استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

قصة الفساد العالمي… من أين لك هذا؟

الأربعاء 18 مايو 2016 04:05 ص

فجأة استيقظ العالم على إيقاع معزوفة جديدة بعنوان «مكافحة الفساد»، حتى ليبدو ان الظاهرة كانت مجهولة طوال التاريخ البشري الطويل. فما اكثر المحاكمات التي عقدت للاشخاص والشركات تحت هذا العنوان. ومع عدم الثقة بما يطلقه الساسة الأمريكيون، فان ما قاله جون كيلي الاسبوع الماضي يتميز بانه يعكس جانبا من الحقيقة. فقد قال وزير الخارجية الأمريكي في قمة لندن حول هذه القضية ان «الفساد لا يقل خطرا عن الظواهر السلبية الاخرى ومنها الإرهاب».

ولكن إذا كان «العالم الحر» قد عجز بعد ان شن اطول «حرب عالمية» في التاريخ الحديث عن هزيمة تلك الظاهرة (الإرهاب) فما الذي يضمن نجاح الجهود التي اطلقها رئيس الوزراء البريطاني لمكافحتها؟ وثمة تساؤلات عديدة منها: اولا: ما تعريف الفساد الذي قفز بشكل مفاجئ ليتصدر القضايا على الصعيد الدولي؟ ثانيا:ألم تكن الظاهرة منتشرة في العالم قبل ذلك؟ ام ان «اوراق بنما» هي التي خلقت المناخ للتطرق لها؟ ثالثا: هل حقا ان هناك نية او خطة للتصدي لظاهرة الفساد؟

رابعا: هل هناك تشخيص حقيقي لمصادر هذا الفساد؟ خامسا: هل الغرب مستعد للقضاء على هذه الظاهرة بعد ان اصبح اقتصاده معتمدا بشكل كبير عليها؟ واخيرا: هل ستكون قمة لندن حول الفساد الاولى ام الاخيرة في «المشروع الدولي» للتصدي لهذه الظاهرة؟ قد تكون هذه التساؤلات ترفا ذهنيا او اثارات في غير وقتها ومكانها.

لكن أليس الفساد هو الآفة التاريخية لسقوط الأمم والحضارات؟ الامر المؤكد ان هذه الظاهرة تفعل في المجتمع الانساني ما يفعله مرض السرطان في الجسم البشري. 

الواضح ان ما يمكن تسميته «النظام السياسي الدولي» قد فشل حتى الآن في تحقيق مهماته الاساسية على صعدٍ شتى:

اولها احلال الامن والسلام في العالم بعد التجارب المرة مع الحروب خصوصا الحربين العالميتين.

ثانيها: فشل هذا العالم في اقامة منظومة سياسية واقتصادية عادلة خصوصا في العالم الثالث، واستفاد الغرب من الظواهر السلبية المذكورة لتقوية نفسه وتصدير الازمات لذلك العالم.

ثالثها: ان ما يسمى «الحرب على الإرهاب» التي استمرت حتى الآن 15 عاما لم تفشل في القضاء على الظاهرة فحسب، بل ربما ادت إلى تفاقمها وتوسع دائرتها.

رابعها: ان هناك غيابا للقيادة السياسية الدولية القادرة على توجيه الطاقات للتصدي لهذه الظواهر الخطيرة، برغم التقدم التكنولوجي والتجارب المريرة في المجالات الانسانية والعلاقات الدولية.

ما هو الفساد الذي بدأ قادة الغرب يتحدثون عنه فجأة؟

وثائق بنما التي تم تسريبها مؤخرا ازاحت الستار عن عالم سري لا يفقهه الكثيرون. وربما الجانب الاخطر انه عالم يمارس الفساد على اوسع نطاق، ولكن بدون ان يترك لمساته بشكل واضح، اي ان الجريمة ترتكب عمدا مع سبق الاصرار والترصد، ويصاحبها جهد كبير لابقائها في عالم الكتمان، الامر الذي يجعلها أشد فتكا من اية ظاهرة اجتماعية او سياسية اخرى. وثائق بنما كشفت جانبا صغيرا من النظام الفاسد الذي يحكم عالم اليوم، ويوفر لنفسه القدرة على السلب والنهب وانتهاك القوانين وغسل الاموال.

