النفط الأمريكية

خبير اقتصادي: توقعات متفائلة بأسعار النفط رفعت معنويات المستثمرين في الخليج

الإنتاج السعودي للنفط مستقر عند 10.22 مليون برميل يوميا

أرامكو: النفط سيرتفع نهاية 2016 وسنواصل الاستثمار في قطاعات المصب

كيف تبدو ملامح خطة الإصلاح الاقتصادي في السعودية؟

لماذا تستثمر السعودية في منصات الحفر رغم انخفاض الأسعار؟