فاذا كان هناك ثمة اعتقاد بان مصطلح «غسل الاموال» قد استحدث بهدف استئصال الفساد ومنع تهريب الاموال غير المشروعة فان تلك الوثائق كشفت سذاجة ذلك الاعتقاد. تلك الوثائق لم تتطرق للاموال التي تكتسب من تجارة المخدرات أو التجار غير المشروعة كتهريب السلاح او المكتسبة من خلال الاحتيال، بل كشفت مستويات اكبر من الفساد، تساهم فيها الدول ويتم التلاعب فيها بنص القانون مع قتل روحه، بالسماح طويلا لشركات الاوفشور المسجلة بدول تتساهل مع الاموال وتغض الطرف عن مصادرها، وتتجاوز النظام الضريبي.

ولطالما تحدث «فقهاء القانون» عن وجود «ثغرات» قانونية او «تفسيرات اخرى» للنص، ولكن عالم اليوم تجاهل البعد الاخلاقي للقانون، وسمح لنفسه بتجاوز روحه. أي ان تقديم المصلحة الشخصية على المصالح العامة يؤدي إلى الغاء اثر القانون لأنه يتحول إلى اداة بايدي ذوي النزعات الشيطانية.

ينطبق ذلك على كافة القوانين، حتى الشرائع السماوية التي يسعى «فقه الحيل الشرعية» لتجاوزها واضعاف عمقها الاخلاقي. وفي ما عدا رئيس وزراء ايسلاندا الذي استقال من منصبه بعد ان كشفت وثائق بنما جانبا من ممارساته التجارية وتهربه من دفع الضرائب، لم تحدث ازمات سياسية او اقتصادية ولم تكن لها تبعات قانونية، ولم يعتقل احد من الذين وردت اسماؤهم في تلك الوثائق، او يوضع اسمه على قوائم الانتربول.

إذا كان الإرهاب يمارس من قبل افراد مغفلين يستدرجون إلى عالم الجريمة تحت غطاء ديني او ايديولوجي، فان الفساد تمارسه الطبقة المتنفذة التي تملك المال والسلطة والإعلام، وبالتالي فهي قادرة على تجميد عمل القوانين من جهة وتجاوز عيون «الساهرين على الامن» من جهة اخرى.

بل يتم تحييد السياسة والقضاء في هذه اللعبة القذرة التي تؤدي إلى تداعي اقتصادات العالم وتوسع الفجوة بين القلة التي تملك كل شيء والكثرة التي لا تملك شيئا. هذه هي القوى التي تصنع الاجهزة الدولية لمطاردة الضعفاء دفاعا عن مصالحهم وفسادهم. فالحدود محمية بقوانين وادوات تستهدف المغفلين الصغار بجرائم تافهة، فتعتقلهم وتنكل بهم، بينما يبقى المجرمون الكبار بمنأى عنها. فالرشوة والاحتيال والتهرب من دفع الضرائب والاستغلال والتحايل وتبييض الاموال، كل ذلك من مصاديق الفساد الذي يئن العالم تحت وطأته.

في الاسبوع الماضي قال صندوق النقد الدولي: إن الفساد بالقطاع العام يكبد الاقتصاد العالمي خسائر 1.5 تريليون إلى تريليوني دولار سنويا في صورة رشى، ويضعف النمو الاقتصادي، ويتسبب في استمرار الفقر. وتقول مديرة الصندوق كريستين لاغارد: «في حين أن التكلفة الاقتصادية المباشرة للفساد معروفة جيدا فإن التكلفة غير المباشرة ربما تكون أكبر وأكثر استنزافا».

وأوضحت: إن الفساد له أيضا تأثير ضار أوسع نطاقا على المجتمع» إذ يقوض الثقة في الحكومة ويضعف المعايير الأخلاقية لدى المواطنين». هذا الاهتمام بملف الفساد الدولي اصبح هما يشغل الرأي العام بعد ان تفاقمت ظاهرة الفقر غير المباشر بمستويات غير مسبوقة.

فحين يعجز المواطن عن اقتناء منزل يؤوي عائلته، بينما ترتفع المباني وناطحات السحاب في عواصم العالم، يبرز التساؤل: من يملك هذه المباني؟ ومن اين له المال؟

فالشركات العملاقة تتحاشى دفع الضرائب بالمستويات المأمولة منها، كما فعلت غوغل في بريطانيا في الشهور الاخيرة، وكما تفعل شركات اخرى مثل امازون وماكدونالدز وشركات الكومبيوتر وسواها. بينما لا يستطيع المواطن العادي ايداع 5000 دولار في حسابه بدون ان يتعرض لتساؤلات تستبطن الشكوك والظنون والاتهام.

ورغم اهتمام المنظمات المهتمة بمكافحة الفساد بتنامي الظاهرة والسعي لكشف المتورطين فيها، إلا ان امكاناتها وخضوعها لقوانين الدول التي تعمل فيها تحول دون القدرة على التصدي الفاعل للمشكلة. فمنظمة «ترانسبيرنسي انترناشيونال، اي الشفافية الدولية» تعمل في مجال مكافحة الفساد والسعي للكشف عن الممارسات التي لا تنسجم مع روح القانون، ولكن تداخل النظام العالمي خصوصا في شبكاته القانونية والفنية يحول دون انهاء الفساد.

في الاسبوع الماضي، اكدت الجمعية العمومية للرابطة الدولية لهيئات مكافحة الفساد، (IAACA) وفي جلستها الختامية التي عقدت بمدينة ‘تيانغين’ الصينية على ضرورة تطبيق الدول لمعاهدة الأمم المتحدة لمحاربة الفساد وتعزيز التعاون لتحقيق هذا الهدف في ظل دعم التعاون المتبادل وتمتين العلاقات الودية والمشاركة مع المنظمات الدولية.

هذه البيانات والتوصيات قلما تحقق اهدافها، لأنها تواجه اخطبوطا عملاقا من الشركات الكبرى والحكومات الفاسدة والمصالح المتبادلة بين الديكتاتوريين في العالم الثالث (وهم المفسدون الكبار) والانتهازيين الغربيين وهم القادرون على تفعيل المواثيق الدولية او تجميدها.

فحين دعا رئيس الوزراء البريطاني لقمة الفساد في لندن الاسبوع الماضي، كان من اسباب ذلك ما يوجه لحكومته من اتهامات بالتقاعس حيال تنامي ظاهرة الفساد التي تشمل التحايل على القانون او الاحتيال لسلب اموال الآخرين، او غسيل الاموال التي تحرك اسواق العقار والاستثمارات الاخرى. وقد بدأ بعض الغربيين يستوعب خطر الفساد على النظام الراسمالي.

وبرر كاميرون مبادرته لمكافحة الفساد بانه «يدمر فرص العمل، ويحصر الفقراء بدائرة الفقر، ويهدد الامن بدفع الشباب نحو مجموعات التطرف». لكن رئيس الوزراء البريطاني لم يكلف نفسه عناء البحث عن مصادر الاموال التي يستثمرها الاجانب في القطاع العقاري واثر ذلك على تراجع امكانات المواطن العادي، واستحالة الحصول على فرصة لشراء منزل للسكن خصوصا في العاصمة، لندن.

وقبل اسبوعين خرجت مجموعة من الناشطين في «رحلة تقصي حقائق» باستئجار باص كبير ليتنقل بهدوء بين العقارات العملاقة في الاحياء الراقية بالعاصمة البريطانية، التي يملكها اجانب. وسيكررون الرحلة هذا الاسبوع ليقدموا نبذة عن كل من هذه العقارات التي اشتريت باموال غير معروفة المصدر في اغلب الاحيان.

الفساد مشكلة خطيرة لا تنحصر بالعراق او نيجيريا او كينيا او افغانستان، بل تتمدد للبلدان الاخرى ايضا. كما ان الدول الصغيرة التي تمنح تسهيلات مالية للاثرياء وتتعهد بسرية اسمائهم وعدم كشفها، مع استثنائهم من دفع الضرائب، ليست هي وحدها مصدر الفساد او المشجع عليه، بل ان النظام السياسي الذي يحكم العالم اليوم، متمثلا في دول الغرب التي يمثل رأس المال عصب اقتصادها، تتحمل العبء الاكبر من الفساد المالي.

ففي الوقت الذي تفرض نظاما صارما على انتقال المال الصغير إلا انها تغض الطرف عن المليارات المنهوبة من الشعوب، لأنها تساهم في تقوية اقتصاداتها، وتمول الفاسدين من سياسييها، وما اكثرهم.

فحين يتم ابعاد الضمير والاخلاق والقيم الروحية والالهية عن الحياة العامة، يتغول الفساد المرتبط بالشيطان، آفة الحياة وعدو الله والانسان.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب بحريني يقيم في لندن.

  كلمات مفتاحية

الفساد العالمي مكافحة الفساد جون كيري التهرب الضريبي الملاذات الآمنة وثائق بنما

«أوراق بنما» وتبييض الأموال

«وثائق بنما» في «تويتر»: كلهم لصوص.. والله يستر فيما هو قادم

«الأوفشور».. حقائق حول المتهم الأول في شبكة التهرب الضريبي بـ«وثائق بنما»

«تسريبات بنما» تفضح الفساد المالي لعائلات «مبارك» و«الأسد» و«القذافي» و«بوتين»

من أين لك هذا؟

في البرازيل.. الفاسدون يطيحون بالنزاهة